عرض مشاركة واحدة

قديم 15-05-10, 08:07 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

أزمة عسكرية
الحرب هي المحاسب الأعظم لمؤسسات الدولة ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول خضعت الولايات المتحدة ومؤسساتها لمثل هذا التدقيق الذي كشف عن ضعف واضح أصاب تلك المؤسسات ومن بينها المؤسسة العسكرية، ويذهب باسيفتش إلى التأكيد على أن اعتبارات الشجاعة والثبات وقدرة التحمل والتكنولوجيا المتطورة لا توفر مقياس لعظمة أي جيش. فالجيش العظيم هو الذي ينجز المهمة التي كلفته الأمة بها، ومنذ أطلق بوش الحرب الكونية ضد الإرهاب فإن القوة العسكرية الأمريكية لم تحقق أيا من المهام المكلفة بها. ففي أفغانستان فشلت في القضاء على القادة الرئيسين للقاعدة أو القضاء على حركة طالبان رغم نجاحها الأول والسريع في إزاحتها عن السلطة في كابول. بينما العراق، ورغم إعلان الرئيس بعد مرور ستة أسابيع من بدء غزو ذلك البلد وعلى خلفية لافتة تزعم أن "المهمة قد أنجز " وبأن "العمليات القتالية الرئيسية قد انتهت"، فإن أوضاع الأمن وفوضى عدم الاستقرار السياسي لا تؤشر بحال على انتهاء مهمة تحويل هذا البلد إلى ديمقراطية تعددية مستقرة.

إن ثقة إدارة بوش المفرطة بفعالية القوة العسكرية الأمريكية كانت أمراً مبالغاً فيه وتقديراً استراتيجياً سيئاً أدى بالولايات المتحدة إلى دفع أثمان بشرية ومادية غالية. وثبت أنه حتى في عصر تقنية الستيلث ("stealth": تكنولوجيا لا زالت سرية وتسمح للقاذفة الطيران فوق الرادارات المعادية دون اكتشافها)، والذخائر الدقيقة، والاتصالات الفورية فإن القوة العسكرية ليست هي الدواء العام لكل الأمراض، وأنه حتى في عصر القطبية الواحدة تبقى لتلك القوة حدودها وأوجه قصورها.

يطرح باسيفتش في البدء ثلاثة أوهام كبرى دفعت لهذا التقييم الأمريكي المفرط لجدوى القوة العسكرية الأمريكية. أولها: أن الولايات المتحدة ابتكرت طريقة أمريكية جديدة للحرب تأسيساً على معطيات نجاحاتها التقنية والعملياتية في جعل قواتها أكثر دقة وتمييزاً، ومن ثم أعمق إنسانية في ممارستها للصراع المسلح. وهو ما أشار إليه الرئيس بوش بشيء من الثقة بقوله "بخليط من استراتيجيات مبتكرة وتكنولوجيات متقدمة فإننا قد أعدنا تعريف الحرب وفقاً لشروطنا.. في هذا العصر الجديد من القتال يمكننا استهداف نظام وليس أمة".

ثاني هذه الأوهام: أن هناك الآن مجموعة مبادئ يتشارك فيها الزعماء المدنيون والقادة العسكريون الأمريكيون حول استخدام القوة العسكرية الأمريكية، وهي المبادئ التي عبرت عنها بصورة رسمية "عقيدة واينبرغر/باول " التي حددت معايير أساسية حول متى وكيف يتم استخدام هذه القوة، حيث الولايات المتحدة ستقاتل فقط حال تعرض مصالحها الحيوية للخطر. وأن الأهداف ستكون محددة ويمكن تحقيقها. وأن الموارد المطلوبة ستعبأ لتحقيق نصر سريع وحاسم يتبعه خروج فوري برشاقة ودون نهايات رخوة.

ثالث هذه الأوهام: أن العسكرية الأمريكية والمجتمع الأمريكي بتوافقهما على صيغة القوة العسكرية الكل تطوعية قد عالجا مظاهر الانشقاق التي حدثت إبان حرب فيتنام، حيث يبقى للعملية العسكرية الآن احترافيتها المهنية، ويظل للمواطن الأمريكي العادي حريته الفردية في اعتبار الخدمة العسكرية مسألة خيار شخصي.
يشير باسيفتش إلى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وما تلاها كشفت زيف هذه الأوهام الثلاثة، فطريقة الحرب الأمريكية الجديدة أبرزت عورات هائلة في ميادين القتال، والتوافق المدني/العسكري حول مبادئ استخدام القوة العسكرية قد أجهض أحياناً لصالح رؤية الزعماء المدنيين، وأحياناً أخرى لصالح احتكار الجنرالات العسكريين، بينما بدأ انصراف الأمريكيين لنمط حياتهم العادية وسط حرب كونية تشنها بلادهم على تخوم بعيدة دليلاً على وهم مصالحة المجتمع الأمريكي مع مؤسسته العسكرية.

يقودنا باسيفتش في سبر غوره لأزمة العسكرية الأمريكية إلى استعراض الدروس الخاطئة الثلاثة التي ذهبت إليها معظم التحليلات والدراسات العسكرية لما واجهتة ومارسته العسكرية الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. بل نجده يصفها بالأوهام الجديدة التي تتساوى في خطورتها مع تلك التي عرضها آنفا.

أول هذه الدروس: أن الحروب الصغيرة على نحو ما جرى ويجري في العراق وأفغانستان من قتال للتمرد وبناء الأمم ستكون هي شكل الحروب القادمة التي على العسكرية الأمريكية التهيؤ لها على حساب الحروب التقليدية الكبيرة الحجم على غرار ما حدث في حرب "تحرير الكويت" سنة 1991 والتي ستكون الاحتمال الأقل.

ثاني هذه الدروس: هو إعادة مجال الحرب لرجال العسكرية المحترفين من الجنرالات الكبار وعدم تقييدهم بتدخلات زمرة مدنيين لا يدركون طبيعة الحرب وجوهرها كما فعلوا من قبل إبان حرب فيتنام.

ثالث هذه الدروس: إصلاح العلاقة بين المجتمع الأمريكي وعسكريته وذلك بنبذ مسألة القوة الكل تطوعية القاصرة على متطوعين محترفين وعودة نظام التجنيد الإجباري ومن ثم تقليد الجندي/المواطن مرة أخرى، وهو الأمر الذي سيعالج مشكلات عملياتية مرتبطة بنقص أعداد الجنود المطلوبة، ومشكلات سياسية خاصة بغياب الاهتمام الشعبي بالحرب والرقابة الشعبية لها، فضلاً عن مشكلات أخلاقية أهمها عدالة توزيع التضحية في القضايا الوطنية للأمة.

في تفسيره لخطأ الدرس الأول يرى باسيفتش أن السمة المميزة للحروب الصغيرة ليس في مداها أو مدتها وإنما يكمن في غرضها. فهي بطبيعتها حروب امبريالية تشنها القوي الكبرى ليس دفاعاً عن نفسها وإنما لتأكيد هيمنتها على شعوب أخري. والحديث عن أن هذا النوع من الحروب يحدد المستقبل العسكري للقوة الأمريكية يتجنب الإجابة عن السؤال الأكبر حول جدوى الاستمرار في هذه الحروب على ضوء نتائج تكلفتها المريرة في العراق وأفغانستان. فلماذا إذاً لا نسعى لتغيير سياستنا لتكون أكثر واقعية وقابلية للتحمل بدلاً من الاعتماد على قوة عسكرية تأكدت محدودية فعاليتها؟!

ويذهب بنا باسيفتش في شرحه لخطأ الدرس الثاني، إلى أنه وعلى عكس المطروح من القول بأن الجنرالات العسكريين حرموا حرية التخطيط ومرونة التنفيذ في ممارستهم لقيادة جيوشهم في العراق وأفغانستان، فإن قراءة فاحصة لمذكرات الجنرال تومي فرانكس بعنوان "جندي أمريكي" تشير إلى أن الرجل كان المسئول الأول منذ البداية إلى النهاية عن حرب العراق وأفغانستان، وأن خطط غزو هذين البلدين عكست بالكامل مفهومه لشن الحملات العسكرية. ومن ثم فإن الأخطاء التي حصدتها الولايات المتحدة في هاتين الحربين -وما زالت- هي حصاد تدني نوعية القيادات العسكرية العليا لديها كسياق عام لا يقتصر فقط على أحداث ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ولكنه يمتد ليمثل ظاهرة كاملة الدلائل في حقبة ما بعد الحرب الباردة. والشاهد على ذلك عثرات كل من الجنرالين شوارتسكوف وباول إبان حرب "تحرير الكويت" سنة 1991، وويسلي كلارك في حرب كوسفو في البلقان سنة 1999، وفيما بينهما الأخطاء الفادحة للجنرالين توماس مونتغمري وويليام جاريسون في مقديشو سنة 1993 والتي أدت إلى انهيار سياسة إدارة الرئيس كلينتون في الصومال بكاملها.

في تفسيره لخطأ الدرس الثالث والخاص بضرورة عودة نظام التجنيد الإجباري، يرى باسيفتش أن كلا من التكلفة المادية الباهظة المطلوبة لمضاعفة حجم قوة الجيش الأمريكي وانعكاساتها على ميزانية الدفاع السنوية التي قد تصل آنذاك إلى مستوى تريليون دولار سنوياً هو أمر يصعب تحمله. كذلك فإن الجنرالات والأدميرالات الكبار في العسكرية الأمريكية يرون في هذه النوعية من الجنود إشكالية أكثر من عائد قيمة عملياتية قد يحصدونها منهم، ويبدو أن توجه البنتاغون نحو شركات الأمن الخاصة أو ما أصبح يعرف بجيوش المتعاقدين الأمينين هو مؤشر على استبعاد تكرار مسألة التجنيد الإجباري مرة أخرى.

في النهاية يقودنا تحليل باسيفتش الخصب عن أزمة العسكرية الأمريكية إلى حقائق أربع يرى فيها أنها الدروس الصحيحة في كل ما جرى من أحداث وجاء من نتائج في استخدام هذه القوة العسكرية بهذه الصورة التي شهدها العالم في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. أول هذه الحقائق أن للحرب طبيعتها الدائمة والثابتة والتي يصعب السيطرة عليها أو محاولة كبحها، فالحرب خليط من عدم اليقين الكامل والخطر وهي عالم الفرصة كما ذكرها المنظر العسكري الروسي الأشهر فون كلاوز فيتز منذ قرنين من الزمان. والحديث عن كون تطورات تقنية أفرزت الحاسبات والإنترنت وذخائر التوجيه الدقيق قد أحدثت تغييراً في طبيعة الحرب هو محض افتراء ودليل خطأ تعثرت فيه رؤى ساسة وتصورات ضباط الكبار. ويكفي في هذا المجال الإشارة فقط إلى ما فرضته استخدامات العبوات المتفجرة البدائية الصنع من خسائر وقيود علي القوات الأمريكية ومعها الحليفة في ميادين قتال الشرق الأوسط لتؤكد على أن الحرب تظل اليوم، كما كانت دائماً، مراوغة وغير مروضة، مكلفة، صعبة السيطرة، مليئة بالمفاجآت وتطرح نتائج غير متوقعة، بينما يبقي المعتوهون فقط هم من يتصورون غير ذلك.

ثاني هذه الحقائق: الجدوى المحدودة للقوة العسكرية، فسواء أهدفت الولايات المتحدة من وراء استخدامها هذه القوة تحقيق أجندة الحرية في العالم الإسلامي، أو إحكام سيطرتها عليه وإخضاعه، فإن الثابت أن هذه القوة لم تحرر شعوب الشرق الأوسط الكبير ولا وضعت قبضة الولايات المتحدة على طريق الهيمنة عليه. ويبقى الأمر المنتظر تورطاً مستمراً لسنوات وعقود قادمة هناك دون نتائج حاسمة فقط بتكاليف دائمة وانشقاقات متتالية في جهة التحالف الغربي.

ثالث هذه الحقائق هي حماقة الحرب الوقائية أو ما يعرف بـ"عقيدة بوش"، فعلى مدى زمن طويل ابتعدت الولايات المتحدة عن فكرة الحرب الوقائية لمواجهة تهديد وشيك لاعتبارات أخلاقية وإستراتيجية معاً. وحتى عندما أنهى السوفييت في العام 1949 الاحتكار الأمريكي للسلاح النووي وطرحت جهات في الداخل الأمريكي أفكارا عن خيار تنفيذ ضربة أولى وقائية لإزالة ذلك الخطر النووي مرة واحدة وللأبد اعتماداً على تفوق استراتيجي حازم آنذاك فإن النظرة الحذرة وقتها لتبعات هذا العمل جنبت الولايات المتحدة والعالم معاً حريقاً نووياً هائلاً، لكن تلك النظرة الحذرة غابت عن هؤلاء الحمقى الذين هيمنوا على الإدارة الأمريكية فيما بين العامين 2002 و 2003 ليقودوا الولايات المتحدة إلى حرب كونية بلا نهاية وبتكاليف فاقت بكثير توقعات أي من هؤلاء الحمقى.

آخر هذه الحقائق هو أن المستويات العليا في الحكومة والعسكرية الأمريكية يفتقدان فن الإستراتيجية صياغة وتنفيذاً؛ الأمر الذي يشكل معضلة جوهرية فشلت الولايات المتحدة في مكافحتها منذ أن حرمها انهيار الاتحاد السوفيتي من خصم مستقر، وفاقم الأمر فيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول. ويرجع باسيفتش الأمر إلى قصور في كلتا النخبتين السياسية والعسكرية معاً، فالنخبة السياسية التي عليها تقع المسئولية الرئيسية في صياغة الإستراتيجية الكبرى استغرقت في خلط الأوهام الأيديولوجية حول تحقيق هيمنة كونية وتشكيل العالم على صورة أمريكية بخطوط الإستراتيجية الكبرى. بينما قصرت النخبة العسكرية دورها على المسائل العملياتية المرتبطة بالحملات والمعارك وجعلت من مجال الحرب بكامله منطقة استثنائية قاصرة عليها فقط وتناست أن القتال بالطبع هو جزء من الحرب ولكنه ليس كل الحرب التي تبقى في الأساس عملاً سياسياً بالدرجة الأولى حيث يبقى تبرير شنها وجدوى عوائدها مسألة خاصة بالسياسيين الذين تنازلوا عن ذلك في واشنطن.
_______________
باحث عسكري وضابط سابق في الجيش المصري

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس