عرض مشاركة واحدة

قديم 09-01-19, 11:19 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي كيف رأى الأمير أسامة بن منقذ الصليبيين



 

أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشَّيزري، الأمير الفارس، والأديب البارع، وأحد أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر بقرب حماة، التي كان يسميها الصليبيون (Sizarar)، ولد بشيزر سنة 488هـ/1095م مع بدء الدعاية الصليبية للبابا أوربان الثاني على المشرق الإسلامي، وتوفي بعد عمر مديد وهو في سن الخامسة أو السادسة والتسعين من عمره عقب استرداد بيت المقدس بعام سنة 584هـ/1188م.

فأثرى بعمره المديد عصره، ذلك أنه سكن دمشق، وانتقل إلى مصر سنة 540هـ/1146م، وقاد عدة حملات على الصليبيين في فلسطين، وعاد إلى دمشق. ثم برحها إلى حصن كيفا فأقام إلى أن ملك السلطان صلاح الدين الأيوبي دمشق، فدعاه السلطان إليه، فأجابه وقد تجاوز الثمانين، فمات في دمشق. وكان مقربًا من الملوك والسلاطين[1].

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
قلعة شيزر بحمص (مواقع التواصل الإجتماعي)


لقد كان من حسن حظِّ التاريخ والتراث العربي والإسلامي أثناء المواجهة الصليبية في القرنين الخامس والسادس الهجريين معاصرة ابن منقذ لها، ويبدو كتابه "الاعتبار" كأول مذكرات شخصية في تاريخ التراث العربي، وكأحد المصادر المهمة في التأريخ لتلك الحقبة المهمة.


ولقد ترك ابن منقذ تصانيف في الأدب والتاريخ، منها (لباب الآداب) و (البديع في نقد الشعر) و (المنازل والديار) و (النوم والأحلام) و (القلاع والحصون) و (أخبار النساء) و (العصا). وفي كتابه الاعتبار لن نقف عند التأريخ لهذا العصر بقدر ما سنقف مع آرائه الناقدة والنافذة للشخصية الصليبية كما رآها.

في مواجهة الإفرنج
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

كان أول قتال ومواجهة بين أسامة والصليبيين قرب منطقة أفامية في الشام سنة 513هـ/1119م، وهو في الخامسة والعشرين من عمره




وقد صوّر لنا مشاهد ذلك اللقاء المرعب الذي قُتل فيه كثير من الناس قائلًا: "هان عليَّ الموت لهلاك ذلك العالم معي، فرجعتُ على فارس في أوّلهم قد ألقى عنه درعه، وتخفّف ليحوزنا من بين أيدينا، فطعنته في صدره فطار عن سرجه ميّتًا، ثم استقبلتُ حيلهم المتتابعة فولّوا وأنا غرٌّ من القتال ما حضرتُ قتالًا قبل ذلك اليوم". هذه الشجاعة التي تمكن من خلالها أسامة من طعن أحد كبار الفرسان الصليبيين والذي لحسن حظه لم يُقتل جعلت والده الأمير منقذ بن مرشد يمتثل بقول الشاعر[2]:



يفرُّ جبانُ القومِ عن أمِّ رأسه ** ويحمي شجاع القوم من لا يلازمُه

لا يقف أسامة في كتابه "الاعتبار" عند نفسه، وإن كان الكتاب أول سيرة عربية ذاتية كتبت منذ تسعة قرون خلت، فبين جنبات الكتاب يقف أسامة مع مواقف بطولية لآخرين، فأحيانًا يفتح الباب واسعًا أمام البطولات الجماعية، والخبرات القتالية، وتعقيدات الموقف بين المسلمين والصليبيين في خضم المواجهات بين الطرفين في الشام، وأحيانًا أخرى تُعرّج السيرة إلى الحديث عن عالم الأفراد بين الفريقين، عن فارس صليبي اشتُهر بالبطولة والقتال، أو حتى عن خادم مسلم لأبيه أظهر بطولة لافتة في إحدى المواجهات أمام الفرنج وهو الشيخ الكردي حمَدَات.

ذلك الرجل الذي أبى نصيحة الأمير عز الدين عم أسامة بلزوم المسجد للعبادة في آخر أيامه مع وعده براتب تقاعدي جيد، لكن حمدات لم يرضَ بهذا الأمر، وقد تصادف رجوعه إلى القتال مع هجوم صليبي مباغت على منطقة شيزر سكنى عائلة أسامة وأهله، بقيادة الأمير وليام جوردان أحد فرسان طرابلس التي كانت تحت نفوذ الصليبيين آنذاك، وقد أبدى حمدات بطولة لافتة، وشجاعة نادرة تمكن خلالها من تسديد رمحه "إلى صدر الإفرنجي، فطعنه نفذ الرمح منه... فلما انقضى القتال قال حمَدات لعمي: يا أمير، لو أن حمَدات في المسجد من كان طعنَ هذه الطعنة؟!"
[3] وهي رواية تكشف ما كان من بطولات الناس في ذلك الزمان.


بل لقد شاركت النساء المسلمات في تلك المواجهة، مثل المرأة ندى الشيزرية التي تمكنت من إدخال ثلاثة من الإفرنج أثناء قتال في المدينة إلى دارها "فأخذت ما كان معهم وما صلح لها من سلبهم وخرجت، دعت قومًا من جيرانها قتلوهم"[4]


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
كتاب الاعتبار لــ "أسامة بن منقذ" (مواقع التواصل الإجتماعي)



شجاعة الصليبيين
لقد اعترف أسامة بن منقذ بمكانة الفارس الصليبية، وجعله في رأس المكانة العسكرية والاجتماعية لدى الصليبين، وأن للفرسان -ذوي الشأن والمكانة منهم- الحق في إبرام الأحكام، وإنزال العقوبات، يقول: "والإفرنج خذلهم الله ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة ولا عندهم تقدمة ولا منزلة عالية إلا للفرسان، ولا عندهم ناس إلا للفرسان، فهم أصحاب الرأي وهم أصحاب القضاء والحكمة"[5].



تلك الحقيقة التي تجلت في بدايات الحروب الصليبية، وشاهدها أسامة نفسه حين شاهد فارسًا صليبيًّا يهزم أربعة من المسلمين؛ إذ "ركب فارس من الخيام وسار حتى وقف تحت موكبنا والماء بينه وبينهم، وصاح بهم فيكم جمعة (الفارس المسلم المشهور وقتها)؟ قالوا: لا. والله ما كان حاضر فيهم. وكان ذلك الفارس بدرهوا فالتفت فرأى أربعة فوارس منا من ناحيته يحيى بن صافي وسهل بن أبي غانم الكردي وحارثة النميري وفارس آخر فحمل عليهم فهزمهم ولحق واحد منهم طعنه طعنة فشلة ما ألحقه حصانه ليمكن الطعن وعاد إلى الخيام" كانت هذه الهزيمة سببًا في توبيخ الناس لهم، والتنقيص من شأنهم، بيد أنها كانت حافزًا لهم على بذل مزيد من الجهد في ميدان القتال، فسرعان "منحتهم قلوبًا غير قلوبهم وشجاعة ما كانوا يطمعون فيها فأنتخوا وقاتلوا اشتهروا في الحرب وصاروا من الفرسان المعدودين بعد تلك الهزيمة"[6].

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

يبدو أن الأمير منقذ والد الأمير أسامة كان على علاقة جيدة بالملك بلدوين ملك بيت المقدس، الأمر الذي جعل آل بوري ملوك دمشق يختارون أسامة ليكون سفيرًا بينهم وبين الصليبيين

لم يكن الصليبيون بالفريق الضعيف سهل المنال، فقد وصل أسامة بن منقذ مع نفر من القوات إلى قرب عسقلان وكان الصليبيون على مقربة منهم طوال رحلتهم، بيد أنهم لم يتقاتلوا معهم، فلما وصلت أسامة وجمعه إلى عسقلان، اقترب الصليبيون "الفرنج" هذه المرة لمقاتلة المسلمين، يقول أسامة "درتُ على سرب الرجالة وقلت يا صاحبنا ارجعوا إلى سُوركم ودعونا وإياهم، فإن نُصرنا عليهم فأنتم تلحقونا، وإن نصروا علينا كنتم أنتم سالمين عند سوركم".



لكن حامية عسقلان كانت مفتقرة إلى الخبرة القتالية والعسكرية اللازمة، ولم يسمعوا لأسامة الذي تمكن من إنزال الهزيمة بالفرنج الذين ولوا مدبرين "فلما انفسحوا عن البلد تبعهم من الطفوليين أقوام ما عندهم منعة ولا غناء. فرجع الإفرنج حملوا على أولئك فقتلوا منهم نفرًا فانهزمت الرجالة الذين رددتهم فما رجعوا ورموا تراسهم. ولقينا الإفرنج فرددناهم ومضوا عائدين إلى بلادهم وهي قريبه من عسقلان. وعاد الذين انهزموا من الرجالة يتلاومون، وقالوا كان ابن منقذ أخبر منا"[7].


تلك الشجاعة لا يفتأ أسامة يعترف بها في مواضع أخرى من "الاعتبار"، مثل ذلك الفارس الصليبي الذي تمكن من قتال فريق كامل من المسلمين قتلوا فرسه، وظل يقاتلهم راجلًا حتى جاءه مدد صليبي تمكن من افتكاكه من وسط المعمعة، وفيه يتعجب أسامة قائلًا: "فتعالى الله القادر على ما يشاء، كيف شاء، لا يؤخّر الأجل الإحجام، ولا يقدّمه الإقدام"[8]!

صداقة الإفرنج!

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

لم يكن العداء هو السبيل الأوحد مع الصليبيين؛ فقد كانت العلاقة أعقد من ذلك بحكم ترسخ الوجود، وسياسة الأمر الواقع



لم يكن العداء هو السبيل الأوحد مع الصليبيين؛ فقد كانت العلاقة أعقد من ذلك بحكم ترسخ الوجود، وسياسة الأمر الواقع التي فرضت نوعًا من التعاون في بعض الأمور، خاصة ملف الأسرى. لقد كانت إمارة شيزر قريبة جغرافيًّا من الوجود الصليبي في الساحل الشامي، كل ذلك اضطرّ آل منقذ أمراء شيزر للالتقاء مع الجانب الصليبي لحل بعض المشكلات التي كانت تطرأ من حين لآخر.

ويبدو أن الأمير منقذ والد الأمير أسامة كان على علاقة جيدة بالملك بلدوين ملك بيت المقدس، الأمر الذي جعل آل بوري ملوك دمشق آنذاك يختارون أسامة في بداية القرن السادس الهجري ليكون سفيرًا بينهم وبين الصليبيين، يقول ابن منقذ: " كنت أتردد إلى ملك الإفرنج في الصلح بينه وبين جمال الدين محمد بن تاج الملوك رحمه الله ليدٍ كانت للوالد رحمه الله على بغدوين الملك والد الملكة، فكان الإفرنج يسوقون أسراهم إليَّ لأشتريهم، فكنتُ أشتري منهم من سهّل الله تعالى خلاصه"[9].


في مقال قادم سنقف مع ابن منقذ حين يصطدم عن قرب مع الصليبيين، حين يتحاور معهم فيكتشف أخلاقهم وطباعهم، حين يفرق بين الصليبي "الجلف" القادم حديثًا من أوروبا، وبين الصليبي "المتمدن" الذي حسنت طباعه بسكناه واختلاطه بالمسلمين في المشرق!




 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس