عرض مشاركة واحدة

قديم 04-03-14, 05:03 AM

  رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

إسترداد الرها !

وفي أواخر شهر ربيع الثاني من سنة (539هـ) نوفمبر 1144م ، خرج عماد الدين زنكي بجيش كثيف من الموصل متوجِّهًا صوب الرها ، وقد أمر جميع الأمراء والجنود ألا يتخلفوا عن هذه الموقعة المهمَّة ، فخرجوا جميعًا ..

لقد خرج بالجيش الذي بذل عمره في إعداده ، وتوجه بجيشه هذا إلى مدينة آمد التابعة للأراتقة ؛ ليُوهِم جوسلين الثاني وعيونه أنه لا يريد الرها ولا يفكر فيها , وقد إنطلت الخدعة على جوسلين الثاني ، خاصةً أن عماد الدين زنكي كان مشغولاً طوال السنوات الست السابقة في معاركه في أرض الجزيرة مع الأراتقة ، فلا جديد في الحدث ..

وكما رتَّب عماد الدين زنكي تمامًا خرج جوسلين الثاني في جيشه ، وإتجه جنوبًا ليقطع الإمدادات العسكرية الإسلامية القادمة من حلب ، وبسرعة نقلت عيون عماد الدين زنكي الأخبار إلى عماد الدين زنكي ، فغيَّر من إتجاهه في لحظات ، وإتجه إلى الرها من طريق وأرسل حاجبه صلاح الدين الياغيسياني من طريق آخر ، وكان هذا الإنفصال ليشتِّت عيون الصليبيين إذا رصدت التحركات ! وكانت حركة الجيش في معظمها في الليل ، وكانت الليلة التي إقتربوا فيها من الرها شديدة المطر ، وبردها قارسًا ، لكن ذلك لم يمنعهم من التقدم ، إنما منع عيون الصليبيين من رصد الأمور .

وإنقشع الظلام وظهر نور الصبح ليوم 28 من ربيع الثاني 539هـ \ 25 من نوفمبر 1144م ، ومع نور الصبح إكتشف الصليبيون في داخل المدينة أن الجيوش الإسلامية تحيط بها من كل جانب !

وصلت الأخبار المفزعة إلى جوسلين الثاني بعد فوات الأوان ، فخشي أن يعود إلى الرها فيصطدم بالقوات الإسلامية الكثيفة ، فقرر أن يذهب إلى مدينة تلِّ باشر التابعة له ، والتي يفصلها عن مدينة الرها نهر الفرات ؛ وذلك كي يكون قريبًا من الأحداث ، ويدرك التطورات أولاً بأول ، ولكنه في نفس الوقت محميٌّ بعائق مائي كبير هو نهر الفرات ، يعطيه الوقت الكافي للهرب إن لزم الأمر !

ثم إن جوسلين الثاني أرسل رسائل إستغاثة عاجلة إلى أنطاكية على الرغم من الخلاف بينه وبين ريموند بواتييه ، وكذلك إلى مملكة بيت المقدس إلى الملكة ميلزاند على الرغم من ضعفها ، وبُعد المسافة بينهما .

أما بالنسبة لريموند بواتييه فقد رفض أن يساعد جوسلين الثاني متعلِّلاً بإنشغاله في حربه في إقليم قليقية ضد الدولة البيزنطية ، وأما الملكة ميلزاند فقد أرسلت قوة عسكرية عاجلة على رأسها فيليب أمير نابلس ، وأليناند بورس أمير الجليل ، غير أن المسافة الطويلة جعلتهم يصلون بعد فوات الأوان !

أما عماد الدين زنكي فقد حرَّكت هجمته الجهادية الروح في عموم المسلمين ، فتقدَّم معه الآلاف من المتطوعة من شمال العراق ، حتى صار عدد جيشه يخرج عن الإحصاء ، وأغلق عماد الدين زنكي بإحكام كل الطرق المؤدية للرُّها ؛ حتى يمنع أي فرصة إغاثة للمدينة ، ونَصَب البطل المغوار آلات الحصار الضخمة حول الأسوار ، ومنها عدَّة عشرات من المجانيق ، وبدأ القصف الفوري للمدينة ، ولم يتوقف هذا القصف لحظة واحدة طيلة أيام الحصار .

وشعر الصليبيون داخل المدينة بالخطر الشديد ؛ فجوسلين قد أخذ معه معظم القادة اللامعين ، ولم يعد هناك من يمتلك المؤهلات العسكرية لهذه المهمَّة الشاقة .. وإزاء هذا الموقف تقدم الأساقفة النصارى لقيادة المقاومة ، وكان على رأسهم بالطبع الأسقف الكاثوليكي هيو الثاني ، وكان معه الأسقف الأرمني يوحنا ، والأسقف اليعقوبيُّ باسيل ، ويبدو أن عماد الدين زنكي كانت له عيون في داخل المدينة ، فوصلت إليه هذه الأخبار ، فأراد أن يفرِّق هذه التجمعات النصرانية ، فراسل أساقفة النصارى الشرقيين : اليعاقبة والأرمن ، وعرض عليهما التسليم مقابل الأمان ، وقد رفضا في البداية ، ولكنهما مالا في النهاية إلى التسليم ، إلا أن الأسقف الكاثوليكي هيو الثاني أصرَّ على المقاومة ، وأجبرهما على إكمال المهمة العسكرية .

وبدأت المدينة تدخل في مرحلة حرجة جدًّا حيث قلَّت المؤن والأغذية ، ولم يكن هناك أي فرصة لوصول جوسلين الثاني ، أو لإختراق الإستحكامات العسكرية الدقيقة التي نَصَبها عماد الدين زنكي في كل المحاور المؤدية للمدينة .

وكان مع عماد الدين زنكي فرقة متخصصة في هدم الأسوار إسمها فرقة النقَّابين ، أي الذين يُنقِّبون الأسوار ، فتقدمت هذه الفرقة ، وبدأت تمارس عملها بنشاط ، وهي تحت حماية القصف المستمر من المجانيق الإسلامية .. ومع مرور الوقت بدأت تظهر تباشير النجاح ، وبرغم المقاومة الشرسة إلا أن أحد أجزاء السور بدأت تتأثَّر ، وضاعف المجاهدون من جهدهم ، ولم يتوقف العمل لحظة ، ولم يتوان أحد مطلقًا عن بذل كل الطاقة .

وفي يوم 26 من جمادى الآخرة 539هـ\ 23 من ديسمبر 1144م ، وبعد ثمانية وعشرين يومًا كاملة من الحصار ، أَذِن الله لجزءٍ من السور أن ينهار !

وإشتعل الحماس في الجيش المسلم ، وعلت صيحات التكبير من كل مكان ، وإنهمرت جموع المسلمين إلى الجزء المنهار من السور ، وإنحدروا كالسيل داخل المدينة الحصينة ، وسرعان ما فُتحت الأبواب من الداخل ، ودخلت الجيوش الكثيفة يتقدمها البطل الفذُّ عماد الدين زنكي لترتطم الجيوش الإسلامية بالحامية الصليبية المرابضة داخل المدينة ، وكان أول مَن حمل على الصليبيين هو عماد الدين زنكي نفسه ! وسرعان ما إحتدم الصراع في كل مكان ، وعمَّت الفوضى أرجاء المدينة ، وإرتفعت سحب الغبار في كل مكان ، وسالت الشوارع بالدماء ، وتناثرت الأشلاء ، وسيطر المسلمون في لحظات على الأبراج والأسوار والأبواب ، وكذلك على كل المحاور في داخل المدينة ، وسقط القتلى من الصليبيين بالآلاف ، وألقى الله الرعب في قلوبهم ( فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ) .

وسقط الأسقف هيو الثاني صريعًا تحت الأقدام ، وبسقوطه إنهارت معنويات الصليبيين تمامًا ، فلاذوا بالفرار إلى القلعة الموجودة في داخل المدينة وإنطلق الجنود المسلمون في كل مكان يملئون أيديهم من الثروات الضخمة ، والسبي الكثير ، والغنائم التي لا تُحصى ، وإنطلقت فرقة إسلامية قوية لحصار القلعة ، وما هو إلا يومان وسقطت القلعة ، وقَتَل عماد الدين زنكي مَن كان فيها من الصليبيين ، بينما أبقى على الأرمن واليعاقبة .

لقد كان يومًا من أيام الله ..

وكان يومًا من أيام الإسلام المشهودة !

وعندما ظهر تفوق المسلمين الواضح ، وإستتبت الأمور لعماد الدين زنكي أصدر أمره فورًا بوقف عمليات القتل ، وتأمين الجميع إلا الصليبيين العسكريين ، فإنهم كانوا يُقتلون ، وأُخذت النساء والأطفال سبيًا .

أما الأرمن واليعاقبة فقد أصدر عماد الدين زنكي عفوًا عامًّا عنهم ، مع أنهم كانوا يشتركون مع الصليبيين في الدفاع عن المدينة ، إلا أنه قدَّر ظروفهم ، وأدرك أنهم قُهِروا على ذلك ، فسامحهم وعذرهم !

ثم أعرب عماد الدين زنكي عن سياسته تجاه هذا البلد المهم بعد فتحه ، فقال : "إن ذلك البلد لا يجوز في السياسة تخريب مثله" ؛ فعماد الدين زنكي رأى أن الرها مدينة عظيمة لا ينبغي أن يدمِّرها ويتركها خاويةً على عروشها ، ولكن عليه أن يحافظ عليها ويحميها , وفي سبيل ذلك قرر عماد الدين زنكي عدة قرارات هي من أروع القرارات الإنسانية التي من الممكن أن يتخذها فاتحٌ أو منتصر !

أولاً : منع الإعتداءات على أملاك الأرمن واليعاقبة .

ثانيًا : على كل الجنود المسلمين أن يُعيدوا إلى الأرمن واليعاقبة (وهم النصارى الشرقيون الذين يعيشون في البلد منذ عشرات السنين ، أي سكان البلد الأصليين) كُلَّ ما أخذوه من أموال أو غنائم أو سبي أو غيره .. فأعاد الجنود كل ما أخذوه ، وعادت البلد إلى الحال التي كانت عليه قبل الفتح الإسلامي !

ثالثًا : إطلاق الحرية الدينية لهم ، وعدم المساس مطلقًا بكنائسهم .

رابعًا : إعطاء الأرمن واليعاقبة صورة من الحكم الذاتي لتصريف أحوالهم داخل المدينة دون الرجوع للمسلمين ، على أن تكون تبعيتهم للحكومة الإسلامية .

خامسًا : تخصيص الأساقفة بالعطف والرعاية وإسداء الهدايا ؛ فهؤلاء هم الذين يقودون شعوبهم .

سادسًا : دعوة الأرمن الذين هجروا البلد نتيجة إضطهاد الصليبيين إلى العودة مرة ثانية إلى الرها للعيش في أمانٍ في ظل الحكم الإسلامي .

وهكذا بهذه السياسة الحكيمة ، وبهذه الروح المتسامحة إستقرت الأوضاع في مدينة الرها ، وعادت إلى أيدي المسلمين بعد أكثر من خمسين سنة كاملة ، وعادت بهيئتها التي كانت عليها قبل أن يمتلكها الصليبيون ، وذلك كمدينة ذات طابع نصراني تحت حكم إسلامي .

لقد كان نصرًا خالدًا حقًّا تَوَّج الله به جَهْد البطل القدير عماد الدين زنكي ، ويكفي في وصف هذا النصر ما ذكره إبن الأثير في كتابه (الباهر) حين قال : " لم ينتفع المسلمون بمثله ، وطار في الآفاق ذكرُه ، وطاف بها نشره ، وسارت به الرفاق ، وإمتلأ به المحافل في الآفاق ، وكان هذا فتح الفتوح حقًّا ، وأشبههم ببدر صدقًا ..." .

ولم يكتف عماد الدين زنكي رحمه الله بإسقاط مدينة الرها ، بل أسرع إلى كل الحصون المجاورة والتابعة لإمارة الرها فأسقطها في الحال ، وكان أهمها حصن مدينة سروج الذي سقط في رجب 539هـ\ يناير 1145م ، وبعد أقل من شهرٍ من سقوط الرها .

وبذلك لم يبق في إمارة الرها إلا بعض المدن الصغيرة غرب الفرات وأهمها تل باشر التي يتمركز فيها جوسلين الثاني ، مما يعني تقريبًا إنهيار الإمارة الصليبية التي كانت أول الإمارات الصليبية تأسيسًا ، فأصبحت كذلك أولها سقوطًا !

ولا شك أن نصرًا مجيدًا كهذا كان له من الآثار ما لا يحصى ، ونستطيع أن نرصد من هذه الآثار ما يلي :

أولاً : إرتفعت الروح المعنوية للمسلمين إرتفاعًا هائلاً ، ليس في إمارة عماد الدين زنكي فقط ، ولكن في كل ربوع الدنيا ، وأقيمت الإحتفالات ، ونُظِمت الأشعار ، وشغلت هذه الإنتصارات كل الخطباء ؛ فهذه لم تكن آمالاً بالنصر ، أو وعودًا بالنجاح ، ولكنها كانت نتائجَ حقيقية ، وآثارًا ملموسة .

ثانيًا : في المقابل حدثت صدمة نفسيَّة هائلة للصليبيين ، فلم يكن جوسلين الثاني يتوقع أبدًا أن تسقط حصون الرها المنيعة ، وكان يتخيل أنها حملة ككل الحملات التي حدثت على مدار السنوات السابقة ، وهذا شلَّ حركته تمامًا ، فما جَرُؤ على التقدُّم بجيشه للدفاع عن المدينة .

ولا شك أن هذا ترك في نفسه وفي نفوس أصحابه وأمرائه ، رواسبَ عميقة ستؤثِّر جدًّا على تصرفاتهم مستقبلاً .. كما أننا لم نلاحظ أي جهود من الإمارات الصليبية الأخرى لإستعادة هذه الإمارة العتيدة ، مما يؤكِّد على إحباطهم التام من إمكانية النصر .

ثالثًا : دخل المسلمون بعد هذا الفتح المبين مرحلة التوازن مع الصليبيين ، ففي خلال السنوات الخمسين السابقة ، كانت قوة الصليبيين دائمًا أعلى ، وحتى عندما كان المسلمون يحقِّقون نصرًا ، فإنهم كانوا يحققونه على بعض الجيوش والأفراد ، ثم يعود كل فريق إلى مدنه وأملاكه دون أن يفقد منها شيئًا ، وحتى عندما كان يحدث أن يحرِّر المسلمون حصنًا أو مدينة كان سرعان ما يسترده الصليبيون ، أما الآن فقد توازنت القوى ، وأصبح للمسلمين القدرة على الوقوف وجهًا لوجه مع الصليبيين ، وتغيرت الإستراتيجية من مجرَّد الدفاع عند حدوث هجوم إلى إستخدام مبدأ الهجوم خير وسيلة للدفاع .

رابعًا : أيقظت هذه الهزيمة المريعة للصليبيين أوربا الغربية ، بعد أن كانوا قد اطمأنُّوا إلى أحوال الصليبيين في الشرق ، وبدأت تظهر فيها دعوات لإنقاذ الصليبيين في الإمارات الصليبية ، بل وأرسلت الملكة ميلزاند رسالة إستغاثة إلى البابا في روما تستنهض فيه الهمَّة لجمع نجدة كبيرة للصليبيين .. وهذه الحركة الأوربية ستكون نواة للحملة الصليبية الثانية بعد ذلك بسنوات قليلة .

خامسًا : غيَّر هذا النصر من سياسة إمارة أنطاكية تجاه الإمبراطورية البيزنطية ، فبعد أن تجرَّأ ريموند بواتييه وإحتل إقليم قليقية ، وَجَد نفسه الآن وحيدًا أمام القوة الإسلامية الجديدة ؛ وهذا دفعه إلى بدء مباحثات مع الإمبراطور البيزنطي مانويل كومنين يعرض عليه التعاون ضد المسلمين ، وهذا سيسحب الإمبراطورية البيزنطية مرة أخرى إلى حلبة الصراع بين المسلمين والنصارى .

سادسًا : سكنت تمامًا بعد هذا النصر العظيم محاولات السلطان مسعود لإقصاء عماد الدين زنكي عن الحكم والإمارة ، فقد أدرك حجمه بالقياس إلى حجم البطل الكبير ، وعَلِم أن أي محاولة لإقصائه لن تقبل البتَّة من عموم المسلمين ؛ ومن ثَمَّ فقد ظلت العلاقات طيبة إلى آخر عهد عماد الدين زنكي .

سابعًا : هزَّ هذا النصر الكبير مشاعر الخليفة العباسي المقتفي لأمر الله ، وكان رجلاً تقيًّا حسن الخُلُق ، فما تردد أن يُرسِل التشريفات الكثيرة لعماد الدين زنكي ، بل وأنعم عليه بعددٍ من الألقاب لم يكن من المعتاد أن تُعطى للأمراء والقادة ؛ مما أضفى على عماد الدين زنكي شكلاً جديدًا .. وهذه الألقاب مثل الملك العادل ، وركن الإسلام ، والأمير المظفر ، وعمدة السلاطين ، وزعيم جيوش المسلمين ، وملك الأمراء ! وكانت هذه الألقاب كلها تُوحي بالاستقلالية والزعامة ، وعدم التبعية لأحد ، وكانت تضع فوق أكتاف عماد الدين زنكي مسئوليات كبيرة إلى جوار المسئوليات التي يحملها .

ثامنًا : كانت هذه الإنتصارات ، وهذه المواقف من السلطان مسعود والخليفة المقتفي إيذانًا بميلاد الدولة الزنكيَّة ، التي يصبح فيها عماد الدين زنكي بمنزلة المؤسِّس الذي يتوارث أولاده من بعده الحكم في دولته ، والتي تَدِين كثيرٌ من العائلات والقبائل لهم بالولاء ، والذين تصبح لهم القيادة والريادة للعالم الإسلامي كله بعد ذلك ، ولتتسلم بذلك الدولة الزنكية الرايةَ من الدولة السلجوقية ، ويتحقق قول ربِّنا سبحانه وتعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) .

تاسعًا : هدأت حركة الأراتقة تمامًا في أرض الجزيرة بعد هذا النصر ، ولم نسمع أي إعتراض من قرا أرسلان بن داود ، ولا من حسام الدين تمرتاش ، مع أنهما لم يُعلِنا الإنضمام تحت لواء عماد الدين زنكي ، ولكن النصر المهيب الذي تحقق أشعر كل منهما بحجمه ، فقَنِع بما يملك منتظرًا ما تأتي به الأيام !

عاشرًا : من الناحية العسكرية فإن هذا النصر طهَّر كل الطرق بين الموصل والشام من الصليبيين ، وفتح العراق بكل إمكانياته على ساحة الصراع الإسلامي الصليبي ، وصار إنتقال الجنود من العراق وفارس إلى الشام آمنًا ، هذا فضلاً عن الإضافة الإقتصادية الهائلة التي تمتعت بها الدولة الإسلامية بدخول مناطق الرها الثرية في دائرة حكمها .، وكذلك إرتفاع حالة الأمن إلى أعلى درجاتها بعد أن أصبح وادي الفرات بكامله واديًا إسلاميًّا !

فهذه كانت بعض الآثار التي ترتبت على نصر الرها ، وعلى سقوط الإمارة الصليبية التي كثيرًا ما دوَّخت المسلمين ، ولكن لا بد لكل ظالمٍ من نهاية ، ولا بد لكل ليلٍ من فجر ، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ .


 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية
من مواضيعي

   

رد مع اقتباس