الموضوع: أيام في العراق
عرض مشاركة واحدة

قديم 29-03-09, 06:42 AM

  رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

أيام في العراق (8) المنطقة التي توصف بالآمنة جدا.. ليست آمنة
القصر الجمهوري من عارف حتى بريمر
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةواجهة قصر لصدام (قصر السجود) في المنطقة الخضراء تستخدمه القوات الأميركية كمقر قيادة، الصورة ملتقطة من خلال نوافذ صالة الشرف في ساحة الاحتفالات («الشرق الأوسط»)
بغداد: معد فياض
ثلاث حقائق مهمة لا غبار عليها يتوصل لها من يتجول في داخل المنطقة الخضراء ويستكشفها عن قرب، هي ان غالبية من عارض صدام خلال حكمه، ومعظمهم يحكم عراق ما بعد صدام، وبضمنهم الاعلام الغربي والادارة الاميركية التي كانت تتحدث بقسوة عن الرئيس العراقي السابق لبنائه القصور الرئاسية، التي كات تسمى في الاعلام المعادي لصدام (قصور صدام)، تسابقوا بعد احتلال العراق من قبل القوات الاميركية على الاقامة بهذه القصور. أما الحقيقة الثانية فهي ان القوات الاميركية التي دخلت العراق محررة وحامية لثرواته هي السبب في كل الخراب الذي لحق بالابنية والمؤسسات التي بنيت في عهد صدام، خاصة تلك التي تقع تحت حماية القوات الاميركية داخل المنطقة الدولية (الخضراء). والحقيقة الثالثة تتلخص في ان المنطقة الخضراء الآمنة للغاية.. ليست آمنة. هذه الحقائق على الاقل استطاعت «الشرق الاوسط» التوصل اليها خلال رحلتها داخل المنطقة المحرمة. لنأخذ مثلا واضحا، ذلك هو القصر الجمهوري الذي يعد رمز الامة العراقية وعنوان سيادتها. العراق الذي عرف بكثرة ثوراته وانقلاباته العسكرية والحزبية، وعلى الرغم من توالي اربعة رؤساء جمهورية على الحكم من بين جدران هذا القصر، الا ان القصر الجمهوري بقي محافظا على كيانه، حتى ان القوات الاميركية عندما قصفته عام 1991 خلال عمليات عاصفة الصحراء ، قام صدام حسين باعادة اعماره وبناء ما تم تهديمه، واضاف اليه اجنحة داخلية وخارجية والحق به الحدائق الغناء والبحيرات والمسابح وصالات الاستراحة. ومن يزور القصر اليوم سيجد اسلاك الاتصالات والكهرباء ممدودة في كل الاتجاهات مشوهة معماره الداخلي الجميل، كما ان الجنود الاميركان، الذين داسوا ببساطيلهم على كل شيء داخل القصر وهدموا بعض الجدران، خربوا الكثير بما فيه حدائقه التي صارت يابسة اليوم.
وقبل ان يتحول القصر الجمهوري الى مقر للحاكم الاميركي السفير بول بريمر، ومن ثم الى مكتب للسفارة الاميركية، كان قد اقام فيه ثلاثة رؤساء جمهورية وحاكم اميركي. قتل اثنان من الرؤساء العراقيين غدرا وأخرج الثالث بعد خيانة جهازه الأمني له. فقد كان عبد السلام عارف، ولد عام 1921 في بغداد، قد تولى رئاسة الجمهورية عام 1963 اثر الاطاحة برئيس الوزراء عبد الكريم قاسم واعدامه في مبنى الاذاعة من قبل البعثيين، ومات بسبب انفجار مدبر لطائرته في صحراء البصرة في 1966. اما اول رئيس للجمهورية العراقية بعد الانقلاب على الحكم الملكي في 14 يوليو (تموز) 1958 وهو الفريق نجيب الربيعي فلم يصل الى القصر الجمهوري، وكان رئيسا لمجلس السيادة وبلا صلاحيات، اذ كان رئيس الوزراء قاسم هو الذي يتمتع بصلاحيات مطلقة، وهو الاخر (عبد الكريم قاسم) لم يتخذ من القصر الجمهوري مقرا له، بل مكث بغرفة صغيرة في وزارة الدفاع في منطقة الباب المعظم وكانت بمثابة مكتبه ومسكنه.
وكان الرئيس الثاني للجمهورية العراقية هو عبد الرحمن عارف، شقيق الاول، مولود في بغداد عام 1916، واصبح رئيسا للعراق خلفا لشقيقه عبد السلام في 16 ابريل (نيسان) 1966، وتم تنحيته من الرئاسة، اثر غدر قيادة أمنه واستخباراته وحراسة القصر، بتعاونهم مع البعثيين الذين هاجموا القصر فجر يوم 17 يوليو (تموز) 1968 وتنفيذ الانقلاب ضده، وهو اول رئيس للعراق لم يمت قتلا او غدرا، بل مات بصورة طبيعية بداية العام الحالي 2007.
أما الرئيس الثالث فهو احمد حسن البكر، مولود في تكريت عام 1914 وصل الى القصر الجمهوري بعد الانقلاب على عبد الرحمن عارف في يوليو 1968، واخرجه صدام حسين عام 1979 منه ليحتجزه في بيته قبل ان يموت بفعل حقنة سامة عام 1982، مثلما أكدت اوساط مقربة وقت ذاك.
وحسب مذكرات بريمر (عاما في العراق) فإنه اتخذ غرفة صغيرة داخل القصر الكبير وذلك لاسباب أمنية، ليعيش فيها وليحكم العراق من خلال نفس المكان الذي كان يحكم فيه اربعة رؤساء قبله، اذ تقلد بريمر المولود عام 1941 مسؤولياته كحاكم اميركي مطلق على العراق في 6 مايو (ايار) 2003، خلفا لجاي غارنر، المولود عام 1938، الذي حكم العراق منذ سقوطه بأيدي القوات الاميركية المحتلة في 21 ابريل (نيسان) 2003، وحتى تسلم بريمر المسؤولية، وهي اقل فترة اقام فيها حاكم للعراق بالقصر الجمهوري.
المقاطعة الثانية المحمية بشدة داخل المنطقة الخضراء، ولكن بدرجة اقل من السفارة الاميركية وبيت السفير الاميركي، هي السفارة البريطانية ومسكن السفير البريطاني، وبالدرجة الثالثة تأتي مقاطعة مكتب رئيس الحكومة العراقي ومسكنه ومكاتب ومسكن رئيس الحكومة السابق ابراهيم الجعفري، وضمن ذات القاطع يقع مسكن موفق الربيعي مستشار الأمن الوطني ووزير النفط حسين الشهرستاني.
ويتخذ رئيس الحكومة نوري المالكي من قصر كان مخصصا في عهد صدام حسين لاستضافة الملك حسين العاهل الاردني الراحل، وتقع امامه بحيرة ونافورات وحدائق، بينما يطل من الجهة الاخرى على نهر دجلة مباشرة.
للدخول الى هذه المقاطعة المسورة هي الاخرى بجدران كونكريتية وبوابة حديدية، تحتاج الى مرافق يحمل بطاقة زرقاء، كما تخضع السيارة التي تقلك لتفتيش دقيق للغاية.
عندما مررت بمستشفى ابن سينا لم اتعرف عليه، هو الاخر سور بعناية بجدران كونكريتية، وبدلا من ان يحمل اسمه، كانت هناك لافتة تعرف به كالتالي: «القيادة الاميركية، القيادة الطبية الثالثة، مستشفى الاسناد القتالي الـ 28»، وقبيل المستشفى يقع السوق المركزي للمنطقة الخضراء، الذي لا يدخله أي شخص ما لم يكن يحمل بطاقته كمجند في القوات المتعددة الجنسيات او مواطن اميركي او بريطاني.
صديقي الذي رافقني في جولتي داخل المنطقة الخضراء قال ان «هذا السوق يضم كل شيء تقريبا من مواد غذائية واستهلاكية وملابس وكلها من انتاج غربي، ولكنها رخيصة جدا. السفارتان الاميركية والبريطانية وفرتا لقواتهما وموظفيهما في المنطقة الخضراء وسائل ترفيه محرمة على الاخرين، مثل الاسواق الكبيرة (سوبر ماركت)، والنوادي الرياضية التي تضم اجمل المسابح التي كانت قد بنيت في عهد صدام حسين، والمطاعم والمقاهي.
في الجانب الآخر من السفارتين الاميركية والبريطانية تقع ثلاثة من القصور الرئاسية، التي ضربت القوات الاميركية اثنين منها، ولكنهما ما يزالان قائمين، وهما قصر السجود وقصر السلام حيث يستخدمان كمقرات للعمليات والاستخبارات الاميركية، أما القصر الثالث فهو قصر عدنان الذي يقع قريبا من ساعة بغداد التي دمرتها دبابة اميركية بأمر من احد الضباط في تمام الساعة السابعة صباحا من يوم العاشر من ابريل، وهو اليوم التالي لاحتلال بغداد، وحسب احد الساكنين قرب الساعة، وهو مهندس عراقي، انه عندما سأل الضابط الاميركي عن سبب قصفه للساعة، فهي مجرد ساعة لا اكثر، اجابه الضابط الاميركي «هذه ساعة صدام ونحن سندمر كل ما له علاقة بصدام»، رد عليه المهندس قائلا: «حتى ان اسمها ليس ساعة صدام، بل ساعة بغداد»، الساعة ما تزال قائمة وعقاربها متوقفة على الوقت الذي ودعت فيه الزمن، العاشرة صباحا، ولم تكلف القوات الاميركية نفسها عناء اصلاحها واعادتها الى الحياة.
الدمار الحقيقي الذي لا يعرفه العراقيون لحق بساحة الاحتفالات الكبرى التي كانت واحدة من المتنزهات التي كان ينفس فيها البغداديون عن متاعب وضجر ايامهم، وبعد ان كانت هذه الساحة تزدهر بمئات العوائل واطفالهم، وبعد ان كانت الخضرة تزينها، تحولت الى ارض جرداء، بينما يقوم السكان المحليون بالاستفادة من مياه بحيرتها الصغيرة لغسل سياراتهم.
نصعد الى الشرفة الرئاسية في ساحة الاحتفالات الكبرى، تلك الشرفة التي استقبلت رؤساء وملوكا وقادة عربا مستعرضين مع الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين قطعات الجيش العراقي بعد انتصار العراق على ايران في حرب استمرت ثماني سنوات، تتكون هذه الشرفة من صالات كانت مترفة لاستقبال كبار الضيوف والانتظار، وهناك صالة مخصصة لاستراحة صدام حسين، نوافذ هذه الصالات، صالة صدام خاصة، مزودة بزجاج مضاد للرصاص، بل ولقذائف المدافع فهناك اثر لقذيفة مدفع دبابة اميركية من غير ان تحطم حتى زجاج النوافذ الامامية.
جماهير الغوغاء الذين سهلت لهم القوات الاميركية عملية غزو القصور الرئاسية والدوائر الحكومية لسلبها وتخريبها لم تبق أي شيء في هذه الشرفة، حيث تمت سرقة الاجهزة الصوتية والكاميرات والاثاث والثريات المصنوعة من الكريستال الاصلي. لكن ما لا يستطاع فهمه هو سبب تخريب مقاعد الشرفة المزودة بفتحات التكييف المركزي، فالعملية تتعدى مجال السرقة الى التخريب والانتقام من كل ما كان ينتمي الى عصر صدام.
احاول التقاط صورة للقصر المقابل لصالة الشرف لكن سرعان ما ينبهني شاب من سكان المنطقة بقوله «ديربالك هذا مقر للاستخبارات الاميركية»، القصر نصف الخرب تحيطه سرية تامة، اصطاد له صورة من خلال نافذة شباك مدمر.
انظر من الشرفة الرئاسية، من ذات المكان الذي كان فيه صدام حسين يرفع يده اليمنى بحركته المميزة محييا الجماهير، وقف هنا ليلة الثامن من اغسطس (آب) عام 1988 محتفلا مع العراقيين بانتهاء الحرب العراقية الايرانية وهو يرتدي الثوب والعقال العربي، ووقف هنا محتفلا بعيد الجيش العراقي في السادس من يناير (كانون الثاني) بعيد انتهاء الحرب عام 1989، حيث كانت احدى الدبابات قد لغمت بالقنابل لاغتياله في خطة تشبه الى حد كبير حادثة المنصة التي اغتيل فيها الرئيس المصري انور السادات، وكان نجله قصي قد اكتشف المخطط ساعات قبيل تنفيذه، ووقف صدام هنا وهو يمسك بندقيته ويرمي في الفضاء بيد واحدة متحديا التهديدات الاميركية من جهة ومكذبا التقارير التي كانت قد تحدثت عن اصابته بسرطان الغدد اللمفاوية. ووقف صدام حسين مرات اخرى يوم كان الاف العراقيين يهرعون لتحيته.
كان الرئيس العراقي الراحل يرفع يده الحقيقية محييا العراقيين من شرفته هذه وعلى مقربة منه تقف بصورة متقابلة كفاه البرونزيتان على ارض صلبة حاملتين السيف العربي في تكوين شكله النحات الراحل خالد الرحال ليكون قوس النصر، اربع اكف مأخوذة عن نسخة حقيقية لكف صدام وتم تكبيرها برونزيا في احد مصاهر ايطاليا لتكون بوابتا النصر التي مر من تحتهما حشود الجيش العراقي بينما تتبعثر على الارض الخوذ الحقيقية التي كان يضعها الجنود الايرانيين فوق رؤوسهم وتم جمعها من جبهات القتال ومن الاسرى الايرانيين في اشارة الى النصر الذي حققه الجيش العراقي على القوات الايرانية.
