عرض مشاركة واحدة

قديم 27-09-09, 02:55 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي الأمم المتحدة من التدخل الإنساني إلي مسئولية الحماية



 

في خطاب له أمام الدورة الرابعة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1999، حذر الأمين العام للأمم المتحدة السابق، كوفي أنان، من أنه إذا لم يستطع الضمير الإنساني المشترك أن يجد في الأمم المتحدة أكبر منبر له، فسيكون ثمة خطر كبير من أن يتم البحث عن الأمن والسلام في أماكن أخري.

وأضاف في تقريره إلي الجمعية العامة بمناسبة الألفية 'إذا كان التدخل الإنساني يمثل حقا تعديا غير مقبول علي السيادة، فعلي أي نحو ينبغي علينا أن نستجيب لحالات شبيهة برواندا، وسريبرينتشا، وللانتهاكات الجسيمة والمنتظمة لحقوق الإنسان التي تمثل تعديا علي كل مبدأ من مبادئ إنسانيتنا المشتركة? .. من المؤكد أنه ما من مبدأ قانوني، حتي مبدأ السيادة نفسه، يمكن أن يحمي الجرائم ضد الإنسانية .. وأنه ينبغي أن يظل التدخل المسلح بمثابة ملجأ أخير، ولكنه خيار لا ينبغي التخلي عنه في مواجهة القتل الجماعي'.

استجابة لهذا النداء، أعلن رئيس الوزراء الكندي في ذلك الحين، جون كريتيان، في مؤتمر الألفية - الذي عقد في سبتمبر من عام 2000 - عن إنشاء لجنة دولية معنية بالتدخل والسيادة، تكون مهمتها دعم نقاش عالمي شامل حول العلاقة بين التدخل وسيادة الدول، يقوم علي أساس التوفيق بين واجب المجتمع الدولي الذي يحتم عليه أن يتدخل أمام الانتهاكات الواسعة للقواعد الإنسانية وضرورة احترام سيادة الدول. في ديسمبر 2001 ، انتهت اللجنة بعمل تقرير يدور حول 'مسئولية الحماية'. من هنا، كان أول ظهور لفكرة مسئولية الحماية التي تعد تطورا لمبدأ التدخل الإنساني (1).

أولا- من التدخل الإنساني إلي مسئولية الحماية :

إن مفهوم مسئولية الحماية ليس ببعيد كثيرا عن المفهوم القديم، والمقصود به هنا التدخل الإنساني أو التدخل لأغراض إنسانية. والجدير بالذكر أن فكرة التدخل لدي دولة أجنبية لإنقاذ الشعوب ليست بجديدة. ففي القرن التاسع عشر، تدخل الأوروبيون لحماية المسيحيين الذين كانوا يعانون من اضطهاد الحكم العثماني لهم في ذلك الوقت. ولكن حق أو واجب التدخل ظهر عام 1987 في فرنسا تحديدا من خلال مؤلف 'واجب التدخل' للبروفيسور ماريو بيتاتي، أستاذ القانون الدولي بجامعة باريس، ووزير الخارجية الفرنسي الحالي برنار كوشنار(2). ويقوم هذا الواجب علي أساس إنقاذ الشعوب التي تواجه خطرا وذلك بتقديم المعونة لهم، سواء عن طريق الدول أو المنظمات غير الحكومية.

وقد كان التدخل الإنساني مثار جدل، سواء في حدوثه، كما هو الحال في البوسنة وكوسوفو والصومال، أو عدم حدوثه كما في حالة رواندا.ففي الفترة ما بين عام 1992 و1993، فشلت عمليات حفظ السلم في الصومال في إعادة الأمن والنظام إلي نصابهما نتيجة لسوء التخطيط والتنفيذ والاستخدام المفرط للقوة العسكرية، الأمر الذي أدي في النهاية إلي انسحاب الأمم المتحدة. كما كانت الأمانة العامة للأمم المتحدة وبعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن في عام 1994 علي علم بمخططات الحكومة في رواندا لإبادة جماعية، ومع ذلك رفض مجلس الأمن اتخاذ التدابير اللازمة وكان ذلك إخفاقا للإرادة الدولية. وكان لإخفاق الأمم المتحدة في الحيلولة دون قتل المدنيين في البوسنة عام 1995 أثر كبير في مناقشة السياسة لعامة المحددة للتدخل لأغراض الحماية. وقد ثار جدل عنيف حول شرعية التدخل العسكري لحلف شمال الأطلنطي في إقليم كوسوفو، لاسيما وأنه حدث في دولة ذات سيادة ودون موافقة مجلس الأمن. وقد ساهمت هذه الحالات الأربع في ظهور مفهوم 'مسئولية الحماية' ، وذلك لأنها جاءت في وقت كانت توجد فيه توقعات كبيرة باتخاذ تدابير جماعية فعالة عقب انتهاء الحرب الباردة.

ويري الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان، في تقريره الصادر في 2 ديسمبر 2004 'عالم أكثر أمنا'، أن الكوارث الإنسانية المتعاقبة في تلك الدول الأربع والآن في دارفور، بالسودان، أدت إلي تركيز الاهتمام، ليس علي حصانات الدول ذات السيادة، بل علي مسئولياتها، سواء تجاه مواطنيها أنفسهم أو تجاه المجتمع الدولي. لذلك، فقد ظهر اعتراف متزايد بأن المسألة ليست هي 'حق التدخل' من جانب أي دولة، بل هي 'مسئولية الحماية' التي تقع علي عاتق كل دولة عندما يتصل الأمر بمعاناة السكان من كارثة يمكن تفاديها، كالقتل الجماعي، والاغتصاب الجماعي، والتطهير العرقي عن طريق الطرد بالإكراه والترويع، والتجويع المتعمد، والتعريض للأمراض(3).

وثمة قبول متزايد لفكرة أن المجتمع الدولي يجب أن يتدخل عندما تكون الحكومات ذات السيادة غير قادرة، أو غير راغبة، في حماية مواطنيها من كوارث من هذا النوع، رغم أنها هي التي تتحمل المسئولية الرئيسية عن حمايتهم. في هذه الحالة ، يتحمل المجتمع الدولي تلك المسئولية، مستخدما في ذلك نطاقا متصلا من الوسائل يشمل : المنع، ومواجهة العنف عند اللزوم، وإعادة بناء المجتمعات الممزقة. ويقع علي عاتق المجتمع الدولي أيضا، من خلال الأمم المتحدة، الالتزام باستخدام الملائم من الوسائل الدبلوماسية والإنسانية وغيرها من الوسائل السلمية، وفقا للفصلين السادس والثامن من ميثاق الأمم المتحدة، للمساعدة في حماية السكان من الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. وفي هذا السياق، ينبغي علي الأمم المتحدة اتخاذ إجراء جماعي، في الوقت المناسب وبطريقة حاسمة - عن طريق مجلس الأمن، ووفقا للميثاق، بما في ذلك الفصل السابع منه، علي أساس كل حالة علي حدة وبالتعاون مع المنظمات الإقليمية - في حال قصور الوسائل السلمية، وعجز السلطات الوطنية عن حماية سكانها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. كما يجب أن تواصل الجمعية العامة النظر في مفهوم المسئولية عن حماية السكان من تلك الجرائم، وآثار تلك الجرائم، مع مراعاة مبادئ الميثاق والقانون الدولي. بالإضافة إلي ذلك، تلتزم الأمم المتحدة - حسب الضرورة والاقتضاء - بمساعدة الدول في بناء القدرة علي حماية سكانها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ومساعدة الدول التي تشهد توترات قبل أن تنشب فيها أزمات وصراعات(4).

 

 


 

   

رد مع اقتباس