الموضوع: حرب العصابات
عرض مشاركة واحدة

قديم 30-04-09, 08:51 AM

  رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

إن انتصارات الجيش المتمرد والنشاطات السرية الضارية قد هزت البلاد وخلقت غلياناً كبيراً إلى حد إعلان الإضراب العام في 9 نيسان، وقد فشل الإضراب لأسباب تنظيمية على وجه الضبط، وخاصة بسبب انعدام الاحتكاك بين الجماهير العمالية والقيادة. بيد أن التجربة كانت مفيدة وحدث في حركة 26 تموز صراع إيديولوجي أثار تبديلاً جذرياً في نظرتها إلى واقع البلاد وفي تنظيم قطاعات نشاطها.
خرجت حركة 26 تموز من الإضراب الفاشل عزيزة الجانب وقد علّمت التجربة قادتها حقيقة ثمينة: هي أن الثورة ليست ملكاً لهذه الجماعة أو تلك، بل يجب أن تكون من عمل الشعب الكوبي بأسره، فتوجّهت طاقات مناضلي حركتنا كلها هذه الوجهة، في السهل وفي الجبل على السواء.
وفي هذه الفترة وقعت محاولات الجيش المتمرد الأولى لإعطاء الثورة نظرية وعقيدة بتقديم البراهين الملموسة عن التنمية والنضج السياسي للحركة التمردية. فقد انتقلنا من المرحلة التجريبية إلى المرحلة البنّاءة، ومن المحاولات إلى الأفعال النهائية. وفي الحال أخذت "الصناعات الصغيرة" في السييرا ماسترا في الظهور. لقد حصل تحوُّل مماثل لذلك الذي كان أجدادنا قد عرفوه قبلنا بكثير: إذ انتقلنا من الحياة البدوية إلى الحياة الحضرية، فنشأ مركزان للإنتاج تبعاً لحاجاتنا الملحة. وهكذا أوجدنا مصنعاً للأحذية، ومصنعاً للأسلحة وورشة كنا نعيد فيها تركيب القنابل التي كان الطغيان يرمينا بها، لنردها إلى جنود باتيستا بشكل ألغام.
إن رجال جيشنا المتمرد ونساءه لم ينسوا قط، لا في السييرا ماسترا ولا في مكان آخر، أن رسالتهم الرئيسية هي تحسين شروط الفلاح، والاندماج في الكفاح من أجل الأرض ومساعدته بفضل المدارس التي أنشأها المعلمون المرتجلون في الأماكن الأكثر وعورة من منطقة أوريانته. ففي هذه الأماكن جرت المحاولة الأولى لتوزيع الأراضي وفق نظام زراعي حرّره بصورة رئيسية الدكتور هومبرتو سوري ماران وفيدل كاسترو، وكان لي شرف المعاونة في هذا العمل، ووُزعت الأراضي توزيعاً ثورياً على الفلاحين، فاحتُلّتْ ملكيات كبيرة تخص خدم الدكتاتورية ووزعت، وصارت شيئاً فشيئاً جميع أراضي الدولة ملكاً لفلاحي المنطقة. لقد حان الوقت لأن نحدد هويتنا تحديداً تاماً كحركة فلاحية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأرض تحت راية الإصلاح الزراعي.
عرفنا فيما بعد نتائج إضراب 9 نيسان الفاشل، فقد بدأنا نشعر في نهاية أيار بالقمع الوحشي الذي لجأ إليه باتيستا إذ أحدث بين كوادرنا المناضلة تراخياً خطيراً جداً كان من شأنه أن يؤدي إلى نتائج مفجعة لقضيتنا. لقد هيأت الديكتاتورية هجومها الأكثر وحشية. فهاجم عشرة آلاف جندي مدججين بالسلاح مواقعنا حوالي 25 أيار من السنة الأخيرة، وركزوا هجومهم على الرتل رقم 1 الذي كان يقوده شخصياً قائدنا الأعلى فيدل كاسترو. كان الجيش المتمرد يحتل رقعة ضيقة جداً ولم يكن أحد يصدق أن نستطيع الصمود لهذه الجمهرة المؤلفة من عشرة ألاف جندي بثلاثمائة بندقية من بنادق الحرية، البنادق الوحيدة التي كانت موجودة ذلك الوقت في السييرا ماسترا. وبفضل قيادة تكتيكية جيدة، انتهى هجوم باتيستا في 30 تموز، وانتقل المتمردون من الدفاع إلى الهجوم: فاستولينا على أكثر من ستمائة قطعة سلاح جديدة (أي أكثر من ضعف عدد البنادق التي بدأنا بها المعركة) وبلغت خسائر العدو أكثر من ألف رجل بين قتيل، وجريح، وهارب وأسير.
في نهاية هذه المعركة كان الجيش المتمرد مستعداً لأن يبدأ هجوماً في السهل، هجوماً تكتيكياً وسيكولوجياً، لأن سلاحنا لم يكن قادراً على منافسة سلاح الدكتاتورية في الكيفية وأقل قدرة على منافسته في الكمية. إنها حرب اعتمدنا فيها دوماً على الشعب، ذلك الحليف الذي لا يُقدَّر بوزنٍ ولا ثمن. كانت أرتالنا تستطيع على الدوام أن تخدع العدو وتحتل أفضل المواقع، وبفضل الميزات التكتيكية والمعنويات العالية لجنودنا، وكذلك بفضل مساعدة الفلاحين مساعدة هامة جداً. فقد كان الفلاح المتعاون غير المرئي الذي يتكفل بكل مالم يكن يستطيع المتمرد فعله، ينقل إلينا المعلومات، ويراقب العدو، ويترصد نقاطه الضعيفة، وينقل بسرعة الرسائل العاجلة، ويتجسس حتى في صفوف جيش باتيستا. لم يكن ذلك أعجوبة بل نتيجة لسياسة المطالب الزراعية التي شرعنا بها بقوة. وأمام عنف الهجوم وحصار الجوع اللذين طوّقا السييرا ماسترا صعد إلى الجبل عشرة آلاف رأس من البقر جُمِعت من الملكيات المجاورة بأكملها، وقد استُخْدِمتْ في تغذية الجيش المتمرد، لكنها وزِّعت كذلك على الفلاحين الفقراء الذين عرفوا الرخاء لأول مرة في هذه المنطقة القاحلة بشكل خاص، ولأول مرة أُتيح للفلاحين الصغار أن يشربوا الحليب وأن يأكلوا لحم البقر. ولأول مرة عرفوا محاسن الثقافة، لأن الثورة جلبت معها المدارس. وهكذا تكوّن لدى الفلاحين جميعاً رأى محبذ لنظامنا.
ومن جهة أخرى كانت الديكتاتورية تقدم لهم بانتظام حرق منازلهم، وطردهم من أرضهم وقتلهم، كان الموت يأتيهم من الأرض كما كان يأتيهم من السماء، وكان جيراننا الديمقراطيون في الشمال قد قدَّموا بطيبة خاطر لباتيستا قنابل نابالم تزن 500 كيلو غرام ليرهب بها السكان. كان سقوط هذه القنابل يزرع الخراب في دائرة قطرها يزيد عن مائة متر. إن سقوط قنبلة نابالم على مزرعة للبُن يعني خراب هذه الثروة في قطر يبلغ مائة متر وضياع سنوات العمل التي تمثلها، وإن التعويض عما خُرِّبَ في دقيقة يقتضي جهد خمس أو ست سنوات.
في هذه الفترة بدأ السير على لاس فيلاس. وأتحدث عنها لا لأني شاركت فيها، بل لأننا رأينا لدى وصولنا إلى لاس فيلاس منظراً سياسياً واجتماعياً جديداً للثورة.
وصلنا إلى لاس فيلاس مع عَلَم 26 تموز، وكانت الادارة الثورية، وجماعات جبهة الايسكامبري الثانية، وجماعات الحزب الاشتراكي الشعبي والجماعات الصغيرة من المنظمة الأصلية تناضل هناك ضد الديكتاتورية. كان يجب أن نُنجِز مهمة سياسية خطيرة وقد بدا أكثر من أي وقت مضى أن الوحدة كانت عنصراً أولوياً من عناصر النضال الثوري. كانت على حركة 26 تموز وعلى رأسها الجيش المتمرد، أن توحِّد مختلف العناصر المستاءة التي وجدت في عمل السييرا ماسترا الحافز الوحيد إلى الوحدة. كان يجب قبل كل شيء وضع خطة لهذه الوحدة التي كان عليها أن تجمع شمل منظمات السهل ومجموعات المحاربين على حد سواء. لقد وَجَبَ علينا أن ننصرف إلى عمل غاية في الأهمية هو تصنيف جميع الأقسام العمالية في المقاطعة. فاصطدمنا بخصوم عديدين. منهم خصوم في صفوف حركتنا نحن كانوا ما يزالون يعانون مرض التشيُّع.
فور وصولنا إلى لاس فيلاس، كان أول عمل حكومي قمنا به - قبل إنشاء المدرسة الأولى- نشر تصريح بتطبيق الإصلاح الزراعي، وقد نصّ هذا التصريح على بنود كثيرة منها أنّ على مالكي قطع الأرض الصغيرة أن يمتنعوا عن دفع أجورهم حتى تفصل الثورة في كل حالة على حدة. لقد صار الإصلاح الزراعي رأس الحربة للجيش المتمرد. ولم يكن ذلك مناورة ديماغوجية، فبعد عشرين شهر فقط من الثورة، صارت الصلات بين القادة والجماهير الفلاحية وثيقة إلى حد إنها كانت تدفع الثورة في بعض الأحيان إلى العمل بصورة غير متوقعة. لم نكن نحن الذين ابتكرنا الإصلاح الزراعي، بل إن الفلاحين هم الذين دفعونا إليه فقد أقنعناهم أن النصر مؤكد إذا تسلحوا، وتنظموا، وكفوا عن خشية العدو. وفرض الفلاحون، من جانبهم، على الثورة، وقد كانت لديهم أسباب وجيهة لذلك، الإصلاح الزراعي، ومُصَادرة قطعان البقر، وجميع التدابير ذات الصفة الاجتماعية التي اتخذت في السييرا ماسترا.
في زمن المهزلة الانتخابية في 3 تشرين الثاني، نشر القانون رقم 3 في السييرا ماسترا، كان ينص على إجراء إصلاح زراعي حقيقي وحتى لو لم يكن تاماً فقد كان يتضمن نقاطاً إيجابية جداً: توزيع أراضي الدولة، وأراضي خدم الديكتاتورية وأولئك الذين يمتلكون سندات ملكية حصلوا عليها بواسطة مناورات دنيئة مثل ملتهمي الأراضي الذين احتكروا آلاف الكاباليرياس، وإعطاء صغار المزارعين الذين كانوا يدفعون أُجوراً تقل عن 2 كاباليرياس ملكية الأرض التي كانوا يشغلونها. كان كل ذلك بالمجان. فالمبدأ كان ثورياً جداً. وقد استفاد من الإصلاح الزراعي أكثر من مائتي ألف عائلة بيد أن الثورة الزراعية لم تنته بالقانون رقم 3. فما يزال على الثورة أن تسن القوانين للحد من الملكية الكبيرة كما ينص على ذلك الدستور. ويجب عليها أن تحدّد بالضبط ما هي الملكية الكبيرة التي تميز بنيتنا الزراعية. إن الملكية الزراعية الكبيرة، العلة الأكيدة لفقر بلادنا ولجميع الشرور التي تعاني منها الجماهير الفلاحية، لم تمس بعد.
وسيكون على الجماهير الفلاحية المنظمة أن تفرض قانوناً، يحظّر الملكية الكبرى، تماماً كما أرغمت الجيش المتمرد على فرض مبدأ الإصلاح الزراعي المتضمن في القانون رقم 3. علينا كذلك أن نأخذ بعين الاعتبار وجهاً آخر للمسألة: فالدستور ينص على أنَّ كل نزع لملكية الأرض يجب أن يسبقه دفع تعويض نقدي فإذا نفذ الإصلاح الزراعي حسب هذا المبدأ، كان بطيئاً وباهظ التكاليف. إن العمل الجماعي للفلاحين الذين كسبوا الحق في الحرية منذ انتصار الثورة أمر ضروري كذلك للمطالبة ديمقراطياً بالشذوذ عن هذا المبدأ وليكون بمقدور الثورة أن تحقق دون منازعة إصلاحاً زراعياً حقيقياً وعميقاً[100].
وهكذا نصل إلى الدور الاجتماعي للجيش المتمرد، فقد حققنا الديمقراطية المسلحة وعندما وضعنا خطة الإصلاح الزراعي واحترمنا متطلبات القوانين الثورية الجديدة التي تكملها وتجعلها قابلة للحياة وفورية، كنا نفكر بالعدالة الاجتماعية المتمثلة في إعادة توزيع الأرض كما كنا نفكر بخلق سوق داخلية واسعة وبتنويع الزراعات، هذان الهدفان الجوهريان واللذان لاينفصلان عن الحكم الثوري لايمكن تأجيلهما، باعتبارهما يمثلان مصلحة الشعب.
إن جميع الفاعليات الاقتصادية مرتبطة فيما بينها. فعلينا أن نمضي في تصنيع البلاد، دون أن نهمل المشكلات العديدة التي تؤدي إليها. بيد أن سياسة التصنيع تقتضي اتخاذ بعض التدابير الجمركية الخاصة بحماية الصناعة الناشئة وإيجاد سوق داخلية قادرة على امتصاص البضائع الجديدة. ونحن لا نستطيع توسيع هذه السوق إلاَّ إذا أدخلنا إليها الجماهير الفلاحية الواسعة، أولئك الفواخيروس الذين لا يملكون القدرة الشرائية والذين لا يستطيعون حالياً شراء مايسدون به حاجاتهم.
نحن نعي أن هذه الأهداف ليست الأهداف الوحيدة وأنها تلقي على عاتقنا مسؤولية كبيرة جداً. ويجب أن نتوقع عداء أولئك الذين يشرفون على أكثر من 75 % من مبادلاتنا التجارية ومن سوقنا. ويجب توقُعاً لهذا الخطر، أن نستعد لتطبيق تدابير مضادة، خاصة التعريفة الجمركية والإكثار من الأسواق الداخلية. فنحن بحاجة إلى خلق أسطول تجاري كوبي لنقل السكر، والتبغ، والبضائع الأخرى، وسيؤثر امتلاك هذا الأسطول تأثيراً مشجعاً جداً على كيفية النقل البحري الذي يرتبط به إلى حد كبير تقدم البلدان النامية مثل كوبا.
وإذا كان علينا أن نضع موضع العمل برنامجاً تصنيعياً، فالأهم أن نستثمر المواد الأولية التي كان الدستور يدافع عنها بحكمة وكانت ديكتاتورية باتيستا تسلمها للإحتكارات الأجنبية. علينا أن نشتري باطن أرضنا، ثرواتنا المنجمية. وهنالك عنصر آخر مهم من عناصر التصنيع هو الكهرباء. سنتأكد من أنَّ الكهرباء قد أوكلت إلى كوبيين. كما يجب أن تؤمم شركة الهاتف التي تُسَيِّر العمل بشكل سيء وباهظ التكاليف.
فعلى أية موارد يجب أن نعتمد لننفذ على خير وجه مثل هذا البرنامج؟ لدينا الجيش المتمرد، وهو الذي يجب أن يكون أداتنا الأولى في الكفاح، وسلاحنا الأكثر إيجابية والأشد مضاء؛ يجب أن نحطم كل ما تبقى من الجيش الباتيستي. ويجب أن ندرك جيداً أنَّ هذه التصفية لا تمت بصلة إلى روح الانتقام ولا حتى للعدالة وحدها، بل علينا أن نحيط أنفسنا بجميع الضمانات لتحقيق مكتسبات الشعب في أقصر المهل.
لقد قهرنا جيشاً أكثر عدداً من جيشنا بكثير بفضل مساهمة الشعب، وتكتيك محكم، وخلق ثوري. والآن يجب علينا أن نسلم بأن جيشنا ما زال غير مهيأ لمسؤولياته الجديدة، مثل الدفاع دفاعاًً فعالاً عن الأرض الكوبية كلها. ويجب أن نقوم سريعاً بإعادة النظر في بنية الجيش المتمرد لأننا شكلنا أثناء الكفاح جيشاً مسلحاً من الفلاحين والعمال، معظمهم أُميّون، وغير مثقفين ومحرومون من كل تكوين تقني. علينا إعداد هذا الجيش للمهام العظيمة التي يجب على أفراده مواجهتها وتزويدهم بتكوين تقني وثقافي.
إن الجيش المتمرد هو طليعة الشعب الكوبي، وإذا كنا نتحدث عن التقدم التقني والثقافي فيجب علينا أن نعرف المعنى العصري لهذه الكلمات. لقد بدأنا تربيته تربية رمزية في اجتماع تسوده بصورة تكاد تكون حصرية روح مارتي وتعاليمه. إن إعادة البناء القومي يجب أن تحطم كثيراً من الامتيازات؛ فعلينا إذاً أن نكون مستعدين للدفاع عن الأمة ضد أعدائها الصريحين أو المتسترين. ويجب أن يتآلف الجيش الجديد مع الشروط الجديدة المتولدة من هذه الحرب التحريرية: نحن نعلم أننا إذا هوجمنا من قبل جزيرة صغيرة فإنما يعود الفضل لمساندة دولة تكاد تشكل قارة؟ وعلينا أن نتحمل على أرضنا عدواناً عاتياً.
يجب إذاً أن نحترز وأن نعد تقدمنا بروح الغوار واستراتيجيته، بحيث لا يتفكك دفاعنا لدى أول هجوم، ويحتفظ بوحدته المركزية. يجب أن يتحول الشعب الكوبي بأسره إلى جيش من الغوار فالجيش المتمرد جسم في أوج نموه لا يحدُّه في تنميته سوى رقم واحد هو الملايين الستة من الكوبيين ويجب أن يتعلم كل كوبي استخدام الأسلحة وأن يعرف متى يجب أن يستخدمها للدفاع عن نفسه.
عرضتُ عليكم الخطوط الكبرى لدور الجيش المتمرد بعد النصر ودوره في دفع الحكومة إلى الاستجابة للمطامح الثورية.
بقي أن أحدثكم في نهاية هذه الكلمة عن أمر هام، عن المثل الذي جسدته ثورتنا بالنسبة لأمريكا اللاتينية، وعن تعاليمها التي حطمت جميع نظريات الصالونات: فقد أثبتنا أن فئة صغيرة من الرجال المصممين، الذين يساندهم الشعب والذين لا يخافون من الموت، يمكن أن تتوصل إلى فرض إرادتها حيال جيش نظامي انضباطي وإلى قهره. ذلك هو الدرس الأساسي. ينتج عنه درس آخر يجب أن يفيد إخواننا في أمريكا الذين يصنفون على الصعيد الاقتصادي في زمرتنا الزراعية ذاتها: هو أنه يجب عليهم أن يقوموا بثورات زراعية، وأن يناضلوا في الأرياف، وفي الجبال، وأن يحملوا الثورة من هناك إلى المدن وألاّ يطمحوا إلى القيام بالثورة دون محتوى اجتماعي راسخ.
والآن، تطرح، بعد تجاربنا، مسألة مستقبلنا، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل جميع البلدان النامية في أمريكا اللاتينية. فالثورة ليست مقصورة على الأمة الكوبية، بل لامست وعي أمريكا كلها واستنفرت جدياً أعداء شعوبنا. ولذا أعلنّا أن كل محاولة للعدوان ستصدُّ بقوة السلاح. لقد أحدث مثال كوبا فَوَرَاناً كبيراً في أمريكا اللاتينية كلها وفي البلدان المضطهدة. إن الثورة أمهلت الطغاة في أمريكا اللاتينية، أعداء الأنظمة الشعبية كما أمهلت الاحتكارات الأجنبية. وبما أننا بلد صغير، فنحن بحاجة لمساندة جميع الشعوب الديمقراطية، وبخاصة في أمريكا اللاتينية.
يجب أن نعلن بكل وضوح، على العالم أجمع، الأهداف النبيلة للثورة الكوبية وأن نستعين بالشعوب الصديقة في هذه القارة، شمالها وجنوبها. ويجب أن نخلق اتحاداً روحياً لبلداننا كلها، اتحاداً يتجاوز الثرثرة والتعايش البيروقراطي ليترجم إلى مساعدة فعلية لإخوتنا الذين نعرض عليهم تجربتنا.
وأخيراً يجب أن نفتتح طرقاً جديدة نحو تعريف المصالح المشتركة لبلداننا النامية وأن نصون أنفسنا من جميع المحاولات الهادفة لتفريقنا، والنضال ضد أولئك الذين يطمعون في بذر الشقاق بيننا، ضد أولئك الذين نعرف مناوراتهم، والذين يأملون في الاستفادة من خلافاتنا السياسية وإثارة أفكار قبلية غير مفهومة في بلادنا.
إن الشعب الكوبي بأسره، مستعد، اليوم، للنضال ويجب أن يظل موحداً لكي لا يكون النصر على الديكتاتورية مؤقتاً، بل المرحلة الأولى لانتصار القارة الأمريكية.


 

 


   

رد مع اقتباس