الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:36 PM

  رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

جبل عامل في عهد الإمارتين المعنية والشهابية (1516 - 1842)

بقلم العقيد الدكتور ياسين سويد - بيروت 1979

عندما طلب إليّ المجلس الثقافي للبنان الجنوبي أن أتحدث عن "جبل عامل في عهد الإمارتين المعنية والشهابية" ضمن سلسلة من المحاضرات بعنوان "صفحات من تاريخ جبل عامل" كان عليّ أن أواجه أحد خيارين:
الأول: أن أعتمد المنهج التقليدي في كتابة التاريخ وهو القائم على الاهتمام بتدوين الوقائع والأحداث بعد التحري عنها وتحقيقها، دون الاهتمام بفلسفة هذه الأحداث أو تقييمها سياسياً أو عقيدياً، أو حتى اجتماعياً.
الثاني: ان أعتمد المنهج الحديث الذي يتبعه الكثير من المؤرخين المعاصرين وهو القائم على إبراز الأحداث الهامة المؤثرة في المسار التاريخي العام، مع الأخذ بالمسببات والنتائج، وذلك في سياق تحليل أو تقييم أو تسييس أو فلسفة هذه الأحداث، وهذا المنهج هو في نظري منهج التاريخ الهادف.
وبالإضافة الى أن الفترة التي طلب إليّ التحدث عنها هي من السعة بحيث تمتد الى نحو ثلاثة قرون ونصف القرن من الزمن (1516 - 1842) فلا يتسع الوقت القصير نسبياً لمحاضرة ما، الى الإلمام بأحداثها البارزة، مع تحليل أو تقييم أو فلسفة هذه الأحداث، وبما أنني، أساساً، من أنصار المنهج التقليدي للتاريخ باعتبار أن المنهج الحديث، في نظري، هو أقرب الى فلسفة التاريخ منه الى التاريخ بمعناه الصحيح، بل ربما مال عن التاريخ الصحيح الى تاريخ تحدد أهداف كتابته سلفاً، فتفسد موضوعيته، وبما أن الانضباط المهني غالباً ما يورث "الانضباط الفكري"، فقد عقدت العزم على أن أتبع في محاضرتي هذا المنهج التقليدي، فأتحدث عن صفحات من تاريخ "جبل عامل في عهد الإمارتين" تاركاً لغيري تحليل الأحداث وتسييسها وتقييمها وفلسفتها، ولعل في نية المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، الذي كانت له المبادرة الكريمة في وضع سلسلة المحاضرات هذه، أن يتبعها بسلسلة أخرى تلبي مطامح الراغبين في بحث التاريخ حسب المنهج الحديث.

مقدمة
عندما نتحدث عن جبل عامل، إنما نعني، من الناحية الجغرافية، تلك البقعة من بلاد الشام التي راوحت حدودها التاريخية ما بين نهر الأولي وجزين ومشغرة شمالاً، ومرجعيون وبانياس والحولة شرقاً، والزيب ووادي القرن وسعسع (الفلسطينية) ووادي فاره جنوباً، والتي تشكل، حالياً، محافظة لبنان الجنوبي، بعد أن اقتطع الانتدابان الفرنسي والإنكليزي منها، بموجب معاهدة سايكس بيكو عام ،1916 عدداً من القرى نذكر منها، على سبيل المثال، لا الحصر، قرى الخالصة وهونين وقدس والنبي يوشع والمالكية وصلحة وتربيخا والمنارة والمطلة وغيرها. وأما من الناحيتين التاريخية والبشرية، فهو ما سيكون موضوع حديثنا الذي ينحصر في حقبة معيّنة من الزمن تمتد من أول الفتح العثماني، وهو، في نظري، التاريخ الحقيقي لقيام الإمارة المعنية في الشوف، الى نهاية الإمارة الشهابية، خليفة الإمارة المعنية ووريثتها.
وسوف نقسم بحثنا هذا الى موضوعين رئيسين هما:
أولاً - نظرة في تاريخ جبل عامل في عهد الإمارتين المعنية والشهابية (1516 - 1842).
ثانياً - الوجه العسكري للشخصية العاملية في العهدين المعني والشهابي.

أولاً - نظرة في تاريخ جبل عامل في عهد الإمارتين المعنية والشهابية
1 - في العهد المعني:
ورث العثمانيون، بعد فتحهم لبلاد الشام، عام 1516 تنظيمات إدارية وإقطاعية واضحة الصورة والمعالم، بل شبيهة بتلك التي كانوا يعتمدونها في معظم البلدان المحتلة والتابعة لامبراطوريتهم. لذا، لم يجد الفاتحون الجدد كبير عناء في فهم هذه الأنظمة وتبنّيها مع ادخال تعديلات طفيفة عليها تتناسب مع الأنظمة السائدة في الامبراطورية.
ولما كانت الامبراطورية العثمانية، في ذلك الحين، في أوجّ طموحها التوسعي، فقد كانت تكتفي من الأقطار التي تفتحها بالضرائب والجند، تاركة أمر الحكم فيها لولاة يتدبرون أمورهم بواسطة إقطاعيين غالباً ما يكونون من أهل تلك البلاد، كما حدث في بلاد الشام، وفي جبل عامل بالذات، إذ كانت تحكم هذا الجبل، في العهد المملوكي، أسر إقطاعية من الجبل نفسه، استمرت تحكمه في العهد العثماني على أن تدفع ما يترتب عليها من ضرائب، وأن تسوق الى الحرب ما يترتب عليها من جند.
ولكن الصراع الدائر بين هذه الأسر الإقطاعية كثيراً ما كان يبدل الوجوه الحاكمة، فنرى أن الأسر التي حكمت جبل عامل في العهد المملوكي ومنذ القرن الثالث عشر ميلادي حتى القرن السادس عشر، مطلع العهد العثماني، هي أربع: الأسرة البشارية، نسبة الى الأمير حسام الدين بشارة بن أسد العاملي، والأسرة السودونية، نسبة الى آل سودون، وهي، على الأرجح، من المماليك المصريين، والأسرة الشكرية، نسبة الى آل شكر، والأسرة الصغيرية، نسبة الى علي الصغير حفيد الأمير محمد بن هزاع الوائلي، ونرى أن هذه الأسر تتصارع فيما بينها لتحل الواحدة منها محل الأخرى في حكم البلاد، أو تقتسم الحكم فيما بينها، وهكذا نرى الحكم الإقطاعي يبرز بروزاً جلياً في جبل عامل، في القرن الثالث عشر ميلادي، على يد حكام من آل وائل ورثوا الحكم عن الأمير حسام الدين بن بشارة العاملي، الذي كان له الفضل في جمع أجزاء هذه البلاد وتوحيدها حتى عرفت فيما بعد باسمه (بلاد بشارة)، ثم ينتقل، في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، الى أسرة آل سودون التي استمرت في الحكم نحو مئة وستين عاماً، من عام 1478 الى أن انقرضت تماماً بعد معركة جرت بينها وبين آل الصغير عام 1639.
وقد شارك في هذه المرحلة من حكم جبل عامل أسرة أخرى، أصلها من قرية "عيناتا"، هي أسرة "آل شكر" التي ظلت تنافس "آل الصغير" على الحكم ردحاً من الزمن، وكانت قواعد حكم هذه الأسرة في قرى عيناتا وقانا وتبنين، ولكنها انقرضت، هي الأخرى، بعد معارك جرت بينها وبين آل الصغير في كل من عيناتا وقانا وتبنين، عام ،1649 حيث قتل معظم رجال آل شكر وفر الباقون، وتسلّم آل علي الصغير حكم البلاد بعدئذ، وتفردوا به، فحكموا بلاد بشارة الجنوبية (تبين وهونين وقانا ومعركة)، وجعلوا تبنين قاعدة لهم، وقد استمرت هذه الأسرة في حكم جبل عامل طويلاً، ولعبت دوراً حاسماً وهاماً في سياسة جبل عامل وتاريخه ومصيره.

 

 


   

رد مع اقتباس