عرض مشاركة واحدة

قديم 10-06-09, 08:50 PM

  رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

Thumbs up مختارات من وثائق المخابرات الأمريكية



 

مختارات من وثائق المخابرات المركزية الأمريكية (1)
مختارات من وثائق المخابرات المركزية الأمريكية ما بين (1950 - 1970) (1)


1. المقدمة:
نشرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (cia) في موقع "قانون حرية المعلومات" على الإنترنت وثائق سرية وتحليلات استخبارية تربو على اثني عشر ألف صفحة تلقي ضوءا على نشاطاتها بين أعوام 1950 - 1970، ومن ضمنها محاولات اغتيال رؤساء ومسؤولين، وعمليات تنصت على قادة وصحافيين، ومراقبة طلاب، وفتح رسائل بريدية، وملفات وتحليلات عن أزمة السويس والحرب العربية "الإسرائلية" عام 1967، والسياسات الداخلية لكل من الاتحاد السوفييتي والصين، وكذلك العلاقات السوفييتية الصينية وغيرها من المسائل الخاصة بدول العالم.


وقد تم إعداد تلك الملفات عام 1973 بطلب من جيمس شليزنجر مديرcia آنذاك، بعد الكشف عن تورط وكالة الاستخبارات في فضيحة ووترجيت التي أدت إلى استقالة ريتشارد نيكسون عام 1974 وقد أعلن مدير الوكالة مايك هايدن عن نزع السرية عن تلك الملفات يوم الخميس قبل الماضي أمام جمعية مؤرخي العلاقات الخارجية الأمريكية، وقال : إن معظم النشاطات غير مشرف ، ولكن هذا هو تاريخ الوكالة.


ومن بين هذا الكم الهائل من الملفات اختارت "الخليج" بعض ما يهم القارئ العربي، وخاصة حرب يونيو/ حزيران 1967، وانطلاق حركات المقاومة الفلسطينية.


شكلت الحرب العربية "الإسرائلية" في يونيو عام 1967 هزيمة مهينة للعرب وتراجعا كبيرا في هيبة السوفييت ، فقد خصص السوفييت كميات كبيرة من المساعدات والدعم السياسي للعرب في الوقت الذي ساهمت السياسة الاقتصادية التي اعتمدوها في منتصف عام 1966، إلى حد كبير في التوترات التي حدثت قبل الحرب ، وعلى أمل ضمان دعم وبقاء النظام السوري الجديد ، بدأ السوفييت في ذلك الوقت في اعتماد لغة عسكرية ضد "إسرائبل".
وفي الوقت الذي كان فيه عبد الناصر والسوفييت يأملون من خلال ذلك بالتحكم أكثر بالسوريين المتشددين ، تمثلت النتيجة النهائية لتلك السياسة في دفع عبد الناصر إلى اتخاذ موقف أكثر عدائية تجاه "إسرائبل" فقد فشل السوفييت في استشراف نتائج هذه السياسة ، وعندما فقدوا السيطرة على الوضع استخدموا نفوذهم مكرهين في محاولة لكبح جماح عبد الناصر.


2.الفيتو السوفييتي حال دون إصدار قرار من مجلس الأمن يدين العمليات الفدائية


وقد دفعت النتائج المحرجة لسياسة ما قبل الحرب السوفييت إلى إجراء بعض التغييرات في طريقة تعاملهم مع الشرق الأوسط ، فقبل الحرب كشفوا علناً عن دعمهم لمواقف الأنظمة العربية العسكرية الأكثر تطرفا في معاداة "إسرائبل"، ومن ثم عادوا ليدعموا المواقف الأكثر اعتدالا مع إنها ما تزال تشكل خطاً مناهضاً ل "إسرائبل"، وأفسحت الرغبة في خوض مغامرة كبيرة في وضع فقدوا التحكم فيه من أجل تحقيق أهداف قصيرة الأمد المجال لاتباع نهج متدرج وأكثر حذراً إلى حد ما بعد الحرب. ..
فالمخاطر التي ينطوي عليها الالتزام بدعم نظام يساري راديكالي أصبحت واضحة ، فقبل الحرب عمد السوفييت إلى بذل الجهود اللازمة فقط للحيلولة دون إثارة غضب السوريين، أما الآن فقد بدأوا في فرض قيود بطريقة متأنية وجدية ، وهكذا استبدلوا تصريحاتهم الديماغوجية المتضاربة في فترة ما قبل الحرب بتعهدات بتوفير الدعم اتسمت عمداً بالغموض ، لتتضح بذلك حدود الدعم الذي يمكن أن يقدموه للعرب ؛ ونتيجة لذلك انهارت القوات العسكرية العربية ..


وفي مقابل تقديم الدعم طلب الاتحاد السوفييتي أن يُمنح المدربون والمستشارون العسكريون السلطة الكاملة لتدريب وتنظيم القوات المسلحة السورية والمصرية من كافة المستويات.

ورغم أن السوفييت غيّروا تكتيكاتهم إلا أنهم استمروا في تطبيق الاستراتيجية التي ساهمت في الإهانة التي تلقاها العرب في حرب الأيام الستة، حيث ظلوا مقتنعين بأن الحفاظ على حالة التوتر بين العرب و"إسرائبل" عند أعلى مستوى يعزز النفوذ السوفييتي في المنطقة ، وعلى كل حال كانوا يأملون بتحقيق النجاح الذي عجزوا عن تحقيقه في يونيو 1967، وهو أن تكون سيطرتهم على العرب فعلية، وبالتالي تجنب تكرار حدوث كارثة يونيو ، ولكن في المحصلة بدت السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط مصابة بالانفصام.


فعلى سبيل المثال أوضح السوفييت بجلاء للعرب أنهم لا ينوون أن ينخرطوا عسكريا في نزاع مستقبلي، وفي الوقت نفسه عززت موسكو حجم أسطولها في البحر المتوسط ، وسعت جاهدة من أجل استعادة ثقة العرب بدعمها الحقيقي لهم ، وذلك من خلال الزيارات المطولة للسفن السوفييتية إلى الموانئ السورية والمصرية ، كما أن وجود الأعداد الضخمة من المستشارين والعسكريين السوفييت في المنطقة ، رغم أن القصد من ذلك ربما كان ضمان عدم إفلات الأمور من أيديهم مرة أخرى ، قد زاد من مخاطر التدخل السوفييتي في حال نشوب حرب...


عليه استمر تدفق الكميات الكبيرة من المواد إلى المنطقة من أجل إعادة بناء القوات المسلحة العربية ، ورغم التهديد المتواصل الذي يشكله نمو المنظمات والجماعات المسلحة "الإرهابية" العربية على السلام في الشرق الأوسط تجنب الاتحاد السوفييتي القيام بأي تحرك يمكن أن يعرض موقعه لدى تلك المجموعات للخطر، حيث قدم الدعم العسكري لعدد من تلك المنظمات، عبر الجمهورية العربية المتحدة والعراق باستخدام حلفائه الأوروبيين كتجار أسلحة ، وبينما كان السوفييت يأملون من خلال ذلك بتحقيق بعض السيطرة على قيادة تلك الجماعات المسلحة، غير أنهم على ما يبدو نسوا فشل السياسة المشابهة التي اتبعوها مع المقاتلين السوريين قبل حرب يونيو.


ومهما كانت الحالة فقد حصل تغيّر جوهري خلال العام الأخير، حيث تحول السوفييت عن استراتيجية الحذر والجدية التي اتبعوها بعد حرب يونيو، وجددوا دعمهم لنزعة القتال لدى العرب ، وقد برز هذا التحول من خلال ملاحظات كوسيجن التي سلطت عبرها الضوء على خط جديد من الدعم للموقف العربي المناهض ل "إسرائبل" (10 ديسمبر)، وأيضا من خلال الدعاية السوفييتية لنشاطات وممارسات الجماعات المسلحة المقاتلة.


ومع ذلك فإن رغبة السوفييت بعد الحرب في تسوية سياسية عن طريق المفاوضات في الشرق الأوسط لم تندثر بشكل كامل ، فقد كان الاعتبار الأول بالنسبة لموسكو، كما كان قبل حرب يونيو، هو ترسيخ مكانتها كنصر لحركة التحرر الوطني العربية والحركة المناهضة للإمبريالية ، ومن هذا المنطلق قامت بدعم المجموعات المقاتلة ، ويطمح السوفييت من خلال هذه السياسة إلى تحقيق مكاسب طويلة الأجل لنفوذهم في المنطقة من أجل منع خروج الأحداث الخطيرة عن سيطرتهم مرة أخرى ، كما حدث في يونيو 1967 ..


وعليه وافق السوفييت على الشروط العربية المسبقة لتسوية في الشرق الأوسط ، رغم أنهم لن يقبلوا العروض الأمريكية التي يمكن أن يُدفع العرب إلى القبول بها حسب اعتقادهم ، وفي حين يسعى السوفييت لتجنب حدوث أي مواجهة في المنطقة فهم يعتقدون أن تجديد الدعم لعبد الناصر والجماعات المقاتلة قد يعزز فرصة حدوث مواجهة ، وعلاوة على ذلك يبدو أن السوفييت مرة أخرى واثقون من أن بإمكانهم السيطرة على عبد الناصر ومنع وقوع حرب بين العرب و"إسرائبل"...


فمخاطر هذه السياسة قد تكون أكبر مما تعتقد القيادة السوفييتة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ميل عبد الناصر الذي اتضح بجلاء في مايو 1967 إلى العمل بأسلوب غير متوقع وغريب وعنيف غالباً، وانتحاري على الصعيد السياسي في بعض الأحيان.


في أوائل الخمسينات بدأ السوفييت يتعهدون برعاية الأنظمة العربية القومية الناشئة، مستفيدين من العاطفة المناهضة للغرب، المتنامية والمشتركة بين هذه الأنظمة ، وكان جمال عبد الناصر الهدف المبدئي للسوفييت، لأنه الأشد إثارة للإعجاب في السلالة الجديدة من الزعماء العرب، ولأنه رئيس أقوى دولة عربية ، وكان الاتحاد السوفييتي يعول بشدة على الجمهورية العربية المتحدة ، وبحلول سنة 1965 كانت القاهرة تعتمد كلياً تقريباً على موسكو في العون العسكري ، وقد تبين أن مخاوف العرب من أن المعونة السوفييتية للشرق الأوسط قد تتقلص أو تتوقف نتيجة للإطاحة بخروتشوف لم تكن صحيحة.


وبعد الإطاحة بالزعيم الشيشكلي في سوريا سنة ،1954 كانت علاقة السوفييت بتلك الدولة مقتضبة ومتقطعة ، وقد أسفر الانقلاب العسكري في فبراير/ شباط 1966 الذي قام به الجناح المتطرف في حزب البعث المغالي في قوميته عن تقارب سريع في العلاقات السوفييتية السورية، كما أن اشتمال مجلس الوزراء السوري على وزير شيوعي قد أثلج صدر السوفييت بوجه خاص ، ومنذ ذلك الوقت زاد الاتحاد السوفييتي معونته العسكرية والاقتصادية لسوريا زيادة كبيرة، وأصبح الحرص على استمرار بقاء البعثيين الراديكاليين أحد الاعتبارات الرئيسية في السياسة السوفييتية في الشرق الأوسط.


وفي مسعى للإفادة من الوضع في سوريا شرع السوفييت في التأييد العلني لخط ميال للقتال بصورة متزايدة ومناوئ ل "إسرائبل"، وأخذوا يصدرون التحذيرات ضد أي تدخل في الشؤون الداخلية لعميلتهم الجديدة ، وبسبب قلقهم فيما يبدو من أن جارة سوريا، الأردن، قد تتخذ بعض الإجراءات ضد النظام السوري الجديد حذر السوفييت الأردنيين سراً من أن يفعلوا ذلك ، وذكر أن السفير السوفييتي في الأردن، سلايوسارينكي، نقل مثل هذه الرسالة في 28 مايو/ أيار إلى الملك حسين، وقال له : إن تقارير المخابرات السوفييتية أشارت إلى أن مثل هذا التدخل يوشك أن يحدث.


وعلى الصعيد العلني هاجمت مقالة نشرتها صحيفة "أزفستيا" في 7 مايو/ أيار 1966 "إسرائبل" بسبب "الاستفزازات المسلحة" ضد سوريا، الهادفة إلى الإطاحة بالنظام الجديد، وحذرت "إسرائبل" من التدخل.

وفي 27 مايو/أيار تضمن خبر نشرته وكالة تاس زيادة الدعم السياسي السوفييتي للنظام السوري ، وحسبما ورد في ذلك الخبر فإن الاتحاد السوفييتي " لن يقف مكتوف الأيدي إزاء محاولات زعزعة السلام في المنطقة التي تقع على أعتاب الاتحاد السوفييتي" وقد خص التصريح الوارد في الخبر بالهجوم القوى "المتطرفة" في "إسرائبل" واتهم الدوائر "الرجعية" في الأردن والعربية السعودية، مدعومة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالتآمر على سوريا ..


وكان أثر التصريح السوفييتي- رغم الانطباع الدبلوماسي الذي يشيع في لغته- تشجيع السياسة السورية ضد "إسرائبل" على زيادة نشاطها ، وكان السوريون في هذه الفترة يساندون حملات الفدائيين على "إسرائبل" من الحدود الأردنية، وعلى الرغم من أن عدد هذه الحملات لا يقارن بمستوى هجمات الفدائيين في الفترة التي أعقبت الحرب إلا أنها شهدت زيادة كبيرة عما كانت عليه من قبل.


3. السوفييت يحثون على الوحدة بين سوريا ومصر أواخر 1966 وأوائل 1967

بالإضافة إلى إصدار التحذيرات ضد التدخل سعى السوفييت إلى ضمان أمن النظام السوري الجديد بالحث على المصالحة بين السوريين والمصريين، وكانت الدولتان متنافرتين منذ انفصال سوريا سنة 1961 من الوحدة مع مصر، وقد طالب كوسيجن في كلمة وجهها إلى الجمعية الوطنية للجمهورية العربية المتحدة في منتصف مايو/أيار 1966 بالوحدة بين الدول العربية "التقدمية"...
ولعل السوفييت كانوا يأملون في أن يتبنى السوريون موقفاً أقل استفزازاً نظير الحماية التي تتوفر لهم من خلال تحالف مع الجمهورية العربية المتحدة ، لكن يبدو أن النتيجة النهائية كانت تشجع عبد الناصر على تبني خط أكثر ميلاً للقتال.


وخلال خريف سنة 1966 اشتدت الغارات الإرهابية العربية على "إسرائبل" انطلاقاً من سوريا والأردن، واستمرت مع دخول سنة 1967 وكانت "إسرائبل" ترد عليها بغارات انتقامية، وفي أكتوبر/تشرين الأول أعلن رئيس الوزراء السوري يوسف زعين أن سوريا لن تتخذ أبداً إجراءات لكبح الفدائيين ، وقد اجتمع مجلس الأمن التابع للامم المتحدة عدة مرات بين 14 أكتوبر/تشرين الأول و4 نوفمبر/تشرين الثاني بناء على طلب "إسرائبل"، لكن الفيتو السوفييتي حال دون صدور قرار يدين الغارات الإرهابية.


وقد حدد السلوك السوفييتي في خريف 1966 نمط الأداء اللاحق في ربيع 1967. وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول تلقت "إسرائبل" مذكرة من الاتحاد السوفييتي تتضمن اتهاماً بأن حشداً للقوات "الإسرائلية" قد تشكل على طول الحدود السورية ، وأن "الإسرائبليين" يستعدون لشن هجوم جوي يعقبه توغل عميق للقوات "الإسرائلية" في سوريا، وقد كرر السفير السوفييتي الاتهام بعد يومين في الأمم المتحدة، وامتنع تحقيق أجرته الأمم المتحدة عن تأييد الاتهامات السوفييتية. ..


وفي هذه الأثناء سعت موسكو في 14 و15 أكتوبر/تشرين الأول إلى تحرير العرب من أي تفكير بالرد بطريقة مغامرة، وهكذا كانت موسكو تحث الحكومتين السورية والمصرية في آن وأحد على البقاء هادئتين ، وتجنب إعطاء "إسرائبل" ذريعة للعدوان.
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1966 أي بعد نحو ثلاثة أسابيع من توكيد السوفييت على ادعائهم بوشوك وقوع غزو "إسرائبلي" لسوريا، وقعت الجمهورية العربية المتحدة اتفاق دفاع مشترك مع سوريا، ويوحي توقيته بأن التقرير الذي أعد برعاية السوفييت والذي يحذر من هجوم "إسرائبلي" قد يكون شجع هذين النظامين العربيين على توقيع الاتفاق ، وما من شك في أن التقرير السوفييتي قد وفر للحكومة السورية حافزاً إضافياً لأن تنشد الحماية في ظل تحالف مع عبد الناصر، كما أن عبد الناصر يمكن أن يكون قد منى نفسه باكتساب بعض السيطرة على السوريين في المقابل، وكان التقرير الزائف عن التعبئة "الإسرائلية" يخدم على خير وجه الهدف السوفييتي المتمثل في إيجاد تقارب مصري سوري، وقد أعطى تقرير زائف آخر نشر في مايو/ أيار 1967، نتائج عكسية وساعد في وقوع سلسلة الأحداث التي أفضت إلى الحرب.


ويبدو أن الاتحاد السوفييتي كان يأمل في أن يوفر تحالف الجمهورية العربية المتحدة وسوريا أمناً أكبر للنظام الراديكالي في سوريا، وأن يحد من ميل النظام السوري إلى القيام بمغامرات بمفرده، ولكن عبد الناصر لم يفلح في تهدئة السياسة السورية الاستفزازية إزاء "إسرائبل"، وعلى العكس من ذلك أصبح عبد الناصر المرتبط بالسوريين الذين يفوقونه في النزعة إلى الحرب أشد هشاشة في وجه استثارة السوريين الغوغائية للعواطف المناوئة ل "إسرائبل" في الدول العربية *.


وفي أوائل سنة 1967 كان التوتر على طول الحدود "الإسرائلية" السورية شديداً حيث ازدادت عمليات تبادل القصف المدفعي ، وقد مارست سوريا (التي كان من الواضح أنها ليست قوية بما يكفي لمواجهة "إسرائبل" بمفردها) ضغطاً كبيراً على عبد الناصر ليظهر زعامته للعالم العربي، وليبرهن على قيمة اتفاق الدفاع الذي وقع في نوفمبر/ تشرين الثاني، وخلال هذه المرحلة حذر السوفييت السوريين في مناسبتين على الأقل، وأخبروهم بأن السوفييت لا يريدون أن يخرج الوضع عن السيطرة، ولكن رغبة السوفييت في الإفادة من التوتر المهيمن لكي يزيدوا نفوذهم على حساب الولايات المتحدة منعتهم من اتخاذ أي موقف قوي مع السوريين، وأدت إلى وقوع بعض الأعمال المتناقضة على نحو ما...

وعلى س
بيل المثال في 3 فبراير/ شباط، أي بعد أسابيع قليلة من تحذير السوفييت للسوريين سراً من الاندفاع نحو الحرب نشرت صحيفة "أزفستيا" مقالة تتهم "إسرائبل" بحشد قوات ضخمة على الحدود السورية، واستدعاء قوات الاحتياط، ووضع القوات العسكرية في حالة تأهب.


وفي 7 أبريل/نيسان 1967 في أعقاب تبادل لإطلاق النار عبر الحدود شنت "إسرائبل" أعمق غارات جوية على سوريا حتى ذلك الوقت، وقد يكون ذلك مؤشراً إلى تغير رئيسي في سياسة "إسرائبل" الانتقامية، حيث كان طياروها مخولين باختراق سوريا في العمق ، وأحس السوريون بالمهانة، كما شعر السوفييت الذين كانوا قد زودوا سوريا بالطائرات بالحرج إزاء النجاح "الإسرائبلي".


وبعد خمسة أيام كانت هنالك معركة مدفعية شرسة أخرى عبر الحدود "الإسرائلية" السورية، وانتقدت الدول العربية الجمهورية العربية المتحدة على بقائها صامتة وسلبية نسبياً خلال تلك الفترة ، ومن جانب آخر كانت إذاعة موسكو صارخة في اتهامها للأسطول الأمريكي بالتحرك و"التآمر"، وتحذيرها من خطط "إسرائبلية" لغزو سوريا، وقد كشفت معركة 7 أبريل/ نيسان للسوفييت وللسوريين هشاشة سوريا أمام الهجمات "الإسرائلية"، وقد يكون السوفييت استنتجوا أنه من أجل ردع "إسرائبل" يجب على مصر أن تبدي التزاماً أشد نحو سوريا.


وفي منتصف أبريل/ نيسان أرسل السوفييت إلى "إسرائبل" مذكرة إنذار تذكر أنه يجب على "إسرائبل" أن تتحمل المسؤولية التامة عن أعمالها، و"تأمل" المذكرة كذلك ألا تسمح "إسرائبل" لنفسها بأن تُستغلّ من قِبل من سيجعلونها دمية في أيدي القوات المعادية الأجنبية، واستمرت الدعاية السوفييتية في الربط بين "إسرائبل" والولايات المتحدة في التآمر ضد سوريا ، وفي 24 أبريل/ نيسان، دعا بريجنيف إلى سحب الأسطول السادس الأمريكي من البحر المتوسط.


4. إغلاق خليج العقبة فاجأ السوفييت :

في خطاب ألقاه يوم 2 مايو/أيار، هاجم ناصر "الإمبريالية" والولايات المتحدة بعبارات ولهجة عنيفة غير معهودة ، ولربما كان يستجيب بهذا ويرد على الانتقاد العربي ، وعلى اللكزات واللمزات السوفييتية، وفي 12 مايو/أيار حذر رئيس الوزراء "الإسرائبلي"، أيشكول في تصريح حاد النبرة من أن سوريا ستواجه إجراءات مضادة صارمة ، وستجابه تبعات خطيرة إن هي لم توقف الغارات الإرهابية التي تشن على "إسرائبل"، وانتشرت إثرها ببرهة وجيزة إشاعات في المنطقة مفادها أن "إسرائبل" كانت تحشد قواتها على الحدود السورية، وتتخذ استحكامات على الجبهة ، وتتأهب لشن هجوم على سوريا، ولم يكن التقرير صحيحاً، وفي الحقيقة لم تعزز "إسرائبل" حدودها ، ولم تستدع قوات الاحتياط لديها إلا بعد أن بدأت الجمهورية العربية المتحدة تستنفر قواتها ، وتعززها وترفع درجة تأهبها العسكري.


ولم يتضح مصدر التقرير ، ويبدو أنه لم يأت من قِبَل السوريين أو المصريين، إذ كان السوفييت هم من مدوا كليهما بالمعلومات، ومن الممكن أن يكون "الإسرائيليون" أنفسهم هم من بثوا هذه الإشاعات على أمل أن يستحثوا السوفييت بذلك ليقنعوا السوريين بوقف عملياتهم الاستفزازية، على أية حال لم يكن يبدو أن السوفييت مهتمون بوجه خاص بالتثبت من صحة التقرير، وكانوا قد أطلقوا مزاعم مماثلة لا أساس لها، في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1966، وفي فبراير/شباط من عام 1967، وكانوا هم الناشر الرئيسي لهذا التقرير.


وفي خطاب له يوم 22 مايو/أيار قال ناصر: "تلقينا معلومات دقيقة يوم 13 مايو/أيار بأن "إسرائبل" كانت تحشد وتركز قواتها على الحدود السورية بأعداد ضخمة.. والقرار الذي اتخذته "إسرائبل" في هذه الآونة هو شن عدوان على سوريا بتاريخ 17 مايو/أيار".

وفي خطابات ألقاها في 9 يونيو/حزيران و23 يوليو/تموز استشهد ناصر بالسوفييت بصفتهم مصدر هذه "المعلومات الدقيقة" وزعم أن المعلومات نقلت إلى وفد برلماني مصري زار موسكو في مايو/أيار.


في 13 مايو/أيار أرسلت رسالة إلى القاهرة عبر القنوات المصرية من موسكو، وبينت الرسالة أن وكيل وزارة الخارجية السوفييتية سيمينوف أخبر المصريين أن "إسرائبل" كانت تعد لهجوم بري وجوي على سوريا، وأن خطة الهجوم ستنفذ في الفترة ما بين 17 إلى 21 مايو/أيار، كما بينت أن السوفييت نصحوا الجمهورية العربية المتحدة بأن تتأهب، وأن تحتفظ بهدوئها، وألاَّ تنجر إلى مقاتلة "إسرائبل"، وكذلك نصحوا السوريين بأن يبقوا هادئين ، ولا يتيحوا ل "إسرائبل" فرصة للقيام بعمليات عسكرية، وقالت الرسالة أيضاً : إن الاتحاد السوفييتي كان يحبذ إبلاغ مجلس الأمن قبل أن تقوم "إسرائبل" بعمل عسكري ضد سوريا، وحسب الرسالة فإن هذه المعلومات أعطيت لأنور السادات، رئيس الوفد المصري الذي زار موسكو آنذاك، وهذه المعلومات التي تم التقاطها، تؤكد مصداقية تصريح ناصر بأن السوفييت مرروا المعلومات إلى الجمهورية العربية المتحدة، وتضيف حقيقة أخرى هي أن السوفييت حثوا المصريين في الوقت ذاته على أخذ الحيطة وتوخي الحذر، وأخذ العرب المعلومة لكنهم لم يعملوا بالنصيحة.
ووفقاً ل (يوجد حذف في الوثيقة) فإن وزير الخارجية السوفييتي جروميكو أبلغ كل السفراء العرب المعتمدين لدى موسكو، في الفترة من 15 إلى 19 مايو/أيار بأن ثمة هجوما وشيكاً على سوريا تعد له "إسرائبل"، وعرض تقديم أي عون مطلوب، بما فيه المساعدات العسكرية وأكد (يوجد حذف في الوثيقة) أن مثل هذه التأكيدات أعطيت في موسكو من قبل مسؤول سوفييتي على أرفع مستوى، إلا أنه من المستبعد جداً أن يكون مثل هذا التطمين الشامل قد أعطي أصلاً. ..


وتكرر التطرق لاحقاً إلى التقرير عن خطط "إسرائبل" المزعومة لشن هجوم، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 29 مايو/أيار، على لسان سفير الجمهورية العربية المتحدة القوني، ومن ثم ردد صدى هذا الحديث السفير السوفييتي فيدورينكو، الذي قال : إن بحوزة العرب معلومات دقيقة عن حشد مكثف للقوات "الإسرائلية"، وعن تبييت "إسرائبل" النية للقيام بهجوم بتاريخ 17 مايو/أيار.


ولم تتضح حتى الآن الدوافع السوفييتية وراء نشر تقرير غير موثق، وأسانيده واهية، وحججه متداعية، على الرغم من خطورته، وعلى الرغم من الاحتمالات الكبيرة بأن تفجر مثل هذه المعلومات الأوضاع، فحتى لو أن السوفييت عرفوا أن وقائع القصة التي طرحت للتداول لم تكن صحيحة، فلربما خشي المسؤولون السوفييت من رجحان كفة احتمال أن تقوم "إسرائبل"، نتيجة لخطاب ايشكول، بهجوم انتقامي ما، ضد سوريا في برهة قريبة، فإذا كان الأمر كذلك، فلربما كانوا يأملون في دفع الجمهورية العربية المتحدة نحو التزام صارم وصريح بأن تهب لمساعدة سوريا، على أساس أن مثل هذا الالتزام، حسبما ارتأوا وفكروا، يمكن أن يردع "إسرائبل" عن شن المزيد من الغارات، ومن المحتمل أيضاً أن السوفييت كانوا يأملون بتخويف السوريين كي يعدلوا من سياساتهم، وذلك بإقناعهم بأنهم إذا لم يبادروا إلى اتخاذ هذه الخطوة فسوف يواجهون هجوماً "إسرائبلياً"**.


5. تعزيز قوات الجمهورية العربية المتحدة

صدق ناصر على ما يبدو التقارير التي قدمها له الاتحاد السوفييتي، *** وتبع ذلك تعبئة وتحريك قوات الجمهورية العربية المتحدة ، ونشرها على الحدود مع "إسرائبل"، ولربما كان لدى ناصر أسبابه الخاصة ليتصرف بالطريقة التي تصرف بها ، إلا أن التقرير الذي نشره الروس أعطاه المبرر، وحسب الصحافة المصرية، فقد أعلنت حالة الطوارئ في الجمهورية العربية المتحدة ، وذلك "لوضع معاهدة الدفاع المشترك مع سوريا موضع التنفيذ، واتخاذ خطوات عملية بهذا الشأن".


وأكد ناصر مراراً وتكراراً في بياناته العلنية على أن تحضيرات الجمهورية العربية المتحدة العسكرية إنما كانت استجابة وردّة فعل على التهديد بشن هجوم "إسرائيلي" على سوريا، وعلى ما يبدو، فقد تم تصميم هذا، والتخطيط له لصرف الانتباه "الإسرائبلي" المباشر إلى الحدود المصرية، وفي الوقت نفسه للمساعدة على تلميع صورة ناصر بصفته زعيم العالم العربي.


وفي 17 مايو/أيار طالب ناصر بانسحاب قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة من سيناء وقطاع غزة ، وطالب بالتالي بأن تنسحب هذه القوات من الجمهورية العربية المتحدة بشكل كامل، وفي 18 مايو/أيار شرعت قوات الجمهورية العربية المتحدة باحتلال موقع مراقبة قوات الأمم المتحدة في سيناء، ولم تكن قوات الأمم المتحدة مزودة بالأجهزة والعتاد والمعدات لتقوم بالرد، وفي اليوم التالي وافق الأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت على انسحاب كامل لتلك القوات، وبحلول يوم 22 مايو/أيار، كان الجنود المصريون قد حلوا بشكل كامل محل القوات الأممية ****.


وخدمت مطالبة ناصر بسحب قوات الأمم المتحدة وموافقة يوثانت على هذا الطلب أغراضاً عدة ، فبإزاحة تلك المنطقة العازلة التي كانت ترابط فيها قوات الطوارئ الأممية صار بإمكان القوات المصرية أن ترد وأن تستجيب للمستجدات بصورة أسرع بكثير في حال شنت "إسرائبل" هجوماً على سوريا ، وقطعت مطالبة ناصر بسحب قوات الطوارئ الطريق أيضاً على الاتهامات الأردنية بأن الجمهورية المتحدة كانت تتوارى وتتمترس وراء درع الأمم المتحدة ، وإخراج قوات الأمم المتحدة هذه من الجمهورية العربية، وخصوصاً سحبها من الموقع الرمزي والاستراتيجي في شرم الشيخ عزز مكانة ناصر وشعبيته وزاد من شعور العرب بالاعتزاز.


6. السوفييت يبدون أكثر دموية :

فيما عكس دعم الصحافة السوفييتية لقيام الجمهورية العربية المتحدة بتعزيز قواتها انطباعاً يشي بموافقة السوفييت على هذه التطورات كانت هناك بعض الدلائل على تخوف انتاب السوفييت (حذف في الوثيقة).


وعبَّرَ السفير السوفييتي لدى الأمم المتحدة فيدورينكو عن بعض مشاعر القلق تجاه سرعة سحب قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة، وفي ذات اليوم أخبر السفير السوفييتي دوبرينين السفير ثومبسون بأنه كان يعتقد بأن السوفييت كان بوسعهم أن "يضاهوا" الولايات المتحدة في الحث على ضبط النفس وحض حلفائهم على ذلك، وكان السوفييت قد أظهروا بعض العلائم والإشارات التي تميل إلى ضبط النفس، مبدين عدم استعدادهم لأن يصبحوا متورطين بشكل مباشر في حرب سورية - "إسرائبلية" (مقاطع حذفت من نص الوثيقة).


وفي 18 مايو/أيار بثت إذاعة محلية من موسكو اتهاماً بأن القوات "الإسرائلية" قد تم حشدها وتعزيزها على الحدود السورية، وأن بعض المراقبين كانوا يقارنون الوضع بتلك الحالة التي شهدها العالم عشية حرب السويس، وحسب البرنامج الذي تم بثه، فإن السوريين لم يكن أمامهم من خيار سوى إعلان حالة الاستنفار في جيشهم ، ورفع درجة التأهب في مواجهة التهديدات "الإسرائلية".
وبينت الرسالة الإذاعية أيضاً أنه قد تم تطبيق البنود التي نصت عليها معاهدة العون المشترك السورية - المصرية، وأن قوات الجمهورية العربية المتحدة كانت على أهبة الاستعداد واليقظة، وأن القاهرة قد بينت أنها ستتدخل في حال شن "إسرائبل" لعدوان على سوريا.


وفي 19 مايو/ أيار ذهبت وكالة "نوفو سيتي" السوفييتية للأنباء إلى مدى أبعد من ذلك، إذ أورد الخبر الصحافي الذي تم توزيعه في البلدان العربية، ولم يظهر في الصحافة السوفييتية أن الاتحاد السوفييتي لن يقف متفرجاً مكتوف الأيدي إذا ما هاجمت "إسرائبل" سوريا (يوجد حذف في الوثيقة) ولا بد أن الأثر الإجمالي لمثل هذه البيانات والتصريحات هو التأكيد لبعض العرب على الدعم السوفييتي لهم.


7. ناصر يغلق خليج العقبة

بحلول يوم 22 مايو/ أيار من عام 1967، وهو اليوم الذي انسحبت فيه قوة صغيرة من قوات الطوارئ الدولية من شرم الشيخ، أعلن ناصر أن الجمهورية العربية المتحدة قد أغلقت خليج العقبة أمام الملاحة "الإسرائلية" وأمام جميع السفن التابعة للبلدان الأخرى، والتي تجلب شحنات استراتيجية ل "إسرائبل".

وفي اليوم التالي كرر ايشكول تمسكه بالموقف "الإسرائبلي" بأن تدخُّل مصر بالملاحة "الإسرائلية" في خليج العقبة سوف يعتبر عملاً عدائياً وإعلان حرب. وفي 26 مايو/ أيار حذرت "إسرائبل" من أنها لن تنتظر بلا نهاية فك الحصار المصري ، وسحب حشود القوات العربية على حدودها ، وعند ذاك بلغت تعبئة القوات المسلحة "الإسرائلية" وتأهبها العسكري الذروة.


ولعل أفعال عبد الناصر خلال شهر مايو/ أيار قد تأثرت بمعلومات رديئة عن القوة العسكرية العربية ، وعن مدى الدعم السوفييتي ، ولكن التقرير الزائف عن خطط "إسرائبل" لمهاجمة سوريا، بجعله عبد الناصر يقرر التعبئة، لعب دوراً رئيسياً في أعمال عبد الناصر ، فإذا كان يعتقد بأن "إسرائبل" قد خططت هجوماً على سوريا، وأن على الجمهورية العربية المتحدة أن ترد فلربما كان يقصد من وراء تعبئته ومطالبته بسحب قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة أن يكونا رادعين.


ولكن قرار عبد الناصر بإغلاق خليج العقبة رفع وتيرة الأزمة إلى مستويات جديدة خطيرة ، وقد دلت خطبه على أنه يعتقد بأن "إسرائبل" سوف ترد على الإغلاق، وأن الجمهورية العربية المتحدة مهيأة للتعامل مع هجوم "إسرائبلي" وقد قال في 26 مايو/ أيار "... إننا نشعر في الآونة الأخيرة بأننا أقوياء إلى درجة تكفي لانتصارنا على "إسرائبل" بعون الله، إذا خضنا حرباً معها ، وعلى هذا الأساس قررنا اتخاذ خطوات عملية.. وإن السيطرة على شرم الشيخ تعني أننا مستعدون لخوض حرب شاملة مع "إسرائبل".


ومع إنه أشار إلى أن الجمهورية العربية المتحدة لن تبادر بشن هجوم إلا أنه أعلن أنه إذا هاجمت "إسرائبل" أياً من سوريا أو الجمهورية العربية المتحدة "... فسوف تكون الحرب شاملة، وسيكون هدفنا الأساسي تدمير "إسرائبل".

وبينما كان عبد الناصر يصرح علناً بأن "إسرائبل" سوف تضطر إلى الرد، وأن الجمهورية العربية المتحدة تستطيع عندئذ التعامل مع "إسرائبل" عسكرياً إلا أنه يبدو على الأرجح أن عبد الناصر كان يعتقد في حقيقة الأمر بأن "إسرائبل" لن تهاجم، وأنه سوف يحقق مكاسب سياسية عظيمة بالنزر اليسير من المجازفة.


8. الاتحاد السوفييتي وإغلاق الخليج :

توحي الدلائل بأن السوفييت قد أخذوا على حين غرة عندما أغلق عبد الناصر الخليج ، ولم يكن ما يدل على عدم موافقتهم مقصوراً على غياب تصريحات الدعم العلني، بل تبدى ذلك أيضاً في صمت الصحافة السوفييتية وتأخير تناولها للأمر ، وكان ذلك علامة إما على غياب الإنذار المسبق، أو الافتقار إلى وجود موقف رسمي جاهز، أو كليهما...


وفي 23 مايو/ أيار ذكرت وكالة تاس تصريح عبد الناصر الخاص بإغلاق قناة السويس، وبعد ساعات عديدة نشرت تصريح الحكومة السوفييتية الذي يكرر الكثير من خط الدعاية السوفييتية السابقة، ولكنها امتنعت عن ذكر إغلاق الخليج *****.
وجاء أول تعليق شبه رسمي على إغلاق الخليج بعد ثلاثة أيام في مقالة لصحيفة "برافدا" وأعادت المقالة إلى الأذهان أن "إسرائبل" لم تستخدم الخليج قبل سنة 1965، وألمحت بذلك إلى أن "إسرائبل" لم يكن لها حق في استخدامه ، ولكن من الواضح أن السوفييت كانوا في هذه النقطة ينفرون من مساندة الإجراء الذي قام به عبد الناصر.


وبدا أن موقف السوفييت إزاء الشرق الأسط يتلخص في سؤال بلاغي طرحه في 1 يونيو/ حزيران نائب لوزير الخارجية السوفييتي (يوجد حذف في الوثيقة هنا)، الذي تساءل عما إذا كان هنالك أي سبب يمنع الاتحاد السوفييتي من العمل مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، ومما يدل على أن السوفييت لم يجدوا أي سبب حتى ذلك الوقت يمنعهم من فعل ذلك، من خلال موقفهم في الأمم المتحدة، حيث كانت الجهود لحل الوضع فاترة، وغير فعالة، وبطيئة ، وكان الاتحاد السوفييتي قد رفض المطالبات بإجراء محادثات بين القوى الأربع.


وفي 24 مايو/ أيار سد السفير السوفييتي لدى الأمم المتحدة فيدورينكو الطريق أمام إجراء مناقشة في مجلس الأمن للمشكلة الآخذة في التطور، وذلك برفضه المشاركة.
وفي 29 مايو/ أيار عندما انعقد مجلس الأمن أخيراً بشأن الأزمة، لم يضف فيدورينكو أي شيء بناء.


9. المواقف السوفييتية تحير الدول العربية :

تثير التقارير بشأن التزامات سوفييتية معينة إزاء العرب الحيرة في النفوس، ويبدو أن تطمينات السوفييت كانت مبهمة على الدوام ، وظلت من ثم عرضة لإساءة تفسيرها من قبل العرب ، وكان الالتزام الوحيد الواضح إلى حد ما، الذي قطعه السوفييت على أنفسهم ، هو مساندة العرب إذا تدخلت الولايات المتحدة إلى جانب "إسرائبل" ..


ولكن حتى هنا كان مدى ونوع المساندة غير واضحين، وحسب أحد التقارير، سأل عبد الناصر في منتصف مايو/ أيار، مإذا سيفعل الاتحاد السوفييتي، إذا هبت الولايات المتحدة لمساعدة "إسرائبل" في حال نشوب حرب؟ وذكر أن كوسيجين رد قائلاً : إن السوفييت سوف يساعدون العرب في المقابل ******.

وتتجلى الحيرة في العالم العربي إزاء حجم الدعم السوفييتي للقضية العربية، في التقارير الرسمية المتغيرة التي كانت ترفع للحكومتين السورية والمصرية في أواسط مايو/ أيار، ففي 15 مايو/ أيار كتب السفير السوري في موسكو لحكومته عن توكيدات الدعم السوفييتية الإجمالية، وقال : إنه يشعر بأن ذلك يعني الاشتمال حتى على التدخل العسكري، وفي اليوم التالي ذكر السفير المصري في دمشق كذلك لحكومته في القاهرة أن موسكو سوف تدعم سوريا "إلى درجة التدخل العسكري".


وتضمن التوضيح اللاحق الذي أصدره السفير السوري في موسكو معلومات تفيد بأن "المساعدة السوفييتية لن أكرر لن تبلغ حد التدخل العسكري" وليس واضحاً من هذه التقارير ما إذا كان هذا التوضيح قد نقل إلى المصريين، وقد يكون السوريون قد آثروا الاحتفاط به لأنفسهم حتى لا يتراجع المصريون، وباختصار، وعلى حد علمنا، حاول السوفييت أن يتجنبوا إصدار تصريح ناصع الوضوح، في ما يخص طبيعة ومدى مساندتهم في حال نشوب حرب.


ومن 25 إلى 28 مايو/ أيار، كان وزير الحربية المصري شمسي بدران في موسكو حيث التقى مع كوسيجين، وجروميكو، وجريتشكو*******.

..وفي خطاب عبد الناصر في 29 مايو/ أيار قال : إن كوسيجين قد بعث برسالة جوابية مع بدران يذكر فيه أن الاتحاد السوفييتي "يقف معنا في هذه المعركة ، ولن يسمح لأي دولة بالتدخل، بحيث تعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 1956".

ويوحي هذا التصريح، إلى جانب "ادعاءات" عبد الناصر في ما يتعلق بقوة مصر مقابل "إسرائبل" بأن توقعات عبد الناصر من الدعم السوفييتي في حال نشوب حرب كانت تشتمل فقط على المواد والأعمال السوفييتية لردع التدخل الأمريكي نيابة عن "إسرائبل"، ولم يتوقع عبد الناصر بالتأكيد ما حدث بالفعل، وهو حرب مدمرة دامت خمسة أيام...

وكان على الأرجح يتنبأ بصراع طويل الأمد يلعب فيه العون السوفييتي دوراً مهماً، على هيئة معدات عسكرية، لا مساندة بالتدخل الفعلي.

وبصرف النظر عن تفسير عبد الناصر للالتزام السوفييتي الفعلي، يبدو أنه كان يشعر بأنه كاف ، ويبدو أنه قد صدق أن الدعم السوفييتي لن تكون هنالك حاجة إليه إلا لمنع عودة أوضاع 1956 وعندما ساعدت القوى الغربية "إسرائبل".

وكان يشعر فيما يبدو بأن الولايات المتحدة يمكن أن تكبح "إسرائبل"، كما بدا واثقاً من أن العرب يستطيعون مجاراة الجيش "الإسرائبلي" عند الضرورة، ويبدو بأن ثقة عبد الناصر بقدرات الجيش المصري، كان السوفييت يشاركونه فيها، جزئياً على الأقل.

ولكن أهم خطأ للسوفييت في هذه المرحلة، يبدو إخفاقهم في التنبؤ بهجوم "إسرائبلي".
10. السوفييت يحثّون على ضبط النفس من دون جهد كاف، وبعد فوات الأوان خلال الفترة الفاصلة بين إعلان إغلاق خليج العقبة، واندلاع الحرب، كانت السياسة السوفييتية قائمة، فيما يبدو، على افتراض أن "إسرائبل" لن تهاجم إذا بقي الوضع ساكناً ، فمن جهة منح السوفييت التشجيع للعرب، وتركوا احتمال مساندتهم لهم في حال نشوب حرب مفتوحا، ومن جهة أخرى، سعوا بلطف إلى كبح العرب عن القيام بالمزيد من الأعمال الاستفزازية، وليس ثمة ما يشير إلى أنهم حاولوا أبداً اقناع عبد الناصر بإزالة الإغلاق ، وانطلاقاً من قلق السوفييت ورغبتهم في تجنب الحرب، وفي الوقت ذاته، الإبقاء على جو التوتر الذي كانوا يشعرون بأنهم يمكن أن يفيدوا منه، راحوا يحثون العرب على ضبط النفس، فقط إلى درجة شعروا بأنها ضرورية لمنع الوضع من الغليان ووقوع الحرب.


وقد ادعى السوفييت في رواياتهم بعد الحرب أنهم كانوا قبل الحرب يحثون العرب على الامتناع عن القيام بأعمال يمكن استغلالها من قبل الأوساط الحاكمة "الإسرائلية" كذريعة لإطلاق الأعمال العدائية، وقد أيد عبد الناصر هذا الادعاء، وذكر في 26 مايو/ أيار أن الحكومة الأمريكية قد سلمت السفير السوفييتي في واشنطن رسالة تطلب فيها من السوفييت، حث الجمهورية العربية المتحدة على اللجوء إلى ضبط النفس، وألا تكون البادئة بإطلاق النار.


ولكن محاولات السوفييت كبح العرب كانت محدودة، وتوحي بأن قلقهم من احتمال قيام "إسرائبل" بالانتقام بسبب إغلاق خليج العقبة، لا يبلغ حد قلقهم من قيام العرب بالمزيد من الأعمال التي قد تقود بدورها إلى الحرب، ويبدو أن محاولاتهم في أواخر مايو/أيار، لإقناع العرب بأن "إسرائبل" لن تهاجم تستند إلى التقرير الأصلي غير الصحيح، الخاص بهجوم "إسرائبل" مخطط على سوريا، لا على احتمال شن هجوم انتقامي بسبب إغلاق الخليج.
ـــــــــــــــــ
الهامش :
* كان عبد الناصر عرضة للاتهامات بالتراخي من قبل كل من اليسار واليمين، وقد جعلت غارة "إسرائبلية" على قرية السمّوع الحدودية الأردنية في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1966، الملك حسين يبدأ بالسخرية من عبد الناصر.

**يؤيد هذا وجهة النظر التي تذهب إلى أن "إسرائبل" ذاتها هي التي يمكن أن تكون قد اختلقت هذه الاشاعة منذ البدء، وثبت خطؤهم في الحالتين كلتيهما ، فلو أنهم صدقوا التقرير فسيكونون قد ارتكبوا بذلك خطأ استخباراتياً ، وأما إذا كانوا لم يصدقوا القصة وهو الأرجح احتمالاً على ما يبدو، أو أنهم كانوا من اخترعها، وكانوا يستخدمونها لحث ناصر أو السوريين، فعندها يكونون قد أساؤوا تقدير الآثار التي سوف تحدث، فالقصة لم تكبح جماح السوريين بل استثارت ردة فعل أكثر عدوانية مما توقعته موسكو من ناصر أو رغبت فيه.

*** ربما تأثر استعداد ناصر لتصديق التقارير في هذه الآونة بالهجمات الجوية "الإسرائلية" على سوريا في أبريل/نيسان، إضافة إلى تحذير ايشكول شديد اللهجة في مايو/أيار.

**** كانت قوات الأمم المتحدة قد كلفت بالمرابطة في الجمهورية العربية المتحدة بعد حرب عام ،1956 ونشرت هذه الوحدات في شرم الشيخ، وهي نقطة تقع إلى الجنوب الغربي من مضايق تيران عند مدخل خليج العقبة، وكانت تشكل ضمانة طمأنة بتوافر ممر آمن للسفن "الإسرائلية" عبر المضايق، وكانت السيطرة على مضايق تيران مصدر احتكاك وتوتر بين العرب و"الإسرائبليين" منذ عام ،1949 ففي تلك السنة، وفي أعقاب الهدنة نصبت مصر بطاريات مدفعية قرب شرم الشيخ في موقع يشرف على المضيق، وفي حملة 1956 الثلاثية استولت "إسرائبل" على الموقع الذي يتحكم بالمضيق، إلا أن "إسرائبل" سحبت لاحقاً قواتها بعد أن رضخت للضغط الأمريكي والسوفييتي.

*****اتهمت الحكومة السوفييتية في 23 مايو/ أيار "إسرائبل" بالاستعداد لمهاجمة سوريا، وذكرت أن "الأوساط الإمبريالية" الغربية مسؤولة عن تحريض "إسرائبل" ، واختتم التصريح "بالتحذير من أن المعتدين لن يقابلوا فقط بقوة العرب المتحدة، بل "بمعارضة قوية" من قبل الاتحاد السوفييتي وكل الدول المحبة للسلام أيضاً".

****** حسب ما ذكر مسؤول سوفييتي كان السوفييت في أواخر مايو/ أيار قد قالوا لعبد الناصر : إنهم ملتزمون فقط ب"تحييد" الولايات المتحدة، أي أنهم سوف يردون على أي تصعيد قد تجريه واشنطن ولكنهم لن يذهبوا أبعد من ذلك.

******* ذكر سفير الجمهورية العربية المتحدة في موسكو، مراد غالب، بعد الحرب أن السوفييت لم يسبق لهم أبداً ان وعدوا العرب بالمساعدة العسكرية، ولكن وزير الدفاع، الصغير السن، وغير المحنك (بدران) الذي زار موسكو قبيل الحرب أساء الفهم، وذكر لحكومته أنه كان على ثقة من أن موسكو سوف تساعد العرب في حال نشوب حرب. (وكان بدران من أوائل من أقيلوا بعد الحرب، ومن المحتمل أنه بالغ في تضخيم الالتزام السوفييتي).
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت نقلا عن موقع "قانون حرية المعلومات" على الانترنت ، إعداد: قسم الترجمة في صحيفة الخليج الإماراتية (من 29/6/2007 حتى 20/7/2007)

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس