عرض مشاركة واحدة

قديم 11-11-09, 04:20 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي استراتيجية الردع في العسكرية الإسلامية



 

استراتيجية الردع في العسكرية الإسلامية

الدكتور- فتحي زغروت

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

مروحة عسكريةعرفت الدولة الإسلامية في تاريخها المبكّر، وبخاصة في العصرين الأموي والعباسي استراتيجية الردع بصورتها الأصيلة، وبروحها الإسلامية، حيث أدّت كما سنعرف بعد إلى صيانة الدولة الإسلامية، وإلى إبراز قوتها وعزتها ومكانتها أمام الأمم الأخرى المعادية.
وإذا كانت تلك الاستراتيجية تقليدية تعتمد على إبراز القوة، وإعداد السلاح الكثيف لإرهاب العدو، إلاّ أن قوّاد المسلمين قد هذَّبوها وطوّروها عبر العصور المختلفة، وصارت استراتيجية الردع تخدم الجانب السياسي للدولة قبل أن تحقق المكاسب المادية.

وقد حددت العقيدة العسكرية هدف استراتيجية الردع حينما قال الله تعالى: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلةوأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهمنقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة(1).
وقال رسول الله { : "نُصرتُ بالرعبِ مسيرةَ شهر"(2).
ونستنبط من الآية الكريمة، والحديث الشريف أن العقيدة العسكرية الإسلامية تأمر بإعداد القوة ورباط الخيل، ثم تجعل الهدف من إعداد القوة، ورباط الخيل، إخافة العدو من عاقبة التعدِّي على بلاد الأمة المسلمة، وأن إظهار تلك القوة التي ترهب الأعداء سيترتب عليها بعد الرعب والخوف تحقيق النصر، وهذا يؤدي بالتالي إلى تحقيق الرسالة الإسلامية أكثر من أي وسيلة أخرى، فلا غرو إذن أن يكون الردع أول استراتيجية للحرب في ظل الإسلام.
لقد جاءت مفاهيم استراتيجية الردع المعاصرة متفقة تماماً مع معطيات وهدف نظرية الردع في الإسلام، حيث عرَّف الاستراتيجيون الردع بأنه هو منع دولة معادية من اتخاذ قرار باستخدام أسلحتها، أو منعها من العمل، أو الرد، وذلك بأن تتخذ الدولة الرادعة مجموعة من التدابير والإجراءات تشكِّل تهديداً كافياً تجعلها تحقق الردع(3). ونفهم من هذا أن هناك تشابهاً كبيراً بين نظرية الردع الإسلامية والأخرى المعاصرة من حيث:
1. اتفاق في هدف الردع، وهو منع العدو من اتخاذ قرار باستخدام القوة.
2. تمارس استراتيجية الردع قبل استراتيجية الحرب.
3. ينتج عن الردع نتيجة سيكولوجية، وهي إرهاب العدو(4).
وخلاصة ما يمكن قوله، إن للردع مسارين يكمِّل أحدهما الآخر، وهما: (المعطيات المادية، والعوامل المعنوية)، هكذا عرفت الدولة الإسلامية إبّان عصور الخلافة القوية أن عزَّتها وكرامتها تكمن في استراتيجية الردع، وقد كان هؤلاء الخلفاء أمثال: (جعفر المنصور، والرشيد، والمأمون) يدركون تلك الغاية الإسلامية، ويحرصون عليها، ويبذلون في سبيلها كل جهد، وهذا ما عرفناه من خلال (الصوافي، والشواتي)، حيث كانوا يقومون في الصيف باستعراض قواتهم العسكرية بشتى ألوانها في غزو بلاد الفرنج، لإرهابهم وإخافتهم، وقبول ما يُفرض عليهم. وقد حكى لنا التاريخ ما كان بين (الرشيد)، و (نقفور) من الصراع؛ فقد شكَّلت قوة المسلمين وانتصاراتهم آنذاك على البيزنطيين تأثير الرعب والخوف، مما جعل الامبراطورة (إريريني)(5) تسارع إلى طلب الهدنة مقابل جزية تدفعها وقبل (الرشيد) ذلك، غير أن (نقفور) الذي اعتلى العرش بعد تلك الامبراطورة أرسل إلى (الرشيد) كتاباً نقض فيه الهدنة، وطالب برد الجزية التي دفعتها (إيريني)، وهذا نص كتاب (نقفور): "من (نقفور) ملك الروم إلى (هارون) ملك العرب، أما بعد، فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ (الملك)، وأقامت نفسها مكان البيدق (العسكري)، وحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليك، وذلك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وافتدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك".
فلما قرأ (الرشيد) هذا الكتاب، استنفذه الغضب حتى فزع له جلساؤه، ودعا (الرشيد) بدواة، وردّ على ملك الروم بهذه الكلمات: "بسم الله الرحمن الرحيم، من (هارون الرشيد) أمير المؤمنين إلى (نقفور) كلب الروم، قد قرأت كتابك، والجواب ما تراه دون ما تسمعه"(6)، ثم خرج (الرشيد) بجيوش جرارة مخترقاً آسيا الصغرى، وظل يتابع المسيرة في انتصاراتٍ متتابعة، وإرهابٍ للبيزنطيين، حتى أخضع (نقفور) وذل كبرياءه وغروره، حيث طلب الصلح وأُرغم فيه على دفع الجزية من جديد.
ومما لا شك فيه، أن قادة المسلمين المحنكين العاملين باستراتيجية الردع كانوا كثيرين امتلأت بهم صفحات التاريخ، وعزَّت بهم المعارك الإسلامية، وطارت شهرتهم في كل مكان بدءاً من القائد الرسول { الذي حرص على استراتيجية الردع حرصاً شديداً. ومن مظاهر عبقريته وإتقانه لاستراتيجية الردع النجاح العظيم الذي حققه يوم فتح مكة، حيث أوقد النيران على قمم الجبال ليلاً، واستعرض الجند بمواكب عظيمة أرهب بهم أهل قريش، ثم أجبرهم على عدم استخدام القوة في مواجهته(7)، وتم بذلك فتح مكة سلماً دون حرب محققاً هدفاً استراتيجياً وهو الردع.
وكما امتازت القيادات بعد الرسول { بمستوى المسؤولية، وبالقدرة والطاقة، اشتهرت بالحكمة وحسن التصرّف، وإجادة تقدير المواقف، والمهارة في تحريك الجيوش وإدارتها لردع الأعداء، كما كانت تلك القيادات حريصة على أن تبرز في الجند الروح الحربية القوية الناهضة، ومن خلال هذا الحرص كانت الجيوش الإسلامية جنوداً وقادة قوة صلبة وصفوفاً متراصة، وقلوباً جريئة، فقد حكى التاريخ أن هناك بعض القواد قد طارت شهرتهم في كل مكان ومنهم (خالد بن الوليد) (رضي الله عنه)، فقد كان ينتصر باسمه كما كان ينتصر بسيفه، وهكذا تكون استراتيجية الردع كما صوّرها التاريخ فكان اسمه يسبقه إلى أعدائه قبل مواقعتهم، فيعمل الرعب في قلوبهم ما تعمله الصواعق، ويشيع الفزع بينهم فتنحل قواهم وتنهار عزائمهم ويتحقق الهدف للمسلمين دون قتال.
ويروي (ياقوت) في (معجم البلدان)، أن (ربيعة) تجمَّعت إلى (الهزيل بن عمران) غضباً لتأخذ بالثأر من (خالد) وجيشه لقريب لهم، فنهاهم (حرقوص بن النعمان) عن مكاشفة (خالد) فعصوه، فرجع إلى أهله وهو يقول(8):
ألا فاسقياني قبل جيش أبي بكر لعل منايانا قريب ولاندري
أظن خيول المسلمين وخالداً ستطرقكم عند الصباح على البشر
فهل لكم بالسيف قبل قتالهم وقبل خروج المعصرات من الخدر
ومما يؤسف له أن غابت عن عسكريتنا الإسلامية تلك الاستراتيجية منذ أن وهنت أمتنا المسلمة، وأصابتها الفرقة والتمزّق، فضاعت هيبتها وعزتها وكرامتها، وتكالب عليها الأعداء من كل ناحية بغارات متواصلة، تارة من الشرق، حيث غارات المغول التي انتهت بنكبة بغداد، ثم الحملات الصليبية من الغرب والتي استمرت قرنين من الزمان تنهش في جسم الأمة وتعبث بمقدراتها، ثم تكالب الاستعمار الغربي بعد ذلك، حيث احتل البلاد العربية وقسَّمها إلى محميات ومستعمرات مازلنا نعاني من آثارها حتى اليوم.
وإذا كنا نمر اليوم بأزمات عاصفة منذ أن وطأت أمريكا بجيوشها أراضي العراق، وأفغانستان، وقد اعتمدت تلك الدولة المغرورة على سياسة القطب الواحد بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي، وخلا لها الجو من كل منافس وصارت تتبع استراتيجية ردع أرهبت بها حكّام العالم العربي والإسلامي (9) ، وها هي اليوم تجني ثمار تلك الاستراتيجية لصالحها وصالح الصهيونية العالمية من قوت الشعوب الفقيرة، ومقدرات الدول النامية.
وهذه استراتيجية تختلف تماماً عن استراتيجية الردع الإسلامية القائمة على العدل والرحمة مع الأعداء، فالقائد المسلم طالما رضخ له العدو واستجاب لمطلبه الشرعي فلا عدوان عليه في القتل، أو التخريب، أو التدمير، أو إهلاك الحرث والشجر، أو إتلاف النخيل، أو نسف المباني كا تفعل إسرائيل مع فلسطين، وكما تفعل أمريكا مع الشعوب، فهي تكيل بمكيالين. وينبغي للقارئ أن يتأمّل أهداف استراتيجية الردع عند الأمريكان أو الغرب وتلك الاستراتيجية عند المسلمين، وسوف يتضح له الفرق الشاسع من خلال المقارنة الآتية:

 

 


 

   

رد مع اقتباس