عرض مشاركة واحدة

قديم 12-05-09, 01:39 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

صراع الدروع الصاروخية


مارس التسلح النووي دوره طوال عصر الحرب الباردة؛ باعتباره وسيلة ردع سياسية وعسكرية؛ ودخلت وسائط استخدام الاسلحة النووية (الطائرات والصواريخ) لتكون بدورها منظومة ذات أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية؛ ولهذا لم يعد من المثير أن تحاول الدول الكبرى (اوربا وروسيا) وعلى رأسها الولايات المتحدة، استخدام الدروع الصاروخية المضادة للصواريخ الباليستية في دعم سياساتها في إطار منافسة دولية؛ تشابه تلك المنافسة التي استخدمت لتأمين حماية تحت مظلة نووية لاحدى الدولتين العظميين في عصر الحرب الباردة (المظلة الامريكية لحماية اوروبا والدول الحليفة، والمظلة السوفيتية لحماية الكتلة الاشتراكية).

ولقد حاولت الولايات المتحدة مشاركة أوروبا في مشروع نظامها الدفاعي الصاروخي وذلك لإعطاء هذا المشروع بعداً عالمياً يتجاوز حدود الولايات المتحدة الامريكية؛ وهذا مما يضمن ايضاً دعماً لهذا المشروع. غير ان اوروبا (ألمانيا وفرنسا) رفضتا هذه المشاركة وفضلتا التعاون مع روسيا لاقامة منظومة دفاعية قارية تضمن حماية اوروبا ضد الصواريخ الباليستية. ولكن امريكا بقيت مستمرة في محاولتها لتنشر درعها الصاروخي فيما وراء حدود القارة الامريكية ومن ذلك على سبيل المثال- ما اعلن في (براغ) يوم 29 - أبلول-سبتمبر -2002 في تصريح وزير الدفاع التشيكي (باروسلاف تفرويك) من أن مباحثات قد جرت بين فريق امني تشيكي وفريق امريكي لنصب انظمة الدفاع الصاروخي الامريكي على الاراضي التشكية؛ وأن وزير الدفاع التشيكي قد أبلغ نظيره الامريكي (دونالد رامسفيلد) بطلب ادراج تشيكيا ضمن منظومة الدفاع الصاروخي الامريكية. ودافع عن هذا القرار بالقول: (إن براغ إذ تنضم الى مشروع نظام الدفاع الصاروخي الامريكي؛ فان ذلك بسبب اتساع انتشار أسلحة الدمار الشامل والتكنولوجيا الصاروخية التي تشكل خطراً عسكرياً كبيراً على تشيكياً).
وبعد ذلك (في يوم 13 كانون الثاني- يناير- 2003) أعلنت وزاره الدفاع البريطانية أن (الحكومة البريطانية) على استعداد للسماح للولايات المتحدة باستخدام قواعدها العسكرية لبرنامج الدرع الصاروخي المعروف باسم (حرب النجوم). وقد تم اتخاذ هذا القرار على الرغم من معارضة غالبية أعضاء مجلس العموم البريطاني الذين يعتبرون أن القرار هو تأكيد إضافي لتبعية بريطانيا للبرامج العسكرية الامريكية؛ وابتعادتها عن القارة الاوروبية التي تنتمى اليها.

وتحركت روسيا على محور مواز لمحور التحرك الامريكي في مجال (الدرع الصاروخي) وفي مجال التسلح النووي والاسلحة الصاروخية. وشواهد هذا التحرك متوافرة، منها- وربما أحدثها- ما أعلن في موسكو (يوم 14 كانون الثاني -يناير -2003) عن اجتماع وزير الدفاع الياباني (سيفورو ايسيبا) بنظيره الروسي (سيرغي ايفانوف) الذي صرح عقب الاجتماع بما يلي: "إن باستطاعة روسيا واليابان الانفاق بشأن الاهداف والمهمات المطروحة أمامهما لضمان الاستقرار في منظقة آسيا والمحيط الهادي وتوطيد التعاون في مواجهة الأخطار والتحديات الجديدة وبالدرجة الأولى الارهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل. وإن القوات المسلحة الروسية على استعداد للقيام بمهام الردع النووي".

وبعد ذلك بثلاثة أيام (يوم 17 كانون الثاني يناير-2003) أعلن في موسكو ما يلي: "تعتزم القوات الصاروخية الاستراتيجية الروسية اجراء ما لايقل عن خمس عمليات اطلاق للصواريخ الباليستية عابرة القارات خلال هذا العام. وتدرس وزارة الدفاع امكانية استئناف الاطلاق القتالي التدريبي للقوات الصاروخية من داخل الأنفاق الأرضية التي تقع في منطقة القواعد الصاروخية مباشرة، بعد أن كانت عمليات الاطلاق للصواريخ الباليستية عابرة القارات تتم خلال السنوات العشر الأخيرة من الأنفاق المتاخمة للمطارات الفضائية. ويذكر أن قوات الصواريخ الاستراتيجية قد أطلقت خلال العام 2002م- بنجاح ثلاثة صواريخ باليستية؛ أكدت كفاءة الاسلحة الصاروخية؛ ومهارة أفراد هذه القوات".

وبعد ذلك بخمسة أيام أيضاً (يوم 22 كانون الثاني- يناير-2003) صرح قائد قوات الفضاء الروسية (الجنرال اناتولي بيرمينوف) بما يلي: (من المقرر أن تقوم قوات الفضاء الروسية خلال العام الحالي باطلاق ما لا يقل عن ستة وثلاثين صاروخاً فضائياً من المطارات الفضائية؛ ومن حوض بحر بارنتس، منها 12 عملية إطلاق لمصلحة وزارة الدفاع الروسية؛ و24 عملية إطلاق أخرى في إطار البرنامج الفضائي الفيديرالي. وكان قد تم في العام (2002) إطلاق ثمانية صواريخ لمصلحة وزارة الدفاع الروسية؛ نقلت الى الفضاء الخارجي (المدار الفضائي) أحد عشر جهازاً فضائياً للأغراض العسكرية؛ إضافة الى أربعة صواريخ باليستية عابرة للقارات؛ تم اطلاقها لحساب القوات الصاروخية الاستراتيجية؛ كما جرت عملية اطلاق صاروخ مضاد للصواريخ؛ وسبع عشرة عملية إطلاق بصواريخ فضائية؛ نقلت الى الفضاء الخارجي 22 قمراً صناعياً. وأصبحت المجموعة المدارية الروسية تتكون في الوقت الحاضر من 97 قمراً صناعياً، منها 61 قمراً عسكرياً و 36 قمراً مدنياً".

يظهر واضحاً أن قضية (عسكرة الفضاء) لم تعد قضية ذات أبعاد ضيقة أو محدودة؛ وإنما أصبحت قضية عالمية؛ بل إنها إحدى منطلقات (العولمة) على محوريها المدني والعسكري، وأن هذه القضية لم تعد قضية أمريكية، بل إن معظم دول العالم قد أصبحت شريكة في حرب الفضاء- ولو في حدود قدرات متباينة وامكانات مختلفة- إذ بينما تتوقف كثير من دول العالم عند حدود استخدام الفضاء الخارجي للاعمال القتالية الجوية (الطائرات والاسلحة الصاروخية المضادة لها) تتوجه الدول الكبرى للتوسع في حرب الفضاء للوصول الي (الدرع الصاروخي) الذي أصبح يمثل الهدف الكبير للدول التي تطمح للافادة من التقانة لدعم مكانتها السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية. وإذا كان الدرع الصاروخي يمثل - حتى الآن- الوسيلة الرئيسية للردع؛ وللدفاع ضد الانتشار النووي واحتمالات تطوره؛ فان هذا الدرع قد أصبح قادراً أيضاً- بحسب الممارسات المعلنة- على الاضطلاع بدور هجومي للتعامل مع الدروع المضادة أو المنافسة على الأقل - في حال اندلاع حروب تستخدم فيها وسائل التدمير الشامل.
وهنا لا بد من الاشارة الى أن سنوات ما بعد عصر الحرب الباردة (1990-2000) قد تميزت بمحاولات الابتعاد عن تطوير الدفاعات الفضائية (الدروع الصاروخية) وكذلك عدم تطوير الاسلحة الصاروخية بصورة علنية؛ ولكن المعلومات التي توافرت لدى قيادات الدول الكبرى (روسيا وامريكا) أكدت أن العمل في تطوير التقانة بقي مستمراً، مما دفع الولايات المتحدة الامريكية للانتقال بصورة علنية لإلغاء قيود (آي- بي-إم، أو معاهدة الحد من الاسلحة الاستراتيجية) والاعلان عن إطلاق مشروع الدفاع الوطني (الدرع الصاروخي). وهذا ما فعلته روسيا أيضاً؛ على نحو ما سبقت الاشاره اليه؛ منحيث تطوير درعها الصاروخي ومتابعة تجاربها الصاروخية. وعادت بذلك عمليات السباق والمنافسة في دائرة حرب الفضاء. فهل سيقف هذا السباق وتلك المنافسة عند حدود الدولتين النوويتين الكبريين، أم ستشارك دول أخرى في عمليات السباق؟
وهل يحق للدول الكبرى - فقط- احتكار أسلحة التدمير الشامل والاسلحة الصاروخية ام إن من حق كل الدول وكل الشعوب البحث عن(دروع وقائية) في ظل غياب الشرعية الدولية، وفي ظل التحديات التي يفرضها الاضطراب في موازين القوى؟

 

 


   

رد مع اقتباس