الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:44 PM

  رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

كيان السياسي
مضيع أولاً على يد المؤرخين اللبنانيين، فجبل عامل عندهم خالة لهذا الوطن وليس أما، فلا يذكر في كل مراحل التعليم في لبنان، مدرسة وجامعة، الا مرة واحدة عندما أقطع أمير جبل لبنان آل علي الصغير بلاد بشارة بعد معركة عين داره.

والمؤرخون اللبنانيون يؤكدون دائماً على خصوصية المؤسسات الاجتماعية والسياسية اللبنانية، خصوصية كانت وعلى طول الحقب التاريخية "لبنانية صافية، ولكي تحافظ هذه المؤسسات على قدسيتها ولبنانيتها وطهارتها كان لا بد من تغييب التاريخ الخاص بكل منطقة، وبالتالي بكل طائفة، فتخبو والحالة هذه جميع نيران الصراع الكامن والمتفجر حيناً، ويصبح جميع اللبنانيين أخواناً في عائلة "معتمة".
- وتاريخ جبل عامل مضيع ثانياً على يد المؤرخين العامليين انفسهم فالأدبيات العاملية التاريخية، مجموعات موميائية لذكر الوقائع التي تقوم على المصادفة وعلى تراكم الأحداث، والتي تتفق مع هدف معين، وسردها يخلو من عمل التحليل والتعليل والاستنتاج، بالاضافة الى أن كل الكتابات العاملية التاريخية تنطلق أساساً من مجموعة أساطير، هي الآن ثوابت ومسلمات تاريخية تعلو عن النقاش: أسطورة الأصل الواحد (بنو عاملة)، أسطورة التشيع على الصحابي أبي ذر الغفاري، الأساطير التي ترويها العائلات العاملية عن ماضيها أو تختلقها لماضيها.
- وتاريخ جبل عامل مضيع ثالثاً على يد العامليين أنفسهم، فحال هذا التاريخ مع أصحابه الحقيقيين ليس بأحسن منها مع المؤرخين: "لقد أحسست بسحر لا يتحدد وأنا استمع الى متواليين عجوزين ذوي لحى بيضاء، يتحدثان عن مجد المتاولة السابق وعن قوة أجدادهم في سوريا، ثم بعيون دامعة راحا يتحدثان عن ذلهم الحالي وعن مآسيهم في عهد الجزار المخيف" (1). هذا ما يرويه رحالة زار منطقة جبل عامل في ثلاثينات القرن الماضي، وهو ما يزال ينطبق حتى الآن، فالتاريخ في جبل عامل ما زال ختيارا له لحية بيضاء يروي أخباراً متناقلة عن الماضي، ومجموعة من الذكريات غير البعيدة في الزمن والمحفوظة في صدور أقلية من الناس تردد ما يخطر لها منه في حلقات ومجالس ضيقة، فالتاريخ في جبل عامل ما زال تسلية مثقفين، دينيين على الأغلب، لا شاغلاً جماعياً أو تراثاً شعبياً لجماعة تجد فيه صوراً لنفسها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
لقد خضع جبل عامل منذ عام 1920 لتبدل قسري خض حياته وهزها، فقد وجد نفسه آخر الآمر جزءاً من دولة، مؤسسة، لم تكن له فيها شركة من قبل، اعتبر فيها "قاروطاً" ضائعاً يعتاش على ما تجود به يمين "الخالة" وأولادها الشرعيون. كما أن اقتصاده مع ظروف ما بعد 1920 أفلس أو كاد: الزراعة توشك أن تكون عملاً مجانياً لا يسد الرمق، والحرف ضاقت دائرتها فهجره حرفيون ولجأوا الى مصانع المدينة، والتجارة أمسك بخناقها بعد أن سدت في وجهها أبواب فلسطين وسوريا. باختصار أخذ جبل عامل، جنوب لبنان، يبدو وكأنه بلا حياة، فليس من الحياة الاجتماعية الا بعض سهرات يقيمها صبغاً بعض سكانه الهاربين من حر المدينة. أما في الشتاء فليس الا النسوة والعجائز، والباقي من أهله فمقيم في العاصمة متنقلاً في سكناه مرات عدة بين أحياء بائسة موحلة، يؤدي على الأغلب أكثر الأعمال شقاء وأقلها أجراً، دون أن يعرف استقراراً في عمله أو ثباتاً، وليس له من المراكز الثقافية الا ما تحفظه الذاكرة عن مدارس قديمة كانت في ميس وعيناتا والكوثرية وبنت جبيل، وحتى لو تواجدت فيه بعض مراكز للثقافة فانها تفتقد الحوار أو حتى اللغة المشتركة، "فالمثقف الديني والمثقف الماركسي لا يعترفان ببعضهما البعض والواحد منهما يجد حديث الآخر من غير لغته، وشواغله من غير شواغله، وأسئلته وأجوبته وقضاياه هي غير ما يطرح من أسئلة وأجوبة وقضايا".
في هذا السياق، سياق هجرة العامليين عن جبل عامل، المثقفون بفكرهم والآخرون بوجودهم وعملهم، فمن الطبيعي ان يضيعوا تاريخهم وثقافتهم، وهكذا يبدو جبل عامل وكأنه بلا تاريخ أو أنه لا يحتاج تاريخاً، فالتاريخ، التراث، لا يمكن أن يرافق العامليين على طريق هجرتهم وتنقلهم بين عمل وعمل، بين القرية والمدينة.
وإذا كان التاريخ بالدرجة الأولى، "هم" المثقفين، فإن لهؤلاء أيضاً شاغلهم، الشاغل والأهم هي الوظيفة، بها يدخلون مرحلة "التاريخ" فهي مدفن بؤسهم وبؤس آبائهم، وهؤلاء لا يعون ان لجبل عامل تاريخاً الا في اللحظة التي يكفون بها عن انتاج تاريخهم الخاص، أي في اللحظة التي تسد في وجوههم أبواب الرزق وأبواب الترقي، بحيث يباتون لا يملكون شيئاً الا ما تمليه عليهم حاجات المدينة وغايات رأسماليتها.
بعد هذه المقدمة في ضياع التاريخ العاملي، إسمحوا لي أن أستبق حديثي عن الكيان السياسي لجبل عامل قبل 1920 وأثره في الوعي والفكر الشيعيين، بملاحظتين منهجيتين:
1 - أن كلمة كيان هنا لا تعني انفصالاً أو حاجزاً اجتماعياً تاريخياً وجغرافياً بين جبل عامل وجواره، كما توهم بعض الرحالة الاجانب حين قال ان نهر الليطاني سمي عند مصبه بالقاسمية لأنه يقسم. بفصل بين أمتين متمايزتين ديناً وعرقاً. وانما كلمة كيان هنا يتحدد معناها بحدود التمايز والخصوصيات الجزئية الاجتماعية والسياسية ضمن التاريخ العام الموحد والجامع لكل سكان المشرق العربي.

 

 


   

رد مع اقتباس