عرض مشاركة واحدة

قديم 22-07-09, 09:07 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المقاتل
مشرف قسم التدريب

الصورة الرمزية المقاتل

إحصائية العضو





المقاتل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

الجزء الثالث: (معلومات استخبارية قيّمة بشكل هائل):

تناول المؤلف في هذا الجزء موضوعًا شائكًا من الموضوعات التي تتعلق بالحرب على الإرهاب، وهو موضوع الاستخبارات، حيث أشار إلى أن الإدارة الأمريكية كثيرًا مارددت أن احتجاز المعتقلين في غوانتانامو "يزودنا بمعلومات استخبارية تساعدنا في الحيلولة دون وقوع أعمال إرهابية مستقبلية؛ وتحمي الأرواح. وأنا جد مقتنع أن من شأنها تسريع النصر" كما صرّح وزير الدفاع الأمريكي السابق (رامسفيلد) أمام الغرفة التجارية بميامي في فبراير 2004م فإلى أي مدى كان هذا القول ينطبق على الواقع، وكيف كان المحققون الأمريكيون يحصلون على تلك المعلومات من المعتقلين، وما قيمة تلك المعلومات، وهل ساعدت الولايات المتحدة في الحيلولة دون وقوع أعمال إرهابية مستقبلية، وحمت الأرواح، وسرّعت النصر كما يقول (رامسفيلد) في تصريحه؟
كانت الإجابة عن هذه التساولات هي الهدف من هذا الجزء من الكتاب، وقد سعى المؤلف إلى الحصول عليها عبر مصادر متعددة، منها: التقاؤه المسؤولين عن عمليات التحقيق في معتقل غوانتانامو، فضلاً عن التقاء عدد كبير من الخبراء الأمريكيين في عمليات الاستجواب والتحقيقات العسكرية، وخصوصًا من كان منهم على رأس العمل في فترة إعداده للكتاب؛ وكذلك بعض الأطباء النفسيين، وبخاصة من زار منهم المعتقل لتتبع أحوال المعتقلين النفسية، إضافة إلى التقائه للمعتقلين البريطانيين الذين تم الإفراج عنهم، ومتابعة مقابلات وتصريحات غيرهم من المفرج عنهم إلى وسائل الإعلام.


يشيرالمؤلف أن عملية جمع المعلومات من أسرى غوانتانامو مرت بمرحلتين متمايزتين: الأولى: وتبدأ مع قدوم الأسرى إلى غوانتانامو في أوائل يناير 2002م، وتستمر حتى نوفمبر من العام نفسه، وهي الفترة التي خضع فيها المعتقل لرئاسة اللواء (ريك باكوس). واتسمت بقلة المعلومات التي تم الحصول عليها من المعتقلين، وذلك إما لأن المعتقلين لم تكن لديهم إلاّ القليل من المعلومات عن الإرهاب وأسلحته وتنظيماته وخططه، وإما لأن استجوابهم لم يكن يتم بالمهارة الكافية. وكان الاحتمال الثاني هو الأكثر قبولاً لدى البنتاجون حيث اتهم بعض المسؤولين اللواء (باكوس) بتدليل السجناء، فقد سمح بدخول الكتب إلى معتقل (دلتا) بعد افتتاحه ونقل المعتقلين من زنزانات (أشعة أكس) إليه، كما كان يأمر المحققين بعدم الصراخ في وجه المعتقلين، وأبعد من كان يتعمد الإساءة إليهم عن المعتقل، حسبما صرّح لصحيفة (الغارديان).

أما المرحلة الثانية فتبدأ مع تولي اللواء (جيفري ميلر) رئاسة المعتقل في نوفمبر 2002م، وحتى يونيو 2004م، وقد تميّزت هذه المرحلة بكثرة المعلومات التي تم الحصول عليها من المعتقلين، الأمر الذي جعل وزير الدفاع الأمريكي (رامسفيلد) يطلب من (ميلر) زيارة العراق لإفادة المستجوبين في السجون العراقية بخبراته ومهاراته؛ فهل كان (ميلر) رجل استخبارات محترف ومتميّز حتى يتمكن من تحقيق هذه النتائج (الهائلة) وهي الكلمة التي يحلو ل (ميلر) أن يكررها في أحاديثه إلى وسائل الإعلام والصحفيين في مدة محدودة؟! هذا هو ما سعى مؤلفنا إلى معرفته.

توصّل المؤلف من خلال لقاءاته مع بعض مسؤولي الاستخبارات الأمريكية إلى أن (ميلر) لم يشغل يومًا ما قبل ذهابه إلى غوانتانامو منصبًا في الاستخبارات، وإنما كان أحد ضباط سلاح المدفعية منذ التحاقه بالجيش وحتى وصوله إلى غوانتانامو. ويؤكد أحد ضباط الجيش الأمريكي المتخصصين في الاستخبارات، ممن التقاهم المؤلف، أنه "لا يوجد في السيرة الرسمية لحياة (ميلر) ما يوحي بأن لديه أقل جزء من الخبرة في الاستخبارات (....) ولا يبدو أنه مؤهل بشكل جيد، لا في جهود الاستجواب الاستراتيجي المباشر، ولا في تقدير قيمة المعلومات الاستخبارية المستقاة من جهود كهذه (.....)، إن قلة خبرة (ميلر) تلقي بالشك على قيمة مهمته. عليك والخطاب هنا موجّه من ضباط الاستخبارات الأمريكي إلى مؤلف كتابنا أن تسأل من عيّنه، من اختاره لمنصب كهذا؟"، ص 130.

لم يستطع المؤلف أن يسأل من عيّن (ميلر) في منصبه، ولكنه استطاع مقابلة (ميلر) نفسه، وسؤاله عن أسباب نجاحه الهائل في الحصول على المعلومات الوفيرة من المعتقلين؛ فأجاب: "إن مفتاح هذا الإنجاز كان نظام المحفزات والمكافآت المتدرج الذي أدخلته في مطلع العام 2003م. فالسجين الذي يتعاون مع محققيه يعطى رقمًا تصاعديًا من عناصر الراحة، يصل إلى (29) عنصرًا، ابتداءً من شيء صغير مثل فنجان ماء إضافي، إلى الزيادة في عدد الرسائل القادمة من الأهل، وكتب يحتفظ بها السجين في زنزانته، وفترات تريّض، وحمامات إضافية تصل إلى حد أقصى يصل إلى سبع مرات في الأسبوع" ص131.

وكنتيجة لسياسة الترغيب تلك، وصل (82%) من سجناء معتقل (دلتا) إلى أعلى مستوى امتيازات؛ وتم نقل (140) معتقلاً منهم من الزنزانات الضيقة التي تسبب مرض الخوف من الأماكن المغلقة إلى الراحة النسبية في معتقل (4)، وهو مجمع ضخم مفتوح، يسمح فيه للسجناء بارتداء أثواب بيضاء فضفاضة بدلاً من البدلات البرتقالية، وأن يبيت كل (10) منهم في مهجع مشترك، وأن يتناولوا وجباتهم سويًا على شرفات ظليلة، وأن يستحموا متى رغبوا ذلك، وأن يمارسوا إذا شاؤوا رياضة كرة القدم أو الكرة الطائرة.

وذهب (ميلر) إلى القول بأن هذه السياسة الحكيمة التي اتبعها، فضلاً عن الأسلوب المميّز الذي اتبع في استجواب المعتقلين، جعل المحققين يقنعونهم بالتبرؤ من ولاءاتهم وعقائدهم السابقة: "لقد أدرك الكثير من السجناء أن الأفعال التي قاموا بها كانت خاطئة. وهكذا فقد أعطونا معلومات تفيدنا في كسب الحرب العالمية على الإرهاب. لقد تكلموا لأنهم أعجبوا بالقيم الأمريكية التي جسّدها المعتقل بحد ذاته. لا أعلم بلدًا في العالم يعامل أعداءه كما تفعل ذلك الولايات المتحدة. أنا فخور بشكل (هائل) بما نقوم به"، ص ص 132 133.

لم يكن مؤلفنا وهو الصحفي والإعلامي المخضرم ليقبل بهذا الكلام الاستهلاكي المنّمق من (ميلر)، فطفق يفتش عن الوجه الآخر للعملة، أو عن (العصا) التي أخفاها (ميلر) أثناء حديثه، مكتفيًا بإبراز (الجزرة) كأسلوب للحصول على المعلومات والتحقيق مع المعتقلين. وسرعان ما تكشفت الحقيقة عبر مجموعة من الخيوط المتباعدة، التي استطاع المؤلف أن يمسك بأطرافها حتى توصل إلى الحقيقة التي تتلخص فيما يلي:

أن (ميلر) عند وصوله للمعتقل اتخذ قرارًا إداريًا يقضي بدمج القوى المشتركة في المعتقل، والتي كانت تتكون من مجموعتين: (مجموعة الاعتقال)، وهم الحراس المسؤولون عن المعتقلين أثناء تواجدهم بالزنزانات، و (مجموعة الاستجواب)، التي تضم المحققين، والمحللين، والمترجمين، الذين يؤمنوا المعلومات الاستخبارية، فأصبحوا جميعًا مجموعة واحدة أو في وظيفة واحدة؛ وأصبح من مهام مجموعة الاعتقال (الحراس) تهيئة المعتقلين أو (تليين المعتقلين) للاستجواب، أي فعل كل ما من شأنه أن يجعل المعتقل متجاوبًا ليّناً عند التحقيق معه، فإن لم يحدث، وجّه المحقق الحارس إلى مزيد من التليين.

وقد كشف الجنرال (انتوينو تاغوبا) في تقريره حول إساءة معاملة السجناء في سجن (أبو غريب) بالعراق، بعضًا من آليات أسلوب التليين التي اعتمدها (ميلر) نفسه، ووجّه إليها المحققين مع الأسرى في سجون العراق، حيث كان الحراس يقومون ليلاً بضرب السجناء وتعذيبهم، ويجبرونهم على التعرّي، ويأمرونهم بأن يمثّلوا وضعيات ممارسات الجنس مع بعضهم البعض، وتصويرهم في تلك الأوضاع المخزية لإذلالهم وتهديدهم ما لم يدلوا للمحققين بما لديهم من معلومات، وكان المحققون يشكرون الحرّاس على التهيئة والتليين الناجحين، اللذين يجعلان السجناء يجيبون على كل الأسئلة ويدلون بمعلومات جيدة.

ويشير المؤلف إلى أنّ ما كان يحدث لسجناء غوانتانامو كان أشد وطأة مما كان يحدث في (أبو غريب)، لأن بعض تقنيات الاستجواب التي اختيرت للاستخدام في غوانتانامو كانت محظورة في العراق، لأن الأسرى في العراق وبالمقارنة مع الأسرى في كوبا كان من المفترض أن يندرجوا تحت حماية اتفاقية جنيف كما صرّح بذلك الجنرال (لانس سميث) القائد المساعد في القيادة المركزية، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، في شهر مايو 2004م !!

أنّ (ميلر) استغل المناخ السياسي والفكري الذي ساد الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، والذي حدّ من القيود الدستورية على رئيس الدولة، وأطلق سلطاته في كل شيء، وخصوصًا الشؤون العسكرية بما فيها معاملة السجناء حيث لم يكتف بما جاء في الكتاب المعياري الخاص بالجيش الأمريكي المعروف باسم (دليل الميدان 43 52) بشأن استجواب الأسرى، والذي يحظر استخدام المحققين لأي نوع من القوة، أو التعذيب النفسي، أو الإهانات، أو التعريض للمعاملة السيئة؛ وطالب من خلال المحققين بالمزيد من الأساليب الاستثنائية لتمكينهم من استجواب الأسرى المقاومين للاستجواب؛ وخصوصًا أساليب أو تقنيات الفئة (2) والتي تشتمل على: الحبس الانفرادي الذي يصل إلى 30 يومًا، واستخدام وضعيات الإجهاد المؤلمة كالوقوف، أو الجلوس لفترات والسجين مقيد ومنحنٍ؛ وإطالة مدة الاستجواب إلى فترات طويلة بلغت (20) ساعة في الجلسة الواحدة، واستخدام عقدة الخوف عند السجناء كالخوف من الكلاب لإرغامهم على الأقوال؛ والتعرية من الثياب، وحلق شعرالرأس والوجه كاملاً بما فيه الحواجب ... وكلها تقنيات مخالفة لاتفاقية (جنيف)، وخصوصًا المادة (17) منها.

ولم يكتف (ميلر) ومحققوه بالمطالبة بآليات الفئة (2) بل طالبوا أيضًا بآليات الفئة (3)، وهي أشد تعذيبًا ونكاية من سابقتها، ومن أساليبها: إقناع السجين بقرب أجله، أو إقباله هو وعائلته على عواقب شديدة الألم؛ واستخدام المنشفة الرطبة الموضوعة على الفم؛ وتقطير الماء عليها بين الحين والآخر حتى يصل السجين إلى مرحلة فقدان الوعي نتيجة الاختناق، فضلاً عن إتلاف رئتيه وجهازه التنفسي؛ وتقنية الغواصة، التي يُغطى فيها رأس السجين بقلنسوة من القماش، ويغطّس قسرًا بشكل متقطع في وعاء ماء يتم استخدامه لخنق السجين، كوسيلة للحصول على المعلومات.

ويذكر المؤلف أن (رامسفيلد) وافق ل (ميلر) ومحققيه على استخدام تقنيات الفئة (2) كاملة، وعلى تقنية واحدة من تقنيات الفئة (3) مع معتقلي غوانتانامو، وقد استمر تطبيقها عليهم لمدة ستة أسابيع، إلى أن أصدر في (16 أبريل 2004م) قائمة جديدة بتقنيات الاستجواب، تشتمل التقنيات السابقة إضافة إلى تقنيات جديدة منها: (تغيّر المشهد إلى الأسوء) وهو نقل السجين من مكان استجوابه إلى مكان أكثر سوءاً؛ و (التلاعب الغذائي) وهو حرمانه من الوجبات الملائمة لفترات طويلة، وأسلوب (تعديل النوم) كقلب فترات النوم من الليل إلى النهار، مع مراعاة أن زنزانات معتقل (دلتا) كانت مصنوعة من المعدن، ونهار كوباً شديد الحرارة؛ و (التلاعب بالمحيط) وهو تغيير مواصفات المكان لخلق نوع من عدم الراحة، كتعديل درجات الحرارة إلى الأعلى أو الأدنى، وبث روائح كريهة في المكان، و (العزل في الحجز الانفرادي).

وقد مورست هذه الأساليب البشعة على معتقلي غوانتانامو للحصول منهم على المعلومات، حيث يروي أحد المعتقلين المحررين، ويُدعى (طارق درغول) بأنهم كانوا يأخذونه إلى الاستجواب مصفدًا، ويجلسونه بشكل منحنٍ على الأرض مقيدين سلاسله في حلقة حديدية ثابتة في الأرض، ثم يقوموا بتشغيل المكيف البارد على أعلى درجاته ويغلقوا المكان ويتركونه على هذا الوضع ساعات طويلة، الأمر الذي كان يسبب له آلامًا شديدة، وخصوصًا في بعض أطرافه المبتورة؛ فضلاً عن اضطراره إلى التبول في ملابسه، لعدم استجابة حراسه لطلبه المتوسل بدخول الحمام، فيلوث ثيابه، وهنا تدخل امرأة من الحراس لتوبخه على فعلته إمعانًا في إهانته وإذلاله. ثم يُعاد بعد ذلك إلى زنزانته ليمكث فيها ساعات قليلة ثم يعاد تكرار المشهد السابق، بعد تغيير درجة الحرارة إلى أعلى درجة.

هذه بعض من الصور التي تشدّق (ميلر) لمؤلف كتابنا بأنه "لا أعلم بلدًا في العالم يعامل أعداءه كما تفعل الولايات المتحدة، أنا فخور بشكل هائل بما نقوم به"، ص 133.
وقد أثبت المؤلف في هذا الجزء من كتابه بأن فرق التحقيق التي استخدمها (ميلر) في استجواب معتقلي غوانتانامو لم يكن لديها خبرة عملية أو حرفية بطبيعة العمل الذي تقوم به، وأنهم كانوا حديثي التخرج وفقًا لشهادة عديد من رجال الاستخبارات في الجيش الأمريكي كما أثبت بأن ما تم الحصول عليه من معلومات من المعتقلين كانت معلومات عامة، ليس فيها ما يمكن أن يعتمد عليه في كشف الإرهاب، وأسلحته، وخططه، وتنظيماته، كما كان يزعم (ميلر) ووزير دفاعه (رامسفيلد)، وذلك بشهادة بعض رجال الاستخبارات المتخصصين الذين كانوا على رأس العمل أثناء رئاسة (ميلر) لمعتقل غوانتانامو، كالمقدم (كريستينو) و (ميلتون بيردن) وغيرهما ممن التقاهم المؤلف في رحلة بحثه عن حقيقة ما يدعيه (ميلر) بشأن المعلومات (الهائلة)، وأساليب الاستجواب المتميزة.

ونختتم هذا الجزء بتعقيب أورده المؤلف على لسان رجل الاستخبارات الأمريكي (ميلتون بيردين) يقوّم فيه استجوابات غوانتانامو حيث يقول عنها: "كانت تستقي عن طريق الأيديولوجية، أي الحاجة إلى تبرير الاعتقالات بحد ذاتها، أكثر مما تعلمته وكالات الاستخبارات من وسائل فعالة لاستخلاص المعلومات من الأشخاص". وبما قال (المؤلف): "لقد زعم (ميلر) و (رامسفيلد) أن معتقلي غوانتانامو جميعًا كانوا إرهابيين أو داعمين للإرهاب، وهكذا كانت إحدى مهام المحقق الأساسية: أن يوجد أدلة (تبرهن) صحة ما زعما" ص 184.

الجزء الرابع: (معاني خليج غوانتانامو):

في هذا الجزء من الكتاب يتناول المؤلف الآثار النفسية والاجتماعية السيئة التي تركتها عمليات الاعتقال العشوائي لكثير من الأبرياء، واتهامهم دونما دليل يُذكر على أنهم إرهابيون، أو داعمون للإرهاب، وهي الفرية التي تكذبها الإدارة الأمريكية نفسها، حيث إنه من بين ال (600) معتقل الذين تم احتجازهم في غوانتانامو والذين مازال أكثرهم حتى الآن رهن الاعتقال لم توجه تهمة صريحة بممارسة الإرهاب سوى لأربعة فقط فيهم، وأخطر هذه التهم، هي التهمة الموجهة إلى مواطن يمني يُدعى: (حمزة البهلول) أنه: (ساعد على إنتاج أشرطة فيديو تجنيدية)!
ويتناول المؤلف هذه الآثار من زاويتين: الأولى:على الأسرى والمعتقلين أنفسهم، حيث إن من أُفرج عنهم منهم مازالوا رهن الآثار النفسية والبدنية السيئة مما مورس عليهم من أساليب همجية، فضلاً عن تعرضهم لإعادة التحقيقات معهم من قِبل استخبارات بلادهم، وتأثر سجلهم الاجتماعي والأسري، الذي سيوثر حتمً على مستقبلهم الوظيفي والاجتماعي. الثانية: أهالي الأسرى والمعتقلين، من الأبناء والزوجات والأخوات والآباء والأمهات، الذين اهتزت مشاعرهم وأحاسيسهم هزات مدمرة، وتعرّضوا لآثار نفسية تحتاج إلى سنين طويلة للبرء منها.

ويذكر المؤلف في هذا السياق قصصًا واقعية لبعض الأخوات والأمهات اللاتي تأثرن اعتقال إخوانهن وأبنائهن، وكذلك بعض الزوجات اللاتي عانين مع أولادهن الصغار افتقاد العائل الوحيد للأسرة.

كما يطرح المؤلف في هذا الجزء من كتابه أمرًا في غاية الأهمية، وهو ما يتعلق بصورة المسلم التي شوهتها الإدارة الأمريكية عالميًا، وحاولت إقناع الرأي العام بأنه ذلك الدموي الإرهابي المجرم المدمّر للحضارة والمدنية، وهي مشاعر ساهمت فيها أكثر من جهة، وعلى رأسها اليمين الأمريكي المتطرف المدعوم كنسيّاً لإظهار الرئيس (بوش) في صورة المخلص أو المنقذ، من خلال دعاية القسس له في الكنائس والبرامج التلفزيونية بأنه يقود حربًا يؤيدها الرب، بل إنه نفسه قد نصّب رئيسًا من قِبل الرب كما يزعم (وليم بوكين) معاون وكيل وزير الدفاع لشؤون الاستخبارات، أحد المسيحيين الأصوليين المؤمنين بتفوق المسيحية على الإسلام، وبالطبيعة المقدسة لمهمة أمريكا في الحرب على الإرهاب حيث يذكر المؤلف أن (بوكين) هذا وقف واعظًا في ولاية (وريغون) في يونيو 2003م، مرتدياً لباسه العسكري الكامل، وزعم أن (الإسلاميين الراديكاليين) يكرهون الولايات المتحدة "لأننا أمة مسيحية؛ ولأن أساسنا وجذورنا يهودية مسيحية، أما العدو، فهو الشيطان وأن الإرهابيين قدموا من إمارات الظلام، وأنهم شياطين"، ص 200.

ويستخلص المؤلف من هذا الأسلوب وغيره أن تصنيف أسرى غوانتانامو كمقاتلين خارجين على القانون، وأنهم يستحقون أن يُعاملوا كالهمجيين والوحوش البرية، هو تراجع عن المعايير الدستورية الأمريكية، وعن قيم (حركة التنوير)، وأن إدارة بوش سواءً في غوانتانامو أو غيرها من سجون الحرب على الإرهاب في العراق أو أفغانستان تسعى إلى تعديل القوانين التي تحكم الولايات المتحدة، واستبدالها بنظام واحد، هو : "بما أن أمريكا ورئيسها يخوضان حربًا عادلة، فأي شيء قد يجدانه مناسبًا، هو بالتالي صحيح. إن ذلك لم يكن تطوّراً، بل كان تمزقاً عنيفًا. إنه يوصي بأن جمهورية (بوش) التكساسوية (من تكساس) استراحت وسط الأيديولوجيات المسيحية للقرن العشرين، مع إصرارها على أن الغايات المرجوة كانت لتبرر الوسائل الضرورية"، ص 203.
ويرفض المؤلف هذا الأسلوب مبيّنًا مخاطره على الأمة والمجتمع، من خلال استطراده في بيان تاريخي لقضية استخدام العنف في استجواب الأسرى والمسجونين وسلبياته، سواء على نوعية ما يؤخذ منهم من معلومات تحت الضغط والقسر، والتي يكون أغلبها مكذوبًا للتخلص من آلام الضغط البدني أو النفسي؛ وأن هذا الأسلوب لم يكن يستخدم في أي من دول العالم قبل أحداث سبتمبر وما أعقبها من تطورات، إلاّ في إسرائيل، رغم ما فيه من اغتصاب لحقوق الإنسان، وأن أمريكا قد استخدمت هذا الاغتصاب في غوانتانامو رغم رصيدها القانوني التاريخي القوي، الذي لا يسمح به وفقًا لما قاله القاضي الأمريكي (جاكسون) في محاكمات (نورمبرج) بأن اغتصاب حقوق الإنسان يجب ألاّ يسمح به على الإطلاق في أمريكا، حتى في زمن الحرب.

واختتم المؤلف هذا الجزء من كتابه بالحديث عن القضية التي رفعها بعض المُحررين من معتقل غوانتانامو (شفيق رسول) يرافقه البريطاني (آصف إقبال) والاستراليان (ممدوح حبيب)، و (ديفيد هيكس) ضد الرئيس الأمريكي (بوش) أمام القضاء الأمريكي في 28 يونيو 2004م، حيث كان قبول القضاء لها، ورفض القاضي الأمريكي (باول سيتفنز) وخمسة من زملائه للحجة التي بررت به الإدارة الأمريكية إنكار الحقوق القانونية والدستورية للأسرى الأجانب، وهي أن وجود غوانتانامو في كوبا لا يمنح سجناءه الحق في إقامة الدعاوى في المحاكم الأمريكية؛ وكان ذلك كما يقول المؤلف : "ردماً للحفر السوداء القانونية التي وجد فيها غوانتانامو على مدى ال (31) شهراً الماضية". ص 213.

تقويم الكتاب:

الحق أننا أمام جهد فكري كبير، وعمل إنساني رائع، يستحق الثناء والتقريظ، فقد استطاع المؤلف أن يثبت علميًا وعمليًا مجموعة من الأقوال المرسلة التي كان الناس يتداولونها عن الإدارة الأمريكية الحالية بشكل عاطفي أو ذاتي، أو يستنبطونها من خلال بعض التصريحات المتناثرة من المسؤولين الأمريكيين، وقد برع المؤلف في تتبع الأصول الفكرية والسياسية الكامنة خلف تلك التصريحات، وأنها لم تكن مجرد كلمات تلقى بسبب تأجج مشاعر الشعب والحكومة الأمريكية لتأثرهم بأحداث سبتمبر، بقدر ما كانت مخططاً محكمًا لتحويل الولايات المتحدة من دولة طالما رعت الحرية والديمقراطية والقانون، إلى دولة تحدّ من الحريات، وتدوس الديمقراطية، وتنتهك القوانين العالمية والأمريكية المنادية بحقوق الإنسان، لإرضاء إدارة اليمين الأمريكي المتطرف، الذي يتغذى على أسمدة الأصولية المسيحية واليهودية.

وعلى الرغم من افتقار الكتاب لخطة منهجية واضحة في البحث والتأليف، مما جعل أفكاره مفتقرة إلى التسلسل الموضوعي الذي يسهّل على القارئ استيعاب الفكرة الكلية فضلاً عن الأفكار الجزئية لموضوع الكتاب، إلاّ أن المؤلف قد عوّض القارئ عن ذلك بأسلوبه الصحفي المشوق، الذي تنوّع بين السرد والحوار والوصف والتقرير حول موضوع إنساني مأساوي عالمي.
وتجدر الإشارة إلى الأسلوب الراقي في ترجمة الكتاب، والذي لم يشعر معه القارئ بأن هنالك وسيطًا ينقل إليه أفكار المؤلف ومعانيه وعباراته وألفاظه، وإنما بدا الأمر وكأن الكتاب مؤلف باللغة العربية وليس مترجمًا عن اللغة الإنجليزية، فإذا أضفنا إلى ذلك تعليقات المترجم في هوامش الصفحات على ما يرد في النص الأصلي للكتاب من مصطلحات وعبارات، تحتاج إلى الشرح والتفسير، أدركنا أننا أمام جهد مزدوج أسفرعن عمل قيّم جدير بالقراءة والاهتمام

 

 


المقاتل

القائد في منظور الإسلام صاحب مدرسة ورسالة يضع على رأس اهتماماته إعداد معاونيه ومرؤوسيه وتأهليهم ليكونوا قادة في المستقبل ويتعهدهم بالرعاية والتوجيه والتدريب بكل أمانة وإخلاص، وتقوم نظرية الاسلام في إعداد القادة وتأهيلهم على أساليب عديدة وهي أن يكتسب القائد صفات المقاتل وأن يتحلى بصفات القيادة وأن يشارك في التخطيط للمعارك ويتولى القيادة الفعلية لبعض المهام المحددة كما لو كان في ميدان معركة حقيقي

   

رد مع اقتباس