عرض مشاركة واحدة

قديم 31-08-10, 10:05 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
جمال عبدالناصر
مشرف قسم الإتفاقيات العسكرية

الصورة الرمزية جمال عبدالناصر

إحصائية العضو





جمال عبدالناصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

أزمة إسراف
نمط الحياة الأمريكية، الذي جاء في ثلاثية توماس جيفرسون في وثيقة إعلان الاستقلال عام 1776، بعناصره: الولَع بالحياة، والحرية الفردية، والسعي الدائم للسعادة. وقد ترجم الأمريكيون هذه العناصر إلي ممارسات وأخلاق قائمة على إمتاع الذات، وهي التي قادت -كما يرى باسيفتش- إلى الثغرة الحادثة اليوم بين احتياجات الإمتاع الذاتي للشعب الأمريكي وبين قيود الموارد المتاحة لتأمينها. وهو ما يمكن أن يوصف بدقة بأزمة الإسراف الأمريكية التي تدفع الولايات المتحدة دوما إلي التطلع خارج حدودها.

التاريخ الأمريكي إذن، كما وصفه الرئيس تيودور روزفلت عام 1899، "كان تاريخاً للتوسع" سعياً وراء سد تلك الثغرة، وقد بدأ ذلك التوسع بالفعل مع حيازة الرئيس جيفرسون لأراضي لويزيانا عام 1803. وطوال ذلك المسعى فإن الولايات المتحدة لم تبذل ولم تجهد نفسها في تحرير الآخرين كما يحلو لبعض الأمريكيين أن يسرد تاريخهم على أنه قصة أخلاقية. تلك القصة التي يعبر عنها ساساتهم في محاولة لتطهير الماضي وإضفاء "تقليد تحرري عظيم" على هذا البلد. فالتوسع الأمريكي تم بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة في غالبه إدراكا من زعمائهم بأن التوسع يأتي بالوفرة في المواد، والوفرة بالتالي ستوفر ممارسة الشعب لحريته.

ويذكر باسيفتش أن ذروة العلاقة التبادلية بين التوسع وبين الوفرة والحرية جاءت في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما بزغت الولايات المتحدة الدولة الأقوى والأغنى والأكثر حرية -في نظر غالبيتها البيضاء- على الأقل. ثم إن العقدين التاليين لتك الحرب شهدا ترسيخاً لهذه الذروة فيما سمي آنذاك بـ"إمبراطورية الإنتاج" التي منحت الولايات المتحدة مستوى عاليا من الاكتفاء الاستراتيجي. غير أن نهم الأمريكيين في إمتاع الذات واندفاع الرئيس ليندون جونسون نحو التورط في فيتنام بإرسال قوات قتالية هناك سنة 1965 امتد نشرها هناك إلى العام 1973، رغم نهي سلفه الرئيس نيكسون عن ذلك، مثل، وخصوصا في هذه الفترة الزمنية نقطة الانقلاب نحو ما سمي بـ"إمبراطورية الاستهلاك". وفي هذه الفترة برزت مؤشرات التردي كصدمة النفط الأولى التي فقدت معها الشركات الأمريكية سطوتها على سوق النفط لصالح كارتل (الأوبك)، كما اتضح للعيان انكشافية الاقتصاد الأمريكي حين شكلت سنة 1975 آخر سنوات تفوق صادراته على مجمل وارداته.

يشدد باسيفتش على أنه بحلول أواخر عقد السبعينات كان الأمريكيون في مواجهة أزمة اقتصادية طاحنة، جاءت تعبيراً عن ثغرة مقيتة بين احتياجات مجتمع الإسراف الاستهلاكي وموارده المحدودة. وهذا الأمر طرح أمام الأمريكيين خيارين لا ثالث لهما، الأول: كبح جماح الشهوة الاستهلاكية والعيش في حدود الموارد، والثاني توظيف القوة الأمريكية المتضائلة آنذاك بفعل آثار الحرب في فيتنام والأزمة الاقتصادية لإجبار باقي العالم على التكيف مع نمط الحياة الأمريكية بتعويض النقص القائم في موارده.

يشير باسيفتش إلى خطابين رئاسيين إبان تلك الفترة روّج كل منهما لأحد الخيارين السالفين: دعا الرئيس جيمي كارتر في خطابه إلى الأمة في 15 يوليو/ تموز 1979، ووسط أزمة اقتصادية شملت معظم فترة رئاسته وزاد منها وقوع الثورة لإسلامية في إيران في يناير/ كانون الثاني مطلع ذلك العام وما نجم عنها من "صدمة نفط ثانية"، دعا إلى الخيار الأول مذكراً بأن الأمة الأمريكية انحرفت عن الطريق القويم حيث "عديدون منا يميلون الآن إلى تقديس لاستهلاك والإشباع الذاتي"، وحيث "تقع الفكرة الخاطئة عن الحرية: حق جلب بعض المزايا لأنفسنا على حساب الآخرين". إن على الأمة –حسب كارتر- الشروع في مسار "الهدف المشترك لاستعادة القيم الأمريكية"، حيث الفكرة الصحيحة للحرية هي: "الحياة وفقاً لقيم دائمة، وتوطيد العزم في العيش على المتاح من الموارد". وطرح الرئيس في خطابه برنامجاً من ست نقاط لإنهاء الاعتماد المفرط على النفط الخارجي باعتبار أن "الطاقة ستكون الاختبار الفوري لقدرتنا على توحيد هذه الأمة". كان كارتر من وجهة نظر باسيفتش في هذا الخطاب رجل دولة ذا رؤية بعيدة، رغم أن كثيراً من الأمريكيين يرونه رئيساً غير كفؤ وسيئ الحظ.

 

 


جمال عبدالناصر

ليس القوي من يكسب الحرب دائما
وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما



   

رد مع اقتباس