الموضوع: كتاب- قصة حربين
عرض مشاركة واحدة

قديم 18-01-10, 07:46 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

الحرب العادلة


كما أنه من الجدير بالملاحظة كذلك، حسب هاس، أن الحرب الأولى تتوافق مع نصائح الحرب العادلة. لقد تم خوضها من أجل قضية تستحق، وكان من المحتمل النجاح فيها وتمت بغطاء شرعي، وبعد أن استنفذت المحاولات السلمية أغراضها.

إن ذلك لا يعني حسب المؤلف أن هذه الحرب يجب أن يتم اتخاذها كحالة مثالية بشأن كيفية تعاطي السياسة الخارجية مع قضاياها. ويضيف إن إدارة جورج بوش الأب أساءت قراءة النوايا العراقية. وهنا يبدو المؤلف متخذا لموقف ما بين الصقور والحمائم حيث يقول إن الاستخبارات الأميركية قللت بشكل كبير من الجهود التي قام بها العراق بشأن أسلحة الدمار الشامل. كما أن نهاية الحرب كذلك كان يمكن التعاطي معها بشكل أفضل، حيث كان يمكن القضاء على الجيش العراقي.

أما بالنسبة للحرب الثانية فيذكر أنها لم تكن ضرورية. لقد كانت هناك خيارات أخرى وبشكل خاص إعادة صياغة العقوبات بطريقة تسمح للعراق بالاستيراد، وفي ذات الوقت تحد من موارده التي تصب في إطار النظام. كما أن التفتيش على الأسلحة كان يمكن أن يتم بشكل يؤكد أن العراق لا يطور أسلحة دمار شامل. كان هناك مع ذلك احتمال أن يبقي صدام في السلطة، ومع ذلك فإن قدرته على تهديد جيرانه ومواطنيه ربما كانت ستبدو محددة.
ويضيف المؤلف إن المقارنة مرة أخرى بالحرب العادلة قد تكون مفيدة. فبالنسبة للحرب الثانية فإن قيمة القضية التي تم من أجلها خوض الحرب، واحتمال النجاح، والشرعية التي على أساسها يجري هذا العمل، كل ذلك محل مساءلة، فحتى المدافعون عنها لا يمكنهم القول انها كانت الملاذ الأخير. إن النظر للحرب والقرار الذي اتخذ بشنها عبر هذا المنظور ربما يكون مفيدا ليس فقط من أجل أسباب أخلاقية ولكن أيضا من أجل أسباب عملية.

مقارنة شاملة.
وفي محاولة للإشارة إلى أن الحربين يتشابهان على مستوى الشكل فقط يذكر المؤلف أن الحربين خاضتهما الولايات المتحدة تحت رئاسة شخص اسمه بوش.. الأولى بوش الأب والثانية بوش الابن. وضد دولة واحدة ورئيس واحد في الحالتين هما العراق وصدام. ومع ذلك فإن النتائج بالغة الاختلاف.

كانت الأولى محدودة، وبمعنى آخر حربا تقليدية، وتقوم على فكرة مواجهة عدوان عراقي خارجي واستعادة الوضع القائم، فيما أن الثانية كانت مبادرة طموحة وراديكالية تم التخطيط لها على أساس الإطاحة بالقيادة العراقية من أجل التأسيس لشرق أوسط جديد.

- كانت الحرب الأولى بكل المعاني، شأنا جماعيا انغمس فيه العديد من الأقطار بدءا بروسيا واليابان ومصر وسوريا مشكلين تحالفا دوليا غير مسبوق، وساهم بطرق مختلفة دبلوماسية وعسكرية واقتصادية، فيما أن الثانية عكست على مستويات عدة الأحادية من قبل الولايات المتحدة مع مساندة ملموسة فقط من قبل بريطانيا العظمى ومجموعة أخرى محدودة من الدول.

جاءت الحرب الأولى ضد العراق بعد صدور أكثر من نحو «دستة» قرارات من مجلس الأمن، فشلت في إقناع صدام بالخروج من الكويت. فيما أن الحرب الثانية أطلقت بناء على قرار واحد من مجلس الأمن بعد أن خلصت الولايات المتحدة أنه يصعب عليها الحصول على قرار ثان.

تماسك داخلي.
في الحرب الأولي، ذهبت الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة للحصول على مساندتها، الأمر الذي اعتقدت الإدارة أنه يمكن أن يحد من صعوبة بناء تماسك داخلي، بل ومساندة الكونغرس لاستخدام القوة المسلحة. أما بالنسبة للحرب الثانية فقد ذهبت الولايات المتحدة إلى الكونغرس أولا ثم فكرت فيما بعد في الذهاب إلى الأمم المتحدة.

استخدمت الحرب الأولى أكثر من نحو نصف مليون عنصر من القوات الأميركية بناء على مبدأ باول القائم على الاستخدام الكثيف للقوة العسكرية، فيما أن الحرب الثانية تمت بناء على رؤية وزير الدفاع دونالد رامسفيلد القائمة على أساس الحد من العنصر البشري حيث استخدم نحو 150 ألف جندي فقط.

- الحرب الأولى قامت على مرحلة متواصلة جرى خلالها استخدام القوى الجوية فقط من قبل الولايات المتحدة، فيما أن الثانية جرى فيها استخدام سريع للقوات الأرضية.

لحرب الأولى وقعت على خلفية قضية سالبة وبمؤداها اعتقد معظم صناع السياسة وتحليلات الاستخبارات - خطأ ـ أن صدام لن يغزو الكويت، فيما أن الحرب الثانية حدثت على خلفية قضية موجبة، وتتمثل في أن معظم تحليلات الاستخبارات وصناع السياسة اعتقدوا ـ خطأ مرة ثانية ـ بأن صدام يخفي أسلحة دمار شامل.

في الطريق إلى الحرب الأولى تحدثت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وإن بدرجة محدودة عن أسلحة الدمار الشامل، رغم أنه فيما بعد وضح أن العالم أساء تقدير الموقف وقلل من تقدير خطر مدى البرنامج العراقي. في الحرب الثانية راحت الولايات المتحدة راحت تتحدث بشكل مستفيض بشكل كبير على خطر أسلحة الدمار الشامل، رغم أنه وضح فيما بعد عدم وجود مثل هذه الأسلحة وأن الأميركيين بالغوا في تقدير القدرات العراقية على هذا الصعيد.

بدأت الحرب الأولى بقدر كبير من الجدل داخل الولايات المتحدة ولكنها انتهت بتحولها إلى اكتساب قدر كبير من التأييد الشعبي، فيما أن الحرب الثانية جرى إقرارها بتأييد كبير من الكونغرس، ومساندة شعبية ولكنها انتهت بسخط شعبي كبير.

كلفت الحرب العراقية الأولى نحو 100 مليار دولار وبسبب اتساع نطاق المشاركة الدوية فإنها تكاد ألا تكون كلفت الولايات المتحدة شيئا، فيما أن الحرب الثانية كلفت الولايات المتحدة تريليون دولار وربما أكثر. والعداد ما زال متواصلا ولا توجد فرصة لإدراج آخرين للمشاركة سوى بأقل القليل من التكلفة.
الحرب الأولى كلفت الولايات المتحدة مئات محدودة من الأميركيين بينما كلفت الثانية أكثر من أربعة الاف جندي أميركي.
في تناوله الختامي لموضوعه يواصل المؤلف تقديم رؤية نقدية بشأن الحربين تؤكد وجهة النظر التي يريد إثباتها، وهي أنه بقدر ما كانت الحرب الأولى ضرورية بقدر ما كانت الثانية اختيارية يمكن تجنبها، وذلك بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا معه في تحليله، حيث يجب ألا ننسى في غمرة الخوض في تفاصيل ما يورده هاس أنه ينطلق في تحليله من المصلحة الأميركية.

والتي لا شك أنها تتعارض مع المصلحة العربية ككل، وهو ما يبدو في التأثيرات السلبية التي خلفتها الحربان على العراق سواء الأولى أم الثانية، بالشكل الذي يصعب معه الفصل بينهما في ضوء حقيقة أن المحصلة الكلية لهما هي النهاية التي وصل إليها العراق، كدولة تقع تحت الاحتلال الأميركي رغم الدعاوى التي تتردد عن الانسحاب، فضلا عن التأثيرات المدمرة التي لحقت ببناه السياسية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية.

لا ينفي ذلك أن المؤلف قدم رؤية متماسكة تحقق الهدف الذي وضعه لمؤلفه وهو تفنيد الحجج والدعاوى التي قام عليها غزو العراق، الأمر الذي يرى أنها رؤية تزداد تماسكا بالمقارنة بحرب العراق الأولى. في مواصلته للمقارنة بين الحربين يشير المؤلف إلى أن البعض قد يرى أن الحرب الثانية لم تكن ضرورية ولكنها مبررة في ضوء أنها استهدفت عزل صدام وتجنب مستقبل يقوم فيه بالالتفاف على القيود المفروضة عليه في أعقاب حرب الخليج الأولى وتعزيز قدرته العسكرية ومغامراته من خلال المصادر الهائلة التي تتوفر له.

وفي معرض رده على هذا الطرح يقول هاس إن المشكلة أن هذا الهدف لا يبرر بأي حال التكلفة العالية التي تضمنت أرواح الأميركيين والتحالف والعراقيين والأموال الطائلة فضلا عن التأثير السلبي على الصورة العسكرية الأميركية والتعزيز النسبي لموقف إيران في المنطقة، وكذا تزايد مستوى الإرهاب ومعاداة الولايات المتحدة.

في تفنيده لرأى المؤيدين للحرب الثانية يعرض المؤلف لحقائق تكشف مدى العبء الذي ألقته هذه الحرب على بلاده فيقول: لقد ورث جورج بوش اقتصادا صحيا، وفائضا في الموازنة ووضعا عسكريا متميزا ونظاما دوليا له اتجاهات طيبة تجاه الولايات المتحدة، ومع ذلك فقد سلم لخليفته ركودا، وعجزا بالغا في الموازنة، وديونا وحالة عسكرية منهكة، وحربين، وعالما سمته الأساسية معاداة الولايات المتحدة. يشير المؤلف إلى أنه وجد صعوبة في أن يتوصل إلى نموذج آخر يماثل نموذج بوش في التراجع الحاد الذي وصل ببلاده به إليه.

محاولة للإنصاف.
ولكن المؤلف وفي محاولة للحد من اندفاعه وحتى لا يبدو حانقا على الإدارة السابقة، يقول انه لكي نكون منصفين فإنه من المبكر جدا تحديد التأثيرات النهائية للحرب إذا ما استقر العراق، فهناك احتمال أن يصبح نموذجا أو مجتمعا نموذجيا حسبما يؤكد الكثير من المدافعين عن الحرب. ولكن مثل هذا النجاح، من وجهة نظر هاس، غير محتمل إلى حد كبير، وحتى لو تحقق فإنه لن يحقق شيئا على صعيد التكلفة الكبيرة التي تم بها على صعيد السياسة الأميركية. الأكثر احتمالا هو مستقبل تتواصل فيه السياسة الأميركية في التراجع وإن بشكل أقل بطئا، فيما يبقى العراق مقسما بشكل لا يجعل منه بأي حال مجتمع أو نموذج مثالي.
يواصل المؤلف مناقشته قائلا إن البعض قد يحاجج أن المشكلة الأساسية لغزو العراق يتمثل في الأسلوب الذي تم به وليس في عملية الغزو ذاتها أو مبدأ الغزو ذاته، فخطأ التطبيق والذي أدى إلى رفع كلفة الحرب، ومحدودية فوائدها، لا يعني بأي حال وفق البعض أن الحرب لم تكن ضرورية أو مطلوبة.

ويضيف أنه من الصحيح أن أخطاء التطبيق قللت من ثمار الحرب، غير أن الواقع يشير إلى أنه حتى لو لم تقع الإدارة الأميركية في مثل هذه الأخطاء (اعتماد إستراتيجية العدد الصغير من القوات، تفكيك حزب البعث) فإنه لم يكن من المتوقع أن تكون النتائج أفضل.

هنا ينقل المؤلف المقارنة إلى مستوى آخر يتمثل في الحرب التي يراها حرب اختيار كذلك وهي حرب فيتنام، محاولا التأكيد على أهمية حسن تنفيذ الخطط المرسومة بذات القدر من الجودة التي يقوم عليها التخطيط. في هذا الخصوص يقول هاس: من الخطأ اختيار الذهاب إلى الحرب ضد دولة دون الدراية الكافية بطبيعة المجتمع في هذه الدولة.

غير أن ما جرى في العراق يفوق ذلك بكثير، فخوض الحرب لم يتم بجهل بطبيعته كدولة ومجتمع فقط، بل جرى استخدام شعارات بالغة التناقض مع طبيعة الدولة والمجتمع اللذين يتم شن الحرب عليهما. ومن ذلك ـ حسب هاس - أن شعارات التحول الديمقراطية جرى استخدامها على نطاق كبير في تناقض كبير مع كثير من الحقائق المتعلقة بتاريخ العراق، وثقافته السياسية وتراث صدام.
والأبعاد العرقية فيه والانقسامات الطائفية والجغرافية. وعلى شاكلة ما جرى في فيتنام بشأن عدم إدراك طبيعة المجتمع المحلي هناك بشكل انتهى إلى الفشل، فإن الأمر جرى في العراق على الشاكلة ذاتها ما أدى إلى التيقن من أن حرب الاختيار أكثر صعوبة ومكلفة وبشكل يفوق ما هو متوقع.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس