عرض مشاركة واحدة

قديم 19-05-09, 11:17 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المقاتل
مشرف قسم التدريب

الصورة الرمزية المقاتل

إحصائية العضو





المقاتل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي الضربات العسكرية بين التقنين والتفنين



 

الضربات العسكرية بين التقنين والتفنين

اللواء الركن (م)- كمال علي شد يد
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
طائرات حربية

حظي النظام الدولي الجديد بخصائص استراتيجية عدة، سوف تركّز فيها على الصعيد العسكري فحسب، حيث أوجد هذا النظام مفاهيم جديدة للحروب، من خلال افتراض أن يكون للأمم المتحدة دور جديد بعيد عن فلسفة سيطرة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن على مقدّرات العالم، وتوجيهها صوب مصالحهم العليا، ولذا فإننا نجد اختلافاً كبيراً في شكل الحروب وتجميع القوات بها من الدول، وكذا أهدافها والمهام المحقّقة لها، فضلاً عن التهيئة والتحضير السياسي لها، بحيث أصبحت الحروب تُخاض لأسباب غريبة على الأذن السياسية والعسكرية، مثل: الحرب ضد الإرهاب، والحرب لإيقاف تطوّر أسلحة الدمار الشامل، والحرب لتحقيق العقوبات الاقتصادية، والحروب العرقية والعصبية، والحروب لمساعدة الأقليات على الانفصال، وحروب الطاقة، والحروب الميكيافيلية عموماً

جرت العادة على أن يستخدم السياسيون والإعلاميون مصطلح الضربة العسكرية في إشارة ضمنية لشن عمل عسكري ضد دولة أو مجموعة متجاورة جغرافياً، وأحياناً ما يقوم بعض العسكريين بتناول المصطلح نفسه أيضاً للهدف نفسه، في حين أن المتخصصين غالباً ما يستعملون المصطلح الصحيح، وهو القيام بعملية عسكرية، مثلما قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتوجيه ضربة عسكرية ضد العراق عام 1992م، لإجباره على عدم تجاوز منطقة الحظر المفروضة عليه، وكذا عندما قام حلف شمال الأطلسي بتوجيه ضربة عسكرية ضد الصرب، عقاباً لهم على ما قاموا به من أعمال وحشية ضد مسلمي البوسنة وكوسوفو عام 1995م، وكذا عندما قامت بأعمال عسكرية، منها: حروب أوغندا، أو عمليات عسكرية على العراق عام 1990-1991م، لتحرير الكويت طبقاً لقرارات مجلس الأمن، وإعمالاً لقواعد الفصل السابع من ميثاق المنظمة، وكذا في عملية غزوها للعراق عام 2003م، بدعوى عدم انصياعه لتدمير منشآته النووية طبقاً لتقرير (باتلر) الدبلوماسي الأسترالي والمفتش في الوقت نفسه وكذا العملية العسكرية ضد أفغانستان عام 2001م لضرب تنظيم القاعدة ... وغيرها وغيرها منذ نهاية الحرب الباردة، وهي كثيرة ومتنوعة، أي أن الأمم المتحدة عندما تتحدث في هذا الشأن، فإنها تقول القيام بعمل عسكري، وفي الاستراتيجية تقول الحرب، وهنا بمفهومها الشامل، وأن الفن العملياتي حينما يتحدث فإنه يقول العملية العسكرية غالباً للفيلق، وذلك حتى نصل إلى الموقعات والمعارك وأعمال القتال، ولكلٍ من هذه المصطلحات معنى محدد وواضح وثابت، بحيث يشكِّل في النهاية لغة استراتيجية عملياتية تكتيكية ومحددة، ولذا سوف يتم استعراض المفاهيم المشار إليها، مع إيضاح العلاقة بين الضربات العسكرية وهذه المصطلحات بشكل موجز وسهل.

الضربات العسكرية: تعريفها وأنواعها ومكوناتها

تعتبر الضربة العسكرية هي أحد المكونات الرئيسة للعملية العسكرية، سواء العملية الاستراتيجية Stratigic، أو التعبوية، أو العملياتية Operational، وقد تحتوي العملية على ضربة، أو اثنتين، أو أكثر، بحيث عندما يتخذ القرار تكون ترويسته باختصار هي: قدرة القيام مثلاً بالقوات بعملية هجومية لتدمير العدو، وتحقيق ذلك في مهمة مباشرة بالوصول إلى .... ونهائية بالوصول إلى ... محققاً الهدف من العملية من خلال نسقين: النسق الأول: يتكون من ...... والثاني: من .....، وذلك من خلال (2) ضربتين رئيستين في اتجاه الجانب الأيسر، وفرعيتين في اتجاه الجانب الأيمن، مركِّزاً المجهود الرئيس على الجانب الأيسر ...إلخ.

ولعل أفضل وأحدث مثال على ذلك هو عملية (عاصفة الصحراء) لتحرير الكويت، حيث كانت خطة التحالف أو الائتلاف على وجه الدقة هي: القيام بعملية هجومية استراتيجية في نسق استراتيجي واحد واحتياط، من خلال توجيه عدة ضربات رئيسة عميقة وأخرى قريبة، كانت الضربة الرئيسة فيها تتم بقوات الفيلق الثامن عشر على الجانب الأيسر من داخل الأراضي العراقية، وأخرى رئيسة بقوات الفيلق السابع أيضاً على الجانب الأيسر من الداخل، مجاوراً للحدود الكويتية، وعدد (3) ضربات أخرى من اليسار لليمين، ضربة مصرية (بقوة فرقتين)، وضربة سعودية كويتية سورية (بقوة فرقتين)، و (3) لواءات، ثم ضربة بقوات مشاة البحرية (بقوة فرقتين)، ثم ضربة سعودية مع قوات مجلس التعاون الخليجي على الساحل.

ونظراً لزيادة عدد الضربات في هذه العملية، فقد تم تقسيم نطاق الهجوم إلى عدة قطاعات، بحيث يحتوي كل قطاع على (من 2 3) ضربات، كما تم تقسيم مواجهة الحدود الكويتية إلى ثلاثة قطاعات تابعة لقيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات، وكان كل قطاع منها يحتوي على ضربتين.

وقد كان هذا التقسيم من أجل سهولة القيادة، والسيطرة على المسرح، وضماناً لتنفيذ المهام دون تداخل بين مناطق عمل القوات، ودون الدخول في تفاصيل العملية، فإن تفصيل الضربات والتخطيط لها وهو موضوعنا كان قمة في الفن والعلم العسكريين من جانب قيادات التحالف والقوات المشتركة، مما انطبع على نجاح العملية وإنجازها في ذلك الوقت القياسي، وهو المائة ساعة من 25 28 فبراير 1991م.

والسؤال المنطقي هنا من جانب القارئ الكريم هو: لماذا تُرسَم أسهم الضربات وبينها فواصل على خريطة الضربات؟ ولماذا تصل نهايات الأسهم إلى نقاط مختلفة العمق من الخط الأمامي لدفاعات العدو؟ والسبب بوضوح هو أنه على المستوى الاستراتيجي والعملياتي فإنه عادة ما لم يتم الالتزام بالمسافات بين الوحدات الفرعية الصغرى، وهي الفصيلة، والسرية، والكتيبة، بمعنى أنه عندما يُحدَّد منطقة لهجوم الكتيبة تكون في العادة هي مواجهة سرية مشاة، وقطاع هجوم اللواء يكون مواجهة كتيبة معادية... وهكذا، ولكن على المستويات العليا حينما نريد أن نهاجم مثلاً على مواجهة (300) كلم فعادة لا يضع العدو فيها (100) لواء، باعتبار أن كل منها يحتل (3) كلم، لأنه عادة ما تكون الأرض غير صالحة كلها للدفاع التقليدي، فضلاً عن عدم وجود قوات تكفي لاستخدام هذا الأسلوب في الحساب، ولذا فإنه على المستويات الكبرى تُخصص القوات للهجوم على محاور تحقق تعاوناً فيما بينها، كما أنه يصعب أو يستحيل توفير قوات لتغطية هجوم كل المواجهة، ولذا فإنه تُخصص القوات للهجوم على المحاور، وعلى أكثر الاتجاهات ضعفاً للعدو، ومن ثم تُرسم الأسهم عليها وعلى المسافات والأعماق التي تفرضها المحاور وقوات العدو، وهذا ما يُطلَق عليه:
الضربات العسكرية، وهذا يصدق علي التعريف السابق بأنها هي مكونات العملية العسكرية.

وحتى يكتمل تعريف الضربة، فإن الضربة هي عبارة عن مزيج من الحركة والنيران، أي أن قوات الضربة القائمة بالهجوم يجب أن تتميز بأنها قائمة دائماً بأعمال الحركة، أي المناورة من مكان إلى آخر، لتحسين أوضاعها الهجومية طولية وعرضية، فضلاً عن تمتعها بقوة نيران كبيرة، سواء كانت هذه النيران برية من المدفعيات والصواريخ، أو جوية من القاذفات والقاذفات المقاتلة والمروحيات المسلحة بالصواريخ المضادة للدبابات؛ أو من نيران البحرية، سواء المدمرات، أو الفرقاطات، أو البوارج، أو غيرها؛ سيما في حالة مهاجمة القوات بحذاء الساحل الكويتي في اتجاه العاصمة الكويت.
وهنا يجب ملاحظة شيء هام، وهو أن عملية طي الأرض وحدها لا تكفي لتحقيق المهام والأهداف، لأن ترك العدو بدون إنزال عقوبة النيران عليه تجعله يناور ويقابلك بعد ذلك في العمق، أي أنه يجب أن يكون هناك توازن فيما بين المناورة وطي الأرض والنيران.

ويعتقد كثير من القادة أن سرعة الوصول إلى عمق العدو بالتعاون مع الضربات الأخرى، يمكن أن يوقعه في الحصار، ويمكن تركه للأنساق الثانية لتدميره في عملية منفصلة عن عملية الهجوم.

وعموماً لا توجد أخطاء في مفاهيم الفن العسكري واستخدامه، لأن كل موقف يكون له ما يبرره، والقائد الميداني عادة ما تكون له قرارات يجب أن تحترم من جانب القيادة الأعلى ولا يفرض عليه ما يرفضه، ولكن يُترك له هامش للمناقشة والإقناع، وعموماً هناك مقولة فلسفية عسكرية مؤداها:
أنه كلما قل المستوى العسكري المُنفِّذ، كلما قلّت درجة مرونته لضيق مواجهة هجومة واعتياده كليةً على مستوى تدريب أفراده؛ وكلما زاد المستوى العسكري المُنفِّذ، كلما زادت المرونة نتيجة لتفعيل الفن والإبداع العسكري، وأن معركته ستكون معركة عقول أكثر مما هي معركة مستويات تدريبية وتكتيكات، والتزام بقوانين القتال الموضوعة.

 

 


 

   

رد مع اقتباس