عرض مشاركة واحدة

قديم 11-04-09, 09:29 AM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

نبذة تاريخية

لقد لعبت الأرض - على الدوام - دوراً بارزاً في النزاع. ورغم أن الجغرافيا العسكرية لم تظهر كعلم له تعريفاته إلاّ مؤخراً، فإن الأهمية التي تكتسبها الجغرافيا والأرض في الحرب قديمة قدم التاريخ. فلم يتوافر علماء الجغرافيا العسكرية لتحليل الأرض لجيش أثينا المؤلف من عشرة آلاف جندي أثناء دفاعه عن سهول "ماراثان" عام 490 ق.م، بيد أن قادة ذلك الجيش قد وضعوا في حسبانهم أهمية الأرض عند مناقشتهم لخطة المعركة على المنحدرات المطلة على جيش الفرس الذي كان يتولى قيادته "دايروس" الأكبر على الشاطئ. وعلى النقيض من ذلك فإن جيش الفرس - الذي كان يفوق الإغريق عدداً بنسبة 6:1 - لم يضع أهمية للأرض عند اتخاذه قرار النزول إلى اليابسة، وإقامة معسكر على سهول "ماراثان"، فجعلوا البحر خلفهم والجبال أمامهم والأنهار والمستنقعات على أجنحتهم. ولذلك لم يتوفر لهم مجال كاف للمناورة ضد "فالاناكس" الإغريق، وكاد أن يبيدهم عن بكرة أبيهم بعملية التفاف مزدوج.

وبعد عشر سنوات من تلك الواقعة، أي عام 480 ق.م، زحف قائد فارسي آخر يدعى "اكسيرس" على رأس جيش عرمرم لكسر شوكة الإغريق. وكان قوام ذلك الجيش (000ر150) جندي، وقوة بحرية تبلغ (200ر4) سفينة. فاستغل الإغريق - رغم قلة عددهم - معرفتهم الجيدة للأرض في اختيار مواقعهم الدفاعية. وتضمنت هذه الخطة الدفاعية البسيطة أن تتمركز قوة حماية صغيرة عند ممر ضيق في مركز "ثيرمابيلي". وفي هذا الموقع، أبلى جيش صغير قوامه (000ر7) جندي بلاءً حسناً لصد الجيش الفارسي المؤلف من (000ر150) جندي، وما كان ذلك ليحدث لولا طبيعة الأرض.
فقد كان عرض ممر "ثيرمابيلي" لايتجاوز كيلومتر واحد، وعلى أحد جانبيه البحر وعلى الجانب الآخر جبال شديدة الانحدار.

وبالاستخدام الحاذق للأرض منع القادة الإسبارطيون جيش الفرس من حشد كافة طاقاته، وتمكنوا من تثبيت ذلك الجيش لعدة أيام، حتى وجد قائد الفرس "اكسيرس" ممراً بين الجبال نفذ من خلاله مسيراً ليلياً، وأخذ الجيش الإسبرطي على حين غرة من مؤخرته. ورغم أن جيش الفرس قد كسب تلك المعركة إلاّ أن عملية الإعاقة الناجحة التي نفذها الإسبارطيون قد تسببت في خسارتهم للحرب في نهاية المطاف.

ويوضح المثال الذي أوردناه آنفاً، أن قوة عسكرية صغيرة قد تمكنت من هزيمة أو إعاقة جيش يفوقها عدداً بفضل الاستخدام الحاذق للأرض. وهناك عديد من الأمثلة الأخرى على براعة القادة في استغلال الأرض لتحقيق نصر صعب المنال. فعلى سبيل المثال، تُعد المناورة الأسطورية التي قام بها الجنرال الأمريكي "استونوول جاكسون" في وادي "شناندوا" عام 1862م مثالاً رائعاً لمعرفة الأرض. وفي عام 1940م تفادى الجيش الألماني شن هجوم أمامي، واخترق غابة "الأردنيز" الكثيفة بتسع فرق بانزرللالتفاف حول خط "ماجينو"، مما عجل بانهيار الجيش الفرنسي القوي. وكمثال أخير، في عام 1973م وضع المصريون خطة بارعة للقضاء على المزايا الأرضية التي يتمتع بها الإسرائيليون من جراء إقامتهم لخط بارليف لحمايتهم من ناحية قناة السويس. ونفذ المصريون الخطة بدقة متناهية حتى أجبروا الإسرائيليين على الخروج من تحصيناتهم وتاهوا على وجوههم في صحراء سيناء.

ويتلخص موضوع هذه المقالة الموجزة التي تكتسي صبغة الجغرافيا العسكرية في أن جيشاً اتحادياً أمريكياً صغيراً ومعه قوة بحرية قد اعترضته نقطة دفاعية حصينة اتخذها المتمردون عند أحد تعرجات نهر المسيسبي. وقد انتخب المتمردون هذه القاعدة - التي أطلق عليها اسم الجزيرة رقم (10) - بعناية فائقة، إذ تتوافر لها الحماية من المستنقعات والأراضي المغمورة بالمياه ومن النهر نفسه.

ومن الواضح أن المتمردين كانوا يتمتعون بمزايا أرضية جيدة بسبب عدم وجود طرق اقتراب برية إلى القاعدة دون عبور النهر، ولكن موقع القاعدة يفصل بين الجيش الاتحادي وسفنه الحربية المساندة. وكان على القائد الاتحادي - الجنرال بوب - إخضاع معقل المتمردين لأن المهمة المنوطة به تتمثل في فتح نهر المسيسبي للملاحة حتى مدينة ممفيس في ولاية تنيسي. وهكذا لم يكن أمامه سوى خيارين: إما شن هجوم أمامي عبر النهر على الجزيرة رقم (10)، أو تنفيذ انسحاب يستغرق وقتاً طويلاً، ومن ثم اللجوء إلى وسائل أخرى لإجبار المتمردين على الخروج من قاعدتهم.
ولكن الوقت لم يكن في صالح الجنرال بوب، مما اضطره إلى إيجاد حل بسيط أسفر عن تجريد المتمردين من المزايا الأرضية التي كانوا يتمتعون بها، وقلب جغرافية المنطقة إلى شرك لايمكن الفكاك منه. وهكذا تمكن الجنرال بوب - بفضل استخدامه الجيد للأرض - من عبور النهر، وإجبار القاعدة على الاستسلام دون خسائر تذكر، ووقع بين يديه (7000) أسير من المتمردين وعدد كبير من الأسلحة، وفتح نهر المسيسبي للملاحة حتى مدينة ممفيس.

 

 


   

رد مع اقتباس