عرض مشاركة واحدة

قديم 12-07-09, 07:56 PM

  رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

حول الحرب المضادة للمقاومة والعقيدة العسكرية الأمريكية



ليست حرب العصابات غريبة عن القيادات العسكرية الأمريكية فقد جربوا في فيتنام أحد أطول الحروب الشعبية وأكثرها شراسة في هذا القرن. وبالرغم من أن قوات المارينز التي ذهبت الى العراق في الحرب الأخيرة لم يقع تزويدها سوى بدليل حروب يركز أساسا على مبادئ الحرب النظامية وهو بالمناسبة نفس الدليل الذي تم توزيعه على الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية فإن القيادات العسكرية الأمريكية كانت و لا تزال مهتمة على المستوى النظري بمسائل الحرب الشعبية. غير أنا هناك نظرتين لها فمن جهة يعتقد البعض أن الحرب على الارهاب ليست سوى حرب عصابات جديدة يمكن هزمها بفضل التفوق التكنولوجي، في حين يرى آخرون أن حربا مثل الحرب على العراق مستحيلة الحسم خاصة في ظل غياب وصفة سياسية مناسبة تعالج أسس المشكل.

وترجع أهم التحاليل الأمريكية حول مسائل كيفية مواجهة حرب العصابات إلى السنوات الستين. ففي شهر ايار (مايو) من سنة 1960 أي بعد الاخفاق الكبير للجيش الأمريكي في الحرب الكورية وبداية الانغماس في المستنقع الفيتنامي نشر الجنرال دونالد ران (Donald Raan) في المجلة الفكرية المعبرة عن البنتاغون Military Review مقالة هامة ضمتها وزارة الدفاع فيما بعد إلى قائمتها من الوثائق الاستراتيجية الأهم.

وكان منطق الجنرال الأمريكي تبسيطيا الى حد كبير يعكس طبيعة المرحلة وتجاهل القيادات العسكرية الأمريكية للعامل الحيوي لحروب العصابات في العصر الحديث. حيث قارن الصراع المتصاعد في الفيتنام بالحروب الأمريكية ضد قبائل الهنود الحمر من الأباشي خلال السنوات السبعين من القرن التاسع عشر والتي تميزت بالقسوة الفائقة وعمليا بالإبادة المنظمة للطرف المقابل. من المثير للانتباه هنا أن هذا الأسلوب كان يدرس للضباط الأمريكيين في معهد القيادة وهيئة الأركان (حيث كان يدرس ران) كأحد الأشكال الرئيسية لمواجهة حرب العصابات الحديثة.


الدراسة الثانية وهي الأهم في الحقيقة بسبب استمرارية تأثيرها إلى اليوم أنجزها أحد القادة العسكريين الأمريكيين الرئسيين خلال الستينات:


الجنرال ماكغار (Mc. Garr) والذي تقلد مناصب عسكرية مختلفة تتعلق عموما بالإشراف على أقسام التدريس العسكري وكذلك الدراسات والتخطيط العسكريين ولعل أهمها إشرافه أواسط الستينات علي فريق الاستشارة والمساعدة العسكرية في الفيتنام والذي كان يشرف فعليا على رسم الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في علاقتها بالحرب في الفيتنام.

وقد نشر ماكغار أفـــــكاره الأولية ســـنة 1959 في مجلة Military Review ولكنه طورها لاحقا (قبيل سنة 1964) في دراسة طويلة عنوانها تكتيكات وتقنيات الحرب المضادة للمقاومة تزيد عن الـ200 صفحة وبقيت حتى سنة 1983 رهن السرية. ويرتكز موقف الجنرال ماكغار (الذي تمت صياغته في ظل التصاعد الكبير للثورة الفيتنامية) في دراسته على نقطتين:

أولا: أن هناك تجربة تم فيها هزم حرب العصابات ويتعلق ذلك بالحرب البريطانية في المالاي بين سنتي (1946 و1958).

ثانيا: أن مواجهة حرب العصابات يكمن في التركيز على التفوق التكنولوجي. ومن الواضح أن أطروحة الجنرال لا تزال مؤثرة بين عدد من العسكريين الأمريكيين وخاصة في علاقتهم بمجموعة المحافظين الجدد والذين استرجعوا تحليله في مقالات مختلفة بما في ذلك المثال الماليزي والذي يراه بعضهم مطابقا للمثال العراقي.


التكنلوجيا والحروب الشعبية.


ولكن في مقابل هذا الارث الرافض للاعتراف بالمعطيات العسكرية الساطعة والمتشبث بأحلامه الخاصة يبرز مختصون آخرون بما في ذلك داخل الأوساط الأكاديمية العسكرية الأمريكية يركزون على ضرورة التعلم من تجارب عجز وسائل التفوق التكنولوجي المختلفة أمام الحروب الشعبية والدور الحاسم لهذا النوع من الحروب في العصر الحديث.

كما يربط هؤلاء بين فاعلية الحرب الشعبية والدروس الكلاسيكية للمنظرين العسكريين الأوائل بما في ذلك الحكيم الصيني سن تزو. ولعل أهم الأمثلة على هؤلاء الأكاديميين العسكريين الأمريكيين مايكل هاندل (Michael Handel) أستاذ الاستراتيجية بأحد أعرق الاكاديميات العسكرية الأمريكية المعهد الحربي للبحرية الأمريكية .

وقـــــد أصدر هاندل مؤلفا مهما مــــع بــــدايـــــة التسعـــينات عنوانـــــه سادة الحرب The Masters of War. ويكشف هاندل في تقديمه للطبعة الثالثة من كتابه (2001) عن انتقادات واسعة لانتعاش التنظيرات التي تتجاهل تواصل أهمية الحروب الشعبية مقابل التركيز على الدور الحاسم للعامل التكنولوجي بفعل ثورة الاتصالات وهو ما يبدو كأنه إشارة للحملة التي خاضها المحافظون الجدد خلال الحملة الانتخابية للرئيس بوش خلال سنة 2000 (أنظر مثلا الحوار مع كريبينفتش أعلاه).

ويرد على ذلك من خلال التذكير بالمبادئ الرئيسية للمفكر العسكري الألماني الكبير كلاوسفيتز والتي يركز فيها على رئيسية العامل السياسي في حسم الصراع العسكري وهو ما أشار إليه أول منظر عسكري في التاريخ وصاحب كتاب فن الحرب الصيني سن تزو والذي يتمتع بالمناسبة بشعبية خاصة في الأوساط العسكرية الأمريكية.

ويعبر هاندل عن أهمية الحروب الشعبية من خلال التركيز على الزعيم الصيني ماو تسي تونغ كمصدر ثالث للتفكير الاستراتيجي العسكري إلى جانب المفكرين الأولين، كما أضاف إلى ملحق طبعته الثالثة نصوصا من الكتابات العسكرية المختارة للزعيم الصيني.



حول خصوصية التجربة العراقية: فيتنام حضرية.



كالعادة لا تبدو الأخبار القادمة من العراق جيدة بالنسبة لتوقعات البنتاغون. فالمعركة في الفلوجة لن تنتهي قريبا (في حين أن القائد الأمريكي الميداني قد أعلن يوم 11 تشرين الثاني (نوفمبر) عن توقعه بإنهاء المقاومة الليلة كما أن هناك مدنا أوسع وأهم استراتيجيا من الفلوجة إما سقطت تماما في أيدي المقاومة (الموصل) أو سقطت منها أحياء واسعة (بغداد والرمادي) عدا أن المجال القروي والريفي المحيط بعدد من المدن العراقية قد أصبح أكثر من أي وقت مضى خارج سيطرة القوات الأمريكية التي تعاني أصلا قلة العدد في المجالات الحضرية.

وأهم تعبير على هذا الحصار الريفي والقروي للقوات الأمريكية هي الضربات الخلفية التي تلقتها من جهة القرى المحيطة بالفلوجة. وعموما فقد تراوحت التقارير الأمريكية عن معركة الفلوجة بين ثقة رسمية مفرطة كثيرا ما تتسم بخطاب متوتر يعسر المراجعة والتقييم تفضح الطابع الدعائي لإعلام ذي نزعة عسكرتارية وشكوك قوية في جدوى العملية العسكرية تسربت عبر الانبهار الذي أبداه العديد من القادة الميدانيين والجنود الأمريكيين بالروح القتالية للمقاومين العراقيين وعبر الأخبار الواردة عن إعادة الانتشار المستمرة للأخيرين داخل المدينة وهو ما كذب الادعاءات الرسمية بحصر جيوب المقاومة في بعض الأحياء الجنوبية.

وبالرغم من هذا التباين فقد أصبح من الواضح و حتى في ثنايا الخطاب الرسمي أن السيطرة على الفلوجة إذا تحققت فإنها ستكلف القوات الأمريكية خسائر كبيرة ولكن الأهم من ذلك أنها لن توقف المقاومة بل على الأرجح ستدفعها أكثر للتوسع والنمو نحو توحيد قواها وتحقيق أحد أهم أهدافها و في نفسه أحد الكوابيس الأمريكية الرئيسية أي وحدتها السياسية والتنظيمية.


اسلوب المقاومة العراقية.


إن أسلوب المقاومة العراقية هو بلا شك أسلوب حرب عصابات يرتكز كتجارب تاريخية سابقة أساسا على أسلوبين:

أولا: هجمات متفرقة بالأسلحة الخفيفة أو القنابل الموجهة عن بعد على العربات الامريكية المتنقلة.

ثانيا: قصف وتفجير مواقع عسكرية ثابتة من خلال سيارات وعربات مفخخة وأخيرا من خلال صواريخ يتم دفعها من على منصات غير ثابتة.

غير ان الواقع الطوبغرافي العراقي المتميز بشكل عام بالانبساط يدفع في اتجاه تركيز هذه العمليات داخل المدن. بالإضافة إلى ذلك فإن التحولات الكبيرة على مستوى الجغرافية السكانية ليس في العراق فحسب والذي جعل الاغلبية السكانية تتركز في المجالات الحضرية تدفع في نفس الاتجاه.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار تجارب المنطقة العربية والتي تتوفر الآن على تجارب غنية في هذا المجال فان المقاومة العراقية تتجه نحو نموذج أقرب إلى التجربة الصومالية منه لتجربة المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان في حقبة التسعينات.

كما انها تتجه ببطء ولكن بثبات لتكون قريبة من التجربة اللبنانية خلال الثمانينات وخاصة حرب الشوارع ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية وحلفائها في بيروت. وفي كلمة نحن بصدد مواجهة عسكرية تتصاعد في اتجاه نموذج الحرب الفيتنامية لكن في مجال حضري فيتنام حضرية .


الخلاصة.
من جهة أخرى تعيش هذه الحرب الشعبية مرحلة انتقالية حيث أن نجاحها في تشتيت جهود القوى الأمريكية والسيطرة السريعة على مدن ضخمة (مثل الموصل الآن والنجف قبل ذلك) مع القدرة على الفر بدون تكبد خسائر تُذكر يعني أنها تملك المبادرة العسكرية. لكن من جهة أخرى ستكون مضطرة على تعلم التسيير المنظم والمنضبط للمدن والمجالات التي تسيطر عليها فهذه مدرستها الأولية في بناء الدولة الوطنية. وهو ما يعني بالضرورة الإلحاح على الحاجة الحيوية في الوضع الراهن لمسألة التوحيد التنظيمي والبرامجي للمقاومة على قاعدة من الحد الوطني الأدنى. فالانتظار حتى قيام القوات الأمريكية بتركيز جهودها على أحد الأطراف حتى تستنفر مختلف القوى جهودها بشكل موحد هو أسلوب يخضع لرد الفعل ولا يمكن أن ينتزع تماما المبادرة السياسية. أما مسألة هزيمة القوات الأمريكية فستتكفل به طول المواجهات ومن ثمة الاقتناع المتزايد بعدم جدوى الحرب المضادة للمقاومة.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس