عرض مشاركة واحدة

قديم 25-02-09, 03:49 PM

  رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

أسد الاردن / قصة ملك (الحلقة السابعة) - حرب أكتوبر.. السادات قال للرفاعي «أدرك أنني لست طرزان»
الملك فيصل طلب من الملك حسين السماح للواء السعودي المرابط في الأردن بالانتقال إلى سورية في حرب 1973
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
لندن «الشرق الأوسط»
التعنت الدبلوماسي الإسرائيلي والاستعدادات المصرية ـ السورية لشن حرب وضعت الملك حسين في وضع صعب. فهو لا يريد خطأ حرب يونيو (حزيران) 1967، عندما استدرج إلى حرب لم يكن على استعداد لخوضها، كما ان المشاركة في حرب أخرى كانت تتطلب منه بالضرورة الاتصال مع قادة دول المواجهة الأخرى، في وقت كانت مصر وسورية قد قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية مع الأردن. وفي مطلع ديسمبر (كانون الأول) 1972 أرسل الملك حسين زيد الرفاعي في مهمة سرية للقاء الرئيس أنور السادات في القاهرة، حيث استمر اجتماعهما لمدة ست ساعات، وكان السادات صريحا إذ قال مخاطبا الرفاعي: «أدرك انني لست طرزان. أعرف جيدا مقدراتي. أنا لا أجيد الحرب الخاطفة. الإسرائيليون يجيدون الحرب الخاطفة. سأخوض حربا بهدف إعادة تنشيط الوضع السياسي وليس التحرير العسكري. سأشن حربا محدودة أعبر فيها قناة السويس واؤمن فيها موقعا محصنا وأتوقف، ثم أطلب من مجلس الأمن المناشدة بوقف إطلاق النار».

وفي حلقة اليوم من كتاب «أسد الأردن» الذي تنفرد «الشرق الأوسط» بنشر حلقات منه، بالاتفاق مع الدار الناشرة «بنغوين»، ومع المؤلف آفي شليم البروفسور في جامعة أوكسفورد، ترد الكثير من الأسرار عن الاجتماعات التي سبقت حرب أكتوبر.
عُلق كل النشاط الدبلوماسي الرامي لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي خلال النصف الثاني من عام 1972. فإسرائيل لم تكن لديها رغبة في التفاوض مع أي من جيرانها العرب، ذلك ان الهدف الأساسي لسياستها كان قائما على أساس الإبقاء على الوضع الراهن، في ما يتعلق بالأراضي على كل الجبهات، وعدم تقديم أي تنازلات من أجل السلام. ارتكز ذلك الموقف في الأساس على افتراض أن الوضع الذي كان قائما آنذاك يمكن الاستمرار فيه إلى أجل غير مسمى، لأن القوة العسكرية الإسرائيلية كانت قادرة على ردع العرب ومنعهم من خوض أي حرب. كانت مصر، بوصفها أكبر وأقوى الدول العربية نفوذا، هدفا لاستراتيجية الاستنزاف الإسرائيلية. الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر، الذي حل محل ويليام روجرز وزيرا للخارجية، توقفا عن مساعي التوسط بين الدول العربية وإسرائيل، وتبنيا اعتقاد إسرائيل في ان حالة الجمود في الشرق الأوسط تخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء، ولا تصب بأية حال في مصلحة الاتحاد السوفياتي وحلفائه العرب. حتى تجاه الاردن لم يبد القادة الإسرائيليون أي مرونة دبلوماسية أو رغبة في التوصل إلى اتفاق سلام. وتحت تأثير موشيه دايان واصلت الحكومة الإسرائيلية، التي كان يقودها حزب العمل تعزيز سيطرتها العسكرية على الضفة الغربية وبناء المزيد من المستوطنات في وادي الاردن. تواصل التعاون العملي مع السلطات الأردنية في عدد من القضايا العملية، بما في ذلك الزراعة وإدارة موارد المياه والتجارة والضرائب والمصارف والكهرباء وتوفير الخدمات الصحية وعودة اللاجئين. إلا ان الوضع كما لخصه المراقبون هو ان التعاون الفاعل بين الأردن وإسرائيل ساهم في الجمود الدبلوماسي آنذاك في منطقة الشرق الأوسط. وكان الملك حسين على قناعة بأن الفشل في كسر هذا الجمود سيؤدي إلى عدم الاستقرار والاضطراب والحرب في نهاية المطاف. وفي مطلع فبراير (شباط) 1973 وصل الملك حسين إلى واشنطن لطرح قلقه وهواجسه تجاه الوضع مع الرئيس ريتشارد نيكسون وكبار المسؤولين في دوائر صنع السياسة في الإدارة الأميركية. ووصف كيسنجر محنة الملك حسين بعمق ونوع من التعاطف: «كرر الملك حسين استعداده مجددا للتوصل إلى سلام مع إسرائيل، لكنه على الرغم من الاتصالات السرية واجه طريقا مسدودا. يجسد الملك حسين مصير المعتدلين العرب، فقد وجد نفسه محاصرا بين عجزه عن الدخول في حرب مع إسرائيل وعدم رغبته في ان تجمع بينه وبين العرب الراديكاليين قضية مشتركة. إنه على استعداد للتوصل إلى حل دبلوماسي، إلا ان إسرائيل لا ترى وجود ما يحفزها على التفاوض ما دام الملك حسين واقفا لوحده. كما ان إعادة الأراضي التي استولت عليها تبدو في نظر إسرائيل أقل أمنا من الوضع الراهن. الضفة الغربية، بما تعكسه من ارث تاريخي، من المحتمل ان تشعل جدلا عنيفا على الصعيد الداخلي في إسرائيل ـ الحزب الوطني الديني، الذي لا يستطيع الائتلاف الحالي الحكم بدونه، يعارض بقوة إعادة أي جزء من الضفة الغربية».
عندما عاد الملك حسين مجددا إلى واشنطن في 27 فبراير (شباط) أطلعه كيسنجر على المقترحات المصرية للتوصل إلى حل للنزاع. وعكس رد الملك حسين عمق ثقته في أنور السادات. كيسنجر بدوره لمس مؤشرات نهجين منفصلين من جانب القادة العرب، الذين يحول تشكيكهم في بعضهم بعضا دون التوصل إلى موقف مشترك. أنور السادات كان يستغل الفلسطينيين بهدف الاعتراض على خطوات الأردن، فيما عمل الملك حسين على إثارة مخاوف واشنطن من تعنت سوفياتي لإبطاء التوصل إلى سلام بين مصر وإسرائيل. الملك حسين، الذي كان في ذلك الوقت يقف لوحده بين القادة العرب، كان على استعداد لطرح شروط محددة للسلام. ففي لقائه الثاني مع كيسنجر سلمه ورقة حدد فيها العناصر التي كان قد طرحها في البداية: «الأردن على استعداد للتفاوض بصورة مباشرة مع إسرائيل بشأن الضفة الغربية. ستكون هناك تعديلات على الحدود شريطة إعادة قطاع غزة. إذا استعاد الاردن سيادته، فمن الممكن السماح بإقامة نقاط عسكرية إسرائيلية على طول نهر الأردن، وربما حتى مستوطنات إسرائيلية، شريطة ان تكون جيوبا معزولة على أراض أردنية». وقال الملك موضحا لكيسنجر أن تلك المقترحات كانت قد طرحت مباشرة على إسرائيل لكنها رفضتها. ورأى كيسنجر ان ثمة حاجة إلى طرح مقترح أميركي وليس مقترحا أردنيا مرة أخرى. عكست تلك الورقة، في واقع الأمر، تحسنا في الشروط الأردنية. ففي لقاء سري له مع موشيه دايان في 29 يونيو (حزيران) 1972، استبعد الملك حسين إقامة قواعد ومستوطنات إسرائيلية على الأراضي الأردنية، في ما وافق الملك حسين، حسبما جاء في الورقة التي قدمها إلى كيسنجر، بوجود مستوطنات ونقاط عسكرية إسرائيلية. تلت زيارة الملك حسين إلى واشنطن زيارة لغولدا مائير، التي التقت الرئيس نيكسون في 1 مارس (آذار) 1973 وأعلنت ان الوضع بالنسبة لإسرائيل «لم يحدث ان كان بتلك الايجابية». وعلى حد قولها، فإن حالة الجمود أسلم بالنسبة لإسرائيل لأن العرب لم يكن في يدهم خيار عسكري. قبلت واشنطن ما ذهبت إليه غولدا مائير وسرّعت الولايات المتحدة من مساعدتها الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل. لم يصدر الأميركيون مقترحا عقب زيارة الملك حسين، ولم تفض محادثاته مع كيسنجر إلى شيء. الغرور والإعجاب الذاتي اللذان أبدتهما غولدا مائير في واشنطن عكسا موقفها تجاه الأردن. فقد التقت الملك حسين سرا في إسرائيل في 9 مايو (أيار) 1973، في وقت كانت تدور فيه مناوشات بين الجيش اللبناني وقوات تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان. كانت هناك أيضا مؤشرات مبكرة على إجراء كل من مصر وسورية استعدادات لعمل عسكري ضد إسرائيل. وكان الملك حسين قد أرسل تحذيرات إلى واشنطن بشأن استعدادات عسكرية سورية ومصرية أكثر جدية من أن تعتبر مجرد مناورات. وفي ذلك اللقاء طلب الملك حسين من غولدا مائير وقف تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق أراضي الأردن لدى عودتها من مهام الاستطلاع فوق سورية، إلا انها رفضت طلب الملك حسين رفضا قاطعا، وقالت في هذا السياق ان تهديدات سورية بشن هجوم على إسرائيل يجعل من المستحيل تلبيتها لطلب الملك حسين. عقد لقاء آخر في 6 أغسطس (آب)، لكنه اقتصر بصورة رئيسية على قضايا اقتصادية، مثل تشجيع إسرائيل على الاستثمار في الاردن والتعاون الأردني ـ الإسرائيلي في استغلال الموارد المعدنية في البحر الميت، فضلا عن الإجراءات اللازمة لتخفيف مشكلة النقص في المساكن في العاصمة الأردنية والتنمية الزراعية في وادي الاردن. باختصار، لم تعد التسوية السلمية في جداول أعمال اللقاءات الثنائية على مستوى عال. التعنت الدبلوماسي الإسرائيلي والتهديدات العربية بشن حرب جعلت الملك حسين في وضع لا يحسد عليه. فهو لا يريد تكرار الخطأ الذي ارتكبه في حرب يونيو (حزيران) 1967 بالسماح للقادة العرب باستدراج بلده إلى حرب مع إسرائيل لم يكن على استعداد لخوضها. المشاركة في حرب أخرى كانت تتطلب منه بالضرورة الاتصال مع قادة دول المواجهة الأخرى، إلا أن مصر وسورية قطعتا علاقاتهما الدبلوماسية مع الأردن. وفي مطلع ديسمبر (كانون الأول) 1972 أرسل الملك حسين زيد الرفاعي في مهمة سرية للقاء الرئيس أنور السادات في القاهرة، حيث استمر اجتماعهما لمدة ست ساعات، وكان السادات صريحا في ذلك اللقاء وقال مخاطبا الرفاعي: «أدرك انني لست طرزان. أعرف جيدا مقدراتي. أنا لا أجيد الحرب الخاطفة. الإسرائيليون يجيدون الحرب الخاطفة. سأخوض حربا بهدف إعادة تنشيط الوضع السياسي وليس التحرير العسكري. سأشن حربا محدودة أعبر فيها قناة السويس واؤمن فيها موقعا محصنا وأتوقف، ثم أطلب من مجلس الأمن المناشدة بوقف إطلاق النار. هذه الإستراتيجية ستضمن لي انتصارا وتقلل الخسائر وتؤدي إلى تنشيط عملية السلام مجددا».
أشار الرفاعي خلال الاجتماع إلى مخاطر تلك الإستراتيجية، إلا ان حديثه لم يكن مقنعا. ومن الناحية الأخرى، رحب السادات باقتراح الرفاعي زيارة للملك حسين إلى القاهرة للقائه ووضع شروطا لذلك، لكنه عاد وتغاضى عنها ووجه الدعوة إلى الملك حسين لزيارة القاهرة والمشاركة معه والرئيس السوري حافظ الأسد في قمة مصرية ـ سورية ـ أردنية لمدة ثلاثة أيام في القاهرة تبدأ في 10 سبتمبر (أيلول) 1973. تضمن جدول أعمال تلك القمة تسوية الخلافات بين الدول الثلاث وتنسيق إستراتيجيتها العسكرية ـ السياسية وإعادة العلاقات الدبلوماسية. أقر الملك حسين بأن إسرائيل إذا رفضت الانسحاب من الأراضي المحتلة، فإن ذلك لا يترك للعرب خيارا سوى تحريرها من خلال العمل العسكري، لكنه شدد على ان الحرب تتطلب استعدادا كافيا وتأييدا من جانب الدول العربية المنتجة للنفط. وعلق السادات من جانبه قائلا: ان دول المواجهة وحدها هي المسؤولة عن تحرير أراضيها. وضع السادات بعد ذلك موضوع الحرب جانبا وطرح مسألة منظمة التحرير الفلسطينية ولمح إلى أن الأردن يجب أن يسمح بعودة المنظمات الفلسطينية كمقابل لإعادة العلاقات الدبلوماسية. رفض الملك حسين بشدة وهدد بمغادرة القاهرة، وتراجع السادات ووافق على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الاردن فورا. تظاهر الأسد بأنه في حاجة إلى التشاور مع زملائه، وبعد بضعة أيام أعلنت سورية إعادة العلاقات الرسمية مع الاردن. وهكذا بدت القمة في نظر الملك حسين بمثابة انتصار، فالحرب نوقشت كخيار محتمل ولكن فقط بعد إجراء الاستعدادت اللازمة، وكل ما كان متوقعا من الأردن هو ان تردع أي هجمات إسرائيلية على الخطوط الخلفية للقوات السورية عبر الأردن. أعيدت العلاقات الدبلوماسية مع الاردن، ولم يخضع الملك حسين لشروط السادات. لم يدرك الملك حسين خلال ذلك الوقت ان أنور السادات وحافظ الأسد عقدا خلال وجوده في القاهرة إبان تلك الزيارة اجتماعا سريا لوضع اللمسات الأخيرة لخطة حرب مشتركة ضد إسرائيل. وما لم يدركه الأسد هو ان السادات كانت لديه خطته الخاصة للحرب. وبعد انتهاء الحرب قال الأسد لزيد الرفاعي ان السادات خدعه. فالزعيمان وافقا على شن حرب لتحرير الأراضي المحتلة، إلا ان السادات كان يخطط لحرب محدودة بغرض إعادة تنشيط العملية السياسية. وطبقا للخطة المشتركة، من المفترض ان يدخل الجيش السوري المعركة لتحرير كل مرتفعات الجولان، فيما كانت خطة السادات للحرب تهدف إلى عبور قناة السويس والتوقف، بدلا من شن هجوم على الجيش الإسرائيلي في سيناء والتقدم باتجاه ممري الجدي ومتلا. وفي وقت لاحق قال الأسد إن الخطة المصرية مكّنت إسرائيل من تركيز كل قوتها ضد سورية. تأكيدات الملك حسين على عدم إبلاغه خلال قمة القاهرة بخطة الحرب يدعمها ما جاء في مذكرات أبو إياد (صلاح خلف). فقد أورد أبو إياد في مذكراته ان ياسر عرفات وفاروق القدومي عرفا من السادات في 9 سبتمبر (أيلول) 1973 بشأن الحرب الوشيكة ضد إسرائيل، فيما لم يبلغ الملك حسين، الذي وصل إلى القاهرة في 10 سبتمبر، أي شيء بشأن هذه الحرب. فقد أكد لهما السادات انه لا يعتزم أن ينبس ببنت شفة للملك حسين بشأن الحرب. وقال السادات ان الغرض الأساسي لتلك القمة، التي جمعت السادات والأسد والملك حسين، هو إعادة العلاقات مع الاردن بغرض إيجاد الظروف المناسبة على «الجبهة الشرقية» خلال الحرب المقبلة. اجتماع الملك حسين السري التالي مع غولدا مائير انعقد بتل أبيب في 25 سبتمبر 1973، وبعد أقل من ثلاثة أسابيع شنت كل من مصر وإسرائيل هجوما منسقا بعناية ضد الجيش الإسرائيلي في سيناء ومرتفعات الجولان. التقارب في التواريخ بين قمة القاهرة بين الملك حسين والسادات الأسد ولقاء الملك حسين مع غولدا مائير، ثم اندلاع حرب أكتوبر، أثار الكثير من الشكوك في أن الملك حسين توجه للقاء غولدا مائير لتبليغها تحذيرا مسبقا من هجوم مصري ـ سوري وشيك. هذه الادعاءات جعلت من لقاء الملك حسين مع الجانب الإسرائيلي في 25 سبتمبر الأكثر إثارة للجدل أكثر من أي من لقاءاته المتعددة الأخرى مع القادة الإسرائيليين. كان الملك حسين ينفى عادة هذه اللقاءات، لكنه إذا تعرض إلى ضغوط فلربما قال ان تلك الاتصالات المباشرة كانت ضرورية من اجل الدفاع عن بلده، وان لم يحدث ان تخلى عن شبر من الأراضي العربية لإسرائيل. من الناحية الأخرى، إذا كشف الملك حسين النقاب للإسرائيليين عن خطط العرب السرية للحرب، ربما أصبح خائنا للقضية العربية، لذا لا بد ان يكون هناك تحليل بعناية لذلك اللقاء الذي سبق حرب أكتوبر. فقد جرى ترتيب اللقاء قبل فترة وجيزة من انعقاده بناء على طلب من الملك حسين في 23 سبتمبر. المشاركون الرئيسيون في اللقاء كانوا الملك حسين وزيد الرفاعي، الذي أصبح رئيسا للحكومة في مايو (أيار) 1973، والجنرال فتحي أبو طالب، مدير الاستخبارات العسكرية الأردنية، ومن الجانب الإسرائيلي غولدا مائير وموردخاي غازيت، المدير العام لمكتب رئيس الوزراء. قاد الملك حسين مروحيته الخاصة من منزله في الشونة وهبط بها في الجانب الإسرائيلي من البحر الميت على مقربة من منطقة كهوف قمران. وأقلت مروحية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي الملك حسين ومرافقيه إلى أطراف تل أبيب، حيث استقلوا سيارات تابعة لجهاز الأمن العام (الشاباك) لاستكمال بقية الرحلة. جرى الاجتماع في المقر الرئيسي للموساد في هيرتسيليا شمال تل أبيب. اجتماع الملك حسين والرفاعي وغولدا مائير وغازيت جرى تصويره سرا، وتم بثه عبر دائرة تلفزيونية مغلقة إلى غرفة أخرى في المبنى كان بها السكرتير العسكري لغولدا مائير وثلاثة من كبار ضباط الاستخبارات. وفي ذلك الوقت اجتمع الجنرال فتحي أبو طالب في غرفة أخرى مع الكولونيل أهارون لافران من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وزافي زامير مدير الموساد. استهل الملك حسين الاجتماع بوصف لاجتماع قمة القاهرة من 10 إلى 12 سبتمبر مع السادات والأسد، وأثنى بصورة عامة خلال حديثه على تهذيب ولطف السادات، لكنه كان متحفظا في حديثه عن الأسد. وأكد الملك حسين ان الأسد والسادات على حد سواء ليسا على استعداد لاستمرار حالة اللاحرب واللاسلم، وأضاف انه يشاركهما الرأي في هذا الجانب، لكنه أعرب عن أمله في منع اندلاع الحرب. وفي هذا السياق قال الملك حسين ان السادات والأسد طلبا معرفة رأيه تجاه تشيط الجبهة الشرقية، ورد عليهما قائلا: «دعوني وشأني». سألت غولدا مائير الملك حسين حول نيته السماح بعودة الفدائيين إلى الاردن، ورد قائلا انه يعتزم السماح لمنظمة التحرير الفلسطينية وتنظيمات أخرى للفدائيين بفتح مكاتب في الاردن، لكنه أكد انه لن يسمح لهم بالقيام بعمليات عسكرية أو إرهابية انطلاقا من أراضي الاردن. عقب انتهاء الحديث حول هذا الجانب انتقلت غولدا مائير في حديثها مع الملك حسين إلى مناقشة الأسلحة السوفياتية التي بدأت تتدفق إلى مصر وسورية. في تلك النقطة تحدث الملك حسين بصورة أكثر تحديدا: الملك حسين: تلقينا معلومات من مصدر حساس جدا جدا في سورية سبق ان تلقينا منه معلومات وأرسلناها في السابق، ان كل الوحدات التي كان من المفترض ان تكون في عمليات تدريب ومستعدة للمشاركة في هذا العمل العسكري السوري، خلال اليومين السابقين تقريبا، باتت الآن في وضع يسمح لها بالهجوم مجددا. كان من المفترض ان يكون ذلك جزءا من الخطة، باستثناء تعديلات ثانوية ـ من المفترض أيضا ان تكون الفرقة الثالثة مسؤولة عن أي تحرك إسرائيلي محتمل عبر الأردن. يتضمن ذلك طائراتهم وصواريخهم وكل شيء آخر في الجبهة، خلال هذه المرحلة. كل ذلك أصبح الآن تحت غطاء التدريب لكنه يتماشى مع المعلومات التي تلقيناها في السابق. هذه هي أوضاع ما قبل الانقضاض، وكل الوحدات الآن في هذا الوضع. بصرف النظر عما إذا كان ذلك يعني أي شيء، لا أحد يعلم ما يجري. ولكن لدي شكوكي. عموما، ليس هناك تأكيد لأي شيء. يجب ان نأخذ هذه الأشياء كحقائق. غولدا مائير: هل يمكن ان يفهم من ذلك ان السوريين يمكن ان يشرعوا في أي شيء من دون تعاون كامل مع المصريين؟ الملك حسين: لا اعتقد ذلك. اعتقد انهما سيتعاونان. بصرف النظر عما إذا يمكن اعتبار ما قاله الملك حسين تحذيرا من اندلاع حرب، فإن ما أدلى به كان موضع جدل في الجانب الإسرائيلي. فالملك حسين لم يتحدث عن خطة حرب عربية، وإنما تحدث حول الوضع على الجبهة السورية، وأشار إلى مصر فقط في سياق الرد على أسئلة طرحت عليه من الجانب الإسرائيلي. لم يقل ان مصر كانت تخطط لشن هجوم على إسرائيل، لكنه أشار إلى ان سورية كانت على استعداد للهجوم من دون إجراء المزيد من الاستعدادات. منتقدو غولدا مائير في إسرائيل قالوا من جانبهم انه كان بوسعها توجيه أسئلة أكثر للملك حسين، إلا ان الملك حسين لم يكن في ذلك السياق أسير حرب تحت الاستجواب، بل كان رأس دولة صديقا جاء إلى إسرائيل بمبادرة منه لأنه كان يشعر بقلق، وأراد أن يطرح مخاوفه مع واحد من الأطراف ذات الصلة بالنزاع. يضاف إلى ذلك ان اتهام غولدا مائير بأنها لم تكترث بالتحذيرات التي عبر عنها الملك حسين كان اتهامات لا أساس لها من الصحة. فقد اتصلت فور انتهاء ذلك اللقاء بوزير الدفاع موشيه دايان في منزله وأبلغته بما سمعت من الملك حسين. كما ان دايان من جانبه عقد اجتماعين في اليوم التالي لتقييم المعلومات التي أدلى به الملك حسين، فضلا عن المعلومات التي كانت لديهم مسبقا. الملك حسين أكد من جانبه انه فوجئ تماما باندلاع الحرب وانه ابلغ باندلاعها عندما كان وزوجته الراحلة عالية على متن دراجة نارية في ضواحي عمان. وقال ان سيارة أمن ظهرت خلفهما وأشار سائقها له بالتوقف مستخدما الأضواء الأمامية للسيارة ليبلغه باندلاع الحرب. وأكد أيضا ان لا فكرة لديه مطلقا بحدوث عمل عسكري بذلك المستوى وفي ذلك الوقت بالذات. اما زيد الرفاعي، فقد أصر على استحالة ان يكون الملك حسين قد ابلغ الإسرائيليين بالحرب مسبقا، وذلك لثلاثة أسباب. أولا، لا يمكن ان يخون الملك حسين القضية العربية من أجل الإسرائيليين أو من أجل أي طرف آخر. ثانيا، وجهت الدعوة للملك حسين للمشاركة في قمة القاهرة مع السادات والأسد بغرض إعادة العلاقات الدبلوماسية وليس للمشاركة في التخطيط للحرب. ثالثا، نفى الرفاعي ان تكون لدى الاردن في ذلك الوقت معلومات تجهلها أجهزة الاستخبارات الأخرى. جاء الهجوم يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1973 مفاجئا تماما لإسرائيل، الأمر الذي ساعد العرب على تحقيق انتصارات عسكرية مؤثرة، خلال الأيام الأولى عقب اندلاع القتال. فالجيش المصري عبر قناة السويس واستولى على خط بار ـ ليف بمحاذاة القناة وتقدم عشرين كيلومترا داخل سيناء وألحق خسائر كبيرة في صفوف القوات الإسرائيلية وقواتها الجوية والمدرعة. كما شن الجيش السوري هجوما مدرعا مكثفا وفاعلا على مرتفعات الجولان. الأمر الرئيسي الذي كان يشغل ذهن الملك حسين عقب اندلاع الحرب كان حماية الاردن. إلا ان مستوى الاستعداد المتدني لقوات الدفاع الإسرائيلية، التي كانت تحتفظ بـ70 دبابة فقط متمركزة على طول الجبهة الشرقية، كان عاملا محفزا للأردن للانخراط في المعركة. إزاء ذلك انقسم مستشارو الملك حسين، فالرفاعي وعامر خماش، الرئيس السابق لهيئة الأركان، عارضا دخول الاردن الحرب، فيما رأى السكرتير الخاص للملك، وعدد من قادة الجيش ان على الاردن دخول الحرب. يضاف إلى ذلك ان عددا من أعضاء الحكومة كان يرى انه على الاردن الا يبقى خارج معركة يخوضها أشقاؤه العرب لتحرير الأراضي المحتلة. كان هناك تأييد شعبي عربي للمشاركة في ما وصفت بأنها معركة مصير، فقد طلب الملك فيصل من الملك حسين السماح للواء السعودي المرابط في الاردن بالانتقال إلى سورية. رفض الملك حسين في بداية الأمر، لكنه عاد وتراجع عن رفضه. منظمة التحرير الفلسطينية كانت تريد أيضا ان تكون جزءا من المعركة وبدأت الضغط على الملك حسين بهدف السماح لآلاف الفدائيين بالعبور من الاردن إلى داخل إسرائيل لتنفيذ عمليات تخريبية، إلا الملك حسين رفض ذلك الطلب وقال ان ذلك سيكون بمثابة فتح الاردن جبهة ثالثة ضد إسرائيل من داخل أراضيه. عند ذلك أجرى أبو إياد اتصالا بالسادات طالبا منه التدخل لمصلحة منظمة التحرير الفلسطينية، غير ان السادات كان يشك في دخول الملك حسين المعركة إلا إذا ضعف موقف إسرائيل تماما في الحرب على نحو يجعلها غير قادرة على تشكيل خطر على الأردن. كان الملك حسين يرغب في ان يفعل شيئا إلى جانب أشقائه العرب ويدعم جارته سورية ولكن من دون ان يترتب على ذلك هجوم إسرائيلي يستهدف الاردن. فكّر الملك حسين في إرسال لواء أردني مدرع إلى سورية، لكنه كان يريد أن تقبل إسرائيل ذلك أو تعطيه ضمانا على الأقل بعدم استخدام هذه الخطوة ذريعة لشن هجوم على الاردن. وفي هذا الشأن كتب كيسنجر في مذكراته: «لا يحدث إلا في الشرق الأوسط ان يطلب طرف في نزاع مسلح من خصمه الموافقة على المشاركة في حرب ضده».

 

 


   

رد مع اقتباس