عرض مشاركة واحدة

قديم 10-02-11, 08:05 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البواسل
مشرف قسم العقيدة / والإستراتيجية العسكرية

الصورة الرمزية البواسل

إحصائية العضو





البواسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي ثورة تونس: تحديات الاحتكار و فزاعة الإسلاميين



 

ثورة تونس: تحديات الاحتكار و فزاعة الإسلاميين
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
هاني نسيرة
بينما يمثل البقاء في لحظة الثورة- بعد نجاحها- دون اختراق معمارها وفلسفتها بنسق مفتوح مرن، يخرج من صلابة شعاراتها وحسمها، نحو آفاق أكثر مرونة وتعددية وتوافقية، أبرز الأخطاء، يمثل الالتفاف عليها ومحاولة سرقتها أو تشتيت تحدياتها وتوزيعها على الظن أكبر الأخطاء التي تحيق بها، لأنها قد تحيل الأنصار والرفقاء السابقين أعداء متخاصمين، ويكون الكل أعداء الثورة، التي يبرر ملاكها الجدد احتكارها بدعوى" الحفاظ على مبادئها" أو غير ذلك من تبريرات.

الخطاب العربي والتعامل مع الثورات
دأب الخطاب العربي، ماضيا وحاضرا، على هذا التشتيت الالتفاف على الثورات عبر تفجير الخصومات والاستقطاب والاصطفاف الأيديولوجي، الذي يزيح المتفق عليه لصالح المختلف حوله، أو التراجع عن الثورة قبل التمكين لها، مقابل بعض التنازلات المقدمة من طرف السلطة، أو إخراج ما في الجعبة من فزاعات حول مستقبلها، قد تكون الغرب وإسرائيل، كما قد تكون الإسلاميين أو اليسار أو سياسات دولتها المنتظرة! وهي نفس الأدوات التي قد تستخدمها الأنظمة الحاكمة في تبرير إعاقتها لمسارات التغيير ومطلبياته أمام المجتمع الدولي والمحلي.
إن بعضا من هذا نشاهده الآن بعد النجاح المدوي للثورة الخضراء وإشعاعاتها التي امتدت محاولة استلهامها وتلقي أشعتها لهبا يحرق أجسادا منهوكة تحترق لتحرق معها رمزيات الاستبداد والسلطة المطلقة وما تدعيها من دعاوى المحافظة على المواطنة والكرامة الإنسانية، كان تتابع حلقات بوعزيزي العربية، فحتى كتابة هذه الكلمات كان البوعزيزي السابع في مصر، وهو الثالث- كان مواطنا مسيحيا خنقته إكراهاته الاجتماعية وليست هويته، بينما بلغت محاولات الانتحار في الجزائر الثمانية في نفس التاريخ..

ونشط العديد من المعارضين- من مختلف التوجهات الفكرية- في العديد من البلدان العربية في استغلال الحالة التونسية واستثمارها ضغطا ودفعا من أجل مزيد من الانفتاح والتنمية ومجابهة الفساد الماثل والجاثم الذي أثخن المشهد الوطني بالكثير من الجروح والمآسي التي استدعتها الذاكرة من لهيب نيران بوعزيزي وأمثاله، ومن إشعاعات وإلهامات الحالة التونسية التي مثلت فاصلا تاريخيا عربيا، يصح وصفه بالثورة العربية الأولى التي أتت من مخاض العاديين دون وصاية من عسكر أو نخب أو قوى أيديولوجية أخرى، تمخضت عنها احتياجات الناس البسطاء، وشرارتها لم تأت من الغرب ولا من الشرق، تحمل وعيا جذريا مصرا على التغيير، ويقظة رافضة لمحاولات سرقتها أو الالتفاف عليها، واحتمال حضور الخلافات والاختلافات بين القوى المختلفة التي تماهت مع مطالب الناس وتوحدت ولكن قد تفرقها أجنداتها ومرتكزاتها الأيديولوجية، ونزوعات الاحتكار التي قد تلتزمها القوى المنظمة شعوريا أو لاشعوريا، وإن كان الملاحظ حتى الآن أن الغالب على المشهد التونسي هو التوافق والتمكين للتعددية، دون فزاعات قليلة يحاول أن يروجها البعض تأتي في مقدمتها فزاعة الإسلاميين وحركة النهضة التي اضطرت للهجرة طويلا من وجه عسف المستبد وكان لها يوما أن تعود، وهو ما يتم ترويجه عربيا بشكل أكبر، أو من فزاعة كل المعارضين القادمين من المنافي بحجة أنهم لم يشاركوا في حريق الثورة المقدس التي انطلقت في سيدي أبوزيد في 17 ديسمبر 2010،وهو جزء من إستراتيجية تشتيت الفكرة وموقف غير موضوعي من المؤكد أن العقلاء يتجاوزونه.
تنطلق هذه الورقة من فرضية رئيسة هي أن الثورات العربية على مدار تاريخها الطويل كانت دائما عرضة لمشاكل بنيوية عتيقة تأكل نتائجها وتشوه جسدها الشفاف وقضاياها الواضحة.

1- الاحتكارية
عبر رغبة كل فصيل في احتكار شرعية الثورة بعد نجاحاتها، ومحاولة إقصاء المختلفين معها من الرفقاء وأحيانا تشويههم، وهذا ما فعله الكثيرون من قادة ثورات الاستقلال في العالم العربي مع رفقائهم وشركائهم السابقين، فعله عبد الناصر مع يوسف صديق وخالد محيي الدين وعبد المنعم عبد الرؤوف، وفعله بورقيبة مع اليوسفيين وغيرهم، وفعله صدام حسين وحافظ الأسد وغيرهم.

2- الكاريزمية وعبادة الزعيم:
تتم صناعة الكاريزما إعلاميا وعبر المنابر الإعلامية الداعمة لشخصيتها، وهكذا يرتفع زعماء الثورة فوق النقد، ويصيرون مقدسا يعبد من قبل الدهماء والجماهير، على منوال ما كان يفعله النازي " عبادة هتلر" ويكون الزعيم في هذه الحالة معصوما لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هكذا أراد سعد زغلول لثورة 1919 حين أصر على أن كل معارضيه يريدون أن يبيعوا القضية، ولم يكونوا سوى شركائه وزملائه، بينما ادعى شيخ مساند له، هو الشيخ حسن القاياتي، في صعيد مصر أن ورق الفول قد نبت في منطقته مكتوبا عليه" يحيا سعد" وهكذا نجحت كاريزما عبد الناصر في تجاوز كل أخطائه الخارجية عبر الهزائم والنكسات، وإبقائه برغمها، أو الداخلية عبر إدماج الكل في واحد وتصفية كل صناع الثورة من الرفقاء والشيوعيين والإخوان، وهكذا أراد البعض بورقيبة- رغم بعض حسناته- وبقي صدام في مخيلة ميشيل عفلق والبعث القائد النبيل والنبي البطل!
وربما تكون ميرة لثورة الياسمين كونها بلا كاريزمات زعاماتية، فأبطالها الوسائط الاجتماعية والمعلوماتية والمواقع التفاعلية( الفيسبوك وتويتر وغيرها)، أبطالها الناس والجماهير حين تتحرك كالإليكترونيات حول نواة التغيير الواحدة.

3- الاستغراق في لحظة الثورة دون الانتقال لمعمار الدولة:
كثيرا ما عاش مفجرو الثورات في لحظتها وشرعيتها عقودا بعدها، وليس غريبا أن تتحدث حكومات الشيخوخة العربية عن شرعية ثورية مرت عليها الآن خمسة عقود ونيف التي تقوم عليها، رغم أن اللحظة مفارقة ومختلفة، فشرعية الثورة شيء وشرعية الدولة شيء آخر، كما أن لحظة الثورة تختلف بنيويا ورمزيا بشكل كلي عن معمار الدولة وتحديد هندستها وإستراتيجيتها وثوابتها ومتغيراتها، لحظة الثورة أشبه باقتلاع الفاسد من الأرض وتعبيد طرقاتها أما معمار الثورة فهو زراعتها ورعايتها بعد أن زالت عوائقها، ونظن أن الاستغراق في لحظة الثورة هي آلية يستخدمها فقط من يريدون احتكار شرعيتها ودولتها.
ونظن أن أبرز ميزات الحالة التونسية الراهنة هو رسوخ الفهم التعددي والمتجرد لدى كثير من الفاعلين في ثورتها، ولا يصح القول إن إيمان البعض بهذه التعددية هو مزايدة على قوى سياسية معينة، كما سارع البعض لاتهام منصف المرزوقي أو مصطفى بن جعفر أو حمة الهمامي لدفاعهم السابق عن الحقوق السياسية للحركة الإسلامية التونسية، رغم أن القوم ما كانوا ينطلقون من غير مبادئهم وقناعاتهم، وهي المواقف الواجبة لأي ليبرالي غير أصولي يؤمن بالحق الإنساني في التعبير والممارسة السياسية.

 

 


 

البواسل

ليس القوي من يكسب الحرب دائما
وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما

   

رد مع اقتباس