عرض مشاركة واحدة

قديم 13-11-09, 07:33 PM

  رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي الحــرب النفسيــة



 

الحــرب النفسيــة في النظام الدولي الجديــد

المقدمة.
يعيش الإنسان في عديد من الدول والمجتمعات البشرية في عصرنا الحالي أزمة وجود، أو محنة استقرار أساسها الصراع الدائر بين الأقوياء من جهة، وأقوياء آخرين من جهة أخرى، وبين الأقوياء أو بعضهم من جانب والضعفاء و بعضهم من جانب آخر، وكذلك بين الضعفاء وأمثالهم، صراع دائم يفضي إلى محن وأزمات مستمرة اختلف المختصون في علم النفس والاجتماع بشان طبيعتها وأسباب حدوثها وأبعادها البنائية وبدايات الحدوث، أو ما يسمى بالجذور التاريخية لها، ويعود هذا الخلاف إلى تعدد المناهج التي تتناول مثل هذه الأمور، وكذلك إلى التعقيد الموجود في النفس البشرية، وهي خلافات تعكس التناقض العميق لرؤى الأزمات والدلالات والمعاني ذات الصلة بالتعامل معها، أو التحرر منها ومضامين هذا التحرر.
وبالعودة إلى منطقتنا العربية والإسلامية ومعطيات الصراع، نتلمس أن الأزمات التي نتجت عنه والتي ستنتج لاحقا، عزاها غالبية السياسيين والباحثين إلى الاقتحام الغربي لها - أي المنطقة - وما تبعه من سيطرة على مقدراتها بأشكال وآليات تتجدد بين الحين والآخر. ويدعم هذا الرأي الكفاح المستمر لشعوبها بهدف تحقيق الاستقلال، ومقاومة ذلك الاقتحام بكافة أشكاله الثقافية والحضارية والاقتصادية والسياسية، ويدعمه أيضا اندفاع شرائح واسعة من مواطنيها ورغبتهم بالتعليم وإقبالهم عليه لتسليح أنفسهم بوسائل المقاومة ومفردات الثقة بالنفس لتفادي أية آثار محتملة لذلك الاقتحام، واستعدادهم للجهاد طويلا ضد المستعمر أو المقتحم وطرده
خارجها مهما بلغ الثمن كما حصل للعديد من الدول العربية والإسلامية عبر سني نضال أبنائها الطويلة حتى تحقق لهم ما أرادوا بجهودهم المتواصلة.
ومع هذا ينظر القلة إلى مجمل الموضوع نظرة مختلفة مردها إلى القدر الذي جاء بالمقتحمين في ظروف تفوقهم الحضاري، وهي النظرة التي لم تلق دعما علميا كافيا يساعد على ديمومة الاعتراف بها، في الوقت الذي أبقى فيه البعض الآخر الباب مفتوحا أمام المزيد من البحث والتقصي بغية الوصول إلى الأسباب والدوافع التي شجعت قسم من سكان هذا العالم على الغزو والاقتحام وجعلت القسم الآخر فريسة سهلة له، في زمن باتت وسائل تأثير هذا الغزو الفنية منها مثل العسكر، والإعلام مملوكة في معظمها للغزاة غير المنصفين، وبات فيه المعرّضون للغزو غير قادرين على منعها بالوسائل التقليدية، حتى ضاقت أمامهم فرص الدفاع إلا ما يتعلق منها بفاعلية الإيمان بالشرائع السماوية التي يتمسكون بها، والفكر المنطقي الذي يحملونه، ومعطيات التحصين لأنفسهم وتقليل فعل التأثير على حياتهم، وبمقدار العلم الذي يحصلون، لدرء خطر التأثير على قدراتهم خاصة بعد أن أصبح الغزو في عالم اليوم فكريا والمعركة نفسية سلاحها الإعلام وأدواتها كل وسائله المسموعة والمقروءة والمرئية.
النظام العالمي الجديد.
1) النظام العالمي الجديد اصطلاح في السياسة بدأ استخدامه بشكل واسع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين المنصرم، وبالتحديد مع ظروف تفكّك الاتحاد السوفيتي، حيث اقترن بالعولمة ليعبر عن انتقال عمليات السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات بين المجتمعات البشرية بحرية ودون قيود. لكنه ومن الناحية العملية يعبر عن اتجاه للهيمنة على مقدرات العالم من طرف واحد (أمريكا) أو ما يسمى بالقطب الواحد.
وهو بوجه العموم مصطلح ظهر على الصعيد الأكاديمي أول مرة بداية الستينات عندما استعمله المحامي الأمريكي المتقاعد كرنفينك كلارك، المستشار الفاعل لعدد من وزراء الخارجية في البيت الأبيض في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، لكنه ورغم الظهور المذكور لم يُدرج تعبيرا عاما في الفكر السياسي إلا بعد ثلاثين سنة على وجه التقريب، وكان أول من استخدمه بمعناه الحالي أواخر الثمانينات غورباتشوف 1989، وبوش 1990، والأمم المتحدة 1991. وباختصار يمكن القول أنه مصطلح لا يحمل في طياته أي جديد سوى محاولة الأمريكان لاستغلال انهيار الاتحاد السوفيتي في تعديل ميزان الصراع بينهم وبينه، وكذلك استثمار التخلخل الحاصل في الوضع الدولي آنذاك لإضافة المزيد من معايير القوة في كفة ميزانهم للصراع مع قوى أخرى ما بعد الاتحاد السوفيتي. هذا من وجهة النظر السياسية، أما من وجهة النظر النفسية السياسية فإنه (النظام العالمي الجديد) واقع لم يكن جديدا بتوجهاته وأهدافه، لأنه استمرار لذات الجهود في السيطرة وإدارة الصراع، والجديد فيه يتعلق فقط بالوسائل والأدوات التي اخترعتها أو استثمرت اختراعها أمريكيا لإيجاد قناعات خاصة وتحوير أخرى لصالح توجهاتها الستراتيجية في المجتمعات المستهدفة،
وكان لها السبق في هذا المجال لعدة أسباب من بينها :
آ- التطور التقني الكبير للمجتمع الأمريكي في كافة المجالات، وخاصة في وسائل الاتصال ونقل المعلومات.
ب- الاقتصاد الأمريكي المتفوق من حيث القوة والقدرة على المنافسة مع اقتصاديات العالم الشرقي والغربي على حد سواء.
ج- قدرة الردع الأمريكية المتفوقة في مجال أسلحة التدمير الشامل وكذلك في بعض مجالات الأسلحة التقليدية.
2) وتأسيسا على هذا التفوق سارعت أمريكا لاستخدامه كوسيلة ضغط على الحكومات، والشعوب الأخرى بعد أن بات أكثر من نصف العالم في قبضتها نتيجة لحاجة البعض إلى استثماراتها ومساعداتها لدعم اقتصاده، والبعض إلى تواجدها العسكري لتعزيز أمنه واستقراره، والبعض الآخر لمواقفها السياسية لتأكيد شرعيته، وآخرون إلى تقنياتها المتطورة لدعم تطوره واستمرار بقائه.
3) إن زيادة الحاجة للأقوى من قبل الأقل قوة وإمكانية فرضها واقع لمضاعفة فعل انتقال السلع والتقنية والمعلومات والثقافة والأفكار الذي سيؤدي حتما إلى أن تكون الحـدود والسيادة الوطنية في كثير من المجتمعات غير الرصينة مجرد رموز للماضي، ويبدو معها فعل التأثير على المجتمع المستهدف خارج قدرة المجتمعات غير الحصينة للحيلولة دون حدوثه، ويبدو معها النظام القيمي والأنماط الثقافية والنظم السياسية عرضة لاحتمالات التغيير، الأمر الذي لا يبقي أمام المجتمعات العربية و الإسلامية المستهدفة وسيلة أمثل للدفاع سوى التحصين النفسي ضد أدوات التأثير التي يمتلكها النظام العالمي الجديد، والتي تكاد أن تكون موجودة في كل بيت ومدرسة ومصنع مهما حاول المعنيون منع دخولها بأساليبهم المباشرة أو غير المباشرة.
الحـرب النفسـية.
1- كانت الحرب بمفهومها العسكري التقليدي إحدى أهم الوسائل المتاحة لفض الصراعات القائمة وفرض الإرادات، حتى وقت قريب تدخلت فيه بعض المتغيرات التي أثرت على اتجاهات السياسة في الاعتماد المطلق على الحرب المباشرة، أو الصدام المسلح كعامل فاعل لتأمين غاياتها،
ومن بين تلك المتغيرات :
آ) ظهور الأسلحة المتطورة لدى العديد من الدول أدخل العالم حقبة الإستراتيجيات الشاملة بشكل أصبحت فيه احتمالات الحرب التقليدية كوسيلة من وسائل إدارة الصراع قليلة الاحتمال إلا في حدود ضيقة، لأن الاستخدام العام لتلك الأسلحة لا يسمح بخروج منتصرين في حرب سيحل الدمار بجميع أطرافها.
ب) على الرغم من مقدرة الجيوش الحديثة وضخامة الأسلحة التي بحوزتها وقدرتها على التحشد والإسناد الإداري فإنها أصبحت شبه عاجزة لوحدها عن تحقيق الحسم العسكري بشكله الاعتيادي رغـم تفوقها على خصم أصبح ونتيجة للتطور يتمتع بفرص جيدة للمناورة وإمكانات عالية في استجلاب الدعم والإسناد وحرية معقولة لتأمين الاتصال بمستويات زادت من فرص مقاومته.
ج) التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الاتصال ونقل المعلومات جعل عالم اليوم صغيرا للحد الذي يستطيع فيه المرء أن يرى أحداثاً تقع في مختلف أنحائه لحظة وقوعها وهو جالس في بيته مما جعل هذه الوسائل ذات تأثير كبير على تشكيل الآراء والتوجهات والقناعات يمكن استثماره وبأقل ما يمكن من الخسائر.
2- إن المعطيات أعلاه أثرت على رؤية القوى المتنفذة في العالم (أمريكا والغرب) على وجه الخصوص، ودفعتهما إلى التفكير بوسائل جديدة قادرة على إحداث فعل التأثير على تشكيل الآراء والقناعات المناسبة، وتكوين الاستجابات المطلوبة، تتوافق في واقع الحال ومساعيهما الحثيثة لتسيير واستغلال الشعوب الأخرى بطرق مقبولة لا تثير احتمالات المقاومة كما يحدث عادة في التعامل مع الأساليب القديمة المتمثلة بالحرب التقليدية، وبكلفة أقل بالمقارنة مع الكلف الباهظة للحروب التقليدية، وسعة تدمير أقل بالمقارنة مع تلك الحروب.
ولذا فقد بات التعامل على المستوى النفسي يحتل الحيز الأكبر بين الأسلحة المستخدمة في النظام الدولي الجديد للتأثير على وعي المستهدفين، أخذت فيه الحرب النفسية إطارا أكثر شمولية وأصبح فيه الإعلام أحد أدواتها المعروفة، وبات مفهومها الدقيق : استخدام المعطيات النفسية السرية والعلنية لإيجاد القناعات والآراء والاتجاهات التي تسهل تأمين المصالح وتعين على إدارة وتحليل الصراع.
لكن الحرب النفسية مفهوم لم ترتبط نشأته بتطور تقنيات الإعلام ولا بشيوع تطبيقات النظام الدولي الجديد بل ويعود إلى الحروب، عندما أدرك بعض القادة العسكريين أن جنودهم يقاتلون قتالا شرسا تارة، ويتبلدون حد الجبن تارة أخرى، وكذلك جنود العدو الذين يستبسلون في الدفاع عن مواضعهم تارة، وينسحبون متقهقرين تارة أخرى حتى عزوا ذلك التناقض الانفعالي إلى العامل النفسي وتوجهوا إلى المختصين لدراسته وتطوير وسائل تقويته عندهم، وإضعافه عند خصومهم، فكانت إجراءاتهم العملية في هذا المجال شملت العديد من الوسائل والأدوات وضعت تحت عنوان الحرب النفسية التي عُرِفَت ما بعد الحرب العالمية الثانية بالاستخدام المخطط من جانب الدولة في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ لإجراءات عاتية بقصد التأثير على أراء وعواطف وسلوك جماعات أجنبية عدائية أو محايدة أو صديقة بطريقة تعبر عن تحقيق سياسة الدولة وأهدافها.
وعرفت بعد ذلك بقليل بأنها حملة شاملة تستعمل كل الأدوات المتوفرة وكل الأجهزة للتأثير في عقول جماعة محددة بهدف تدمير مواقف معينة، وإحلال مواقف أخرى تؤدي إلى سلوكية تتفق مع مصالح الطرف الذي يشن هذه الحملة.
لكن تلك التعريفات قد تغيرت مع تطورات الأحداث والتقنية والنضج الفكري في مجالها لتكون الاستخدام المنظم لمعطيات علم النفس التطبيقية في تحليل وإدارة الصراع كما ورد في الفقرة (2) أعلاه.
3- إن التصور المذكور للحرب النفسية واعتمادها في تحليل وإدارة الصراع أعطاها أهمية بالغة ودفع العالم الغربي وأمريكا (القطب الواحد) في النظام الدولي الجديد على وجه الخصوص، إلى استخدامها سلاح كأحد أفضل الأسلحة المؤثرة لاعتبارات أهمها :
آ) إنه سلاح غير مباشر يعتمد على المعرفة النفسية وتطبيقاتها في التعامل مع الوعي الإنساني تلك المعرفة التي قطعت فيها تلك الدول أشواطاً بعيدة المدى وتمرست في استخداماتها بمستوى يحقق لها التفوق المطلوب في العديد من بقاع العالم.
ب) إن أمريكا في النظام العالمي الجديد امتلكت السلطات التشريعية والتنفيذية العالمية معاً وبموجبها حرمت على سبيل المثال التشويش على الإذاعات المرئية والمسموعة ومنعت الرقابة على المطبوعات والرقائق السينمائية وبقية وسائل الاتصال، وغيرها من ضوابط وقوانين مهدت لفتح الأبواب على مصاريعها أمام أسلحتهم النفسية دون أية مقاومة أو بقليل منها في أحسن الأحوال.
ج) إن الابتعاد جهد الإمكان عن التدخل المباشر باستخدام الجيوش التي ارتبطت حركتها بالاستعمار التقليدي المقيت أمر يحتاجه أولئك المعنيون في الوقت الحاضر لتجميل صورتهم التي تشوهت في اكثر من مكان على الكرة الأرضية، إلا أن هذا الاتجاه يعني تقييد لحركتهم وخسارة لمصالحهم الآنية والمستقبليـة لا يمكن قبوله تماماً، وكتعويض لذلك فسح المجال واسعاً لاستخدام السلاح النفسي الذي يلبي الطموحات دون أية مشاكل جانبية.
د) أمريكا والدول المتنفذة الأخرى هي دول رأسمالية يدير معظم مفاصل القرار فيها أصحاب رؤوس الأموال وفق نظام يضع في الحسبان الكلف المادية ومؤشرات الربح والخسارة لكل الفعاليات وبينها العسكرية، وبمقارنة بسيطة بين ما تتطلبه الحرب التقليدية أو النووية من مصاريف ضخمة، وما تحتاجه الحرب النفسية من أموال وجهود معقولة نجد أن ميزان المفاضلة تميل كفته لصالح الأخيرة وبفارق كبير جداً.
هـ) يمتاز السلاح النفسي عن غيره من الأسلحة التقليدية كون إجراءاته متعددة ومتغيرة تتلون باستمرار تبعا للظروف، والمواقف، كذلك يتوجه إلى أهداف ليست معلنة واتجاهاته على وجه العموم غير مباشرة. وسلاح بهذه الخصائص يكتسب قوة التأثير غير المباشرة دون مقاومة المستهدفين أو ممانعة من قبل المجاورين في المنطقة.
و) إن اللجوء إلى استخدام الجيوش في الحروب عبر كل الأزمنة يتمحور حول فرض إرادة أحد أطراف الصراع بالقوة عندما تعجز الوسائل الأخرى عن فرضها. وهذه نتائج لا يدوم أمدها طويلا لأنها وبقدر قوة الصدمة وقسوة الشروط التي يفرضها المنتصر ستخلق مشاعر للعدوان ويتشكل سلوك للمقاومة عند مواطني الطرف المقابل يدفعهم إلى تكثيف جهودهم لإزالة تلك النتائج بأسرع ما يمكن. أما السلاح النفسي الذي لا يتوقف تأثيره عند حالة معينة يمتاز بالاستمرارية وبسهولة التكرار والمرونة فـي اختيار الوقت والوسيلة، والمناورة بالجهد المتيسر، وهي مبادئ توفر له فرصاً جيدة لإدامة زخم التأثير بدرجات أشد وفترات زمنية أطول.
ز) تمثل الحرب الاعتيادية مواجهة ساخنة بين أطراف الصراع يتلقى العسكريون فيها قوة الصدمة التي قد تمتد آثارها إلى المدنيين في العمق الاستراتيجي تبعا لشدتها واتساع رقعتها ( شموليتها ) وخلالها يحتفظ القادة المعنيون أحياناً بجهود تحمي المدنيين أو تقلل من تأثيراتها عليهم جهد الإمكان. بينما تختفي الحدود والفواصل في استخدامات السلاح النفسي ( إلا إذا أريد له ذلك ) وساحته على وجه العموم شاملة لكل المجتمع المستهدف. وبمعنى آخر إن تأثيراته السلبية لا تقتصر على جبهة القتال، والعبء الأكبر فيها لا يقع على العسكريين بمفردهم، وهو ما تسعى أطراف الصراع إلى تحقيقه في الوقت الحاضر.
ح) إن سياقات تطبيق الحرب النفسية في كثير من الأحيان تعتمد على التعامل مع ميول الإنسان وحاجاته ورغباته ومن ثم غرائزه بأساليب إشباع مرغوب، أو تجنب منفر، وهي معطيات تستهوي في معظمها المتلقين وتمهد الطريق أمام السلاح النفسي للوصول إلى الهدف المطلوب في الزمان والمكان المحددين.
4- والحرب النفسية على وفق ما ورد أعلاه :
عمل لا يتعلق إنجازه بالمؤسسة العسكرية فقط، لأن استخدام الجيش أو القوة العسكرية كان وما زال بيد الساسة بقصد فرض الإرادات وخلق القناعات " لصالح المنتصر " أو تحوير أخرى بالاتجاه الذي يريده المنتصر، وبالتالي أصبح الجيش وفعله أثناء الحرب وقبلها أو بعدها إحدى أدوات الحرب النفسية. وهو كذلك لا يقتصر فعله على الدبلوماسية فقط، في ممارسة الضغط والعزل وقطع العلاقات، ولا على الاقتصاد والتجارة وعمليات التجسس والاستخبارات فحسب، بل على كل جهد مدني أو عسكري الطابع، أو اقتصادي أو اجتماعي أو معلوماتي يمكن استثماره في تحليل وإدارة الصراع :
آ) فإن كان أحد الأطراف في أحد كفتي الصراع على سبيل المثال يمتلك القدرة العسكرية الجيدة فقد يستخدمها أو يلوح باستخدامها ضد خصمه لخلق قناعات أو قبول واقع جديد، والقناعة والقبول مسألة نفسية.
ب) وإن كان الاقتصاد هو الأقوى في جعبته فإنه سيلجأ إلى استخدامه على شكل عقود خاصة، ومنع تصدير وحصار وغيرها لتكوين تصورات وأفكار، والأفكار والتصورات مسألة نفسية.
ج) وإن امتلك وسائل الاتصال وتقنية المعلومات، فسيبادر إلى استخدامها للتأثير في تكوين الاتجاهات والميول والرغبات، وهذه هي الأخرى معالم نفسية.
5- عليه أصبحت معظم الإجراءات التي يقوم بها الطرف المعني لإدارة صراعه مع الطرف المقابل ذات أبعاد نفسية ، ومن خلالها يمكننا القول : إن الحرب النفسية على وفق مفهومها الحالي في تحليل وإدارة الصراع، يحاول القائمون عليها استثمار معطياتها في أكثر من اتجاه، بينها :
آ) يلجأ من خلالها كل طرف من أطراف الصراع لأن يُثبت في عقل الطرف الآخر نقاط قوامها الأفكار، والمفاهيم، والتصورات التي تدفعه للقيام بفعل معين، أو تجنب القيام بآخر.
ب) وفيها يسعى كل طرف أن يهزم عدوه عمليا أو عقليا، وإن وجد نفسه غير قادر على ذلك يتحول بجهوده صوب التقليل من عدوانيته، أو تحييده.
ج) وفيها أيضا يسعى كل طرف إلى جعل المحايدين في دائرة صراعه أصدقاء له لتفادي نتائج تحولهم إلى الكفة الأخرى مستقبلا، وكذلك يسعى لزيادة أواصر العلاقة مع أصدقائه، لجلبهم إلى صفه دعما لكفته في الصراع مع الآخرين.
وهكذا تبقى الحرب النفسية عملية مستمرة دائمة، لا تقتصر على الحروب والأزمات، ولا على الأزمنة والأوقات، وبات هذا التصور الأكثر ملائمة لفهمها في وقتنا الراهن.
6- وعموما فإن الحرب النفسية عمل شامل يتم تحقيقه بأساليب متعددة متنوعة من بينها :
آ - المباشرة:
أولا: النشاط الدبلوماسي: اتفاقيات، أحلاف، تدخل في شؤون الآخرين، تكتلات،عزل.. الخ
ثانيا: العمل العسكري: الهجمات الشاملة، الضربات الإجهاضية، مناوشات حدودية، استعراضات عسكرية، قصف أهداف استراتيجية، احتلال مناطق حيوية، أو التهديد به ـ أي العمل العسكري.
ثالثا: الجهود الاقتصادية: حصار، مقاطعة، تضخم، إلغاء اتفاقيات، تزوير عملة، قروض، مساعدات، خطابات ضمان … الخ.
ب- غير المباشرة ( النفسية ): السرية منها والعلنية، التي تشمل:
أولا: الأنشطة الإعلامية لأغراض التحوير الفكري والخرق القيمي وتغيير الميول والاتجاهات.
ثانيا: العمليات الاستخبارية للتسميم السياسي والتعزيز المعلوماتي، وإثارة المخاوف والفتن والاضطرابات.
ثالثا: استعراض القوة وشراء الذمم والتآمر والتجهيل والتخريب النفسي والقيمي، والتلاعب بالآمال والطموحات واستغلال المشاعر الإنسانية وغيرها.
7- تأسيسا على ما ورد أعلاه يمكن استنتاج:
آ) إن معطيات الصراع وطبيعته التي كونت شكل النظم السياسية في عالم اليوم تؤكد أن محاولات الهيمنة وتأمين المصالح واحتمالات المواجهة حالة موجودة بين الحلفاء والأصدقاء مثلما هي واقعة بين الخصوم والأعداء، وفرقها الوحيد لا يتعلق بمديات وجودها واستمرار بقائها، بل بوسيلة التنفيذ وطريقة التوصيل ووقت الشروع التي عادة ما تكون محكومة بالظروف المحيطة ووسائل الضبط المتيسرة، وهذا استنتاج يتطلب أيضا ديمومة التعامل معه دون توقف، لذا نجد في عالمنا اليوم اندفاعاً لمعظم النظم باتجاه تقوية جيوشها وتمتين اقتصادها ودعم دبلوماسيتها وتطوير وسائلها النفسية وإعداد شعوبها للدفاع الكفء مادياً ومعنوياً من جانب وتهيئة فرص أفضل للهجوم وظروف أحسن لفعل التأثير في عقول المستهدفين عندما تقتضي المصالح وضرورات استمرار الوجود من جانب آخر.
ب) وعلى نفس الأسس الواردة لن يتبقى مجال للدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص إلا السعي لتطوير قدراتها في تحليل وإدارة الصراع وزيادة هامش مرونتها في التعامل مع الدول ذات التأثير الأقوى في عقول المتلقين من مواطنيها.
ج) ومن حيث التطبيق نرى أن للحرب النفسية بمفهومها الحديث فعاليات شاملة وإجراءات متداخلة يكمل بعضها البعض. فأعمال السياسة الخارجية على سبيل المثال ذات الصلة بالعلاقات والخطب والمؤتمرات والرسائل والاتصالات والمذكرات تهدف في بعض جوانبها إلى تكوين قناعات تساعد في كسب ود الأصدقاء وتمتين عرى صداقتهم وجلب المحايدين إلى دائرة الصداقة ومن ثم التخفيف من عدوانية الخصوم ومحاولة تحييدهم، وهي معطيات نفسية قد يطلب المعنيون بالتعامل معها مساعدة الإعلام بكل وسائله وأدواته وأنشطته المعروفة لتجسيدها على أرض الواقع، وقد يستعينوا بالمقاطعة الاقتصادية والمساعدات المالية لنفس الغرض، كذلك تقتضي الضرورة اللجوء إلى العمل الاستخباري السري لتنفيذ بعض فقراته، وهذه التصورات تنطبق متغيراتها على معظم أهداف القوى السياسية الحالية في النظام العالمي الجديد الذي أصبح فيه استمرار تسجيل النقاط في وعي الآخرين أمراً أساسياً.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس