عرض مشاركة واحدة

قديم 23-01-10, 12:22 PM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

مواجهة أي هجوم سوفييتي


.. ولكنني أعلم الآن شيئاً نادراً ما كان يقال للشعب الأمريكي، ذلك أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يحشدون كل هذه الترسانة النووية ليس فقط لمنع هجوم أو غزو نووي سوفييتي، بل ولمنع عدوان عسكري سوفييتي تقليدي - غير نووي - أيضاً، وكانت أوروبا هي المستهدفة بهذا الغزو. وفي كلتا الحالتين كانت الخطط الأمريكية مصممة كلها لمنع الهجمات السوفييتية والحيلولة دون وقوعها قطعياً. وهذه الترسانة النووية الأمريكية وضعت على أمل ألا يتم استخدامها، فشعار القيادة الجوية الاستراتيجية الذي تجده بارزاً في كل قواعدها، هو “السلام مهنتنا”.



إيقاف أي غزو - غير نووي - سوفييتي على أوروبا، كاحتلال عسكري لبرلين الغربية مثلاً، كان يعتمد على التزام الرئيس الأمريكي بتوجيه ضربة نووية أمريكية للاتحاد السوفييتي.


وفي هذه الحالة فإن شعار أو مهنة القيادة الجوية الاستراتيجية سيتحول بسرعة من السلام إلى الحرب، والقيادة الاستراتيجية الجوية تتدرب يومياً بفعالية، لكي تكون مستعدة لتنفيذ المهمة. وثمة التزام أمريكي بالدفاع عن دول حلف الاطلسي باستخدام التهديدات النووية، والغارات النووية الاستراتيجية الاستباقية، إذا اقتضت الضرورة ذلك.

ومن شأن هذه الغارات أن تنقل شرارة أو زناد الحرب النووية للسوفييت.


واحتمال أن يزيد السوفييت هذه الشرارة اشتعالاً، أو يسحبوا الزناد، يعتمد على خططنا وتجهيزاتنا النووية، فقد كان مفهوماً أن الوقاية كانت الهدف الاساسي الذي صنعت من أجله ترسانتنا النووية، إلا أن ذلك الهدف لم يكن تحقيقه مؤكداً، وهذا ينطبق على منع أو الوقاية من الهجوم النووي وأيضاً الهجوم بالأسلحة التقليدية من طرف السوفييت على أوروبا.


وفي أية حالة، لم يكن مستحيلاً أن يشن السوفييت هجوماً على الرغم من تهديداتنا وبذلنا أقصى الجهود لمنعهم وإيقافهم.


آيزنهاور وافق على خطط “تدمير الكتلة السوفييتية الصينية”


على مر السنين شهدت هذه المسائل جدلاً سرياً كثيفاً، بيد أن الخطط السرية التى أجازها الرئيس دوايت آيزنهاور والمتعلقة بالتهديدات السوفييتية كانت جلية وقاطعة وتتلخص في هذه العبارة: “تدمير الكتلة السوفييتية - الصينية” .


تلك الخطط كانت تشمل جزئيات سرية، تدعو لتطبيق نفس استراتيجيات الرد وقوائم الأهداف، في كل حالات الحرب العامة الثلاث المحتملة .


الاحتمال الأول والأكثر ترجيحاً على حسب تقديرات هيئة الأركان المشتركة كان مبادرة الولايات المتحدة بشن هجوم نووي يأتي في أعقاب تصاعد حدة القتال بالاسلحة التقليدية بين القوات الأمريكية والسوفييتية، والاحتمال الثاني، أن توجه الولايات المتحدة ضربة للاتحاد السوفييتي إذا لاح في الأفق خطر هجوم نووي سوفييتي وشيك، الاحتمال الثالث والأقل ترجيحاً بالنسبة لهيئة الأركان المشتركة كان شن الولايات المتحدة هجوماً مضاداً ترد به على هجوم سوفييتي ناجح ومفاجئ .


ومع أن حجم القوة الأمريكية المتوفرة للهجوم سيكون مختلفاً في كل حالة من هذه الحالات فإن الخطط التي أقرها آيزنهاور ودعت الى لائحة الاهداف ذاتها التي اشتملت على “151 هدفاً صناعياً ضمن المدن” أي أنها وبوضوح تستهدف المدن اضافة الى اهداف عسكرية ستتم مهاجمتها في كل الأحوال والظروف .


أما الظروف والملابسات التي ستؤدي الى اندلاع الحرب النووية فإنها لن تؤثر، بتحديدها وتقريرها لحجم القوة سوى على مقدار تغطية قائمة الأهداف . فالهجمات الأولى ستكون من الكثافة المهولة والشمول والانطلاق بتوقيت واحد وبلوغها أهدافاً في ذات اللحظة بحيث تحدث دماراً هائلاً لم يشهد له العالم مثيلا ولا حتى في هيروشيما وناغازاكي، وسوف يعقب هذا هجوم تشنه قوات أخرى غير قوات الاستنفار الدائم وسينطلق هذا الهجوم بسرعة فائقة مذهلة هو الآخر، وسيتم ادخال كل الفيالق والقطع العسكرية إلى هذه الحروب ولن يتخلف أحد عن المشاركة فيها: وربما كان هذا، على الأرجح، ترتيباً متفرداً في تاريخ التخطيط الحربي .


وفي الحالات الثلاث جميعها فإن كل المدن الكبرى في كل من الاتحاد السوفييتي والصين (وحتى إن لم تكن للصين ناقة ولا جمل في الأزمة ولم يكن لها ضلوع في الأعمال العدائية التي تقدح زناد تنفيذ هذه الخطة)، كانت تتصدر قائمة الأهداف التي ستتعرض للهجمات الصاروخية الأولى المتزامنة وتتلقى موجات القصف الشامل الذي ستتولى تنفيذه بعد الضربة الصاعقة الأولى أسراب ضخمة من القاذفات التي ستمطر بحممها من الجو أهم مواقع الصواريخ السوفييتية، والقواعد الجوية والدفاعات الجوية ومراكز القيادة .


وفي البيت الأبيض، كنت أطلعت في يناير/ كانون الثاني من العام 1961 مساعد الرئيس للأمن القومي ماكجورج باندي، الذي كان وصل إلى المنصب منذ برهة وجيزة، على عدد من الحقائق والمشاكل التي كانت معروفة على نطاق ضيق جداً .


سوف أروي لاحقاً الكيفية التي توصلت بها إلى هذه المعلومات وسأسرد تفاصيل ما حدث، وإحدى هذه الحقائق كان التركيز على خطط الضربة الأولى في لجة التحضيرات والتعبئة والاستعداد الأمريكي لأي صراع مع الاتحاد السوفييتي، يشتمل على الزج بقوات يزيد عددها على فرقة، وثمة معلومة أخرى أخبرته بها يومها، وهي موافقة آيزنهاور ومصادقته على التخطيط العملياتي لتدمير “الخليط الأفضل” من الأهداف ذات الكثافة السكانية العالية، إضافة الى مواقع عسكرية، وذلك بغض النظر عن كيفية اندلاع هذا الصراع .


أما الموضوع الثالث الذي أتيت على ذكره في محادثتي القصيرة تلك فتركز حول الطرق المتنوعة التي يمكن أن تستفز بها القوات الاستراتيجية “بحادث عارض، عن طريق المصادفة” بإنذار كاذب، أو خطأ في الحسابات أو خلل وقصور في الاتصالات، أو أعمال أو تصرفات غير موجهة من قبل الرئيس مباشرة، أو ربما أفعال أو تحركات يوغر بها أي قائد رفيع الرتبة كان استجلاء هذه الاحتمالات وسبر أغوارها واستكشاف آفاقها في الميدان هو المهمة الخاصة التي أنيطت بي إبان عملي في فرقة المهمات في القيادة العامة لقوات المحيط الهادي، وكذلك عملي لاحقاً بصفة خبير متخصص في الأسلحة النووية “القيادة والتحكم” في مؤسسة راند .


وكانت النقطة الأخيرة هي التي استرعت انتباه باندي واهتمامه بشكل خاص . وأوردت في تقرير أعددته ما كنت تعلمت في المحيط الهادي، وكان أحد أخطر الأسرار في النظام وأكثر حساسية: وهو أن ندرك مقدماً ونتهيأ لاحتمال أن يتعرض ردنا الثأري للشلل جراء إما هجوم يشنه الاتحاد السوفييتي على واشنطن، أو نتيجة عجز الرئيس وعدم قدرته، وكان من أندر النوادر بالنسبة للرئيس آيزنهاور منذ سنة 1958 أن يفوض القادة الميدانيين للاضطلاع بصلاحيات شن عمليات نووية في أزمة ما، سواء في حالة الغياب الفعلي الملموس للرئيس آيزنهاور بتعرضه لنوبة قلبية وسكتة دماغية مباغتة في مكتبه، أو إذا حدث انقطاع في الاتصالات مع واشنطن .


كما علمت أيضاً أن الادميرال هاري فيلت قائد أركان القوات البحرية الأمريكية في المحيط الهادي فعل شيئاً مماثلاً فأوكل تلك الصلاحيات إلى من تحت إمرته من القادة إذا طرأت ظروف وأحوال مشابهة . وكان من شأن هذا النهج أن وضع أصابع عدة على زر الاطلاق في حال انهار نظام الاتصالات بين واشنطن وهاواي، أو هاواي وغربي المحيط الهادي . وفي تلك السنوات كانت مثل هذه الأعطال شائعة جداً وتحصل في كل واحدة من هذه الوصلات بمعدل مرة واحدة في اليوم . لذا فإن هذا التدبير ضخم، وبدرجة عظيمة جداً . الاحتمالات التي استعرضناها آنفاً والتي أدرجناها تحت عنوان حرب نووية “غير متعمدة ناجمة عن الاهمال أو الغفلة”، وبخاصة إذا حدث الانقطاع أو التوقف خلال أزمة نووية محتملة مثل أزمة مضائق تايوان، أو مواجهة كنمن (ارخبيل الباب الذهبي) سنة 1958 حين هددت الولايات المتحدة باستخدام السلاح النووي ضد جمهورية الصين الشعبية اذا اعتدت على أرخبيل جزر كنمن (وسوف أتناول في مقالات لاحقة استجابة ورد إدارتي كل من كنيدي وجونسون على هذه المواجهة) .


الإبادة غير المقصودة


ويذهب فحوى الرسالة التي نخلص إليها من مجمل هذه التقارير التي تدفق سيلها إلى أن نظامنا التعبوي العام والكلي للرد الاستراتيجي يتسم بأنه قابل لتفجير الأوضاع بشكل مروع ومأساوي ينذر بأعظم الكوارث ولا يتوقف انفجار مصائبه الرهيبة سوى على النزر اليسير من الاستفزاز الذي قد لا يكون متعمداً ولا مقصوداً في أغلب الأحيان، فكان هذا النظام المستنفر على الدوام أشبه ما يكون بمصيدة فئران عملاقة هائلة تفتح أبواب الجحيم النووي ليحرق الشطر الأعظم من كوكبنا لدى ضغط شعرة لا وزن لها على الابرة في هذا الفخ الجهنمي الكالح البشاعة . ونصبت مدافع هذا الآتون النووي الموغل في شناعة أهواله بحيث تنطلق عند استشعارها لأدنى استفزاز ولو كان متوهماً، ودونما شن أي هجوم سوفييتي نووي ومن دون توقع حقيقي لغارة نووية وشيكة ومباغتة، فتبيد بسيل قذائفها النووية الشطر الأعظم من السكان المدنيين في الاتحاد السوفييتي والصين وكثير من الحلفاء والمحايدين إبادة جماعية لا تبقي ولا تذر .


ولقائي بباندي الذي حاولت من خلاله الاستفسار منه عن كل شيء مهم يشغل بالي أثناء الأسابيع الأولى لتوليه منصبه، هذا الاجتماع الذي كان رتبه بول نيتز مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي كان في جزء منه هو السبب الذي وضعني في موقع يمكنني من تدبيج مسودة الأسئلة التي كان لي أن أطرحها لاحقاً على البيت الأبيض فأثير من خلالها قضايا جدلية بعد برهة وجيزة . والأمر كما حدث، هو أنني وضعت مسودة السؤال بشأن عدد البشر المتوقع أن يهلكوا عند تنفيذ خطط الحرب العامة، إذ كنت أعتقد ان قيادة الأركان العامة لم تكن تدري بما تجيب به عن مثل هذا الاستفسار، وكان الضباط الذين عملت معهم في فريق التخطيط في قيادة القوات الجوية على قناعة بأن لا أحد، سواء في قيادة الأركان المشتركة أو في القوات الجوية قد تولى على الاطلاق حساب عدد الوفيات والمصابين والعواقب على صعيد الخسائر البشرية الإجمالية إذا وضعت تلك الخطط موضع التنفيذ . وكان هذا ما شجعني على أن أسأل قيادة الأركان المشتركة باسم سلطة أعلى أن تقدم تقديراتها التي تتوقعها، وكنت من جهتي أتوقع أن يوقعهم هذا التوجه الاستفساري في حرج شديد، إذ سيتعين عليهم الاعتراف بأنه ليس في استطاعتهم الاجابة عن مثل هذه الأسئلة فوراً وبسرعة تنم عن ادراك واضح ودقيق للأمور وتبصر بالعواقب .

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس