عرض مشاركة واحدة

قديم 20-08-10, 11:04 AM

  رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي طرق دراسة الحرب النفسية



 

طرق دراسة الحرب النفسية


هناك طرق متعددة لدراسة موضوع الحرب النفسية بشكل أعمق، ولعل أكثر هذه الطرق أهمية في نظرنا هي الدراسة المبنية على أهداف الحملات الدعائية، وهذه بدورها تنقسم إلى أقسام ثلاثة: أولها: هدف الدعاية المباشر والسريع، وهو تخطيط الروح المعنوية لدى القوات المحاربة للعدو، وثانيها: الهدف الاستراتيجي طويل المدى، وهو تحطيم إرادة المقاومة في بلد العدو، ويدخل في ذلك المخططات طويلة المدى للغزو الثقافي، أما الهدف الثالث فهو: هدف دفاعي يتصل بحماية جنودنا ضد دعاية الأعداء .


مفهوم الحرب النفسية وأهدافها

تعرف الحرب النفسية بأنها : «الاستخدام المخطط للدعاية أو ما ينتمي إليها من الإجراءات الموجهة إلى الدول المعادية، أو المحايدة، أو الصديقة، بهدف التأثير على عواطف وأفكار وسلوك شعوب هذه الدول بما يحقق للدولة (الموجه) أهدافها».

الأهداف

وأهداف الحرب النفسية تختلف باختلاف وصف الدولة التي توجه إليها:
1. فمع الدول المعادية : يكون الهدف هو التأثير على عواطف وأفكار وسلوك شعوب هذه الدول وجيوشها لتحطيم روحها المعنوية، وإرادتها القتالية، وتوجيهها نحو الهزيمة.

2. ومع الدول المحايدة : يكون الهدف هو التأثير على عواطف وأفكار وسلوك شعوب هذه الدول، لتوجيهها نحو الانحياز للدولة الموجهة، أو التعاطف مع قضيتها، أو على الأقل البقاء في وضع الحياد ومنعها من الانحياز إلى الجانب الآخر.
3. ومع الدول الصديقة : يكون الهدف هو التأثير على عواطف وأفكار وسلوك شعوب هذه الدول، لتوجيهها نحو تدعيم أواصر الصداقة مع الدولة الموجهة ونحو المزيد من التعاون لتحقيق أهدافها؛ لذلك تفضّل بعض الدول استعمال اسم الدعاية بدلاً من لفظ الحرب النفسية.


وتحقق الحرب النفسية هدفها في تحطيم روح العدو المعنوية وإرادته القتالية من خلال المهام الرئيسة الآتية:
1. تشكيك العدو في سلامة وعدالة الهدف الذي يحارب من أجله.
2. زعزعة ثقة العدو في قوته، من حيث: الرجال، والعتاد، والقادة، وثقته في أماكن إحراز النصر، وإقناعه بأنه لا جدوى من شنِّ الحرب أو الاستمرار في القتال.
3. بث الفرقة والشقاق بين صفوف العدو وجماعاته.
4. التفريق بين العدو وحلفائه ودفعهم إلى التخلِّي عن نصرته.
5. تحييد القوى الأخرى وحرمان العدو من محالفتها.

وهناك عدة صور وأساليب للحرب النفسية لأداء تلك المهام، نذكر منها ما يلي:
1. الشعارات والهتافات، لإثارة انفعالات الغضب والكراهية أو الشجاعة والحماسة.
2. الكلمة المسموعة أو المقروءة، التي من شأنها التأثير على العقول والعواطف والسلوك، طبقاً لمقتضيات الموقف (لكل مقام مقال).
3. الإشاعات، وهي أخبار مشكوك في صحتها ويتعذّر التحقق من أصلها، وتتعلق بموضوعات لها أهمية لدي الموجهة إليهم، ويؤدي تصديقهم أو نشرهم لها إلى إضعاف روحهم المعنوية.

صور وأشكال الحرب النفسية في المدرسة الإسلامية

نذكر فيما يلي بعض الأمثلة من صور الحرب النفسية وأشكالها التي زخرت بها معارك الإسلام في عصر النبوة:
1 - الشعارات والهتافات :
اتخذ المسلمون الشعارات والهتافات لتحقيق عدة أهداف، منها: التعارف فيما بينهم أثناء الالتحام بالأعداء أو في الظلام، ومنها إثارة انفعالات الشجاعة والحماسة في نفوسهم، مع ترويع العدو وبث الرهبة والخوف في قلبه، ومن أمثلة صيحات القتال التي استخدمها المسلمون في عصر النبوة: (أحدٌ أحدٌ) في غزوة بدر، و (أَمِتْ أَمِتْ) في غزوة أحد، ومنها أيضاً: (يا خيل الله اركبي) في غزوة ذي قرد، هذا إلى جانب التكبير الذي كان شعار كل مسلم: (الله أكبر).
وما تزال كل الجيوش في هذا العصر تتخذ لرجالها صيحات للقتال تحمّسهم وتحفّزهم إلى الإقدام والاستبسال في المعركة، وهي تستند في هذا إلى إدراكها للعوامل النفسية وأثرها على إرادة القتال.


2 - التفريق بين العدو وحلفائه :
في غزوة الخندق تجمّعت قوى قريش والقبائل الأخرى واليهود للقضاء على المسلمين، وحدث أن جاء (نعيم بن مسعود الغطفاني) ـــ وكانت غطفان من القبائل التي انضمت إلى قريش في التجمّع المذكور ـــ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه أسلم، ولا يعلم قومه بذلك، وطلب منه أن يأمره بما يشاء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : «إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة»، فقام (نعيم) بهذه المهمة بأسلوب بارع حاذق، بحيث حققت مهمته هدفها في الوقيعة بين المتحالفين وفي إزالة الثقة فيما بينهم، فقد ذهب (نعيم) إلى يهود بني قريظة ـــ وكان لهم نديماً في الجاهلية ـــ فقال لهم: «قد عرفتم ودّي إياكم، وقد ظاهرتم قريشاً وغطفان على حرب محمد، وليسوا كأنتم، البلد بلدكم، به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون أن تتحولوا منه، وإن قريشاً وغطفان إن رأوا نهزه (أي فرصة) وغنيمة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادكم وخلّوا بينكم وبين محمد، ولا طاقة لكم به، فلا تقاتلوا حتي تأخذوا منهم رهناً (رهائن) من أشرافهم حتي تناجزوا محمداً»؛ قالت بنو قريظة: «أشرت بالنصح، ولست عندنا بمتهم».

ثم خرج (نعيم) إلى قريش فقال لهم: «بلغني أن قريظة ندموا، وقد أرسلوا إلى محمد، هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم، فأجابهم أن نعم، فإن طلبت قريظة منكم رهناً من رجالكم فلا تدفعوا لهم رجلاً واحداً».

وجاء (نعيم) غطفان فقال لهم: «أنتم أهلي وعشيرتي، وقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم مما حذرهم».
أرسل (أبو سفيان) وسادة غطفان إلى قريظة (عكرمة بن أبي جهل) في نفر من قريش وغطفان في ليلة سبت، وطلبوا منهم الاستعداد للهجوم نهار السبت، ولكن قريظة اعتذروا بأنهم لا يقاتلون يوم السبت، ثم طلبت رهائن من قريش وغطفان قبل أن تشرع بأي هجوم. فقالت قريش وغطفان قد صدق (نعيم)، ولما رُفض طلب قريظة بإعطائها رهائن من قريش وغطفان قالت: لقد صدق (نعيم)، وهكذا كانت دعوة (نعيم) البارعة سبباً في تفريق جمع الأعداء.

3 - تحييد القوى الأخرى وحرمان العدو من محالفتها :
اتَّبع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة سياسة تقوم على عقد الاتفاقات والمعاهدات مع مختلف القبائل لكفالة حرية الدعوة، وحسن الجوار والمعاملة، وكانت النتيجة المباشرة لتلك المعاهدات حرمان قريش من قوى كان يمكنها أن تتحالف معها وتشد أزرها في صراعها مع المسلمين.

4- زعزعة ثقة العدو في إحراز النصر :
وتعتبر غزوة الفتح مثلاً في هذا المجال؛ فلقد أدى التخطيط العبقري الذي وضعه الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ، والذي اعتمد فيه إلى أقصى حدٍ على العوامل النفسية إلى زعزعة ثقة قريش في إمكان النصر على المسلمين، حتى لقد قال زعيمهم (أبو سفيان) لقومه: «يا معشر قريش: هذا محمد جاءكم فيما لا قِبَل لكم به»، وقد حقَّق تخطيط رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدافه بفتح مكة بلا قتال.

5 - التخويف والضغط النفسي :
كتب (أبو سفيان) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «نريد منك نصف نخل المدينة، فإن أجبتنا إلى ذلك، وإلاّ أبشر بخراب الديار وقلع الآثار»، ودعم كتابه بقول الشاعر:
تجـاوبت القبــائل مـن نـزار لنصر اللات في البيت الحرام
وأقبلت الضَراغم من قريش على خيـلٍ مُســوَّمــــةٍ ضِــــرامِ
فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بكتاب جاء فيه: «وصل كتاب أهل الشرك والنفاق والكفر والشقاق، وفهمت مقالتهم، فوالله مالكم عندي جواب إلاّ أطراف الرماح، وأشغار الصفح، فارجعوا ويلكم من عبادة الأصنام، وأبشروا بضرب الحسام وبفلق الهام، وخراب الديار وقلع الاثار».

الوقاية من الحرب النفسية

من الحقائق العلمية أن الروح المعنوية العالية للمقاتلين هي أولى دعائم النصر في المعركة، وأن الحرب النفسية تستهدف تحطيم هذه الروح، ومن أجل ذلك، تتخذ الجيوش كل التدابير التي من شأنها تحقيق ما يلي:
1. رفع الروح المعنوية وتقوية إرادة القتال لدى رجالها.
2. تحصين رجالها ووقايتهم من آثار الحرب النفسية المعادية.
3. إزالة آثار الحرب النفسية المعادية واستعادة الروح المعنوية العالية.
والواقع أن هناك علاقة وثيقة بين (رفع) معنويات الجيش بهذه التدابير، وبين (خفض) معنويات العدو بالحرب النفسية بالصور والأشكال التي عرفناها، ذلك لأن هذا العمل في كلا الاتجاهين ـــ رفع في أحدهما وخفض في الآخر ـــ سوف يزيد المسافة بين مستوى معنويات الطرفين، فيساهم بذلك بدور كبير في إحراز النصر على العدو.
1. تنمية الاتجاهات النفسية الصحيحة لدى الأفراد :
يعرف الاتجاه النفسي بأنه ميل عام مكتسب، ثابت نسبياً، يؤثر في دوافع الفرد ويوجه سلوكه، كالميل إلى أشياء أو موضوعات معينة تجعل الفرد يقبل عليها ويحبها أو يرحّب بها، أو يعرض عنها ويرفضها، ويتضمن الاتجاه النفسي نوعاً من الحكم وإبداء الرأي بالقبول أو الرفض، أو بالموافقة أو بالمعارضة. والاتجاهات النفسية مكتسبة وليست فطرية، فالفرد يدركها أولاً بناء على اتصاله بعناصر البيئة المحيطة به. والموضوعات التي تتمركز حولها الاتجاهات تتصل كثيراً بالنواحي الثقافية والخلقية والاجتماعية.


يقول الجنرال (مارشال) في كتابه: (الجنود في مواجهة القتال): «إذا رغبنا في الحصول على الجندي الصالح، فيجب أن تتجه أنظارنا إلى مهد الطفل عندما تنشئه أمه ليكون رجلاً، وإلى المدرسة حيث يتعلم كيف يضحي بمصالحه الشخصية من أجل الوطن، وفي أروقة الحكومة حيث ينبثق في قلوب الشعب وعي صادق عن الواجب».

وينمّي الإسلام في المسلم الاتجاهات النفسية الإيجابية الصحيحة نحو فكرة إعداد القوة والقتال لإعلاء كلمة الله على ما يلي:
1. بناء الشخصية الإسلامية على الإيمان والتوحيد في العقيدة والأخلاق والعمل، وتبدأ عملية البناء منذ الطفولة وتتغلغل في جميع مراحل التربية والتنشئة الاجتماعية، ومن خلاله يكتسب الفرد الاتجاهات النفسية الصحيحة منذ نشأته.
2. تحرير الشخصية الإسلامية من خوف الموت وحب الدنيا.
3. توفير الصحة النفسية للمسلم ليكون ذا شخصية سوية، وقادراً على التوافق مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه.
وعلى ذلك، يصبح إقبال المسلم على الوفاء بتكاليف الإسلام والجهاد في سبيل الله عن إيمان واقتناع، وفي شجاعة واستبسال، تعبيراً عملياً عن تلك الاتجاهات النفسية وعن إيجابياتها وقوتها.
2. غرس عقيدة القتال :
تُعرّف عقيدة القتال بأنها: مجموعة المبادئ والأفكار والاتجاهات التي يعتنقها أفراد الجيش فيما يتعلق بالقضية التي يحاربون من أجلها، أي أن عقيدة القتال تتعلق بالجانب المذهبي أو المعنوي، ولذلك تسمى أحياناً بالعقيدة المعنوية أو الروحية.
وقد ظهرت عدة نظريات أو مدارس فكرية عن عقيدة القتال وتنميتها في نفوس الجنود، نوضح أهمها كما يلي:

1. المدرسة الجبرية: وهي تقول بأن وظيفة الجندي هي الطاعة العمياء للأوامر والقتال دون أدنى تفكير أو مناقشة ولا تؤمن بضرورة إعداد الجندي معنوياً من خلال عقيدة قتال معينة، ولا بضرورة تفهمه للهدف الذي يحارب من أجله، وكان (فريدريك الأكبر) يعتنق هذه النظرية، ويقول عن رجاله إنهم: «متى اجتمعوا في صفوفهم وعلموا أن الضابط وراءهم بالسوط فإنهم يضطرون خوفاً، ويكفي أن آمرهم حتى يلقوا بأنفسهم في النار دون تفكير، لأنهم يجهلون كل شيء حتى الغرض الذي يقاتلون من أجله». وواضح أن المدرسة الجبرية قد أصبحت غير ذات موضوع إزاء التطور الذي حدث في شكل الحرب وأسلحتها، بحيث أصبح كل شبر من أرض المعركة يحتاج إلى تصرف وابتكار من الجندي الذي يعمل ـــ بسبب ما اقتضته الحرب الحديثة من انتشار ـــ بعيداً عن قائده وحتى عن زملائه.

2. مدرسة العقيدة المحددة: وهي تنادي بضرورة اعتناق الجنود لعقيدة محددة (دينية أو سياسية أو مذهبية ... إلخ) تتركّز حولها جميع اتجاهاتهم الفكرية، وتوحّد جهودهم للدفاع عنها، وبذلك يصبح انتصار هذه العقيدة هو هدف القتال. وتؤمن هذه المدرسة بأن العقيدة القتالية هي التي تحرّك الجندي ـــ بدافع ذاتي ـــ إلى الاستبسال في القتال والتصميم على تحقيق الهدف مهما كانت التضحيات. وواضح أن هذه النظرية تؤمن (بفردية) المقاتل وتحترم شخصيته، وتدرك حقيقة أن المقاتل المنتصر هو الذي يدخل المعركة مشبعاً بعقيدة معينة ومقتنعاً بالهدف الذي يقاتل من أجله. وتأخذ بهذه النظرية الدول التي لا تنفصل عقيدتها العسكرية عن عقيدتها السياسية.

3. مدرسة تنمية الاتجاهات: وهي تتفق مع مدرسة العقيدة المحددة في انقضاء عهد الجندي الذي يعمل بغير دافع أو هدف، إلاّ أنها لا تتقيد بعقيدة محددة ثابتة، بل تنادي بفكرة تنمية الاتجاهات الصحيحة وتوضيح المبادئ العامة، وقضايا الوطن والخطر المحدق به في المواقف المختلفة.

ووجهة نظر هذه المدرسة تقوم على ما يلي:
1. أن العقيدة القتالية ليست هي الدافع الوحيد للقتال، بل هناك دوافع أخرى ذاتية واجتماعية، مثل: حب الظهور بمظهر الشجاعة والبطولة، أو حب السيطرة والقيادة، أو الرغبة في الحصول على الثناء، أو المكافأة ... إلى غير ذلك من الدوافع.

2. أن الحرب ليست قتالاً بين العقائد أو المذاهب بقدر ما هي قتال من أجل أهداف تخضع لظروف واتجاهات متغيرة، فالشيوعية والرأسمالية ـــ مثلاً ـــ اللتان حاربتا جنباً إلى جنب ضد النازية في الحرب العالمية الثانية أصبحتا خصمين فيما بعد، وعملت الأولى على إسقاط الثانية. وواضح أن معتنقي هذه النظرية يريدون أن يختاروا لأنفسهم الأهداف التي يقاتلون من أجلها بحسب الأحوال والظروف المتغيرة، ولذلك يمكن أن يُقال إنهم يضعون المصالح فوق المبادئ.

أما النظرية الإسلامية، فهي تقوم على فلسفة (الجهاد في سبيل الله)، وهي فلسفة متكاملة تتناول شخصية المجاهد وتكوينه النفسي والوجداني، وسلوكه الاجتماعي، وتنمي لديه الاتجاهات النفسية الإيجابية التي تحركه ــ ذاتياً ـــ نحو الاستبسال في القتال في سبيل الحق وإعلاء كلمة الله. وإذا كانت (النظرية الجبرية) في دفع المحاربين إلى القتال هي النظرية التي سادت في الحروب قديما وظلت سائدة إلى عهد قريب حتى ظهرت الأسلحة الحديثة، فتحولت الأمم عنها إلى النظريات التي تعتمد على غرس الدوافع الذاتية في نفوس المحاربين، فإن الإسلام قد سبق ـــ منذ أربعة عشر قرناً ـــ بتقرير نظرية الدوافع التي تحرك الإنسان عن إيمان واقتناع وليس عن جبر أو قسر، ذلك لأن الحرية والاختيار والاقتناع من أصول الدعوة الإسلامية.

وتتميز عقيدة الجهاد في سبيل الله ـــ التي هي جوهر العقيدة العسكرية الإسلامية ـــ بأنها مادة وروح، أي تجمع بين الجانب العسكري المتعلق بإدارة الحرب، وبين الجانب المعنوي المتعلق بالتعريف بأسباب الحرب ودوافعها وأهدافها.
وإذا كانت الدول التي تأخذ بنظرية (العقيدة المحددة) تربط عقيدتها العسكرية بعقيدتها السياسية، فإن النظرية الإسلامية تربط العقيدة العسكرية بــ (العقيدة الدينية)، وبذلك فهي تتميز بالخصائص الآتية:
1. الثبات والاستقرار، لأن الدين أثبت وأدوم من السياسة.
2. النبل والشرف والعدل في الغاية والوسيلة، لأن السياسة غالباً ما تخضع للأهواء والأطماع والمصالح.
3. توليد أقوى الدوافع على الإطلاق، لأن أية عقيدة سياسية مهما عظمت لا ترقى إلى مستويات عقيدة الجهاد التي يجد فيها المجاهد الوسيلة إلى الظفر بمرضاة الله وإلى دخول جنة عرضها السموات والأرض.
4. تنزيه المقاتل من دوافع المفاخرة أو حب الظهور، أو الرغبة في الثناء، فهو لا يستحق الجنة ولا يجد ريحها إلاّ إذا كان جهاده خالصاً من أجل إعلاء كلمة الله، فقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الرجل يقاتل للشجاعة، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فأي ذلك في سبيل الله؟» فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

إن كل الدول تعمل على تنمية دافع الوطنية في نفوس أبنائها منذ نعومة أظفارهم، لكي يقف الجندي مدافعاً عن وطنه المهدد بالخطر ممتلئ النفس بالعاطفة الوطنية، ومستعداً للتضحية بالروح في سبيله. لكن ما (الوطنية) إلى جانب (إعلاء كلمة الله)، فإذا كانت النفس يزيدها حب الوطن قوة بمقدار ما في الوطن كله من قوة، فما أكثر ما يزيدها الإيمان بالوجود كله، وخالق الوجود كله من قوة.
5. عدالة الحرب وشرف المهمة والهدف: من الحقائق المعروفة أنه كلما أدرك الجندي أن الحرب التي يخوضها حرب عادلة، وأن الهدف الذي يقاتل من أجله يستحق التضحية بحياته، كان صادق العزم في القتال قادراً على مواجهة أقسى تحدياته. وقد أثبتت الدراسات التي أُجريت عقب الحرب العالمية الثانية أن أغلب الجنود الذين يتمتعون بروح معنوية عالية هم الذين كانوا يؤمنون بالغرض من الحرب.

إن المجاهد في الإسلام، يقاتل وهو مدرك تمام الإدراك أنه يخوض حرباً عادلة وشريفة المقاصد والوسائل، وبذلك تتوافر له جميع الظروف الموضوعية لبعث الروح المعنوية العالية، وهو ما يستفاد من دراستنا وما نلخص آثاره في مجال بناء الروح المعنوية فيما يلي:


 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس