عرض مشاركة واحدة

قديم 07-05-20, 06:07 AM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

وذلك ما يحكيه ابن عبد الحكم المصري (ت 257هـ) قائلا: "وكان يُليان يؤدّي الطاعة إلى لذريق صاحب الأندلس، وكان لُدريق يسكُن طليطلة، فراسلَ طارق يليان ولاطفه حتى تهاديا، وكان يليانُ قد بعث بابنةٍ له إلى لُذريق صاحب الأندلس ليؤدّبها ويعلّمها فأحبَلَها، فبلغَ ذلك يُليان، فقال: لا أرى له عقوبة ولا مكافأة إلّا أن أُدخل عليه العرب. فبعث إلى طارق: إنّي مُدخلك الأندلس، وطارق يومئذ بتلمسين (تلمسان)، وموسى بن نصير بالقيروان، فقال طارق: فإنى لا أطمئن إليك حتى تبعث إليّ برهينة، فبعث إليه بابنتيه، ولم يكن له ولد غيرهما، فأقرّهما طارق بتلمسين، واستوثق منهما".

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
أمدّ موسى بن نصير قائده طارق بن زياد بسبعة آلاف مقاتل، فانطلق حتى عبر الجبل الذي لا يزال يُسمى باسمه إلى اليوم، وتوغل



أرسل طارق من ناحيته إلى موسى بن نُصير بهذا العرض المغري، وأرسل موسى من جانبه إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مرون (ت 96هـ) الذي أمره بالتريث وعدم الدفع بالمسلمين في أهوال البحر، وأشار عليه باختبارها بالسرايا والعمليات الهجومية الخاطفة أولا، فأُرسلت السرية الأولى المقدَّرة بـ 300 رجل بقيادة طارق بن زياد وطريف بن مالك النخعي، فنزلوا بجزيرة قرب اليابسة لا تزال تُسمى حتى الآن بجزيرة طريف فأصابت مغانم كثيرة وعادت، وهنا أدرك موسى بن نصير أن مهمة فتح الأندلس ممكنة وميسورة[12].

أمدّ موسى بن نصير قائده طارق بن زياد بسبعة آلاف مقاتل، فانطلق حتى عبر الجبل الذي لا يزال يُسمى باسمه إلى اليوم، وتوغل فاتحا مدن الأندلس حتى اقترب من طليطلة، فأرسل إلى موسى يطلب المدد، فأمدّه باثني عشر ألف مقاتل، وفي 28 رمضان سنة 92هـ/17 يوليو/تموز 711م قُرب منطقة شذونة انتصر المسلمون على جيش رودريجو "لذريق" وشتتوا شمله، ولم يُعثر له على أثر، وأصبح الطريق لفتح باقي مدن الأندلس مفتوحا، فأرسل طارق فرقة إلى قرطبة وأخرى إلى إلبيرة وتوجّه هو ببقية الجيش صوب طليطلة[.

حين علم موسى بن نصير بهذه الأخبار التي جاءته من طارق أرسل إليه يأمره بالتوقف والتريث حتى يوافيه، يقول ابن خلدون الذي يُصوِّر لنا طموحات موسى بن نصير التي كانت تتعدى مجرد فتح الأندلس إلى فتح القارة الأوروبية كلها قائلا:
"نهض (موسى بن نصير) مِن القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب والموالي وعُرفاء البربر، ووافَى خليج الزقاق (مضيق جبل طارق) فأجازَ إلى الأندلس. وتلقّاه طارقُ وانقاد واتَّبع، وتمّمَ موسى الفتح، وتوغَّل في الأندلس إلى برشلونة في جهة الشرق، وأربونة في الجوف، وصنم قادس في الغرب، ودوّخ أقطارها وجمع غنائمها. وجمعَ (عزم) أن يأتي المشرق على القُسطنطينية ويتجاوز إلى الشام ودروب الأندلس، ويخوض ما بينها من بلاد الأعاجم أمم النصرانيّة مجاهدا فيهم مستلحما لهم إلى أن يلحق بدار الخلافة. ونمى الخبر إلى الوليد (بن عبد الملك الخليفة الأموي) فاشتدّ قلقُه بمكان المسلمين مِن دار الحرب، ورأى أن ما همَّ به موسى غررَ بالمسلمين، فبعثَ إليه بالتوبيخ والانصراف، وأسرّ إلى سفيره أن يرجعَ بالمسلمين إن لم يرجع هو، وكتبَ له بذلك عهده، ففتَّ ذلك في عزم موسى، وقفلَ عن الأندلس بعد أن أنزلَ الرابطة والحامية بثغورها. واستعمل ابنه عبد العزيز لغزوها وجهاد أعدائها، وأنزله بقرطبة فاتخذها دار إمارة"[14].

وينقل ابن خلّكان في كتابه "وفيات الأعيان" أن الدافع الذي دفع موسى بن نصير لهذا الفتح والتوسع فيه "إيماني صرف"؛ إذ أرسل إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك قائلا: "إنها ليست الفتوح ولكنها الجنة"[15].

نهاية مشرّفة لتاريخ حافل!
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


في العام 97 للهجرة، فاضت روح القائد العربي المسلم موسى بن نصير اللخمي في منطقة وادي القُرى شمال المدينة، ليُصلّي عليه كبار رجال


عاد موسى إلى القيروان في حدود سنة 95هـ بعد شهور قضاها مجاهدا في فتح الأندلس حتى الحدود الجنوبية مع فرنسا، وكان معه غنائم هائلة، وعلى الفور قرّر التوجه صوب دمشق كما أمره الخليفة الوليد بن عبد الملك، غير أنه وصل بعد وفاته سنة 96 للهجرة، وكان سُليمان بن عبد الملك (96-99هـ) قد ارتقى إلى كرسي الخلافة الأموية، فأمر بعزل موسى بن نصير وقيل وبّخه على تغريره للقوات الإسلامية في جغرافية لا يعلمون عنها شيئا، وإن أبقاه بجواره في دمشق كأحد كبار القادة العسكريين والمستشارين أصحاب التاريخ الكبير في ميادين السياسة والحرب.
وفي العام التالي سنة 97 للهجرة، وبينما سليمان بن عبد الملك ومعه موسى بن نصير في طريقهم لأداء فريضة الحج، وعن عُمر يُناهز الثامنة والسبعين من عمره، تفيض روح القائد العربي المسلم موسى بن نصير اللخمي في منطقة وادي القُرى شمال المدينة، ليُصلّي عليه كبار رجالات الدولة الأموية مثل مسلمة بن عبد الملك بن مروان، ويوارى الثرى هنالك، في خاتمة تليق برجل لم يذق طعم الراحة والهدوء في حياته إلا قليلا!

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس