عرض مشاركة واحدة

قديم 18-07-09, 05:42 PM

  رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

الوجه الآخر للأزمة الصومالية






لقد دأبت كثير من الدراسات والكتابات الغربية على تصوير ما يحدث في الصومال منذ انهيار الدولة المركزية فيها عام‏ 1991‏ بأنه نموذج مثالي للدولة الفاشلة في النظام الدولي‏.‏ إذ يشهد الصومال في معظم أقاليمه حالة من العداء والصراع العنيف بين مختلف الفصائل والقوى المتحاربة‏,‏ كما أنه أضحى بمثابة مأوى للجماعات والقوى غير الحكومية وغير الشرعية مثل أمراء الحرب والتنظيمات الثورية العنيفة‏(‏ حركة شباب المجاهدين‏).

دفع ذلك إلي تبني تصورات محددة للتعامل مع المعضلة الصومالية حيث سيطرت الاعتبارات الأمنية ولا سيما ما يتعلق بأمن دول الجوار الجغرافي ومصالح القوى والأطراف الفاعلة في النظام الدولي‏.‏ وقد أفضت مشكلة القرصنة وتناميها قبالة السواحل الصومالية في خليج عدن والمحيط الهندي إلى التأكيد على هذه الافتراضات المسبقة عند التعامل مع الملف الصومالي‏.

والملفت للنظر حقا أن أدبيات الفكر الاستراتيجي العربي قد وقعت بدورها في شرك هذا المنظور الأمني‏.‏ وبات الحديث اليوم يتركز على خطورة سيطرة حركة الشباب المجاهدين على العاصمة مقديشو وما يمثله ذلك من تهديد لأمن واستقرار القرن الأفريقي سواء بمفهومه الضيق أو الواسع‏.‏

تجربة مختلفة.

علي أن القراءة الواعية للمشهد الصومالي تظهر بجلاء أن ما يحدث في الأقاليم الجنوبية والوسطى لجمهورية الصومال لا يتكرر في الإقليم الشمالي الذي بات يعرف منذ بداية التسعينيات باسم جمهورية أرض الصومال‏.‏ إننا في واقع الأمر أمام تجربتين مختلفتين في بناء الدولة داخل حدود صومال ما بعد الاستقلال‏.‏ التجربة الأولى تعكسها خبرة المحمية البريطانية السابقة‏;‏ أرض الصومال والتي أعلنت استقلالها من جانب واحد في ‏18‏ مايو ‏1991‏ وأضحت منذ ذلك الوقت تنعم بالاستقرار والأمن‏,‏ بل وتطرح إمكانيات واعدة في الحكم الديمقراطي‏.

أما التجربة الثانية فتطرحها خبرة الحرب الأهلية الممتدة في جنوب الصومال وهي التي دفعت إلى القول بوجود ما يسمي‏ "المرض الصومالي".‏

ومن المعلوم أن المنطقة الشمالية الغربية للصومال والتي تعادل مساحة انجلترا وويلز قد خضعت للاحتلال البريطاني خلال الفترة من ‏1887‏ وحتى عام‏1960‏ حينما دخلت في رابطة اتحادية مع الأقاليم التي كانت خاضعة للاستعمار الإيطالي في الجنوب والشرق‏.

وبعد انهيار نظام سيادة بري ودخول البلاد دوامة الحرب الأهلية اختارت أرض الصومال قطع الروابط مع الدولة الاتحادية وأعلنت الاستقلال من طرف واحد‏.‏ وهو الإجراء الذي لم يعترف به أحد لغاية الآن في المجتمع الدولي‏.‏

ولا يخفي أن ثروات وموارد أرض الصومال غير المستغلة تشمل النفط والغاز والفحم‏,‏ بالإضافة إلي امتلاكها أكبر احتياطي في العالم من الجبس‏.‏ كما يمتلك الإقليم شواطئ بحرية بطول ‏850‏ كم وهي غنية بمواردها البحرية‏.‏ ويمثل ميناء بربرة المنفذ البحري لأرض الصومال ولأثيوبيا التي قامت بعقد اتفاق طويل المدى مع سلطات الإقليم الصومالي بهدف استغلال هذا الميناء‏.‏ ويعد مدرج مطار بربرة واحدا من أطول المطارات الأفريقية علي الإطلاق‏.‏ وقد تم بناؤه عام ‏1974‏ على أيدي السوفيت زمن الحرب الباردة‏.

وإذا كانت مؤتمرات المصالحة الوطنية الصومالية قد تم تمويلها من قبل أطراف خارجية‏,‏ بل وعقدت جلساتها في أغلب الأحوال خارج الأراضي الصومالية‏,‏ وهو ما جعلها تبوء بالفشل فإن أرض الصومال اتخذت موقفا ثابتا منذ البداية وهو عدم المشاركة في هذه المؤتمرات وعوضا عن ذلك أطلقت مؤتمرات للحوار والمصالحة الداخلية كان أبرزها مؤتمر ‏(بوراما‏)‏ في النصف الأول من عام ‏1993،‏ والذي أفضي إلى تشكيل حكومة مدنية في أرض الصومال‏.‏ ويمكن النظر إلي هذه التجربة في الحوار الوطني الصومالي باعتبارها تمثل إستراتيجية واقعية للخروج من المأزق الصومالي العام‏.‏

لقد بنت أرض الصومال تجربتها في المصالحة الوطنية وإعادة الأعمار على احترام التقاليد والمواريث الاجتماعية الصومالية، وهو ما أدى إلى تهميش الأحداث والمصالح الخاصة والخارجية على السواء‏.

وطبقا للنظام العرفي السائد يمثل كبار السن مكانة أساسية في التراتب الاجتماعي السائد‏.‏ وعادة ما تكون لهم مجالسهم التي تجتمع عند الضرورة‏.‏ كما أن جماعة الدية، أو‏ (الماج‏)‏ بالصومالية، تمثل ضمانة لتنفيذ الأحكام في حالة ما أدين أحد أعضائها في نزاع ما‏.‏ وعادة ما يتم تمثيل جماعات الدية في المجتمع الصومالي بأحد الشيوخ الذي يطلق عليه اسم "عاقل"، ‏ وهو يقوم بدور مؤثر وفاعل في عمليات التفاوض وفض النزاعات‏.‏

وتتألف أرض الصومال من عشيرتين كبيرتين‏:‏ الأولي والأكثر عددا هي (الإسحاق) التي تتركز في وسط الإقليم وتمتد إلى الأراضي الأثيوبية المجاورة‏,‏ والثانية هي (الدارود) التي تنتشر شرق أرض الصومال وما حولها‏.

كما توجد بعض الجماعات والعشائر الصغيرة الأخرى مثل (العيسى) في غرب الإقليم‏.‏ ويستطيع الصومالي أن يعود بنسبه إلي مئات السنين وهو ما يجعل رابطة الدم تلعب دورا مهيمنا في المجتمع الصومالي‏.‏


أسس ومعايير المصالحة.


وعلي أية حال فإن تجربة أرض الصومال في المصالحة وإعادة البناء ارتكزت علي جملة من المعايير والمبادئ المهمة لعل من أبرزها‏:‏

أولا‏:‏ القبول بمبدأ التفاوض لتسوية المنازعات المحلية الراهنة أو المحتملة‏.‏ وقد مثل ذلك الأساس الذي انعقدت بموجبه مؤتمرات المصالحة في أرض الصومال‏.‏ ولعل ذلك المبدأ يرتكز على الموروث الثقافي الصومالي الذي يعطي دوما الحوار والنقاش فرصة لفض النزاع‏.‏ ولا يتأتى ذلك إلا من خلال إعمال حسن النية بين أطراف هذا النزاع‏.‏

ثانيا‏:‏ التوكيد على الدور والمسئولية الاجتماعية والأمنية للعشيرة‏.‏ فقد نظر إلي العشيرة باعتبارها مسئولة عن سلوك وتصرفات أفرادها‏.‏ وقد استند ذلك المبدأ علي تقاليد جماعات الدية باعتبارها الضامن الرئيسي لتصرفات الأفراد‏.‏ بيد أن حالة أرض الصومال بعد حرب عام ‏1991‏، ووجود العديد من جماعات الشباب العاطلين عن العمل والمسلحين قد أضفت تعقيدات كثيرة علي الحالة الأمنية في الإقليم ولاسيما في قضايا نزع سلاح الميليشيات وفرض الطابع المؤسسي على مرفق الأمن العام‏.‏

ثالثا‏:‏ أهمية دور الوساطة الفردية والجماعية في المواقف الصراعية‏.‏ إذ عادة ما يكون الوسيط متطوعا وليس طرفا في النزاع، ولكن تظل له مصلحة قي إنهائه‏.‏ وقد اتضح ذلك بجلاء في حالة الصراع حول ميناء بربره وتدخل الوساطة المحلية لتسويته وإدارته بنجاح‏.‏

رابعا‏:‏ الاعتماد على التمويل الوطني الصومالي في عملية تنظيم وإدارة مؤتمرات المصالحة الوطنية‏.‏ فقد استطاعت إدارة إقليم أرض الصومال الاعتماد على جمع التبرعات من داخل الإقليم ومن المواطنين الذين يعيشون في الشتات خارجه‏.‏ وهذا السلوك قد جنب التجربة الخاصة بالمصالحة وبناء السلام في الإقليم مثالب التمويل الأجنبي كما هو الحال في مؤتمرات المصالحة الصومالية العامة‏.‏

لا نخفي أن تجربة أرض الصومال تعد وفقا للمعايير العربية والإفريقية واحدة من قصص النجاح التي يمكن التعويل عليها‏.‏ ومع ذلك فإن المجتمع الدولي لا يزال مصرا على توجيه ناظريه صوب مناطق الفشل وبؤر الصراع والتوتر في إفريقيا في نفس الوقت الذي يغمض فيه الطرف عن الانجازات الحقيقية كتلك التي ترتبط بخبرة أرض الصومال‏.‏

فلماذا نصر علي الاستمرار في تأييد "الوصفات العلاجية"‏ التي ثبت في غير مرة فشلها في علاج‏ "المرض‏"‏ الصومالي؟ وهل يمكن أن تمثل تجربة شمال الصومال مخرجا ملائما لأزمة باقي الأقاليم الصومالية؟

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس