الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:32 PM

  رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

وبينما تذكر بعض المصادر المعاصرة ومنها "ابن القلانسي" ان نورالدين هزم الصليبيين ومعهم بعض المسلمين في جبل عامل قرب بانياس، نرى العامليين يساندون صلاح الدين في حروبه. وتفسير ذلك انه ليس من المستغرب ان يضم جيش الصليبيين بعض المسلمين، لان النظام الاقطاعي الذي كان سائداً كان يعتمد على تأدية خدمة عسكرية سنوية يؤديها التابع للمتبوع بحسب التشريعات والاعراف الاقطاعية.
ومع ان القوة الصليبية استرجعت بعض ما فقدته من مناطق في عهد خلفاء صلاح الدين، فان بروز القوة العسكرية المملوكية منذ بداية النصف الثاني للقرن الثالث عشر، كانت عاملاً حاسماً في اجلاء الصليبيين عن المنطقة برمتها. اذ لم تكد سنة 1291 تنتهي حتى اصبح لبنان –بما فيه منطقة جبل عامل- تحت الحكم المملوكي الذي استمر حتى سنة 1516 ميلادية عندما حل العثمانيون محل المماليك.
والعامليون خضعوا خلال الفترة –بين القرن العاشر والسادس عشر للميلاد- لعدة نظم مختلفة، نحدد هويتها العامة على الشكل التالي:

2-النظم الاجتماعية والسياسية

1-في العهدين السلجوقي والايوبي
امتدت دولة السلاجقة بشكل بات معه من المستحيل السيطرة على اطرافها. فوزعت الاراضي بين الامراء والقادة العسكريين بشكل اقطاعات لهم، فيها حق الاستغلال والحكم والولاية. ومنعاً من تحلل هؤلاء من السلطة المركزية، جعل "نظام الملك" اقطاع الشخص الواحد في عدة امكنة متباعدة، كما حصر توليته بحق الاستغلال دون التوريث، وقرر عليهم التزامات عسكرية ومالية معينة. وقد استمر النظام الاقطاعي في عهد الدولة الايوبية على الشكل الذي قرره السلاجقة من قبل. اذ كان مورد الدولة الاساسي هو الاقطاع الحربي، وقد ادخل صلاح الدين على هذا النظام ما يسمى بالبدل، اي ان يدفع الفلاح –اذا اراد ذلك- كميات من الشعير او الفول بدلاً من القمح مثلاً.

2-العهد الصليبي :
لقد حمل الاستعمار الفرنجي معه الى منطقة الشرق نظمه الاقطاعية التي كانت سائدة في اوروبا. واتخذت منطقة جبل عامل من بين جميع المناطق اللبنانية في هذا العهد طابعاً خاصاً بها. اذ كانت سيطرة الصليبيين ولمرحلة طويلة على المنطقة كلها، كما كانت تعتبر من المناطق التي يجب على الافرنج، حفاظاً على بقائهم، التمسك بها لكونها تمد مملكة بيت المقدس بالغلال وتشكل مع امارة الجليل سوراً حديدياً لها.
ولما كان امتلاك الصليبيين للارض قد نشأ عنه بالضرورة امتلاكهم للسلطة، فقد نشأ امتزاج بين الارض والسلطان في منطقة جبل عامل، جعل المجتمع يدين بدورته الاقتصادية للنظام الاقطاعي. مما أدى الى خلق تراتبية اجتماعية يقف فيها السيد الاقطاعي على رأس الهرم، يليه اسياد المناطق الصغيرة التابعة له، ثم الطبقة الواسعة من الناس المرتبطة بمالكي الارض بحكم علاقاتهم الاقتصادية التي رسختها العلاقات الحقوقية الموضوعة من قبل الاقطاعيين انفسهم. وهكذا اصبح بحكم هذا النظام سكان جبل عامل أقناناً عند هؤلاء يقدمون الولاء والاخلاص والتموين أيام السلم والحرب، وهو ما يفسر وقوف بعضهم الى جانب الصليبيين في بعض المعارك.
والاقنان شكلوا في السلم الاقطاعي أدنى الطبقات الاجتماعية في المجتمع العاملي. فالقن فلاح قروي يعيش على قطعة من الارض يقدمها له الاقطاعي، على ان تتناسب مساحتها مع مقدار أعبائه الاقطاعية، وهو لا يتمتع بأي حق مدني على سيده، وان كان القانون من الناحية النظرية يعتبره حراً. فمصيره مرتبط بتعسف الاقطاعي واستبداديته، لكون العلاقة بينهما مزدوجة من جهة وسيدية من جهة ثانية. وقد تمير قن جبل عامل –نظراً لعدم رسوخ الاحتلال بالقدر الذي يسمح للاقطاعي بمراقبة أقنانه مراقبة فعلية- بتكوين استثمارات لنفسه وبناء أسرة خاصة به. كما كان القن يمتلك ادوات العمل الزراعي الى جانب الحيوانات والطيور والبذار والعلف والمسكن والابنية الزراعية، ووسائل النقل، والادوات المنزلية.
والفلاح العاملي ارتبط بأرضه ارتباطاً وثيقاً فلم يكن يسمح له بترك ارضه الا نادراً، لئلا تتعرض المناطق التي يسيطر عليها الصليبيون الى خلل سكاني، في الوقت الذي كان يمتهن فيه الصليبيون الفروسية والحرب، فكان من الممكن مصادرة أرض الفلاح وطرده منها. الا انه كان مصدر الاستثمار الاقطاعي الوحيد في المجتمع الحربي الى جانب التجارة، لذلك كان يتم الصاقه بالارض بدلاً من تجريده منها.
اما عن استثمار الصليبيين الاسياد للفلاحين، وان اختلف من مكان الى آخر، فقد اتخذ عدة اشكال كان من أهمها:
اعمال السخرة : التي يقوم بها الفلاحون بالعمل في الارض الزراعية للسيد. (الحراثة والبذر وجمع المحاصيل) بالاضافة الى قيامهم بأعمال حرفية مختلفة كشق الطرق وحفر الخنادق واصلاح الجسور واقامة السدود وتشييد القصور والحصون. وكان الفلاح مرغماً ايضاً على دفع مقررات تشمل المكوس على التجار، والضرائب المختلفة، كضريبة الرأس (رمزاً للعبودية) وضريبة العشر على الانتاج. وهنا يذكر "ابن جبير" ان الصليبيين كانوا يأخذون من سكان جبل عامل الذين يقطنون بين "تبنين" و"عكا" نصف الغلة عند اوان ضمها، وجزية على كل رأس ديناراً وخمسة قراريط ولهم على ثمر الشجر ضريبة خفيفة ايضاً.
اما الاحتكارات فقد كانت متنوعة ايضاً وتشمل: (الطاحونة والمعصرة والفرن) بالاضافة الى ما كان يفرض على الفلاح من "الحلوان" عند انتقال حق حيازة الارض من فرد الى آخر.
وللدلالة على مدى استغلال الصليبيين للمناطق التي سيطروا عليها ما ذكره "فوشيه شارتر" (Foucher de charter) احد مؤرخي الحروب الصليبية المعاصرين لها, فقال: ما معناه "ان الغربيين قد تحولوا الى سكان شرقيين.. فالفرنسيون والايطاليون ليسوا الان سوى مواطنين فلسطينيين وان ابن مدينة الريمس او مدينة شارتر قد تحول الى صوري او انطاكي. لقد نسي الفرنجة اصلهم، بحيث اصبح الواحد منهم يمتلك بيتاً وعائلة ويتكلم لغة البلاد. ومن كان هناك فقيراً اصبح هنا يتمتع ببحبوحة العيش، ومن لم يكن يملك في اوروبا حتى ضيعة صغيرة اصبح هنا سيداً لمدينة بأكملها. فلماذا نرجع اذن الى الغرب طالما الشرق يحقق رغباتنا؟".

 

 


   

رد مع اقتباس