لبنان وتداعيات القرار الظني المحتمل
بشير نافع
لم يكن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في فبراير/ شباط 2005 مجرد اغتيال عابر، ليس فقط لأن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن أرادت استغلاله لتعزيز سيطرتها على المشرق العربي – الإسلامي، بل أيضاً لأن لبنان لعب، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، دور المرآة الكاشفة للتوازنات في المنطقة. هذا الدور، وليس الحجم أو الثروات أو الموقع الاستراتيجي، هو ما يجعل لبنان بلداً بالغ الأهمية في المشرق، وما يجعل الاهتمام به يفوق أحياناً حدود المتوقع.'
وجهت أصابع الاتهام في مقتل الحريري أولاً إلى سورية، نظراً لنفوذها الهائل في لبنان ووجود قواتها واستخباراتها فيه، وتحالفها مع عدد واسع من قواه الإسلامية والقومية والطائفية. وبما أنه كان ينظر للرئيس الحريري باعتبار أنه ليس زعيما لبنانيا سنيا وحسب، بل وأحد أعمدة السياسة السعودية في المشرق؛ ولأن العلاقات السعودية – السورية كانت تمر بمرحلة من التوتر بعد غزو العراق؛ ولأن الأميركيين اعتقدوا أن سورية تقوم بدور "تخريبي" ضد وجودهم في العراق، فقد عملت واشنطن والرياض على تشكيل لجنة دولية للتحقيق في مقتل الحريري، تقدم نتائج عملها بعد ذلك لمحكمة دولية.
على أنه خلال الشهور القليلة الماضية، نشرت وسائل إعلام ألمانية وإسرائيلية وكويتية، وبشكل متكرر، تقارير تفيد أن قرار الاتهام الذي ستتقدم به لجنة التحقيق للمحكمة الدولية سيتضمن تحميل المسؤولية عن اغتيال الرئيس الحريري ليس لعناصر سورية، كما ساد الاعتقاد خلال السنوات القليلة التي تلت حادثة الاغتيال، بل إلى عناصر من حزب الله. وطبقاً لتصريحات السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، فإن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أكد هذه التقارير خلال لقاء غير معلن جمع بين الاثنين قبل أسابيع، وأبدى استعداده للإعلان بأن قرار الاتهام لا يعني أن حزب الله ذاته هو المتهم، بل يخص مجرد عناصر "منفلتة" في الحزب.
إن صدر مثل هذا القرار الاتهامي بالفعل، فسيحدث أصداء هائلة في كل المشرق. وهذا ما دفع نصر الله للظهور أمام وسائل الإعلام ثلاث مرات على التوالي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، للحديث عن المخاطر التي يمكن أن يولدها قرار لجنة التحقيق. وهكذا، باختصار، يدخل لبنان من جديد في مناخ أزمة مستعصية، ذات أبعاد تطال كل الخارطة السياسية الإقليمية. وستحاول هذه الورقة النظر إلى الأسباب التي تقف خلف أجواء هذه الأزمة، وإلى جوانبها المتعددة، مساراتها المحتملة، وما يعنيه كل من هذه المسارات