عرض مشاركة واحدة

قديم 10-06-09, 09:00 PM

  رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

مختارات من وثائق المخابرات المركزية الأمريكية (2)



مختارات من وثائق المخابرات المركزية الأمريكية
ما بين (1950 - 1970) (2)

1. المواقف تتصلب :
في الأيام الأخيرة من شهر مايو/أيار بدأ عبد الناصر تسوية خلافاته مع الدول العربية الأكثر محافظة ، وهو الوضع الذي تخشاه "إسرائيل " أكثر من سواه ، ومع بداية شهر يونيو/حزيران كان موقفا كل من مصر و"إسرائيل " متصلبين تماماً ، وفي 1 يونيو/حزيران أصر وزير العمل "الإسرائيلي" ييجآل ألون على أن بعض الحماية لحدود "إسرائيل " من الهجمات الإرهابية، وسحب حشود القوات المصرية على طول الحدود، ورفع الحصار، هي شروط ضرورية لتجنب وقوع صدام عسكري "حتمي" ...

وفي 2 يونيو/حزيران أعلن وزير خارجية الجمهورية العربية المتحدة محمود رياض أن قناة السويس ستكون مغلقة في وجه كل من يحاول خرق الحصار.

وتشير معظم المعلومات المتوافرة إلى أن الهجوم "الإسرائيلي" في فجر 5 يونيو/حزيران جاء مفاجأة تامة للسوفييت. (يوحد حذف هنا). وقد باغت توقيت الهجوم العرب بالتأكيد ، وقد ألقى عبد الناصر بعد الحرب بمسؤولية عدم استعداده على كون الولايات المتحدة قد أشارت إلى أنها ستحاول كبح "إسرائيل "، ويبدو أن عبد الناصر شأنه شأن السوفييت كان مقتنعاً بأن "إسرائيل " لن تهاجم من دون موافقة الولايات المتحدة.

2. اندلاع الحرب.. "إسرائيل " تهاجم والاتحاد السوفييتي يتفاعل :
بدأ الهجوم "الإسرائيلي" على الجمهورية العربية المتحدة في صباح 5 يونيو/ حزيران 1967، وبفضل عنصر المفاجأة تمكنت القوات الجوية "الإسرائيلية" من تدمير القوات الجوية المصرية في مراكزها الأرضية، وتقدمت القوات "الإسرائيلية" باتجاه سيناء وقطاع غزة من دون مشاكل تذكر، وفي 7 يونيو سيطرت على شرم الشيخ، وفي 8 يونيو أعلنت سيطرتها الكاملة على سيناء.
بدأت الحرب مع الأردن في وقت لاحق من يوم 5 يونيو/ حزيران ، وبعد أن حاصرت القوات الأردنية مقر الأمم المتحدة في القدس، شنت "إسرائيل " هجمات جوية وبرية على طول خط الهدنة، واندفعت القوات "الإسرائيلية" باتجاه نهر الأردن ، وتمكنت "إسرائيل " عمليا من تدمير القوات الجوية السورية في 5 يونيو/ حزيران، ولكنها لم تبدأ هجومها البري ضد سوريا حتى 9 يونيو/ حزيران.

عندما تم إعلان وقف إطلاق النار، كانت القوات "الإسرائيلية" قد توغلت لمسافة 10 كيلومترات في الأراضي السورية ، واحتلت مرتفعات الجولان.

واستمرت المؤسسات الإعلامية السوفييتية التي فوجئت أيضاً في حملتها الإعلامية التي بدأتها قبل الحرب ، ففي 5 يونيو/ حزيران اتهمت صحيفة "الإزفيستيا" ووكالة "تاس" كلاً من جونسون وويلسون أثناء اجتماعهما الأخير في واشنطن (1) وفي عصر ذلك اليوم بثت موسكو خبراً باللغة العربية قالت فيه : إن "إسرائيل " لم تكن لتشن هجوما لولا تشجيع الولايات المتحدة، وإقناعها بأن العرب كانوا مستعدين للرد على الإمبرياليين ، وبأنهم ليسوا وحدهم في صراعهم العادل ، وبعد بضع ساعات أذيعت النسخة الفرنسية من الخبر في دول المغرب العربي مع إضافة السطرين التاليين:
كما أكدت الحكومة السوفييتية مؤخرا فإن المعتدين لن يواجهوا البلدان العربية القوية بتوحدها فحسب، بل سيواجهون أيضاً ردا صارما على هذا العدوان من قبل الاتحاد السوفييتي ، والدول الأخرى المحبة للسلام.

لم يقدم الخبر أية توضيحات تاركاً التهديد بالتدخل السوفييتي مبهماً ، وكان البيان الذي أصدرته الحكومة السوفييتية في وقت لاحق من يوم 5 يونيو/ حزيران أكثر غموضا ، وطالب البيان بأن تقوم "إسرائيل " بوقف عملياتها العسكرية فورا، والانسحاب إلى ما قبل خط الهدنة ، مشيرا إلى أن الحكومة السوفييتية تحتفظ بحق اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية ، ودعا البيان الأمم المتحدة إلى إدانة الأعمال "الإسرائيلية" والعمل على استعادة السلام في الشرق الأوسط.

وكشفت هذه البيانات خشية السوفييت من انخراطهم العسكري، حيث أشارت عدة تقارير إلى الرد العسكري، في حين أن الأفعال كانت تشير إلى أن ذلك لم يكن مطروحا كخيار جدي في هذا المرحلة ، وفي غضون ساعات من اندلاع الحرب، وحسب تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، استخدمت موسكو "الخط الساخن" للاتصال بواشنطن، ربما لسببين هما التأكد من عدم حصول مواجهة عرضية مع الولايات المتحدة، ومحاولة وقف الحرب بعد أن أدركوا أن العرب لن يفوزوا فيها.

3. تهم بتورط أمريكي بريطاني :
التحفظ السوفييتي كان واضحا أيضا في رد فعل موسكو تجاه اتهام العرب للولايات المتحدة وبريطانيا بالمشاركة الفعلية في الهجمات الجوية ضد الجمهورية العربية ، بيد أن المصدر الأصلي للتقرير لم يكن واضحاً ، وتبعا لمصدر مصري فإن الاتهام الذي وجهته القاهرة يستند إلى اعتقاد بأن عدد الطائرات التي شاركت في الهجوم كان أكبر مما كانت تمتلك "إسرائيل " ..

ويبدو أن العرب على الأرجح لم يقرءوا بالشكل الصحيح العبارات التي تشير إلى المصدر ، والمكتوبة على الطائرات التي أرسلها "الإسرائيليون" على ارتفاع منخفض من البحر الأبيض المتوسط كي تتفادى الرادارات ، وبدا عبد الناصر، على سبيل المثال، مقتنعا بالتقرير (2) ففي 7 يونيو/ حزيران أرسل رسالة إلى كل من الأردن وسوريا والجزائر ذكر فيها أن القيادة العليا للجمهورية العربية السورية قد "أكدت بما لا يدع مجالا للشك التعاون السري للولايات المتحدة وإنجلترا مع "إسرائيل "".

وتداعيات هذا الاتهام قد تكون خطرة بالنسبة للسوفييت إذا ما كانوا قد التزموا فعلا بتقديم المساعدة في ما لو حصل تدخل أمريكي فعلي ، ولكن السوفييت لم يقروا أبدا على الصعيد الرسمي بصحة اتهام الولايات المتحدة بالمشاركة، رغم أن الصحافة السوفييتية كررت تلك الاتهامات في عدة مناسبات " ..

في 6 يونيو/ حزيران كررت إذاعة محلية تصريح القيادة العربية بأن لديها إثباتا على مشاركة الغرب، ولاحقا في 11 يونيو/ حزيران أفاد معلق محلي سوفييتي أنه بينما كانت الولايات المتحدة تحاول نفي صحة التقارير حول المشاركة ظلت الحقيقة أن في ليلة الحرب عبرت الناقلات الأمريكية والبريطانية قناة السويس ، ورست في البحر الأحمر، ومن هناك قامت طائراتها بتأمين "الغطاء الجوي" ل "إسرائيل ".

(يوجد حذف) خلال زيارة بومدين إلى موسكو من 12 إلى 14 يونيو/ حزيران أكد السوفييت، حسب التقارير، أن الطائرات الأمريكية لم تشارك في الحرب بين العرب و"إسرائيل "، وطلبوا منه توصيل هذه المعلومات إلى عبد الناصر ، وعلاوة على ذلك لم يعلن أي مصدر سوفييتي رسمي عن قبول الاتهام الذي وجهه العرب ، كان من الواضح أن السوفييت لم يكونوا راغبين في التورط في الحرب كما يرغب العرب، حسب اعتقادهم.

4. السوفييت يدعمون وقف إطلاق النار :
كشفت تقارير عن محادثات محتدمة سوفييتية مصرية بعد اندلاع الحرب في القاهرة بين عبد الناصر ومحمد بوضياف، وفي موسكو بين غالب وكبار القادة السوفييت ، وطلب المصريون من السوفييت استبدال الطائرات المدمرة، فقالوا لهم : إنه لا توجد أماكن تحط فيها الطائرات لأن المدرجات مدمرة أيضا ، وردا على تهمة المصريين بأن السوفييت كانوا يتخلون عنهم في وقت الشدة قال السوفييت : إنهم ملتزمون فقط بدعم العرب ضد الولايات المتحدة وليس ضد "إسرائيل ". (يوجد حذف).

وبعد فترة قصيرة من الاعتداء "الإسرائيلي" قرر السوفييت أنه يجب القبول بوقف إطلاق فوري، باعتبار أن وضع العرب لم يصل بعد إلى مستوى كارثي، وشعروا بأن المصريين لن يتمكنوا من الرد بنجاح لأنهم لا يملكون طائرات، ومع ذلك لم يقبل عبد الناصر بهذا الخط من التفكير، فشن هجوما مضادا انتهى بالفشل ، ورفض السوفييت لفترة وجيزة قبول القرار البسيط لوقف إطلاق النار الذي أقر في الأمم المتحدة ، وبدلا من ذلك دعوا إلى تبني قرار وقف إطلاق النار مصحوبا بدعوة لسحب الجنود إلى المواقع التي كانوا فيها قبل الحرب ، ورفضت "إسرائيل " القبول بهذا الشرط، كما رفضت الجمهورية العربية المتحدة قبول وقف إطلاق النار من دونه.

في 6 يونيو/ حزيران أمر سميرنوف نائب وزير الخارجية السوفييتي السفير السوفييتي لدى الأمم المتحدة فيدورنكو بقبول القرار بوقف إطلاق النار، رغم معارضة العرب ، وعلى كل حال الجمهورية العربية المتحدة لم تكن مستعدة لقبوله، ومن دون الموافقة المصرية أقر مجلس الأمن قرار وقف إطلاق النار بالإجماع ، وعلى مدى اليومين التاليين حاول السوفييت كما هو واضح إقناع الجمهورية العربية المتحدة بقبول القرار البسيط بوقف إطلاق النار، على الرغم من أنهم كانوا يدفعون باتجاه وقف إطلاق النار بشروط. (يوجد حذف)

في 7 يونيو/ حزيران قال الناطق باسم سفارة الجمهورية العربية المتحدة في باريس : إن مصر رفضت قرار الأمم المتحدة، مشيرا إليه بوقف إطلاق نار بسيط ، وطلب السوفييت عقد اجتماع فوري لمجلس الأمن في عصر ذلك اليوم، وطرحوا قرار وقف إطلاق نار آخر، حيث دعوا الحكومات المعنية إلى وقف إطلاق النار في الساعة 20 بتوقيت جرينتش من تلك الليلة، وتم إقراره بالإجماع ، ووافق كل من الأردن و"إسرائيل " في حين ظلت الجمهورية العربية المصرية رافضة له (3) . ..

الأسباب التي تكمن وراء هذا التغيير المفاجئ في السياسة المصرية غير واضحة ، فبالرغم من أن الضغط السوفييتي باتجاه قبول وقف إطلاق النار كان متواصلا وربما فعالا، إلا أن السبب وراء ذلك قد يعود على الأرجح إلى أن عبد الناصر أدرك الوضع البائس للقوات العسكرية المصرية، فقرر في النهاية القبول بالقرار.

(يوجد حذف) في 8 يونيو/ حريزان، وخلال اجتماع مجلس الأمن ذاته الذي أعلن فيه يوثانت أن الجمهورية العربية المتحدة سوف تقبل قرار وقف إطلاق النار إذا قبلت "إسرائيل " به قدم السوفييت مسودة قرار يدعون فيه إلى إدانة "إسرائيل " وسحب الجيوش إلى ما قبل خط الهدنة ، لم يتم تمرير هذا القرار أبدا، ولكنه أصبح قاعدة لمطالبات السوفييت في الأشهر اللاحقة.
وفي 9 يونيو/ حزيران تم تمرير قرار بالإجماع يطالب بتطبيق جميع القرارات السابقة (في 6 و7 يونيو/ حزيران)، ويدعو إلى وقف إطلاق النار ، وبعد ساعتين من تمرير القرار أعلنت كل من سوريا و"إسرائيل " قبوله.

5. تهديد بالتدخل السوفييتي ومؤتمر موسكو :
على الرغم من الموافقة الرسمية على وقف إطلاق النار، واصل الجنود "الإسرائيليون" التقدم في الأراضي السورية في 9 و10 يونيو/ حزيران.

في هذه المرحلة بدأ السوفييت بتهديد بالقيام ببعض الأعمال (غير محددة) إن لم تتوقف "إسرائيل " وأشارت التقارير إلى أنه في 9 يونيو/ حزيران حذر عدد من الدبلوماسيين السوفييت من أنه ما لم تلتزم "إسرائيل " بقرار وقف إطلاق النار في سوريا فإن السوفييت قد يتدخلون ، وأفادت وثيقة للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي تم إعدادها في أكتوبر/ تشرين الأول 1967 أنه في صباح 10 يونيو/ حزيران، أرسل السوفييت رسالة عاجلة إلى الرئيس جونسون، يحذرون فيها من أنه ما لم تتوقف "إسرائيل " سوف يضطر الاتحاد السوفييتي إلى اتخاذ إجراءات "ضرورية" غير محددة ، قد يكون المقصود في ذلك استخدام "الخط الساخن" بين موسكو وواشنطن.

6. موسكو تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد الهزيمة :
كانت هناك دلائل وإشارات على الاستعدادات السوفييتية لعملية تدخل محدودة ، وفي الحادي عشر من يونيو كانت هناك عدة تقارير تشير إلى التجهيزات العسكرية السوفييتية بما فيها عمليات إنزال 400 من البحارة بالقرب من اللاذقية في سوريا، بالإضافة إلى عملية إنزال جنود المظلات في سوريا بهدف إعاقة التقدم "الإسرائيلي" تجاه دمشق.

وتكشف كل هذه التقارير اهتمام السوفييت بسوريا والنظام الحاكم فيها، وبالرغم من ذلك كانت المساعدات التي يقدمها الروس لسوريا مساعدات رمزية فقط، ويمكن القول : إن السوفييت هم الذين قاموا بنشر هذه التقارير في محاولة لبث الرعب في قلب "إسرائيل " ومنعها من التقدم في اتجاه سوريا.

وقال السوفييت بعد الحرب : إن عدم تقدم "إسرائيل " تجاه سوريا كان نتيجة مباشرة لموقفهم الثابت الذي أصروا عليه على الدوام ، ويمكن القول : إن التهديدات السوفييتية لعبت دوراً مهما في القرار "الإسرائيلي" بالتوقف إلا أن الحقيقة هي أن موافقة "إسرائيل " على وقف إطلاق النار جاءت قبل التهديدات السوفييتية مما يعكس عدم أهمية هذه التهديدات، وبالإضافة إلى ذلك فإن الدلائل على تخطيط "إسرائيل " للاستيلاء على دمشق كانت قليلة جداً.

وبعد يومين أو ثلاثة من بدء الحرب استدعى السوفييت حلفاءهم من أوروبا الشرقية إلى موسكو لمناقشة الوضع الراهن آنذاك، والتقى الزعماء في التاسع من يونيو ، وصدر في اليوم التالي تصريحاً ينذر بأنه إذا لم يتخذ مجلس الأمن الإجراءات اللازمة ، وإذا لم تنسحب "إسرائيل " إلى خطوط الهدنة فسوف يقدم أطراف الاتفاق على فعل أي شيء لمساعدة الشعوب العربية، وكان هذا الإنذار بمثابة رفض حازم للهجوم "الإسرائيلي".

وهذا الإنذار اللفظي المتأخر الذي يكتنفه الغموض دل على عدم وجود نية لدى السوفييت للتدخل العسكري، وفي العاشر من يونيو قطع بالفعل الاتحاد السوفييتي العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل " وبعد ذلك بأيام قليلة اتبع حلفاؤه النهج نفسه.
وتم الاتفاق على أشياء أخرى في مؤتمر موسكو، إلا أنها لم ترد في التصريح الذي نشر إذ تم الاتفاق على أن يقوم الاتحاد السوفييتي بدور المتحدث الرسمي باسم حلفائه الذين يمثلون جبهة موحدة لحل مشكلة الشرق الأوسط (4) .

وقال (ثمة حذف في نص الوثيقة هنا) إن المؤتمر يعي تماماً الحاجة الماسة لإصلاح ما أفسدته الحرب في الدول العربية، كما كان مدركاً لضرورة إمداد القوات المسلحة المصرية بأسلحة جديدة بدلاً من تلك التي فقدت في الحرب، من دبابات وطائرات وأجهزة أخرى ، لكن كانت هناك حدود معينة لهذه المساعدات العسكرية ناقشها المؤتمرون.

ونظراً لما كان يعتري الهيكل العسكري المصري من ضعف أفصحت عنه التقارير العسكرية، قرر الروس فرض السيطرة والتحكم على استخدام مصر للمعدات العسكرية السوفييتية ، كما اتفق على تلبية كل مطالب عبد الناصر العسكرية في مقابل مشاركة السوفييت مستقبلياً في أي قرار مصري يتعلق بعمليات عسكرية رئيسية تجري باستخدام الأسلحة السوفييتية ، إلا أن عبد الناصر لم يشأ أن يضعف من قوة الامتيازات التي كانت لديه ، واكتسب السوفييت بالفعل دوراً أكبر داخل المؤسسة العسكرية المصرية.

