عرض مشاركة واحدة

قديم 15-09-09, 01:09 PM

  رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

المبادئ الثانوية للاستراتيجية

وللاستراتيجية مبادئ أخرى، يثور الجدل أحيانا حول الاعتراف بأهميتها الاستراتيجية، إلا أن الذي يعنينا هنا، أن نؤكد أنه لا قيمة لهذه المبادئ الأخرى بمفردها، فهي لا تعني شيئا بدون المبادئ الرئيسية التي سبق الإشارة إليها.

ومن هذه المبـادئ « البساطـة » والتي تتطلب من القـائد - إذا توافرت له عدة خطط سليمة - أن يختار أبسطها، فكلما اتسمت الخطة بالبساطة، قلت الأخطاء التي لابد أن تصاحب كل حرب.

فالقادة المهرة يعرفون أن الحرب التقليدية بطبيعتها غنية بالمشاكل، سواء أكانت هذه المشاكل إدارية تتعلق بمتطلبات الإعاشة والإمداد بالذخيرة والعتاد والوقود واستعواضهم، أو مشاكل قتالية تتعلق بوصول القوات إلى المحلات المختارة في إطار من السرية والأمن، ثم قدرتها على تنفيذ المهام الموكلة إليها بنجاح، سواء كانت هذه المهام معدة من قبل، أم متغيرة وفقا للمواقف المتحددة للقتال وليست هذه المشاكل وحدها بالأمر اليسير لكي يضيف إليها القائد خطة معقدة.

ومن المبادئ الأخرى كذلك « التعاون » فطابع الحرب التقليدية وخصوصا الحديثة منها، هو التعاون بين الأسلحة المختلفة في تقسيماتها الرئيسية إلى برية وبحرية وجوية ودفاع جوي، أو في تقسيمات الأسلحة الفرعية التابعة لكل قسم من الأقسام السابقة.
ولم يعد ممكنا في الوقت الحاضر كسب الحرب إلا إذا عملت القوات المسلحة كلها بنغمة واحدة، وبإيقاع واحد سواء في البر، أو في البحر، أو في الجو.

ولا يكفي التعاون وحده لتحـقيق الغرض المنشود إلا إذا صاحبه تنسيق دقيـق كذلك، فقد كان سـر نـجاح الألمـان - مثلا - في الحرب العالمية الثانية، هو قدرتهم على التنسيق بين طاقم (قاذفة القنابل - الدبابة- المشاة الميكانيكية).

ويتطلب تحقيق التنسيق بنجاح وصول المعلومات الصحيحة باستمرار، ذلك أن التنسيق بين القوات قي الجيوش الحديثة يتم في مركز القيادة العليا، ومن على الخرائط المبسوطة، نظرا لاتساع مسارح العمليات في الوقت الحاضر.

كما أنه لضمان نجاح التعاون والتنسيق بالمفهومين السابقين، لابد من توافر وسائل الاتصال الكافية، رئيسية وتبادلية، وعلى أن تتميز جميعها بالكفاءة والتنوع فضلا عن سريتها بالطبع.
ومن المبادئ الأخرى للاستراتيجية كذلك « توحيد القيادة ».

فالتحركات الاستراتيجية تتم في كثير من الأحيان بناء على معلومات ظنية الثبوت أو الدلالة، حيث تتعلق هذه المعلومات بتصميم العدو، ومكان قواته، ومواعيد تحركها، وحجم هذه التحركات، ولا يتم اتخاذ القرارات المناسبة لهذه المعلومات إلا على بساط الافتراض، مما يتطلب عزما وحسما شديدين.

ولا ضير في توحيد القيادة، مادام القائد مختارا من بين أقرانه لبعد نظره، وصوابية حكمه، وسلامة بصيرته وعقله اللماح، وشخصيته الفذة.

فالقيادة وفق هذه الميزات أفضل بكثير من مجالس الحرب، التي تتألف من أنداد، يستطيع كل منهم عند اللزوم أن يحمل زميله مغبة النتائج التي غالباً ما تكون كارثة، فالعدو غالبا ما يعقبهم من اتخاذ القرار بعد أن تطول مناقشاتهم.


ويتبقى لدينا بعد ذلك من المبادئ الأخرى للاستراتيجية أربعة مبادئ على جانب كبير من الأهمية، وهذه المبادئ هي: الاقتصاد في القوة، والمحافظة على الهدف، وضمان الشئون الإدارية، وارتفاع الروح المعنوية.

ويعني مبدأ « الاقتصاد في القوة »، الاكتفاء عند دفع القوات للاشتباك الفعلي بالقدر الملائم منها للظروف، مع الاحتفاظ بالقوات المتبقية دون دفع، فبعد حشد القوات للنقط الحاسمة من مسرح العمليات، لا يشترط دفع هذه القوات جميعها، وإنما يتقيد الدفع الفعلي لهذه القوات بمبدأ الاقتصاد في القوة.

وتعتبر مراعاة هذا المبدأ ضمانة هامة لتحقيق المرونة في التنفيذ، وتحقيق القدرة على مواجهة المواقف الطارئة.

وأما مبدأ « المحافظة على الهدف » فيعني التزام - القادة كل في موقعه بالهدف المحدد له في الخطة، حيث لا يصح أن يلهيه عن هذا الهدف وقائع الحرب مهما كانت، أو مغريات التنكب مهما عظمت.

وليس معنى ذلك أن هذا المبدأ يعني الجمود التام، أو التنكر لمعطيات الواقع أثناء القتال، فللقادة أن يتصرفوا عند التنفيذ بمرونة وذكاء، على أن يراعوا دائما مع تعدد الحركة ثبات الهدف، أو كما قال القائد الروماني الشهير رومونوس: « لا يهم ما دامت كل الطرق توصل إلى روما ».

وأما عن « الشئون الإدارية »، فقد تناسبت أهميتها طرديا مع تعاظم الاحتياجات القتالية في الحرب الحديثة، فالجند، لا يستمرون في القتال بمعدة خاوية، أو خزنة فارغة، كما أنهم لا يتنقلون بعربات خالية من الوقود، فضلا عن أنهم لا يقاتلون بدبابة لم يتم إصلاحها أو طائرة لم تتحقق صيانتها.

ونحن سنسلم أكثر بأهمية الشئون الإدارية، إذا عرفت أن كل المشاكل السابقة ليست إلا قليلا من كثير، وغيضاً من فيض من مشاكل الشئون الادارية، تلك المشاكل التي تمتد لتشمل كل ما يساعد على تحلي الجنود بالرغبة المتجددة للقتال، بالغة ما بلغت احتياجاتهم الإدارية في هذا الشأن، حتى لو تعلقت بعلاج مرضاهم، وإخلاء جرحاهم، أو حتى الترفيه عن الأصحاء منهم، ولهذا ذاع القول المأثور: « إن الصحراء جنة رجال التكتيك ونار رجال الشئون الإدارية ».

وأما « الروح المعنوية »، فقد كان أحسن ما قيل فيها: « أن السلاح بالرجل ». فالجندي الشجاع تتجنبه الطلقة، ويرتعش أمامه السونكي. وكم من حروب كانت الروح المعنوية أساس الهزيمة فيها.

وليست هناك وسيلة واحدة لرفع الروح المعنوية، فهناك وسائل متعددة، أهمها بث الإيمان بين الجنود، واختيار قادة العمليات من بين القادة الصالحين والمعروفين بالحرفية اللازمة لكسب الحرب، وكذا التأكيد الدائم على استمرار الاستعداد العالي للقوات ورئاستها، وكذا على الاحتفاظ دائما باللياقة البدنية العالية.

والروح المعنوية في المجال الاستراتيجي، تتوقف في كذلك على محبة الجنود لقائدهم الأعلى، وتمتع الأخير بثقتهم فيه، وذلك إنما يكون باحتفاظه الدائم بوضوح الرؤية أثناء الحرب.

 

 


   

رد مع اقتباس