كانت ايران قد طالبت برفع هذه القبعات التي ترى في وجودها على ارضية الساحة وتحت كف صدام اهانة لقواتها، وكان هناك بالفعل مشروع لتهديم اقواس النصر، وتم ضرب القوس الكائن في غرب الساحة حيث تحطم جزء من كف صدام البرونزي،الا ان اصرار مؤسسة الذاكرة العراقية التي اسسها كنعان مكية ويدير مكتبها في بغداد الاعلامي العراقي مصطفى الكاظمي على عدم المس باي مكون في الساحة كونها (الساحة) مملوكة لمؤسسة الذاكرة العراقية لتبقي جانبا من عهد صدام مثلما هو،هذا الاصرار حال دون تهديم نصب قوس النصر.
الساحة من خلال الشرفة تبدو مهملة وجرداء، تمت ازالة تمثال لصدام حسين كان يقع في مركز الساحة، كما تم تهديم قاعات المسارح والعرض السينمائي والصالات التشكيلية والمقاهي. لكن اللوح المرمري الذي يحمل كلمات لصدام حسين وبخط يده، منفذة بالبرونز، ما تزال موجودة هناك كشاهد على عصره.
المارينز الاميركيون لم يفوتوا الفرصة في التوقيع على جدران الصالة ليقولوا «المارينز مرو من هنا» واينما يمر المارينز يحل الخراب والتهديم.
يحتل نصب الجندي المجهول بتشكيلاته النحتية الممزوجة مع الجانب العمراني البديع القسم الشرقي من ساحة الاحتفالات الكبرى. عندما مررت من قربه كان التراب قد غطى كل تفاصيله واخفى جمالياته حتى انهم عندما يضيئونه في بعض الليالي يبدو باهتا بعد ان كانت اضاءته تشع ليلا بألوان العلم العراقي الاحمر والاخضر والابيض.
اختتمنا جولتنا في فندق الرشيد لشرب فنجان قهوة هناك. كان هذا الفندق واحة فرح واسترخاء وموسيقى وغناء ولقاءات عائلية وعاطفية، حيث العشاق كانوا يضيعون بين اشجار حدائقه المتنوعة، التي هندسها خبراء عالميون في هذا المجال.
دخلته للمرة الاولى منذ ان غادرت العراق في بداية التسعينات، شعرت بالخجل لكل ما لحق بالفندق الذي كان يوصف بواحد من اجمل الفنادق العالمية، تمثال الصياد وعروس البحر بدا خاويا بعد ان جفت مياه النافورة.
استوقفني حارس من رومانيا لا يجيد سوى لغة بلاده وراح يحقق معي عن سبب وجودي في الفندق، الفندق ذاته الذي كنت اقضي فيه احلى الاماسي اجدني محجوزا ببابه لافسر لحارس يجهل كل لغات العالم سبب وجودي هنا. لم يحدث في تاريخ هذا الفندق الذي كان يديره شخص ناجح اسمه غازي، اغتاله مسلحون قبل عامين، ان وقف حرس ببابه يسأل عن سبب زيارة الناس له، فهو مجرد فندق، حتى في الايام التي كان يحضر فيها عدي وقصي نجلا صدام حسين الى الفندق لم يسمح للحرس بمنع او مساءلة الزوار.
القصيدة التي أبدعها الفنان العراقي سعد شاكر بالسيراميك البني، والتي تحتل الافريز العلوي لصالة الفندق، والتي تبدأ بـ«ليت هندا انجزتنا ما تعد» بهت لونها وما عادت واضحة. الاضواء مطفأة لاسباب ترشيد الطاقة الكهربائية، الاثاث تحطم من غير ان يحرص احد على اصلاحه او تغييره، بالرغم من ان ادارة الفندق تقاضي الزوار اجورا عالية قياسا بباقي الفنادق.
يقيم في فندق الرشيد حاليا بعض مراسلي الصحف الصادرة خارج العراق ووكالات الانباء، اضافة الى عدد من المسؤولين العراقيين وغالبية من اعضاء مجلس النواب، الذين تقيم عوائلهم خارج العراق.
كانت عتبة الفندق تضم صورة منقوشة على البلاط للرئيس الاميركي جورج بوش، لكنها اختفت حاليا. يوضح لي احد العاملين في الفندق، قائلا: «عندما تم قصف بغداد عام 1992 اصابت قذيفة الفندق وقتلت بعض العاملين فيه، وبعد وصول الرئيس بوش الى البيت الابيض واعلان عدائه لصدام حسين صدر امر من الرئاسة برسم صورة بوش على عتبة الفندق ليدوس عليها الزوار، لكن في نهاية التسعينات وعندما كانت فرق التفتيش تأتي الى بغداد أمر صدام حسين بازالة صورة بوش من العتبة من غير ان يشعر اي شخص، لهذا تم وضع سجادة حمراء فوق الصورة وتغطيتها حتى نساها الناس ومن ثم تمت ازالتها.

 

 


   

رد مع اقتباس