الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:41 PM

  رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

ولكن الكابوس الخانق، الذي كانت شخصية الجزار المعروفة بالبطش والظلم والإرهاب قد فرضته على أهل جبل عامل طيلة حياته، ارتفع بعد مماته عام ،1804 وعلى الرغم من أن والياً جديداً عيّن على عكا هو سليمان باشا، إلا أن حرب العصابات في جبل عامل قد اتسعت وعمّت، وشملت سلطة الثوار عكا وصفد، فصاروا يفرضون الضرائب والرسوم على البلاد ويعاقبون المتمردين على أوامرهم، وقد قيض للعامليين، في هذه الفترة، زعيم قوي وقادر وذو نفوذ، كأبيه، هو فارس بن ناصيف النصار، الذي قاد الثورة ضد الوالي الجديد، وكان هذا "سلس القياد لين العريكة" بعكس الجزار سلفه، فقرر أن وسيلة التودد واللين مع ثوار بني عاملة أجدى من البطش والإرهاب، فتوسط لديهم الأمير بشير الثاني أمير الشهابيين (1790 - 1840) وكان هذا سياسياً قديراً ومحنكاً، استطاع بدهائه وقدرته السياسية، التوصل مع الثوار العامليين الى شروط للصلح تنهي الثورة، وقد وقع على هذه الشروط في بيت الدين، كل من جرجس باز معتمد الأمير وحسن الشيت معتمد الشيخ فارس النصار، وهي تتلخص بما يلي:
1 - العفو العام عن جميع الثائرين.
2 - إعادة إقليم الشومر الى جبل عامل وكان قد سلخ عنه بعد معركة يارون عام 1781.
3 - أن لا يكون لموظفي الدولة سلطة على الجبل، وأن يرجع أهله في حل خلافاتهم الى عميدهم الشيخ فارس (النصار) الذي يمثلهم تجاه الحكومة وبه تحصر الاتصالات وعليه تعود المسؤولية (تاريخ جبل عامل، لمحمد جابر آل صفا، ص 141).
وقد وافق والي عكا سليمان باشا وراغب أفندي معتمد الباب العالي على هذه الاتفاقية، فكانت موافقتهما اعترافاً صريحاً بنوع من الحكم الذاتي لجبل عامل، وهو الأمر الذي حرم منه هذا الجبل طيلة حكم الجزار، وقد اتخذ الشيخ فارس بلدة (الزرارية) مقراً له حيث بنى فيها داراً للرئاسة على نفقة الدولة.
وظلت هذه المعاهدة قائمة حتى ولاية عبد الله باشا الذي خلف سليمان باشا في عكا، وفي عام 1821 عقد عبد الله باشا مع مشايخ جبل عامل اتفاقاً جديداً أعاد اليهم بموجبه حكم بلادهم كما كان في السابق، وكان العامليون أوفياء للوالي المذكور، فخاضوا معه القتال ضد درويش باشا والي الشام في معركتي المزه وجسر بنات يعقوب، وظل الاتفاق قائماً بين عبد الله باشا وجبل عامل حتى عام ،1832 العام الذي احتل فيه ابراهيم باشا المصري بلاد الشام، فدخل جبل عامل في الحكم المصري الذي ألحقه بالإمارة الشهابية وكان قد تولاها الأمير بشير الثاني منذ عام ،1790 فكان إلحاقه بهذه الإمارة أحد أهم أسباب اشتراك العامليين بالثورة التي قامت فيما بعد في بلاد الشام على المصريين والشهابيين معاً، وذلك للنزاع البعيد الجذور الذي كان قائماً بين العامليين والشهابيين وقد سبق ورأينا منه أمثلة عديدة.
ثار العامليون على المصريين وحلفائهم الشهابيين، فكان ذلك أول مرة في تاريخهم يتحالفون فيها مع العثمانيين، الذين طالما حارب العامليون ولاتهم وثاروا عليهم، وولى الأمير بشير ابنه الأمير مجيد حكم جبل عامل فبطش هذا بالعامليين ونكل بهم، وسجن رجالهم وحقر علماءهم، واتخذ سياسة العنف والشدة سبيلاً لمعاملتهم بدلاً من اللين والمسايرة، فقاد ثورة العامليين عليه واحد من زعمائهم هو الشيخ حسين بن شبيب بن علي الفارس من آل صعب وأخوه محمد علي، وقد استمرت ثورة الصعبيين هذه ضد الشهابيين وحلفائهم المصريين ثلاث سنوات (1836 - 1839) كانوا في خلالها يهاجمون مراكز الحكومة ويطردون عمالها، ولم يتمكن الأمير مجيد الشهابي من إخماد هذه الثورة، فأخذ ينكل بأهالي الثوار وأقربائهم وذويهم، مما اضطر عدداً من وجهاء الجبل وزعمائه الى التدخل لوضع حد لثورة الصعبيين بشرط الحفاظ على كرامة زعيميها وحياتهما، الا أنهما أبيا ذلك وفضلا مغادرة البلاد الى حوران وضواحي دمشق، ولكن مرضاً ألم بأحدهما الشيخ حسين فظل في منزله بقرية (ياطر) حيث قبض عليه واقتيد الى المشنقة مع واحد من أتباعه، أما أخوة محمد علي فقد فر الى خارج البلاد ولم يعد طيلة حياته.
ولكن لم تكن تلك نهاية الثورة ضد الحكم المصري والشهابي في جبل عامل، فقد حمل لواءها من جديد وفي عام 1840 واحد من أشهر زعماء آل الصغير بعد ناصيف النصار، هو حمد البك المحمود، الذي أعلن الثورة في وقت كانت الدول الكبرى قد اتفقت فيما بينها على انتزاع بلاد الشام من محمد علي واعادتها الى حكم السلطنة، وتحركت الجيوش العثمانية براً تساندها الأساطيل الإنكليزية بحراً، لتنفيذ هذا الاتفاق، ووصلت طلائع هذه الجيوش الى حلب، عندها انطلق حمد البك بثورته من جبل عامل، فقاتل الأمير مجيداً الشهابي حليف المصريين عند "جسر القعقاعية" وكان هذا الأمير مكلفاً مهمة إخضاع جبل عامل من قبل أبيه، فهزمه حمد البك وتابع سيره مع فرقته شمالاً حتى وصل بها الى حمص، حيث اتصل بالجيش العثماني المرابط هناك، فانضم إليه واشترك معه في محاربة المصريين، مظهراً من البطولة ما أكسبه ثناء القائد العثماني عزت باشا وإعجابه، فعيّنه حاكماً لجبل عامل ومنحه لقب شيخ مشايخ بلاد بشارة، وعهد إليه بمطاردة الجيش المصري في الجنوب، فعاد حمد البك ليقاتل فلول هذا الجيش المنهزم في رميش ووادي الجش وشفا عمرو حيث طردهم منها، واستولى على صفد وطبريا والناصرة وأجلى المصريين عنها، وما أن استقر الحكم العثماني في جبل عامل من جديد حتى ثبت حمد البك في منصبه كحاكم عام على هذا الجبل، وظل كذلك حتى وفاته عام ،1852 حيث خلفه في الحكم رجل يدعى علي بك الأسعد الذي توفي عام ،1865 فكان آخر الحكام الاقطاعيين الذين تولوا حكم جبل عامل في هذه الفترة، إذ حكمت الدولة العثمانية، بعد هذا التاريخ، بلاد عاملة حكماً مباشراً، فانتهت بذلك حياة جبل عامل السياسية، وزال الحكم الإقطاعي المحلي من البلاد.

 

 


   

رد مع اقتباس