الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:34 PM

  رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

-العصر المماليكي
استفاد المماليك من تجربة الايوبيين والصليبيين فربطوا اقطاع الارض بالتنظيم العسكري واعتبروا الارض ملكاً للسلطان وجنوده. وكانت اهمية الاقطاعية توازي أهمية الرتب العسكرية. بل ان أهمية الفرد في العهد المملوكي كانت تختلف بحسب الطبقة التي ينتمي اليها، كما ان العلاقة بين الطبقات نفسها كانت تختلف باختلاف وضعها في السلم الاقطاعي. وعلى هذا الاساس شكلت منطقة جبل عامل جزءاً من هذا التنظيم الذي فصله "القلقشندي" من حيث الالقاب والملابس وانواع الوظائف. أما "المقريزي" فقد جعل المجتمع المملوكي سبعة أقسام:
- أهل الدولة
- أهل اليسار من التجار
- أولو النعمة من ذوي الرفاهية
- الباعة
- أهل الفلاحة والحراثة وسكان القرى والريف.
- الفقراء (من الفقهاء وطلاب العلم والجنود والاجراء وأصحاب المهن)
- ذوو الحاجة
بعد جلاء الصليبيين شعرت العائلات الارستقراطية –ومنها شيعة كسروان، مالكة الارض، امام التقسيم الجديد للارض والسلطة- ان مصالحها مهددة ببروز قوة المماليك الذي ارادوا مركزة السلطة وحصرها بين ايديهم، فاعتبروا ان لبنان وسورية وفلسطين قسم لا يتجزأ من دولتهم، وامام تمسك الكسروانيين بسلطتهم، واستغلال التنوخيين لهذا النزاع ليوسعوا اقطاعهم على حساب الشيعة، خرج احد قواد المماليك من دمشق بجيش عظيم وضرب ضياعهم واقطع كرومهم ومزقهم بعدما قاتلهم احد عشر يوماً وملك الجبل عنوة، ووضع فيهم السيف، وأسر ستمائة رجل، وغنم العسكر منهم مالاً عظيماً، فهاجر الشيعة على اثرها الى مناطق جنوب لبنان وخاصة منطقة "جزين" منه. وازاء فشل جميع الحركات الدينية التي قامت في منطقة جبل عامل ضد المماليك استغل "بنو بشارة" موالاتهم للماليك الذين اقطعوهم منطقة جبل عامل. ولم ينته دور هذه العائلة الاقطاعية حتى اوائل القرن السادس عشر، عندما قضي عليها امراء البقاع من "آل الحنش".

4-العلاقات الاجتماعية والثقافية في جبل عامل في العهد الصليبي
تعتبر دعوة "بابوية" القرون الوسطى لتخليص بيت المقدس من المسلمين في جوهرها دعوة دينية. فالعامة تقبلتها اثر االروايات المتواترة عن اضطهاد المسيحيين الحجاج وتخريب كنيسة القيامة. ومع ذلك طغت النوازع الدينوية في هذه الحروب على النوازع الدينية، حيث ان غالبية الصليبيين –من ملوك وقادة وبتشجيع من الجمهوريات الايطالية التجارية- اشتركوا في هذا الغزو، بغية تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في الشرق العربي.
ولهذا، فالحملة الصليبية الرابعة بدل ان تتجه نحو القدس لتخليصها من الايوبيين جنحت نحو القسطنطينية واستولت عليها، ونهب الصليبيون كنائسها وأديرتها.
وفي الواقع، ان ما قيل عن اضطهاد السلاجقة للمسيحيين لا يدخل ضمن خطة عامة ومرسومة بقدر ما يشير الى بعض الحوادث الفردية التي تعرض فيها الحجاج المسيحيون لاعمال السلب والنهب. وبطريرك القدس في هذه الاونة يذكر في احدى رسائله "ان المسلمين قوم عادلون ونحن لا نلقى منهم أي أذى او تعنت".
فعلى الرغم من الصبغة الدينية التي اتسمت بها هذه الحرب، وعلى الرغم من انحياز بعض نصارى لبنان الى جانب الصليبيين، فالتاريخ الاجتماعي يرفض اعتبارها انقساماً دينياً او حرباً طائفية. لان السبب الحقيقي لوقوف هؤلاء النصارى الى جانب الصليبيين يرجع في اساسه الى عاملين أثنين:
اولاً : ان نمط الانتاج الاقتصادي في ذلك الوقت كان يتخذ شكلاً اقطاعياً. ولهذا كان من مصلحة اسياد لبنان من المسيحيين، بما لكلمة السيد من مدلول اقطاعي، ان يجبروا اتباعهم على الوقوف الى جانب الفاتحين الجدد الذين عملوا على تغريرهم طمعاً في كسب اراض جديدة يضمونها الى اقطاعاتهم على حساب ولاة حكام الدولتين الفاطمية والسلجوقية.
ثانياً : ان جوهر العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة في مجتمعات العصور الوسطى هي الرابطة الدينية، لان المعنى الحقيقي للقومية لم يكن واضحاً في هذا الوقت بقدر وضوح الولاء الديني. ولهذا اطلق على هذه العصور تسمية "عصور الايمان الديني".
ولكن ما ان اصبح الصليبيون اسياد البلاد حتى اخذوا بمعاملة المسيحيين والمسلميين على السواء وكأنهم اتباع (نصف عبيد) مما أدى الى قيامهم بعدة انتفاضات (باعتراف مؤرخ الصليبيين وليم الصوري) بمساعدة المسلمين، مسجلين بذلك صفحة ناصعة في تاريخ العلاقات الاجتماعية بين اللبنانيين جميعهم.
ولكن سرعان ما كانت العلاقات تستقر بين الطرفين نتيجة لضرورة التعامل التجاري والحوافز الاقتصادية التي كانت تربطهما. وابن جبير الذي زار لبنان في هذه الفترة يخبرنا بذلك: "من العجب ان النصارى المجاورين لجبل عامل اذا رأوا به بعض المنقطعين من المسلمين جلبوا لهم القوت واحسنوا اليهم، ويقولون هؤلاء ممن انقطع الى الله عز وجل فتجب مشاركتهم".
اما في وصفه لحالة سكان جبل عامل في تلك الفترة فيذكر قائلاً: "رحلنا من تبنين، دمرها الله، (اشارة الى انها بأيدي الافرنج) وطريقنا كله على ضياع متصلة وعمائر منتظمة، سكانها كلهم مسلمون، وهم من الافرنج على حالة ترفيه، نعوذ بالله من الفتنة". ولا أدل على الحياة الاجتماعية المشتركة التي عاشها المسلمون والنصارى في مدينة صور من وصف ابن جبير ايضاً لعرس أفرنجي يشترك فيه كلا الطرفين:
"خرجت (العروس) تتهادى بين رجلين يمسكانها من يمين وشمال.. وهي في أبهى زي، وآخر لباس، تسحب أذيال الحرير المذهب سحباً على الهيئة المعهودة من لباسهم، وعلى رأسها وهي رافلة في حليها وحللها تمشي فترا في فتر مشي الحمامة او سير الغمامة، نعوذ بالله من فتنة المناظر، والمسلمون وسائر النصارى من النظار قد عادوا في طريقهم يتطلعون فيهم ولا ينكرون عليهم ذلك".
ولما كان المجتع الصليبي في منطقة جبل عامل يتشكل باسره من العساكر والتجار، فلم يكن في الواقع صالحاً لان يخلق او يقيم مستوى فكرياً رفيعاً. لهذا كان أثر الصليبيين الحضاري في هذه المنطقة ضعيفاً جداً اقتصر على العلاقات الاقتصادية وعلى ما يترتب بين السيد وفلاحيه من علاقات محدودة ضمن اطار ما تمليه المصلحة الحربية. و"اسامة بن منقذ" صاحب "كتاب الاعتبار" الذي كان يعايش الافرنج في تلك الحقبة يروي لنا في باب طبائعهم واخلاقهم قائلاً: "سبحان الخالق الباريء اذا خبر الانسان امور الافرنج سبح الله تعالى وقدسه ورأى بهائم فيهم فضيلة الشجاعة والقتال لا غير، كما في البهائم فضيلة القوة". كما يذكر لنا ايضاً عن عجائب طبعهم ومحاكماتهم وغرائب عاداتهم وتقاليدهم ما يتنافى مع عادات وتقاليد العرب. وتحت عنوان ليس للافرنج غيرة جنسية يذكر: "وليس عندهم شيء من النخوة والغيرة، يكون الرجل منهم يمشي هو وامرأته يلقاه رجل آخر يأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها، والزوج واقف ناحية ينتظر فراغها من الحديث، فاذا طولت عليه خلاها مع المتحدث ومضى."

 

 


   

رد مع اقتباس