عرض مشاركة واحدة

قديم 31-03-09, 11:25 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي الثورة التكنولوجية وحروب القرن 21 بين الواقع والخيال



 

الثورة التكنولوجية وحروب القرن 21 بين الواقع والخيال

عرض: ممدوح الشيخ
مجلة كلية الملك خالد العسكرية

يأتي هذا الكتاب في توقيت شديد الأهمية عربياً ليطرح قضية هي بامتياز قضية الساعة، فمن منظور ما يواجه العالم العربي من تحديات تهدد أمنه هو محاولة للفت الأنظار للبعد التقني للأمن العربي، ومن منظور الدراسات المستقبلية التي يزداد اهتمام العالم بها بوتيرة متزايدة هو محاولة جادة لرسم ملامح مستقبل الحرب وتأثير التقنية فيه، والكاتب خبير استراتيجي مصري معروف هو اللواء دكتور نبيل فؤاد. والكتاب مقسم لثلاثة فصول يضم كل منها قسمين تتناول: ماهية التكنولوجيا، وسمات الثورة التكنولوجية وأبعادها، وانعكاسات الثورة التكنولوجية على الحرب الحديثة، ورؤية مستقبلية للحرب الحديثة.


التكنولوجيا: الماهية والسمات

يبدأ المؤلف كتابه بتقرير أن السباق الحضاري هو السمة الرئيسة لعالمنا المعاصر، متمثلاً في التفوق الذي تحكمه القوة الشاملة بكل مفرداتها، معتمدة على ما تبدعه الشعوب وما تنتجه من علوم وتقنيات وارتكاز ذلك كله على قاعدة اقتصادية قادرة، وفي الفصل الأول: "ماهية التكنولوجيا وسماتها وأبعادها" يقول المؤلف إن تقدم الشعوب وانتصارها أصبح مرهوناً بمدى تقدمها التقني الذي يبدأ من التعليم ليصل إلى القدرة العسكرية، وأبرز ما يشار إليه فيه هذا السياق أن النظام العالمي الجديد ابن شرعي للثورة العلمية والتقنية الجديدة حتى أن البعض أصبح يشير للقرن الحادي والعشرين بوصفه مقدمة عصر "جيو معلومات Geo-Information"، وهم يضيفون إلى ذلك أن ما شهدته الحياة الإنسانية خلال العقود الثلاثة الأخيرة فاق ما حدث على الأرض منذ ظهور الإنسان.
ويرجع الاهتمام بهذه الثورة إلى عظم الجوانب - إيجاباً وسلباً - التي تحدثها، ويعد التقسيم الاقتصادي الأساس الموازي للتقسيم القائم على تقدم العلوم، وبناء على ذلك أصبح هناك عالم أول وثان وثالث ورابع. ويقتضي تشخيص الواقع التكنولوجي في الأمتين العربية والإسلامية أن نشير إلى مستوى الإنفاق المتدني على التعليم والبحث العلمي، فعندما أجرت اليونسكو دراسة عن الأربعين الأكثر تقدماً في العالم في التعليم الأساسي، لم يكن بينها إلا الكويت من العالم العربي وإيران من العالم الإسلامي، وتبلغ تكلفة إعداد التلميذ في مرحلة التعليم الأساسي في سويسرا 12000 دولار، وفي أمريكا 8000 دولار، وفي مصر 170 دولاراً. ونتيجة الطفرة في العالم المتقدم أصبحت المعارف العلمية تتضاعف كل عشرة أعوام، وتذهب أشد التقديرات تحفظاً إلى أن العلماء الذين يعيشون على الأرض يبلغون ثلاثة أرباع العلماء على مدى التاريخ الإنساني، وقد أصبح هذا جلياً في المسافة الفاصلة بين نتائج البحوث واكتشاف تطبيقاتها العملية، وأصبح هناك ما يزيد على 30 مليون اختراع مسجلة، تزيد سنوياً بمعدل مليون اختراع.


وقد أدى قيام علاقة تأثير وتأثر متبادلة بين التكنولوجيا والمجالات العسكرية عموماً إلى اعتبار تنظيم قدراتها التكنولوجية مكوناً أساسيا للأمن القومي، وبعد التطور التكنولوجي الذي شهده النصف الثاني من القرن العشرين استجابة لدواعي الصراع بين القطبين، وبعد أن كان تركيزهما منصباً على الصواريخ والطائرات بأنواعهما والأسلحة النووية، أصبح منصباً على المعلومات والحرب الإلكترونية والأسلحة الذكية ودقة التصويب عن بعد، ثم جاءت حرب الخليج لتفجر الثورة التكنولوجية الثالثة بكل مفرداتها وتشمل تطبيقات متطورة في الإلكترونيات والقيادة والسيطرة وتطوير كافة المجالات الأخرى.

ماهية التكنولوجيا

تعني كلمة "العلم" محاولة منظمة لاكتشاف سلسلة من العمليات والسيطرة عليها عن طريق الدراسة الموضوعية للظواهر، وقد جرى تطوير عدة نظم فرعية من المعرفة، منها التكنولوجيا التي تتصل مباشرة بإنتاج أو تحسين السلع أو الخدمات، وتعرف التكنولوجيا بأنها فهم واستيعاب وتطبيق المعرفة والمعلومات الفنية والموارد والمعدات الإنتاجية ومعدات البحث والتطوير وإنتاج واستعمال النظم والوحدات الحديثة، والقضايا والمشاكل التي ينبغي أن يتناولها العلم في سعيه لخدمة الآلة العسكرية مسائل معقدة تتمثل في تداخل عوامل عدة: فزيائية، وحيوية، وكيميائية، وبيولوجية، والهندسة الوراثية، والطاقة النووية، والمواد الجديدة المركبة. ولم يعد التقدم العلمي التكنولوجي يعتمد على جهد فردي، بل أصبح حصيلة جهد مشترك، وتشير الدراسات إلى أن نسبة مساهمة عنصر التكنولوجيا في العمليات الإنتاجية تقترب من 75% وترتفع النسبة في التكنولوجيا العسكرية.

وعلى مر التاريخ أنفقت الدول بسخاء على التكنولوجيا العسكرية, وترتب على التقدم التكنولوجي الكبير ظهور منتجات عسكرية أمكن تطويعها للاستخدام المدني كالطائرة والراديو والذرة، ومع تغير الموازين - قرب نهاية القرن العشرين - لصالح التكنولوجيا المدنية، توجه العسكريون لتطبيقاتها العسكرية، وبذلك أصبحت نسبة كبيرة من التكنولوجيات مزدوجة الاستخدام مدني-عسكري، ويعد مجال تكنولوجيا المعلومات أكبر مجال يشهد على ذلك، فعندما تتفق المواصفات المدنية والعسكرية تكون الفائدة لكلا القطاعين وبالتالي تحصل على مزيد من الدعم، ومستقبلاً لن يكون بالإمكان فصل التكنولوجيا العسكرية عن المدنية وهما معاً جزء من مفهوم "الطاقة الكلية للدولة" ودون طاقة كلية تكنولوجية لا تستطيع أية دولة بناء تكنولوجيا عسكرية، وقد أذابت الولايات المتحدة منذ عقدين الفاصل بين التكنولوجيا المدنية والعسكرية.

الثورة التكنولوجية والحرب الحديثة

في الفصل الثاني: "انعكاسات الثورة التكنولوجية على الحرب الحديثة"، يعالج اللواء الدكتور نبيل فؤاد التفاعل بين النظم التي تستخدم القوة العسكرية وصولاً إلى ما يسمى "نظام النظم" الذي يجعل هذا التفاعل سلسا مستمراً قدر الإمكان، فعندما طرحت تفاصيل الثورة التكنولوجية في التطبيقات العسكرية خلال التسعينيات كان التركيز ينصب على دور المعلومات في ميدان المعركة Battlefield، والظروف المحيطة به غير أن ذلك أصبح يعرف الآن بساحة- فضاء المعركة Battle Space الذي يعكس منظوراً جديداً متعدد الأبعاد، حيث يوزع القائد في هذه الساحة- الفضاء قواته ويحركها ضمنه؛ وتقدر مساحة هذا النطاق عادة بأربعين ألف ميل مربع، وكل قائد إنما يستهدف تحقيق الإلمام المتفوق بأرض المعركة، أي امتلاك القدرة على معالجة المعلومات بأسلوب يسهل توصيف البيئات الكلية والعلاقات الرئيسة بين الوحدات العاملة ضمن هذه البيئة بأكبر قدر ممكن من الواقعية المشابهة لظروف القتال الحقيقي، وبذلك سيكون من الممكن أن يتم التكليف بمهمة شبه كاملة، وبالتالي استخدام القوة متناهية الدقة.

ولذا يجمع الاستراتيجيون على الأهمية البالغة للثورة التكنولوجية في المجال العسكري، ما يعني تخصيص الإنفاق المناسب للتحديث لتجنب المفاجأة التكنولوجية الحاسمة لخطورتها ولإحراز التفوق التكنولوجي، وتتركز عناصر بناء التكنولوجيا العسكرية في:
- كفاءة البحوث العسكرية الأساسية.
- كفاءة البحوث التطبيقية.
- مدى ضبط الجودة.
- مدى توافر المواصفات القياسية المناسبة واستخدامها.
- التأهيل المناسب ليواكب الخطط الحالية والمستقبلية.
- القيادات الفنية.
- مدى الاستفادة من عائد المعلومات بعد الاستخدام.
- السرعة والتجارب مع النقلات التكنولوجية.
- كفاءة الأنظمة التنفيذية.
والبحوث الأساسية واحدة، وهي تخدم القطاعين المدني والعسكري، وكذلك البحوث التطبيقية إذ لابد أن تنتهي بعينة صالحة للاستخدام، وبالتالي تشمل بحوث الدفاع الصور الأساسية المختلفة كبحوث علمية تطبيقية ثم بحوث تطوير، غير أن تعريفها يختلف في أنه يضيف مواصفات خاصة بالدفاع Military Specifications، وهو ما يضيف أعباء إضافية، ومعظم البحوث في مجال الدفاع تقع في إطار البحوث الاستراتيجية والتطبيقية. وينعكس العلم - عموماً في - تكنولوجيا الدفاع على ثلاثة أمور جوهرية:
- زيادة طاقة النيران Fire Power.
- سرعة وكفاءة الاتصالات Communication.
- يسر وسرعة التحرك Mobility.
وحسب الاستراتيجية العسكرية الأمريكية - التي وضعها الجنرال كولن باول رئيس الأركان الأمريكي (1992م) - فإن التفوق التكنولوجي ضمن العناصر الرئيسة لهذه الاستراتيجية، وقد أصبح هناك معادلة للنصر العسكري على النحو التالي:
النصر = التكنولوجيا X التنظيم والمعدات X فن القيادة.
وللمحافظة على استمرار التفوق التكنولوجي لدول الشمال (الغرب) تم توقيع اتفاقية Military Technology Control Regime اختصاراً (M.T.C.R) لتحديد التكنولوجيات الحرجة أو ذات الاستخدام المزدوج التي يجب ألا تتسرب لدول العالم النامي وتشمل عشرات المجالات التي بدونها يصعب وجود صناعة عسكرية متقدمة.

تكنولوجيا المعلومات

المعلوماتية مستوى من التكامل بين تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية والاتصالات والحواسب الآلية، ومع ظهور وسائل الاستطلاع والأسلحة بعيدة المدى ازدادت احتياجات ومطالب القادة من نظم القيادة والسيطرة للاستفادة من المعلومات وإمكانات الأسلحة المستحدثة في الوقت والمكان المناسبين، وهو ما أدى إلى تطور ضخم في وسائل جمع المعلومات وتداولها وتحليلها وأصبح يتدفق على مراكز القيادة والسيطرة على مختلف المستويات، وإذا لم يتم التعامل مع هذه المعلومات بالأسلوب العلمي السليم بكفاءة فإنها تصبح عبئاً على القيادة، بالضبط كما هو الحال مع نقص المعلومات، وقد دفعت احتياجات ومطالب القيادات من المعلومات المؤكدة التي تم فرزها وترتيبها وتبوبيها إلى ما يسمى "ثورة المعلومات"، حيث حدث تطور هائل في مفهوم القيادة والسيطرة تدرج خلال تسعينيات القرن الماضي على النحو التالي:
- القيادة والسيطرة Command Control C2.
- القيادة والسيطرة والاتصالات Command Cotrol and Comminications C3.
- القيادة والسيطرة والاتصالات والمعلومات Command Control,
Communications, and InformationC31.
وخلال العقد الأول من القرن الحالي ينتظر أن تتحول إلى:
القيادة والسيطرة والاتصالات والحواسب والمعلومات Command Control, Communications Computers and Information C41.
وفي هذا السياق يمر العالم الآن بمرحلة من التطور التكنولوجي تضافرت فيها معاً نتائج ثلاث ثورات هي: ثورة الحاسبات الإلكترونية، وثورة المعلومات، وثورة وسائل الاتصال، وقد أصبحت التفرقة بينها صعبة حيث جمعها معاً النظام الرقمي (Digital System).


وقد مرت عملية تطور الحاسبات بخمس مراحل أو (أجيال): في الجيل الأول كانت الحاسبات تعتمد على مكونات ميكانيكية وكهربائية وكانت قدراتها الحاسبية محدودة، ورغم ذلك كان لها دور كبير في إدارة نيران المدفعية في الحرب العالمية الثانية، ومع ظهور الصمامات المفرغة ظهرت الحاسبات الإلكترونية فازدادات قدراتها الحسابية وتم تصنيعها في أحجام أصغر رغم ما بها من عيوب كالاستهلاك العالي من الكهرباء والحاجة لتبريد مكوناتها. وولد الجيل الثاني من الحاسبات بعد اختراع أشباه المواصلات (Semiconductors) لتحل محل الصمام الفرع، وانطوى التغيير على ميزات عملية في القدرات الحسابية واستهلاك الطاقة والحجم الأصغر. وفي الستينيات حدث تطور آخر تمثل في جمع عدد من الدوائر الإلكترونية في وحدات مجمعة تسمى الدوائر المتكاملة Integrated Circuits (IC)، ثم ظهرت المعالجات الدقيقة وتنوع استخدامها في منتجات أخرى كالطائرات والصواريخ ومعدات الاتصال وأجهزة السيطرة على النيران في الدبابات ... وغيرها.

وكان من نتائج ذلك أيضاً ظهور الحاسبات الدقيقة Microcomputers التي استخدمت مشغلاً دقيقاً وبدأ إنتاج الحاسبات الخاصة بأجهزة الرؤية الليلية والصواريخ الموجهة وأجهزة الملاحة والطيران وأجهزة تحديد المواقع فلكياً، وفي عام 1978م ظهرت الحاسبات الشخصية وتنافست الشركات في إنتاجها بقدرات حسابية وسرعات وإمكانات برمجة متفاوتة، ويمكن وصف الجيل الرابع من الحاسبات بأنه ذو سرعات وقدرات حسابية وتخزينية عالية، لكن السمة الأهم فيه هي ظهور لغات برمجة حديثة وقوية وحزم برامج جاهزة تيسر لغير المتخصصين استخدام الحاسبات.

حواسب فائقة وقتال رقمي

أدى التطور الذي بدأ يتنامى في عدة اتجاهات إلى توسع استخدام الحاسبات في كل التطبيقات تقريباً، واعتمدت فكرة حاسبات الجيل الخامس على استخدام تكنولوجيا الذكاء الصناعي في بناء تطبيقات مثل نظم الخبرة للمساعدة في اتخاذ القرار وعمليات التشخيص آلالي في المستشفيات وصولاً إلى الإنسان الآلي، وأثمرت هذه التطورات ثورة الوسائط المتعددة Multi Media، ثم ظهور البنوك الآلية والأسلحة الذكية والصواريخ الموجهة تلفزيونيا والصواريخ ذات المستشعرات الكهرومغنطيسية وغيرها، ومع نهاية عقد الثمانينيات اتجهت اليابان للتفكير في أجيال أخرى من الحاسبات باستخدام Neutral and Fuzzy Technologies تكنولوجيا الخلايا العصبية والمنطق المبهم لإنتاج حاسبات الجيل السادس، وتقوم هذه التكنولوجيا بمحاكاة الجهاز العصبي للإنسان.
وتعد الحاسبات فائقة القدرة Super Cmputer قمة تطور تكنولوجيا الحاسبات في نهاية القرن العشرين، وقد ظهرت استجابة للحاجة لقدرات حسابية فائقة لا تفي بها الأجيال التي ظهرت من الحاسبات العادية. ومن أهم تطبيقات هذه الأجهزة: مبادرة حرب النجوم الأمريكية، وعمليات حرب الخليج الثانية الخاصة بصواريخ سكود وصواريخ باتريوت، ونظم الصواريخ المضادة للصواريخ العابرة للقارات. ولتحقيق القدرة الحسابية الفائقة يستخدم مصمموها عددا من المعالجات الدقيقة تعمل بالتشغيل المتوازي أو المتعدد Parallel Processing or Multiprocessing، حيث تعمل المعالجات في وقت واحد على مهمة واحدة يتم تقسيمها بينهم آليا.

وهذا التقدم السريع وتطبيقاته في نظم القيادة والسيطرة "C41" بمفهومها الشامل يتوقع أن يؤدي إلى إحلال الأساليب الرقمية Digital Technique محل الأساليب التناظرية Analog Technique في معظم المعدات الإلكترونية، وفوق ذلك فهي التكنولوجيا الأساسية في كل ما يتعلق بالحواسب الآلية، إذ أسهم استخدامها في تصغير حجم ووزن المعدات، مما سهل نقلها جواً، وإخفاءها، ورفع قدرتها على المناورة. وقد أصبح بالإمكان التعامل مع الخرائط رقمياً - كما في صواريخ كروز - وتبادل المعلومات بين القيادة والوحدات القتالية بشكل مستمر، وتلقي الصور من ميدان المعركة من صور الأقمار الاصطناعية أو الطائرات بدون طيار، حيث يتلقاها الحاسب العملاق فيقوم بعمليات فرز وتجنيب وتبويب ثم يوجهها إلى كل قائد ميداني فيما يخصه، وللتعامل مع هذا الكم الكبير من المعلومات وعمليات المعالجة المعقدة والمتعددة، هناك حاجة إلى حاسبات عسكرية ذات سرعات فائقة وذاكرة ضخمة جداً، وهذه الحاسبات العسكرية العملاقة ستكون أحد ظواهر القرن الحادي والعشرين، ولأجل التغلب على قيود اتفاقية حظر التجارب النووية طورت الدول المتقدمة حواسب قادرة على محاكاة التجارب النووية بشكل افتراضي، وهي حواسب تبلغ سرعتها أكثر من 100 ألف ضعف عن الحواسب الموجودة حالياً، ويطلق على مشروعها "المبادرة الاستراتيجية للحاسبات المتسارعة" Accelerating Strategic Computing Fricative.

الإخفاء والقتال عن بعد

تعد تكنولوجيا الإخفاء من أهم تطورات تكنولوجيا الحرب الحديثة، وتوفر نظم الإخفاء وسائل بسيطة وعالية الاعتمادية للأفراد والمعدات، ومع تضاؤل الفجوة الزمنية بين اكتشاف الهدف وضربه أصبحت تكنولوجيا الإخفاء تقوم بدور متميز في تقليل الخسائر البشرية والمادية على السواء، وقد تطور الإخفاء من الوسائل التقليدية (شباك تمويه - طلاء بلون معين - ..) ليتخذ مسارات مختلفة، أهمها: الإخفاء الحراري باختزال حجم ودرجة إشعاع المصادر الساخنة، حيث لايمكن فنيا إلغاء البصمة الحرارية للمعدات، بينما يمكن تخفيض مستواها بحيث لا تبدو لمن يرصدها واضحة، وهناك أيضاً الإخفاء الراداري من خلال امتصاص وتشتيت الموجات الرادارية وإضعافها إلى مستوى قريب من مستوى الموجات المرتدة من البيئة المحيطة. أما الطلاء ببويات خاصة فيختلف عن الطلاء ببويات التمويه التقليدية في أن بعضها له قدرة عاكسة للأشعة تحت الحمراء، وبعضها يمتص الأشعة تحت الحمراء، ولذا يستخدم لدهان جميع المعدات العسكرية (طائرات - قطع بحرية - مركبات بأنواعها) فيقلل بصورة ملموسة تعرضها للقذائف الحساسة للأشعة تحت الحمراء. وهناك نوع ثالث له قدرة على امتصاص أشعة الرادار ويستخدم في دهان الطائرات والقطع البحرية وهو ما يعني فاعليته في الإخفاء الحراري والراداري معاً، وخلال حرب الخليج الثانية تم طلاء الدبابات الأمريكية بإحدى تلك البويات التي تعكس 85% من الأشعة الساقطة عليها، مما أدى لتخفيض حرارة سطحها ب15 درجة مئوية.

ومن أشكال الإخفاء المهمة تقليل البصمة الرادارية من خلال تصميم المعدة نفسه طبقاً لزوايا انسيابية معينة لكل أنواع المعدات، فمثلاً أمكن تقليل المقطع الراداري للدبابة من حوال 50م2 إلى 1،0م2، واستخدمت هذه التقنية بنجاح في الطائرة F117 (الشبح). أما شباك التمويه متعددة الأغراض فهي نوعية حديثة مصنوعة من النايلون وذات تركيب بتروكيماوي يجعلها قادرة على أن تعكس الأشعة تحت الحمراء إلى جانب تشتيت الأشعة الرادارية أو امتصاصها.

وعن مفهوم القتال عن بعد Stand off Technology يقول اللواء دكتور نبيل فؤاد إن التطور التكنولوجي أسهم كذلك في توسيع مسرح العمليات ليصبح بالإمكان القتال على الجبهة وفي العمق معاً، إلى جانب التغلب على العقبات الطبوغرافية من خلال تطويع عدد من التكنولوجيات التي يمكن من خلالها القتال عن بعد Fire Forget وتستخدم هذه النظم الذكية Smart الحواسب متناهية الصغر Micoro Computer التي يتم تخزين بيانات الهدف فيها وتوضع في رأس القذيفة ومستشعرات Sensors باحثة عن الحرارة أو الموجات الكهرومغنطيسية التي تجذبها للهدف، وتعد صواريخ كروز أبرز تطبيقات هذا النظام.
ومن التطبيقات المهمة أيضاً لهذه الثورة الذكاء الصناعي Artificial Intelligence، وهو أحد علوم الحاسبات في مجال تصميم أنظمة ذكية Intelligent Systems لها القدرة على تفهم الكلام والقيام بعمليات استنتاج واستدلال وحل مسائل، ويعتمد تصميمها على توافر قاعدة معلومات في مجال التخصص تبنى على أساس اختزان الخبرات ومحاكاتها، فهي تحاول محاكاة العنصر البشري بالكفاءة نفسها، ولكن بسرعة ودقة أكبر، ويمكن تحويل أي من النظم المساعدة في إتخاذ القرار إلى نظام ذكي بإضافة قاعدة معلومات تحسن أداءه، وقد تم إنتاج نماذج كثيرة للنظم الذكية - تم استخدامها في حرب الخليج الثانية - تركزت في مجالات: المستشعرات متعددة الأغراض، وتحليل الرسائل والشفرات، وتحديد مواقع القوات، واختيار التكتيكات وطرق الاقتراب المناسبة، وتمييز الأهداف، وتفسير الخرائط، والتوجيه الآلي.

الأسلحة غير المميتة

الأسلحة غير المميتة Non Lethal Weapons أحد التصنيفات الحديثة للأسلحة، وتعد أقل فتكاً، حيث لا تكون مميتة للأفراد بل تستهدف إضعافهم أو تعطيل معداتهم. وقد ظلت تستخدم هذه الأسلحة لفترة طويلة بشكل أساسي في الشرطة والقوات شبه النظامية ثم أنتجت منها نوعيات أكثر تطوراً للاستخدام العسكري، ويؤدي استخدامها لتقليل الخسائر البشرية والمادية للحروب؛ وتقليص تكاليف إعادة الإعمار، وتضم هذه الأسلحة: الأسلحة الصوتية، والأسلحة الصويتة البصرية، والحواجز، والهراوات، ومضادات القتل، والتقنيات الحيوية، والأسلحة المكهربة، الأسلحة الكهرومغنطيسية، والأسلحة الرغوية اللزجة.

وتعد القنابل النيوترونية Neutron Weapons سلاحاً لاستهداف الأفراد دون المنشآت، إذ صمم لتقليل الصدمة الحرارية المتولدة من القنابل النووية الكبيرة، بينما يقدم الطاقة القاتلة للنيوترونات السريعة ذات الطاقة العالية، وهو ما يؤدي إلى التحكم في حدود التدمير الإنشائي الناتج عن التفجير مع زيادة قدرتها على قتل الأفراد، ولذا يطلق عليها القنبلة الصديقة للمباني A Building Friendly Bomb، ويتم إنتاجها من الزئبق الأحمر، وتبلغ قوتها كيلو طناً واحداً، وكما تم إنتاج نموذج مصغر منها يتميز بدقة التصويب.

وتحت عنوان: "انعكاسات التطور التكنولوجي على استخدامات القوات"، يعالج اللواء الدكتور نبيل فؤاد تأثيرات هذا التطور في: أولاً: بنية القوات، فالنتيجة الطبيعية لآلية المعركة هي تقليل العناصر البشرية نتيجة إحلال الآلة محلها جزئياً ونتيجة قيام المعدة المتطورة بمهام كانت تقوم بها قبلا عدة معدات، وسيفرض هذا التطور الاستعانة بقوة بشرية مؤهلة علمياً لتستوعب أنظمة التسليح المتطورة، كما أن هذه الأنظمة أصبحت تبنى بشكل متكامل يشتمل على مكون حرب المعلومات، وأدى تقدم تكنولوجيا التصغير في كل المجالات تقريباً إلى تقليص حجم المعدات العسكرية بدرجة ملحوظة، وستؤدي تكنولوجيا الإخفاء لإطالة عمر نظم التسليح على نحو سيؤثر في اقتصاديات التسليح، وسيؤدي هذا التطور لإعادة تنظيم الوحدات المقاتلة باستحداث وحدات جديدة (فضائية - حرب معلومات - دفاع ضد الصواريخ - وحدات ليزر - ...) ومقابل ذلك سيتم تقليص حجم وحدات المشاة التقليدية والاعتماد على قوات المشاة الميكانيكية والمدرعة، مع زيادة حجم القوات الخاصة. ومن المنتظر أيضاً زيادة عدد وحدات الصواريخ أرض-أرض، والصواريخ المضادة للصواريخ التكتيكية والعملياتية والاستراتيجية على السواء، وكذلك عناصر المدفعية ذات المقذوفات الذكية والموجهة ذاتياً على حساب عناصر المدفعية التقليدية المجرورة، وتخفيض حجم وحدات الإشارة والاستطلاع التقليدية اعتماداً على نظم الاتصال التي توفرها ثورة المعلومات.

اتجاهات التطور في الطيران

وسيشهد سلاح الطيران تطوراً كبيراً في كل الاستخدامات المعروفة (مقاتلات متعددة المهام - قاذفات - استطلاع - نقل - إنذار مبكر - ...) وستشهد استخدامات جديدة كإضاءة الأهداف بأنواع الأشعة المناسبة، واستخدام الطائرات في إطلاق الأقمار الاصطناعية واستخدام الطائرات بدون طيار كألغام طائرة أو طائرات نقل بعيدة المدى، الأمر الذى يُنتظر معه أن يفتح الباب لظهور مقاتلات دون طيار. إلى جانب استخدام الطائرات لمواجهة الصواريخ البالستية، وأهم اتجاهات التطور المتوقعة لتكنولوجيا الطيران هي:
- تطور تكنولوجيات بناء الطائرات من المواد المركبة.
- زيادة السرعة مع ارتفاع القدرة على المناورة الحادة.
- مضاعفة الحمولة من أسلحة التدمير وزيادة دقة التصويب والقدرة التدميرية للقذائف.
- انتشار تكنولوجيا الطائرات المخفية.
- تطوير وسائل الاستشعار والإنذار التي تجهز بها الطائرات لتناسب المدى المتزايد للقذائف التي تحملها.
- انتشار تكنولوجيا الأجنحة المتحركة لتقليل مقاومة الرياح وزيادة القدرة على المناورة.
- القدرة على الهبوط والإقلاع من مدارج قصيرة.
وبالنسبة للمقاتلات، فمن المنتظر استمرار التطور في: المواد المركبة، واللدائن، والإليكترونيات، وتكنولوجيات الإخفاء، ونوعية التسليح، وحجمه، ومداه، كما ينتظر أن يستمر ارتفاع أسعارها حيث تشكل التجهيزات الإلكترونية أكثر من نصف ثمنها. ومن المنتظر أن تظل المقاتلة الحديثة متعددة المهام تؤدي مهام: الاعتراض والسيادة الجوية والمعاونة التكتيكية المباشرة، ومن أهم نماذج تطورها الطائرة الأمريكية الحديث A.T.F فهي مصممة لتحل محل المقاتلة الأمريكية F15E وطائرة البحرية F14D وتتميز بقدرة كبيرة على المناورة، ما يعني القدرة على خفض قوس الطيران مع سرعة رد فعل عالية ضد الأهداف الجوية المعادية عند السرعات العالية، وكذا الهبوط والإقلاع من مدرج طوله 600متر فقط (قيادة)، وقد تم إخفاء جسمها بتكنولوجيات الإخفاء.

أما الطائرات الموجهة بدون طيار بعيدة المدى Long Range Remotely Piloted Vehicles فستكون أكبر من مثيلاتها الحاليات وستتميز بمدى عمل كبير لمهام المراقبة والمسح الجوي وخداع أجهزة الرادار والتشويش وكذلك القصف الجوي، وسوف تستخدم اللدائن في بناء هيكلها، وستزود بأكثر من محرك ليمكنها التحليق على ارتفاعات تصل إلى 23 كم لزمن أكثر من 30 ساعة، كما تجرى دراسات لإنتاج طائرة بدون طيار تكون قادرة خلال مرحلة ارتفاعها على تدمير الصواريخ البالستية، ودراسات أخرى لإنتاج مقاتلة موجهة عن بعد تم التحكم فيها أرضياً وتم اختبار النماذج الأولية منها عام 1997م.

الحرب الحديثة رؤية مستقبلية

الفصل الرابع: "الحرب الحديثة: رؤية مستقبلية"، وفي هذا الفصل - كما يبدو من عنوانه - يحاول اللواء الدكتور نبيل فؤاد وضع تصور مستقبلي في إطار الثورة التكنولوجية الجديدة (ثورة المعلومات - ثورة المقذوفات الذكية والدقيقة والمديات البعيدة - ثورة الحاسبات العملاقة - ثورة التوسع في الاستخدامات العسكرية في الفضاء)، وفي ظل المعطيات الجديدة يتسع مسرح العمليات بحيث تختفي الخطوط الفاصلة بين العمق وخط المواجهة، مما سيؤدي حتما لإعادة النظر في الآراء التقليدية حول أنساق القيادة، والهيكل الجديد للقتال سيدمج وينسق بين أنظمة القتال المتعددة الاستخدام لتنفيذ هجمات متزامنة ضد أقصى عمق للعدو وهو ما يعني أن المستويات الثلاثة لمسرح العمليات (الطول - العرض - الارتفاع) بوصفها منفصلة سوف تنعدم الحدود بينها.

من ملامح الحرب الحديثة كذلك ميكنة ميدان المعركة Automated Battlefield الذي يعني آلية المعركة اعتماداً على التطبيقات الإلكترونية الدقيقة في المراحل الأربع للعمليات العسكرية (رصد قوات الخصم - اتخاذ قرار بكيفية التعامل معه - توجيه أنظمة التسليح الملائمة - تقدير مدى الخسائر التي لحقت بالأهداف)، ومن خصائص الصورة التكنولوجية - ومن ثم حرب المعلومات - أن لها قدرات تكتيكية وعملياتية واستراتيحية في مسرح العمليات لقدرتها على شل جميع مراكز القيادة والسيطرة، وشل القوات الجوية وشبكات الدفاع الجوي ما يؤدي إلى تعقيد عملي اتخاذ القرار لدى الخصم، كما تتنوع حروب عصر المعلومات بميزتين رئيستين: الغموض والتنوع.

وقد شهدت حرب الخليج الثانية ثورة في استخدام تقنيات متقدمة جداً لخوض حرب هي في جوهرها تقليدية، وقد توجت بنهاية حاسمة وبخسائر محدودة في صفوف قوات التحالف، وتبدو ملامح الحروب الحديثة في القرن الحادي والعشرين مزيجاً من تكنولوجيات متطورة في مجالات عدة. غير أن التطور التكنولوجي الكبير في نظم التسلح وأيضاً الفكر الاستراتيجي من الصعب أن يشكل نمطاً يمكن أن تحتذيه الدول جميعاً - كبيرها وصغيرها - فالفوارق في القدرات التكنولوجية والاقتصادية ستحول دون ذلك.

ولا يعني هذا التحول استبعاد المفاهيم العسكرية التقليدية فمبادئ الحرب ثابتة في معظمها منذ وضع ( صن تزو) كتابه: "فن الحرب" (عام 500 قبل الميلاد)، لكن بعض مضامينها تتغير طبقاً للتطور في نظم التسليح وأساليب الحرب، وتتميز الحروب الحديثة عموماً بالاعتماد الواسع على التكنولوجيا والتنافس لتحقيق التفوق المطلق اعتماداً على معطيات التكنولوجيا.

الكتاب: الثورة التكنولوجية وحروب القرن 21: بين الواقع والخيال.
المؤلف: لواء دكتور نبيل فؤاد.
الناشر: مركز زايد للتنسيق والمتابعة، دولة الإمارات العربية المتحدة، فبراير 2003م.

 

 


 

الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس