عرض مشاركة واحدة

قديم 17-11-20, 08:17 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

قوة متعاظمة

دقّت تلك الواقعة ناقوس الخطر منذرةً بمخاطر خُلوّ البلاد من قوة بحرية قادرة على الدفاع عنها أمام هجمات غزاة البحر المتمرّسين، ودفعت بجهود نشطة لتأسيس أساطيل بحرية حربية سرعان ما أصبحت لها سمعة ومهابة؛ حتى إنه بعد خمس سنوات فقط كان الأمير الأموي عبد الرحمن الثاني (ت 238هـ/852م) قادرا على إصدار أمره 234هـ/849م بتجهيز أسطول "من ثَلَاثمئة مركب الى جزيرتيْ مَيُورْقَة ومَنُورَقَة (= قبالة الساحل الشرقي للأندلس) لإضرار أهلهما بِمن يمرّ بهما من مراكب الإسلام، ففتحوهما"، وأصبحت بهما جزر البليار جزءًا فاعلا في حضارة الأندلس الإسلامية طوال أربعة قرون.
والحق أن أسطول الأمويين بالأندلس بلغ درجة عظيمة للغاية من القوة في زمن الخليفة عبد الرحمن الناصر (ت 350هـ/961م)، وفي ذلك يقول ابن خلدون: "انتهى أسطول الأندلس أيّام عبد الرّحمن النّاصر إلى مئتي مركب أو نحوها.. ومرفؤُها للحطّ والإقلاع.. ألمريةُ".
وفي عهد وزير الأمويين الأشهر بالأندلس المنصور بن أبي عامر (ت 392هـ/1003م) تكاثرت حملات الغزو لمعاقل الممالك المسيحية شمالي البلاد وغربيها، حتى إنه كانت "عدَّة غزواته سبعًا وخمسين غزوة، باشرها كلَّها بنفسه"؛ طبقا لابن عذاري الذي يخبرنا أن المنصور قرر 387هـ/989م توسيع سيطرته البحرية غربي الأندلس (البرتغال اليوم)، فأمر بـ"إنشاء أسطول كبير.. وجهزه برجاله البحريين..، وحُملت الأقوات والأطعمة والعُدَد والأسلحة، استظهارا على نفوذ العزيمة".
وقد وظّفت دولة الموحدين -حين بسطت سيادتها على الأندلس منتصف القرن السادس/الـ12 الميلادي- براعة الأندلسيين في العلوم البحرية وصناعة الأساطيل؛ فأنشأت "دار صناعة" جديدة بمدينة سلا المغربية بإشراف المهندس محمـد بن علي الإشبيلي (من رجال القرن السادس/الـ12 الميلادي)، الذي يصفه الناصري السلاوي (ت 1315هـ/1898م) -في ‘الاستقصا‘- بأنه كان "من العارفين بالحيل الهندسية، ومن أهل المهارة في نقل الأجرام (= الأجسام) ورفع الأثقال، بصيرًا باتخاذ الآلات الحربية".


وقد تحدث السلاوي عن أهمية هذه المنشأة فقال: "دار الصناعة.. هي الدار التي كانت تُصنع بها الأساطيل البحرية والمراكب الجهادية، يُجلب إليها العود (= الأخشاب) من ‘غابة المعمورة‘ (تقع اليوم شمال العاصمة الرباط)، فتُصنَع هنالك ثم تُرسل في الوادي، وكان ذلك من الأمر المهم في دولة الموحّدين".
وبفضل تلك الجهود الحثيثة المدفوعة بتصاعد قوة المسيحيين داخل الأندلس وعلى سواحل الشام شرقي المتوسط؛ تعاظمت قوة الأسطول الموحدي بقيادة الأميرال أحمد الصقلي (ت بعد 581هـ/1185م)، ولاسيما أيام السلطان يوسف بن عبد المؤمن (ت 580هـ/1184م) الذي "انتهت أساطيل المسلمين على عهده -في الكثرة والاستجادة- إلى ما لم تبلغه من قبلُ ولا بعدُ"؛ وفقا لابن خلدون الذي يفيدنا باستنجاد صلاح الدين الأيوبي بالمنصور الموحدي (ت 595هـ/1199م) "ملك المغرب طالبا مدد الأساطيل لتَحول في البحر بين أساطيل الأجانب وبين مرامهم من إمداد [الممالك] النصرانية بثغور الشام".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


تنظيم وتمويل

استتبع اعتناءُ الدول الإسلامية بإنشاء دُور صناعة السفن الحربية اهتماما موازيا بتنظيم العمل فيها إدارة وإشرافا، وتخصيص الموارد البشرية والمواد الصناعية الكفيلة بأدائها لرسالتها وتحقيق أهدافها المرسومة. ويعطينا البكري الأندلسي -في ‘المسالك والممالك‘- تفاصيلَ مهمة عن الكيفية التي أُنشئت بها "دار صناعة" السفن الحربية بتونس أيام الأمويين، وعن مصدر القوى البشرية التي عملت فيها.
ففي ذلك يقول البكري إن عبد الملك بن مروان كتب إلى "أخيه عبد العزيز (بن مروان ت 85هـ/700م) -وهو والي مصر- أن يوجّه إلى معسكر تونس ألف قبطي بأهله وولده، وأن يحملهم من مصر ويُحْسِن عَوْنَهم حتّى يصلوا إلى ترشيش وهي تونس. وكتب إلى [حسان] ابن النعمان أن يبني لهم دار صناعة تكون قوّة وعُدّة للمسلمين إلى آخر الدهر..؛ فوصل القبط إلى حسّان وهو مقيم بتونس".
وفي العصر العباسي؛ أوْلى الخليفة المتوكل (ت 247هـ/861م) عنايتَه للأساطيل؛ ففي 239هـ/853م "جُعلت الأرزاق (= الرواتب) لغُزاة البحر كما هي لغُزاة البَرّ، وانتَدب الأمراءُ له الرماةَ؛ فاجتهد الناسُ بمصر في تعليم أولادهم الرماية وجميع أنواع المحاربة، وانتُخِب له القوّادُ العارفون بمحاربة العدو، وكان لا ينزل في رجال الأسطول غشيم ولا جاهل بأمور الحرب، وللناس إذْ ذاك رغبةٌ في جهاد أعداء الله وإقامة دينه؛ [فـ]ـلا جَرَمَ (= لا شكّ) أنه كان لخدّام الأسطول حرمة ومكانة"؛ كما يقول المقريزي في ‘المواعظ والاعتبار‘.


ويفيدنا أبو الحسن الصابي (ت 448هـ/1057م) -في ‘تحفة الأمراء‘- بأنه في الثلث الأول من القرن الرابع/العاشر الميلادي كانت "أرزاق الملاحين في [مختلف أنواع السفن من] الطيارات والشذاءات (= جمع شَذاة: سفينة حربية) والسُّميريات (= جمع سُمَيرية: سفينة حربية صغيرة) والحَرَّاقات والزلالات (= زوارق سريعة) وزواريق المَعابر..: خمسمئة دينار (= اليوم 85 ألف دولار أميركي تقريبا) في كل شهر".
ويروي ابن الأثير -في ‘الكامل‘- أنه في 269هـ/882م عبّأ قائدُ الجيش الأميرُ العباسي طلحةُ الموفَّقُ (ت 278هـ/891م) قواتِه البحريةَ لمقاتلة أصحاب ثورة الزنج جنوبي العراق، و"أحصِي ما في.. أنواع السفن فكانوا زهاء عشرة آلاف ملّاح ممن يجري عليه الرزق من بيت المال مشاهرة (= رواتب شهرية)، سوى سفن أهل العسكر التي يُحمل فيها الميرة ويركبها الناس في حوائجهم، وسوى ما كان لكل قائد من السُّمَيْريات والحربيات والزواريق".
ونجد أن العباسيين رتّبوا وظيفة خاصة اسمها "ولاية ثغر البحر" وبالغوا في العناية بأمرها، كما يتضح من نصّ قرار تعيين أحد الخلفاء العباسيين لأحد متولي هذا المنصب؛ فقد أورد قدامة بن جعفر (ت 337هـ/948م) هذا القرار في ‘الخراج وصناعة الكتابة‘، وجاء فيه: "وأمرَه أن يتفقَّد أمر المراكب المنشأة حتى يُحْكمها ويجوّد آلاتها، ويتخيّر الصُّناع لها، ويُشرف على ما كان منها في الموانئ..، وأمره ألّا يُدخل في.. ذوي الصناعات والمهن في المراكب إلا مَن كان طِبًّا (= خبيرا) ماهرًا، حاذقا صبورا مُعالجا، وأن يكون مَن يحمله معه في المراكب أفاضل الجند.. أصدق نية واحتسابا وجرأة على العدوّ".
وبحلول نهايات القرن السادس/الـ12 الميلادي؛ وصف كاتب المالية والحربية الأسعد ابن مَـمّاتي (ت 606هـ/1209م) -في ‘قوانين الدواوين‘- أحوال الشؤون البحرية بمصر الأيوبية وأهم أحواض صناعة سفنها؛ فقال إن "صناعة العمائر (= جمع عمارة: الأسطول) فيها تنشأ المراكب المذكورة، ولها مستخدَمون يستدعون ما يُحتاج إليه، ويُطلقُ لهم المال والأصناف، ويُسترفعُ منهم الحُسبانات (= تقارير الحسابات) وفيها ما يُباع من حُطام وغيره وتُردّ حسباناتهم، والصناعات (= دور صناعة السفن) الآن ثلاثة: بمصر (= القاهرة) والإسكندرية ودمياط".


وفي العصر المملوكي نرى القلقشندي (ت 821هـ/1418م) يتحدث -في ‘صبح الأعشى‘- عن إداراة حكومية تسمى "ديوان الجهاد"؛ فيقول إنها "ديوان العمائر (= الأساطيل) وكان محله بـ‘الصناعة‘ بمصر، وفيه إنشاء المراكب للأسطول وحمل الغلال السلطانية والأحطاب (= الأخشاب) وغيرها، ومنه يُنفق على رؤساء المراكب ورجالها، وإذا لم يفِ ارتفاقه (= مدخوله) بما يحتاج إليه استُدعي له من بيت المال (= الخزانة العامة) بما يكفيه".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


تنوّع وتخصص

أدّت أساطيل البحرية الإسلامية ببلاد الشام ومصر دَوْرًا محوريًا ومؤثرًا في مقاومة العدوان خلال عصر الحروب الصليبية (492-690هـ/1099-1291م)؛ ففي سنة 550هـ/1160م كان قائد الأسطول المصري الفاطمي أميرًا خبيرًا ضنّت علينا المصادر باسمه، إذ يذكر ابن القلانسي (ت 555هـ/1160م) -في ‘تاريخ دمشق‘- أن وزير الفاطميين طلائع بن رُزِّيك الأرمني (ت 556هـ/1161م) "ارتضَى لتولية (= قيادة) الأسطول المصري مُقدَّمًا مِن البحرية شديد البأس بصيراً بأشغال البحر"!
وقد تنوعت فئات السفن التي استخدمها المسلمون في أساطيلهم الحربية والتجارية وحتى في مجالات السياحة والمواصلات، فخصصوا لكل طبقة من الناس ما يلائمها من المراكب البحرية، وأفردوا لكل ميدان ما يناسبه من السفن المتعددة الأشكال والأحجام، والمختلفة الأهداف والوظائف، والمتفاوتة السرعات والقدرات والتجهيزات.


وكما كان لعامة الناس سفنٌ لأسفارهم وتنقلاتهم؛ فقد خُصّص لعلية القوم من الأمراء والوزراء والولاة وكبار التجار سفنهم المجهزة بما يناسب مراتبهم من الأبهة ومرافق الراحة، ولذلك يحدثنا ابن بطوطة (ت 779هـ/1377م) -في رحلته- عن وجود أنواع من السفن مخصصة "للسلطان والرعية"، ويذكر أنه انتقى لنفسه في إحدى رحلاته الدبلوماسية "مركبا حسنا من المراكب المعدة لركوب الأمراء".
وكان نشاط النقل بالسفن -تجارةً وسياحةً- ذا أرباح طائلة؛ فقد كان الناس يستخدمونها في التحرك خلال مناشطهم اليومية وفي متنزهاتهم الخاصة، فحين تعرض أبو الحسن الشابُشْتي (ت 388هـ/999م) -في كتابه ‘الديارات‘- للحديث عن "عيد دَيْرِ أشموني" المسيحي بالعراق وصفه بأنه "من الأيام العظيمة ببغداد، [إذ] يجتمع أهلها إليه كاجتماعهم إلى بعض أعيادهم، ولا يبقى أحد من أهل التطرب واللعب إلا خرج إليه، فمنهم في [سفن] الطيارات ومنهم في الزبازب والسُّميريات، كل إنسان بحسب قدرته"!
ويورد الحافظ الخطيب البغدادي (ت 463هـ/1072م) -في ‘تاريخ بغداد‘- معطيات عن مداخيل خدمات النقل البحري بالعراق؛ فيقول إنه "أحصِيت السُّميريات المعبرانيات (= المُعَدِّيات) بدجلة في أيام.. [الأمير العباسي] طلحة الموفَّق (ت 278هـ/891م) فكانت ثلاثين ألفا، قُدِّر مِن كسب ملّاحيها في كل يوم تسعون ألف درهم (= اليوم 110 آلاف دولار أميركي تقريبا)"! وحين سجّل الرحالة ابن بطوطة مشاهداته بمصر قال "إن بنيلها من المراكب ستة وثلاثين ألفا للسلطان والرعية، تمرُّ صاعدةً إلى الصعيد ومنحدِرةً إلى الإسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق"!!
وبالنسبة لأصناف السفن؛ فإن من أهمها المراكب الحربية التي تعددت مهامُّها وأحجامُها كما نجده في نص للنويري الإسكندراني (ت بعد 775هـ/1372م) في ‘كتاب الإلمام‘، الذي تحدث فيه عن وقعة هجوم القبارصة على الإسكندرية سنة 767هـ/1366م، فذكر من صنوف السفن التي كانت تُستخدم في البحر المتوسط: "القراقير (= جمع قُرْقُور: السفينة العظيمة أَو الطويلة)، والزوارق، والطرايد، والغربان، والشواني، والشياطي (= جمع شيطي)، والسلالير (= جمع سلورة: سفينة صغيرة للرُّماة)، والعُشاريات (= جمع عُشاري)".


ثم فصّل النويري الاستخدامات المتنوعة لتلك السفن؛ فقال إن "لكل منها مكانته في الحرب ونقل الجيوش والخيول ووَسْق (= حمْل) البضائع ومُستلزمات الجند: والقراقير لحمل البضائع، ومنها ما هو بثلاثة ظهور (= طوابق) ولها ثلاثة قلاع (= جمع قَلْع: الشراع) تسير بها في الريح العاصف؛ وأما الطريدة فإنها مفتوحة المواخير (= الأبواب الخلفية) بأبواب تُفتح وتُغلق معدّة لحمل الخيل بسبب الحرب؛ وأما الغربان فتحمل الغُزاة (= الجنود) وسيْرها بالقَلْع والمجاذيف، ومنها ما له مئة وثمانون مجذافًا وأقل من ذلك".
ويضيف النويري أن مركب "الشيطي يُجَرّ بثمانين مجذافًا ووظيفتُه المَيْنُ (= نقل المؤن)، ويَـرِدُ بالخبرِ (= سفينة استطلاع أمني) للقراقير والغربان وغيرها [من السفن]. وأما العُشاري فيُجَرّ بعشرين مجذافًا وهو الذي يُعدِّي بالبضائع والرجال من الساحل (إلى سفن العمق)؛ لأن القراقير لا تقف إلا في المكان الغزير الماء؛ والسلورة [حجمُها] بين الشيطي والعشاري. والقوارب نافعة لغُزاة المسلمين وقت الحرب في البحر، يكون في كل قارب أربعة أو خمسة من الرماة يعينون غربان المسلمين على القتال لغربان الفرنج وقراقيرها، وذلك بسرعة دَورانها وخفّتها على مراكب الفرنج".
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس