عرض مشاركة واحدة

قديم 11-04-09, 09:30 AM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جغرافية الجزيرة رقم (10)

تقع الجزيرة رقم (10) أسفل أحد تعرجات نهر الميسيسبي المتجهة جنوباً وبالقرب من مدينة مدريد الجديدة أعلى منعطفه شمالاً (خريطة رقم 3). وتغمر المياه البر الرئيس لهذه الجزيرة من جهتي الجنوب والشرق، وتكثر به المستنقعات، مما يعرقل حركة الدخول للحصن أو الخروج منه.
ولا يوجد طريق اقتراب بري للاستيلاء على الجزيرة إلاّ عبر النهر عن طريق مدينة مدريد الجديدة أو طريق فردي عند "تبتونفيل". ويتفق عديد من الآراء على أن القاعدة منيعة بكافة المقاييس، إذ يتحصن بها (7000) جندي من المحاربين القدامى مزودين ب (19) قطعة من الأسلحة الثقيلة وتساندهم خمس سرايا مدفعية على ضفة النهر المقابلة لولاية تنيسي.
وعلاوة على هذه الدفاعات البرية توجد أسلحة السفن الحربية في الأسطول البحري الصغير. ولذلك فمن الواضح أن القوات البرية والبحرية الاتحادية كانت تخوض حرباً مزدوجة - وواحدة ضد قوات ضخمة من المتمردين، والثانية ضد العوامل الجغرافية المتمثلة في الأراضي المغمورة بالمياه والتيار الجارف والمرتفعات الرملية عند المنعطفات القريبة من القاعدة.
تولى الجنرال "بوب" قيادة الجيش الاتحادي المؤلف من (000ر20) جندي يسانده أسطول بحري صغير تحت إمرة الأدميرال "فوت" الذي عرك مثل هذا النوع من العمليات، إذ تولى في السابق قيادة الأسطول البحري الذي حقق نصراً مؤزراً ضد تحصينات قاعدتي "هنري" و "دنيلسون" مع الجنرال غرانت في شهري يناير وفبراير عام 1862م. ورغم أن الجيش الاتحادي كان يفوق قوات المتمردين عدداً، إلاّ أن التحصينات المنيعة والعوامل الجغرافية - سرعة تيار نهر المسيسبي ومنعطفاته وكثرة المستنقعات وغزارة المياه - شكلت عوائق طبيعية كبيرة في وجه قادة الجيش الاتحادي. وكان طريق الاقتراب البري الوحيد للقاعدة على الضفة الغربية من نهر الميسيسبي عن طريق مدينة مدريد الجديدة.

ولكي يعبر جيش بوب إلى الضفة المقابلة للوصول إلى القاعدة كان لابد من توافر وسائل نقل وسفن حربية لإسكات بطاريات المدفعية التي تدافع عن الشاطيء، إلاّ أن التحصينات القوية في الجزيرة رقم (10) كانت تحول بين الجيش الاتحادي وهذه السفن الحربية.
معركة الجزيرة رقم (10)

بدأت المعركة بداية حسنة في صالح الجيش الاتحادي، إذ سرعان ما استولى الجنرال بوب على الجزيرة رقم (10) في العاشر من شهر مارس. وقد كان على صواب حينما أراد أن يدفع بجنوده عبر النهر إلى الجنوب من الجزيرة رقم (10) لتطويق حاميتها والاستيلاء عليها تحت غطاء نيران الحماية من الأسطول البحري.
فلو لم يعبر النهر فإن الجزيرة رقم (10) سوف تظل في مأمن رغم استيلائه على مدينة مدريد الجديدة لوجود طريقي إمداد وهروب مفتوحين (هما نهر الميسيسبي وطريق تبتونفيل).

ومن ناحية أخرى فإن الأدميرال "فوت" رأى خطورة دفع سفنه الحربية المدرعة وسفن النقل، ضمن مدى أسلحة المتمردين الثقيلة المنطلقة من القاعدة. إذ إن أسطوله كان قد تعرض إلى ضربة موجعة في قاعدة "دونيلسون" في شهر فبراير من قبل، وأصيب الجنرال نفسه بجراح خطيرة. وربما سيطرت تلك المحنة على تفكيره وأضعفت عزيمته، فلذلك لجأ إلى خطة تقضي بقصف تحصينات الجزيرة رقم (10) من مدى بعيد، ولكن هذا القصف لم يكن فعّالاً لدرجة أن أحد ضباط الجيش الاتحادي وصفه ساخراً بأنه "قصف بعيد المدى لولاية تنيسي".

حاول الجيش الاتحادي شتى السبل للوصول إلى الجزيرة رقم (10)، لكن تلك المحاولات لم تُجْدِ فتيلاً على الموقف التكتيكي. وضاق الجنرال بوب ذرعاً بالقصف العقيم الذي ينفذه الأدميرال فوت، فقرر ابتكار خطة يتجنب بها تلك الجزيرة الحصينة.

وتقوم تلك الخطة على حفر قناة عبر الحقول المغمورة بالمياه شمال منحنى النهر الذي على شكل "s" لتصل المنطقة الواقعة بين الجزتين رقم (8) و (9) بمدينة مدريد الجديدة، وبذلك يتمكن من استخدام جغرافية تعرجات النهر لتجاوز الجزيرة بناقلات الجنود ذات التدريع الخفيف في عبور النهر.

وهكذا تمكن (600) جندي من الانطلاق عبر قناة عرضها (50) قدماً وطولها (8) أميال خلال ثلاثة أسابيع حتى وصلوا أخيراً في يوم (4) أبريل إلى سد الجزيرة رقم (9)، واجتازت ناقلات الجنود مياه فيضانات تيار نهر الميسيسبي الجارف بأمان إلى مدينة مدريد الجديدة، بالتزامن مع هذا التقدم تمكنت سفينتان حربيتان مدرعتان من سفن الجيش الاتحادي من إكمال تقدم ليلي تحت نيران الأسلحة المنطلقة من الجزيرة رقم (10). وبذلك أصبح لدى الجنرال بوب وسائل لنقل جنوده عبر النهر ومدافع السفينتين "كاروندليت" و "بتسبيرغ" لإسكات نيران المدفعية المنطلقة من الشاطيء وتوافر نيران الحماية أثناء العبور. وازدادت وتيرة العمل لاحتلال الجزيرة رقم (10) من المؤخرة،
ففي يوم 6 أبريل سحقت السفينتان الحربيتان المدرعتان بطاريات مدفعية المتمردين المتمركزة مقابل "بوينت بلنرانت"، وشنتا هجوماً على الإنزال الذي كان ينفذه "واتسون" في صبيحة يوم (7) أبريل، ومن ثم قامتا بتوفير الحماية لعبور جيش الجنرال بوب على الضفة الشرقية من النهر. وسرعان ما أحكمت قوات الجنرال بوب إغلاق منافذ الهروب باحتلال طريق "تبيبتونفيل"، والبرزخ الذي بين نهر الميسيسبي وبحيرة "ريلفوت".

وعند الظهر كانت الجزيرة رقم (10) قد عزلت تماماً، واستسلم عديد من جنودها قبل سعت (2100). وعندما أطل صباح يوم (8) أبريل استسلم آخر مقاتلي المتمردين لجنود الجنرال بوب، بينما كان جيش الجنرال غرانت يستجمع أنفاسه بعد معركة "شيلو". وهكذا حقق الجيش الاتحادي نصراً مؤزراً بحسن استخدامه لجغرافية المنطقة حتى أجبر المتمردين على الاستسلام.

ووقع بين أيدي الجيش الاتحادي أكثر من (500) أسير من بينهم ثلاثة جنرالات، وسحقت سفن المتمردين في الجناح الغربي عن بكرة أبيها مقابل خسارة حفنة من جنود وبحارة الجيش الاتحادي.
خاتمة
لاشك أن للعوامل الجغرافية تأثير على معركة الجزيرة رقم (10). فقد كانت الأرض المغمورة بالمياه وتعرجات نهر الميسيسبي بمثابة موقع حصين للمتمردين ضد الهجوم البري، فضلاً عن أن مجرى النهر عند ذلك الموقع عريض وترتفع مياهه إلى أعلى مستوياتها في ذلك الفصل من العام - ويستلزم الأمر استخدام ناقلات جنود لنقل مشاة جيش الجنرال بوب عبر نهر الميسيسبي، ولكن تلك الناقلات كانت على الجانب الآخر من منحنى النهر. وقد انطوت خطة الجيش الاتحادي على خدعة ماكرة باستخدام ذلك المنحنى للاستيلاء على القاعدة.

إذ ظلت الآليات ذات التدريع الخفيف شمال الجزيرة منفصلة عن مدينة مدريد الجديدة التي لا تبعد سوى (6) أميال مستقيمة والتي يوجد بها الجنود الذين يُراد نقلهم. ونظراً لأن المستنقعات في الأراضي المنخفضة ومجرى النهر كانت تسد الطريق، فلم يتمكن قادة قوات المشاة في الجيش الاتحادي من التقدم، وإنما كانوا فقط يقضمون بعض المواقع في محيط القاعدة الحصينة.

وكان هناك طريق اقتراب وحيد هو طريق "تبتونفيل"، وكان ذلك الطريق هو مربط الفرس، إذ ما إن تمكن جنود الجنرال بوب من اتخاذ موطيء قدم على ضفتي نهر ميسوري حتى انقلبت هذه الخاصية الجغرافية في صالح الجيش الاتحادي، وأصبح طريق الاقتراب الوحيد بمثابة مصيدة للمتمردين.

ولاشك أن نهر ميسوري كان هو أهم العوامل الجغرافية تأثيراً على مجريات المعركة، إذ وقف الجيش الاتحادي في حيرة تكتيكية أمام منحنى النهر، كما شكل موقع القاعدة أسفل ذلك المنعطف مشكلة أخرى لأن تيار النهر الرئيس سوف يجرف سفن الجنرال فوت الثقيلة تحت نيران البطاريات المتمركزة على ذلك النهر مباشرة - وتزداد هذه المشكلة تعقيداً بفيضان النهر بأعلى معدلاته خلال السنوات القليلة الماضية، فيضطر ذلك التيار الجارف الناجم عن غزارة المياه سفن الجيش الاتحادي إلى الرسو على الشاطيء لأن محركاتها ليست بالقوة التي تمكنها من المحافظة على مواقعها في النهر.

وكانت المشكلة العويصة التي تواجه الجنرال "فوت" هي اتجاه تدفق المياه، حيث كان يواجه تياراً جارفاً يتدفق نحو الجنوب الأمر الذي يجرف سفنه التي تتعطل نحو الجنوب لتقع في قبضة المتمردين فساهم ذلك - أكثر من أي عامل آخر - إلى اعتماده على القصف بعيد المدى على علاته.

وساهمت مياه الفيضانات والمستنقعات على ضفتي النهر في حماية قوات المتمردين بشكل رئيس. فكان شن هجوم بري من جانب النهر المواجه لولاية تنيسي أمراً مستبعداً لتعذر تجاوز المستنقعات، ومما زاد الطين بلة أن بحيرة "رييلفوت" التي تصب في نهر الميسيسبي لا تبعد سوى (14) ميلاً جنوباً، ولم تتمكن القوات من تجاوزها بسهولة نظراً لوجود السدود الكثيفة من الأعشاب وأشجار الصنوبر. كما ذهبت مساعي الجنرال بوب لاحتلال منحنى النهر المقابل للجزيرة رقم (10) أدراج الرياح بسبب الأرض المغمورة بمياه الفيضان. بيد أن تلك الحماية التي وفرتها الأرض المغمورة بالمياه بجانب النهر وطريق الاقتراب الوحيد سرعان ما انقلبت وبالاً على المتمردين. فبعد الاستيلاء على مدينة مدريد الجديدة في يوم (14) مارس تمركزت مدفعية الجنرال بوب على نقطة "رديلز" وعلى امتداد السد الطبيعي.

وقد اكتسب ذلك أهمية لسببين: أولهما أن بطاريات مدفعية الجيش الاتحادي التي على تلك النقطة سيطرت على النهر أسفل الجزيرة رقم (10) مما قطع خطوط إمداد المتمردين عن طريق النهر وأجبرهم على سحب أسطولهم الصغير المؤلف من سفن حربية من منحنى النهر. وثانيهما: أن تلك البطاريات سيطرت على الأرض المؤدية إلى طريق تبتونفيل جنوباً.

ونظراً لوجود الفيضانات على الأرض الواقعة جنوب طريق "تبتونفيل" فإن طريق الحركة الوحيد هو الطريق المرتفع أو على امتداد السد الطبيعي وكلاهما يقع ضمن مدى مدفعية الجيش الاتحادي.

لقد كانت معركة الجزيرة (10) بمثابة نصر مؤزر للجيش الاتحادي، وفتحت نهر الميسيسبي للملاحة حتى مدينة ممفيس في ولاية تنيسي، وأحبطت خطط المتمردين الرامية إلى الدفاع على امتداد ذلك النهر. وتعد تلك المعركة خير مثال لتأثير الأوضاع العسكرية على العمليات.

كما تبين براعة القادة في استخدام التضاريس لتحقيق نصر بعيد المنال، حيث تمكنت قوات الجيش الاتحادي من التغلب على قاعدة حصينة تطوقها أرض مرتفعة وأخرى مغمورة بمياه الفيضانات وتتمركز على امتداد نهر عريض جداً ويجرى بتيار جارف. وقد أسفر هذا النجاح الباهر عن أسر كافة جنود المتمردين وعدد كبير من الضباط وجمع كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والذخائر مقابل خسارة حفنة من جنود الجيش الاتحادي. كما شهدت المعركة براعة في تشييد قناة لتجاوز نيران أسلحة المتمردين الثقيلة المنطلقة نحو الجزيرة رقم (10). ومن سخرية الأقدار أن هذه المعركة المهمة قد ظلت طياً منسياً لايعلم بها سوى القليل من الناس.

وربما يكون القتال الدموي في "شيلو" قد ألقى بظلاله على تلك المعركة، حيث أثار ذلك القتال جدلاً واسعاً في صحافة أمريكا الشمالية وحظى بنصيب الأسد في عناوينها الرئيسة.
ورغم الغموض الذي اكتنف معركة الجزيرة رقم (10) فإنها سوف تظل هي الاشتباك الرئيس الأول على نهر الميسيسبي ونموذجاً لعدد من المعارك في المستقبل. وبالفعل نفضت قوات الجيش الاتحادي الغبار عن تلك المعركة المنسية عندما واجهت موقفاً مماثلاً عند منحنى نهر الميسيسبي المقابل لمدينة "فكسبيرغ" وحاولت نقل بطارياتها النهرية بالطريقة نفسها التي استخدمتها قبل عام

 

 


   

رد مع اقتباس