7. ردة فعل السوفييت تجاه الهزيمة :
ردة فعل السوفييت التي أصابتهم جراء الهزيمة التي مني بها العرب اتسمت بكونها غريزية حيث حاولوا أولاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الوضع السيئ ، وكانوا عرضة بوجه خاص لاتهامات بأنهم خذلوا العرب، وكانوا أيضاً حساسين تجاه إشاعات مفادها أن الصينيين قادمون إلى المنطقة بعروض مساعدة ، وأكثر حساسية لآفاق بلوغ الدعاية الصينية ذروتها على حسابهم ، وتمثلت أهدافهم الأمنية المباشرة في استعادة منزلتهم المحطمة ، واحترامهم المفقود في عيون العالم، وأيضاً في إعادة تأسيس مصداقيتهم باعتبارهم أصدقاء للعرب ، وبتاريخ 6 يونيو بدأ السوفييت في إرسال جسر جوي طارئ للمساعدة والإمداد (وكان ذلك أكبر عملية من نوعها تقوم بها موسكو على الإطلاق) (5) .
وكان بيان مؤتمر موسكو بتاريخ 10 يونيو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه ، وأما الزيارات اللاحقة الرفيعة المستوى، والتطمينات بمواصلة الإمداد بالعون العسكري فكانت عاملاً بالغ الأهمية في مساعيهم لاستعادة نفوذهم وتأثيرهم في العرب.

وصعقت الهزيمة العرب ، واستولى عليهم الذهول والإحساس بالصدمة ، وأحرق قلوبهم الشعور بالذل والهوان، فاتقد سخطهم العارم، وفتشوا عن أكباش فداء فعثروا على ضالتهم في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي الدول التي قالوا : إنها ساعدت "إسرائيل " وفي بعض قادتهم لا سيما العسكريين الذين اتهموا بأنهم خذلوهم (6) .

وعبّر العرب عن غضبهم من السوفييت ، وأعربوا علانية عن شعورهم بالإحباط جراء ما نالهم من هزيمة في الصحافة وفي مجالسهم الخاصة ، وكان من بين أشد من أفصحوا عن سخطهم لهجة الرئيس الجزائري بومدين، الذي فكر على ما يبدو في وقت من الأوقات بالإيعاز لكافة الطلبة الجزائريين الذين يدرسون في الاتحاد السوفييتي بالعودة إلى وطنهم ..

وفي 12 يونيو طار بومدين إلى موسكو، حيث ذكرت التقارير أنه هاجم السوفييت لإخفاقهم في مد يد العون، وجرى تذكيره بمخاطر الحرب النووية، وسكن السوفييت غضبته بشكل ما، وهدءوا من روعه بوعود أطلقوها بمواصلة الدعم وتقديم المساعدات ، وزار الرئيس السوري نور الدين الأتاسي موسكو بعد برهة وجيزة من الحرب ، وأطلق اتهامه بأن السفير السوفييتي في دمشق كان قد وعد في ثاني أيام الحرب بالإمداد "بعون عسكري تقني" ولم يف به السوفييت من بعدها، ولم يقدموا مثل هذه المساعدات لسوريا، وذكرت التقارير أن السوفييت ردوا بأن الوضع العسكري كان قد تطور بسرعة مذهلة لدرجة أن برنامج العون السوفييتي ترنح واختل توازنه.

ولكن أصوات تيار العرب المناوئين للسوفييت التي تعالت في الأيام القليلة الأولى ما لبثت أن خفتت بسرعة نسبياً، ربما بسبب إدراكهم لمدى الاحتياج للعون السوفييتي، ولضرورة استمرار هذا الدعم، ولطف هذا الاتجاه لهجة الصحافة، وخلت المقالات التي نشرت بعدها من النبرة الحادة الانتقادية المعادية للسوفييت (ثمة حذف هنا) وفي اليوم ذاته سلم محمد بوضياف لعبد الناصر رسالة مهمة من الحكومة السوفييتية.

ويحتمل أن تكون الرسالة قد اشتملت على وعود بدعم سوفييتي إضافي (7) .

وكان من بين أهم السبل التي اتخذها السوفييت في خضم مساعيهم لإطفاء غضب العرب وتهدئتهم تلك الجولة التي قام بها الرئيس السوفييتي بودجورني ، حيث طاف بالعواصم العربية في أواخر شهر يونيو.

ووصف بودجورني ذاته تلك الرحلة بأنها "مهمة تهدئة" ولا شك أنه تقدم بتطمينات ، وأطلق وعوداً بدعم متواصل سواء منه العسكري أو الاقتصادي ، إلا أن مقدار هذا الدعم وكميات المساعدات وحجم التعويضات (إن كان ثمة أي تعويضات) لم يكن جلياً ، ويبدو من المحتمل أن السوفييت ألزموا أنفسهم في تلك الآونة باستبدال العتاد والمعدات المصرية والأسلحة التي دمرت ، أو فقدت في الحرب على الأقل ، وعلى ما يبدو، لم تكن المحادثات بين ناصر وبودجورني في سلسة المأخذ لينة بشكل كامل ، فجرى إرجاء التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن جميع القضايا (ثمة مقطع محذوف هنا).

وعاد بودجورني فعلاً إلى موسكو قبل زيارة سوريا ، وزيارته لسوريا ربما كانت بوجه خاص غير مرضية ، والمذكرة التي صدرت بعد هذه الزيارة كانت أكثر بروداً مما اتسمت به تلك التي أعقبت زيارته لكل من القاهرة وبغداد (8) .

(مقطع محذوف هنا) كان السوريون جد منزعجين من (حذف آخر هنا)، وحث بودجورني على انتهاج أسلوب هادئ، ونصح السوريين بألا يفكروا باستئناف فوري للعمليات العدائية ، وقيل : إن وعده بالمساعدات لدعم استئناف الحرب في نهاية المطاف إنما كان لقاء طلب إقامة قاعدة بحرية في سوريا، وقيام السوفييت بإدارة وتوجيه القيادات التقنية (ثمة حذف هنا)، التي كان السوفييت يطالبون بها (مقطع محذوف هنا) فإذا كانوا يبتغون قواعد ويطلبونها فإنهم لم يفلحوا في تحقيق بغيتهم ؛ لأنه على الرغم من أنهم منحوا بصورة متزايدة سبلاً لبلوغ الموانئ العربية فإنهم لم يمكنوا من إحكام سيطرتهم على أي مرافق موانئ، واتخذ الخبراء التقنيون السوفييت والمستشارون مواقع لهم ، ورابطوا في سوريا فيما بعد ..

إلا أنه ينبغي القول : إنه حتى في هذه الحالة من المستبعد جداً أن يكون هؤلاء المستشارون قد منحوا سلطات قيادية آمرة في هذه المواقع التي عملوا فيها.

8. الجهود لاسترداد المكانة الدولية :
احتل هدف استعادة مكانتهم الدولية المرتبة الثانية في لائحة غايات السوفييت المباشرة والعاجلة في أعقاب نكستهم في يونيو/حزيران، وفي 13 يونيو طلب جروميكو في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للنظر في الوضع في الشرق الأوسط ، وبحث قضية "تصفية آثار وعواقب العدوان" "الإسرائيلي" على الدول العربية، والانسحاب الفوري للقوات "الإسرائيلية" إلى ما وراء خطوط الهدنة...

وكان هذا عكس الموقف السوفييتي التقليدي المعهود المتمثل في التأكيد على مجلس الأمن ، ولربما استند هذا النهج الجديد إلى توقعات بأن تكون الجمعية العامة أداة أكثر تعاطفاً وواسطة تتيح أرضاً خصبة للأغراض الدعائية (9) .

(مقاطع محذوفة في هذه الفقرة) وفيما بلغ نشاط حملة السوفييت المباشرة بعد الحرب لاستعادة ثقة العرب ذروته بجولات بودجورني وتطوافه في عواصم الشرق الأوسط، كذلك وصل زخم التحرك لاسترداد المكانة في العالم إلى نقطة عالية بوصول رئيس الوزراء السوفييتي كوسجين إلى الأمم المتحدة في 17 يونيو ..
وفي التاسع عشر من يونيو خاطب كوسجين الجمعية العامة في الأمم المتحدة ، وكرر اتهامات السوفييت ل"إسرائيل " بإعداد خطة لمهاجمة سوريا في منتصف مايو، كما هاجم الدعم الامبريالي ل"إسرائيل " ووجه اتهامات بأن المناورات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة والأساطيل البريطانية عشية الحرب فسرتها "إسرائيل " على أنها تشجيع لها على العدوان.
وهاجم كذلك الولايات المتحدة لوقوفها في وجه قرار لمجلس الأمن يدعو لانسحاب فوري للقوات "الإسرائيلية" إلا أنه نأى بنفسه عن توجيه أي اتهام ضمني لتورط أمريكي وبريطاني مباشر في الحرب، وأكد على مخاطر اندلاع حرب عالمية، قال : إنها ستكون نووية إذا نشبت، وفي تصريح له لم تورده نشرة محلية بثت من موسكو لاحقاً، قال كوسجين : إنه ينبغي على الدول قاطبة الامتناع عن زيادة الوضع تعقيداً.

بعد ذلك قدم كوسجين مسودة قرار الاتحاد السوفييتي التي اشتملت على أربعة بنود:
1- إدانة أعمال "إسرائيل " العدوانية ومواصلة احتلالها لأجزاء من أراضي الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والأردن.
2- الانسحاب الفوري غير المشروط لجميع القوات "الإسرائيلية" من المناطق المحتلة إلى مواقع خلف خطوط الهدنة.
3- دفع "إسرائيل " تعويضات كاملة عن الأضرار التي نجمت عن عدوانها.
4- اتخاذ مجلس الأمن لإجراءات فورية فعالة لإزالة كافة آثار وعواقب العدوان "الإسرائيلي".

والتقى كوسجين الرئيس جونسون في جلاسبورو يوم 23 يونيو، ثم مرة أخرى في 25 يونيو، ثم عقد مؤتمراً صحافياً لمناقشة تلك الاجتماعات، وألمح إلى مرونة سوفييتية في تصريحه الذي ذكر فيه أنه يمكن لمجلس الأمن بعد الانسحاب "الإسرائيلي" أن يدرس كل القضايا الأخرى التي استجدت في الشرق الأوسط.
وحذفت النسخة التي أوردتها وكالة "تاس" من المؤتمر الصحافي هذه العبارة، إلا أنها قالت ببساطة : إن جميع "الحلول" الأخرى (أي ما عدا الانسحاب) للأزمة كانت غير واقعية وغير عملية (10 ) .

تغير في تكتيكات السوفييت :
في حين أن الرغبة في استعادة سمعتهم الطيبة في أوساط العرب ، وحرصهم على ضمان إبعاد الصين عن المنطقة كانت هي الدوافع التي تحرك السوفييت لمواصلة دعمهم النشط الفاعل للراديكاليين العرب ، مع إنهم شهدوا أيضاً النتائج المدمرة لتلك السياسة ، وما أدت إليه في يونيو...

غير أن السوفييت حاولوا على أي حال مسايرة وتأييد طرفي المشكلة ، وواصلوا الإمداد بكميات ضخمة من المساعدات العسكرية منها والاقتصادية ، إلا أنهم حاولوا أيضاً تعزيز سيطرتهم على استخدامها ، وتشديد الضوابط ، وزيادة القيود المتعلقة باستخدام الأسلحة ، وإضافة إلى ذلك فإنهم سيخففون من دعمهم للتيار الراديكالي العربي.

وعكس تحفظ السوفييت السياسي رغبة ملحة في تجنب تكرار حرب يونيو ، وأوضح السوفييت وقتها للعرب بكل جلاء أنهم لن يهبوا لمساعدتهم في حال تجددت الأعمال العدائية ، وهذا التحول من موقف يكتنفه الغموض إلى حد ما إلى موقف محدد المعالم حدث في أوائل يوليو.

واجتمع قادة أوروبا الشرقية من 10 إلى 12 يوليو/ تموز في بودابست ، وذلك باستثناء زعماء رومانيا ، ووعدت مذكرتهم باستمرار الدعم، إضافة إلى "خطوات تهدف إلى تعزيز القدرات الدفاعية العربية". ولم تشتمل على تهديد ضمني باتخاذ الدول الاشتراكية إجراءات في حال تجددت الأعمال العدائية (11) ، وخلال الفترة ذاتها كان القادة العرب يجتمعون في القاهرة ويبذلون جهداً لوضع خطة ونهج مشترك (12 ).

وذكر أن السوفييت أبلغوا هذه "القمة المصغرة" أن على العرب ألا ينتظروا تدخلاً عسكرياً سوفييتياً إذا استؤنفت الأعمال العدائية ، رغم أن المعونة والدعم الدبلوماسي سوف يتواصلان ، ولن يتدخل الاتحاد السوفييتي مباشرة إلا في حال حدوث تدخل أمريكي سافر "لا لبس فيه" (وهذا سيقرره السوفييت).

(يوجد حذف هنا) كما اقترح السوفييت كذلك خطة تسوية، وإذا قبل العرب ضمناً بوجود "إسرائيل " كدولة وإنهاء حالة الحرب، فسوف يتدخل الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة للضغط على "إسرائيل " لكي تتخلى عن "معظم" الأراضي التي تم احتلالها أثناء الحرب.

وبالإضافة إلى المشاورات والاتصالات على أعلى مستوى ، كان العديد من الوفود العسكرية يسافر جيئة وذهاباً في محاولة لتحديد أولويات وشروط المعونة (13) .
وقد جرت الإشارة إلى عدم قناعة العرب بعروض المعونة السوفييتية بعد زيارة بودجورني إلى سوريا في أوائل يوليو ، وفي حوالي أواخر ذلك الشهر بدأت بوادر التبرم المصري في الظهور ، وعندما زار رئيس الأركان المصري رياض موسكو في أواخر يوليو، وذكر أن السوفييت قدموا اقتراحاً مضاداً لاقتراحه، وعرضوا أقل مما كان المصريون يتوقعون ، وقيل : إن رياض أشار إلى أن السوفييت لم يكونوا مستعدين أن يفعلوا أكثر من تقديم بدل عما تم فقده، وقال : إن السوفييت أيدوا طرد "إسرائيل " من سيناء ، ولكنهم لن يساندوا حرباً لتدمير "إسرائيل "، وذكر مصدر آخر أن السوفييت وعدوا بتقديم ما يكفي فقط لأن تدافع الجمهورية العربية المتحدة عن نفسها.

9. تسهيلات بحرية للسوفييت في مصر وسوريا :
تباينت التقارير التي تحدثت عن الشروط التي طلبها السوفييت نظير المعونات ، وذكر بعض المصادر أن السوفييت وافقوا على تقديم بدل عن المواد التي فقدت من "دون زوائد" ولكن من الواضح أنهم كانوا يضغطون للحصول على أمور معينة مقابل المعونة.

وكان أوضح شرط طولب به ، وووفق عليه هو وضع مستشارين سوفييت ضمن القوات المسلحة العربية، وبدأ المستشارون السوفييت بالوصول فوراً تقريباً إلى الجمهورية العربية المتحدة ، ووصلوا في وقت متأخر عن ذلك إلى حد ما إلى سوريا والجزائر، ولعل ذلك يعكس رد فعل سوريا سابقاً على زيارة بودجورني (يوجد حذف هنا).

قد ذكر أنه كان قد تم في أواخر شهر يونيو/ حزيران إلحاق نحو 100 ضابط سوفييتي بجيش الجمهورية العربية المتحدة على مستوى الفرقة ، وأنهم كانوا يسببون التنافر في جيش هذه الدولة.
وفي أواخر يونيو/ حزيران قال عبد الناصر ل (يوجد حذف هنا): للمرة الأولى تم دمج الخبراء السوفييت بالهيكل العضوي لجيش الجمهورية العربية المتحدة على أدنى مستوى، وأنا آسف بشأن ذلك، ولكني كنت مضطراً لفعله.

الشرط السوفييتي الثاني الذي طالما تردد في التقارير كان امتلاك قوات بحرية في البحر المتوسط ، ومثل هذه القوات مهمة كي يحتفظ السوفييت بأسطول ضخم في البحر المتوسط ، فقد كشف السوفييت في عام 1967 عن نيتهم القوية بأن يصبحوا ويبقوا قوة كبيرة في البحر المتوسط (14 ) .

وفي نفس الوقت جعلت إدانة السوفييت لوجود قواعد غربية في المنطقة المطالبة بامتلاك قواعد خاصة بهم أمراً محرجاً ، وخلال مناقشاته مع الملك حسين في أوائل يوليو/ تموز قال عبد الناصر : إنه على استعداد لتوقيع معاهدة دفع مع السوفييت والسماح لهم بإنشاء القواعد التي يرغبون فيها في الجمهورية العربية المتحدة ، وهذا التصريح مشكوك فيه إلى حد ما، باعتبار أنه ينسف جهود عبد الناصر (الذي ربما افترض أن الغرب سوف يحصل على هذه المعلومات) الرامية إلى دفع الغرب إلى السعي من أجل الحصول على امتيازات في محاولة لمنع مثل هذا الوجود السوفييتي.
(يوجد حذف) أفادت تقارير بأن عبد الناصر رفض طلباً من بودجورني وزاخاروف للسماح بإقامة منشآت بحرية سوفييتية، ولكنه وافق على فكرة توسيع المنشآت البحرية الحالية ، في 10 و11 يوليو/ تموز، رست السفن السوفييتية في مينائي الإسكندرية وبورسعيد في إطار زيارة لمدة أسبوع ، ربما لإظهار دعم السوفييت للعرب ، وكذلك استثمار التصريح الجديد لهم باستخدام التسهيلات الموجودة هناك.

في 12 يوليو/ تموز أفادت صحيفة "الجمهورية" المصرية بأن الجمهورية العربية المتحدة منحت الأسطول السوفييتي دعوة مفتوحة للبقاء في مينائي بورسعيد والإسكندرية قدر ما يشاء ، ومنذ ذلك الوقت واصلت سفن الأسطول السوفييتي زياراتها للميناءين، وكذلك ميناء اللاذقية في سوريا.

10. موقف أكثر مرونة في الأمم المتحدة :
بالإضافة إلى تعديل السوفييت سياسة الدعم التي ينتهجونها إزاء العرب، بحث هؤلاء على ضبط النفس، وبفرض شروط على المساعدات، بدأ السوفييت في يوليو/ تموز التحرك نحو موقف أكثر مرونة في الأمم المتحدة. وكان موقفهم، كما بدا في مؤتمر بودابست من 10 12 يوليو/ تموز، يقوم على ضرورة اتخاذ العرب موقفاً أكثر واقعية، وأن المطالبات بانسحاب "إسرائيلي" فوري ينبغي أن يلحق بها صيغة لإنهاء حالة الحرب.

وبعد أن حقق السوفييت أغراضهم الدعائية مع العرب أسقطوا الحل المتشدد الذي اقترحه كوسيجين في 19 يونيو/ حزيران، ومنحوا مساندتهم لقرار لدول عدم الانحياز برعاية يوغسلافيا، وكانت مسودة هذا القرار أكثر اعتدالاً إلى حد ما من قرار السوفييت.

ففي حين دعا إلى الانسحاب الفوري لجميع القوات إلى ما وراء خط الهدنة بإشراف الأمم المتحدة، لم يطالب بإدانة "إسرائيل "، ولم يدعُ إلى دفع تعويضات، واقترح في حال حدوث الانسحاب، أن يقوم مجلس الأمن بدراسة "جميع جوانب الوضع في المنطقة".
وبالإضافة إلى ذلك طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يعين ممثلاً شخصياً عنه للعمل على الامتثال للقرار ، وفي 3 يوليو/ تموز أطرى جروميكو القرار وشجب أي نهج آخر ، ولكن القرار أخفق في اجتياز التصويت في 4 يوليو/ تموز 1967 (15) .

وفي منتصف يوليو/ تموز أشار السوفييت إلى رغبتهم في بذل المزيد من التنازل بشأن قرار للأمم المتحدة (يوجد حذف هنا). وتشير تقارير أخرى إلى أن السوفييت بينما لم يضمّنوا للمرة الأولى وعداً باتخاذ إجراء متبادل مقابل انسحاب "إسرائيلي" لم يضعوا الانسحاب وإنهاء حالة الحرب على مستوى واحد ، وبدلاً من ذلك طالبوا بانسحاب "إسرائيلي" تحت إشراف الأمم المتحدة، وإحالة المسألة العربية "الإسرائيلية" إلى مجلس الأمن ، الذي يمكن الإفادة منه في البت بقضايا تتعلق بإنهاء حالة الحرب، وحرية المرور عبر الممرات المائية الدولية، ومشكلة اللاجئين.

(يوجد حذف هنا) أن المصريين والعراقيين كانوا قد وافقوا على اقتراح المسودة السوفييتية ، ولكن بومدين والسوريين أصدروا بياناً في 12 يوليو/ تموز يعدون فيه بمقاومة أي تنازل ، ولم يتمكن السوفييت من تغيير رأي بومدين عندما زار موسكو في منتصف يوليو/ تموز، وهكذا هيمن العرب الراديكاليون ، ولم يقدم الاتحاد السوفييتي مسودته أبداً، وفي 21 يوليو/ تموز، تم إرجاء الجلسة الطارئة للجمعية العمومية.

وهكذا حشر السوفييت أنفسهم في الزاوية بتقييد حريتهم في المناورة في الأمم المتحدة، وعكست دعوتهم المبدئية إلى عقد جلسة للجمعية العمومية رغبتهم في عقد منتدى دعائي علني.
وفي يوليو/ تموز عندما أصبحوا أكثر جدية في جهودهم المبذولة للتوصل إلى قرار وسط من الأمم المتحدة وجدوا أنفسهم واقعين في أسار إشكالية ما، ففي الجمعية العمومية حيث لكل دولة عربية صوت، يتعين على السوفييت من أجل إمرار قرارهم أن يعارضوا العرب الراديكاليين بفاعلية وفي العلن.

وكانوا لا يزالون غير راغبين في فعل ذلك ، وقد ورد التعبير عن تبرمهم من قبيل العديد من الشخصيات السوفييتية على مستوى عال في أواخر يوليو/ تموز. (يوجد حذف هنا). كما أن بونوماريف أثناء لقائه مع الشيوعيين الإيطاليين في أواخر يوليو/ تموز، انتقد العرب بشدة، ودعاهم بالمتعصبين وغير المنطقيين.
ـــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) انتهى اجتماع جونسون وويلسون في 3 يونيو/ حزيران"، بإعداد استراتيجية معادية للجمهورية العربية المتحدة ، وبأنهما شجعا "إسرائيل " على شن الهجوم.

(2) هذا الاتهام كان منسجما مع الاتهامات التي أوردتها الصحافة السوفييتية قبل الحرب بأنه يتم تشكيل القوات البحرية الأمريكية والبريطانية في البحر الأبيض المتوسط، ومنسجمة أيضا مع اتهامات السوفييت للولايات المتحدة وبريطانيا بأنهما خططتا لدعم "إسرائيل " عسكريا".

(3) في ذلك التاريخ، أذاع راديو موسكو نص بيان للحكومة السوفييتية موجها إلى "إسرائيل " تقول فيه إن عدم إذعان "إسرائيل " لدعوة الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار، يشكل دليلا على عدوانية السياسية "الإسرائيل ية"، مهددة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل ").

(4) وافق السوفييت على الاتصال بالقاهرة على الفور باسم بلدان أوروبا الشرقية، وكانت هذه هي المرة الأولى التي قام بها السوفييت بتمثيل دول أوروبا الشرقية بهذه الطريقة في مفاوضات مع الجمهورية العربية المتحدة.

(5) مع إن السوفييت شرعوا في إمداد العرب بجسر جوي من السلاح والعتاد حين كانت الحرب لا تزال مستعرة إلا أن العون وحده كان أبعد ما يكون عن سد الحاجة بما يكفي لقلب موازين القوى وعكس مسار الحرب ، ففي لجة الحرب فقدت الجمهورية العربية المتحدة نحو ثلثي طائراتها المقاتلة وأربعة أخماس طائراتها القاذفة، ونصف عدد دباباتها، وفقد السوريون معظم طائراتهم المقاتلة ، وربع عدد دباباتهم ، ولم يفقد العراقيون والجزائريون سوى كميات ضئيلة من العتاد والمواد.

(6) نشر ناصر استقالته الرسمية يوم 9 يونيو، وفي نفس الوقت قدم كل من المشير عامر، قائد القوات المسلحة، ووزير الدفاع شمس بدران استقالتيهما، كما حذا حذوهما 11 قائداً عسكرياً من أصحاب الرتب العالية إلا أن ناصر سحب استقالته لاحقاً، غير أن الآخرين لم يسلكوا هذا المنحى.

(7) كان للنقمة العربية أن تتواصل، في الحقيقة وتشتد لردح طويل من الزمن، غير أن الانتقاد العلني الصريح توقف على أية حال نظراً للحاجة إلى عون السوفييت.

(8) لم تزد القاهرة على مجرد القول : إن محادثات رسمية قد أجريت وأن بودجورني أعرب عن امتنانه العميق لما حظي به من حسن الضيافة. وأما بغداد فأكدت على روح الصداقة والتفاهم التي سادت أجواء اللقاءات).

(9) أخفق مجلس الأمن في 14 يونيو/ حزيران في تبني مسودة قرار تقدم به السوفييت يشجب "إسرائيل " ويطالبها بسحب قواتها إلى ما خلف خط الهدنة).

(10) سوف نتطرق لاحقاً لمناقشة اختلافات القيادة بشأن الشرق الأوسط ، وستكون الصيغة التي ارتآها كوسجين هي أساس اقتراح السوفييت في يوليو من عام 1967 والذي لم يجر التصويت عليه أبداً.

(11) إضافة إلى ذلك فإنه وفقاً لإحدى وثائق الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي أعدت في أكتوبر من عام 1967، لتوزع على الوفود التي تحضر احتفالات ذكرى نوفمبر السنوية في موسكو، فإن المؤتمر قرر أيضاً أن ثمة حاجة إلى أن يتبنى العرب موقفاً أكثر واقعية ، وأن يتم اتخاذ خطوة فورية بحيث تصاحب المطالبة بانسحاب "إسرائيلي" فوري صيغة لإنهاء حالة الحرب.

(12) في 11 يوليو التقى كل من بومدين وناصر وحسين في القاهرة، إلا أن التقارير ذكرت أنهم عجزوا عن التوصل إلى اتفاق حول خطة مشتركة، وفي اليوم التالي التقى بومدين في دمشق بالقيادة السورية ، وأصدروا بياناً يعد بمقاومة التنازل ، وفي هذه المرة كان الملك حسين يحاول مساندة مؤتمر قمة عربية، يكون معتدلاً في نهجه، وكان السوريون والجزائريون معارضين، وكانت الجمهورية العربية المتحدة مترددة ، وفي 23 يوليو/تموز أشار عبد الناصر إلى أن الجمهورية العربية المتحدة سوف تحضر مؤتمر قمة عربية ..

(13 ) كان النائب الأول لوزير الدفاع السوفييتي زاخاروف في القاهرة من 20 يونيو/حزيران إلى 1 يوليو/تموز ، وفي أواخر يونيو/حزيران التقى وزير الدفاع الجزائري مع بريجينيف وجريتشكو، وفي أوائل يوليو/تموز أمضى وكيل وزارة الدفاع السوفييتية بافلوفسكي عدة أسابيع في الجزائر ، كما وصلت بعثات عسكرية سوفييتية إلى سوريا بعيد الحرب ، وفي 14 يوليو/تموز التقى جريتشكو مع وفد عسكري من الجمهورية العربية المتحدة برئاسة رئيس الأركان عبدالمنعم رياض، وفي أواخر يوليو/تموز التقى عضو المكتب السياسي السوفييتي مازوروف مع وفدين عسكريين عراقي وسوداني.

(14) بدأ السوفييت في بناء أسطولهم في البحر الأبيض المتوسط بعد الحرب بفترة قصيرة ، وفي أواخر يونيو/ حزيران، قاموا بإرسال أولى سفنهم عبر البوسفور باتجاه البحر الأبيض المتوسط، وفي منتصف يوليو/ تموز بدأت موسكو الاتصال المباشر مع سفنها الحربية المتمركزة هناك ، واستمر نمو الأسطول السوفييتي خلال العام).

(15 ) تدارست الجلسة الطارئة لمجلس الأمن سبع مسودات قرارات وتبنت اثنتين منها وفشل جميع ما عداها في الحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة، وقد دعت المسودة الأمريكية، التي فشلت في المرور شأن المسودة السوفييتية، إلى إجراءات متفاوض عليها بمساعدة طرف ثالث، قائمة على خمسة مبادئ، هي: الاعتراف المتبادل بالاستقلال السياسي ، وسلامة الأراضي لجميع الدول في المنطقة ، الاعتراف بالحدود، مترافقاً مع فك الاشتباك والانسحاب، حرية التعبير عبر الممر المائي، حل عادل لمشكلة اللاجئين، الاعتراف بحق جميع الدول المستقلة في العيش بسلام وأمان ، ودعا القراران اللذان تم تمريرهما إلى تبني المبادئ الإنسانية، ودعا "إسرائيل " إلى عدم اتخاذ أي إجراء لتغيير وضعية مدينة القدس.
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت متابعات الزيتونة نقلا عن موقع "قانون حرية المعلومات" على الانترنت ، إعداد: قسم الترجمة في صحيفة الخليج الإماراتية (من 29/6/2007 حتى 20/7/2007)

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس