عرض مشاركة واحدة

قديم 10-06-09, 09:18 PM

  رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

مختارات من وثائق المخابرات المركزية الأمريكية (4)



1. فتح تحاول السيطرة على جيش التحرير الفلسطيني :
في خضم انهماك عرفات بهز كيان التنظيم السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية شرع أيضا بشن حملة ترمي إلى إخضاع جيش التحرير الفلسطيني لهيمنته، وكان كل من جيش التحرير الفلسطيني وجبهة تحرير فلسطين قد قاطعا اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، إلا أن البديري بين أن جيش التحرير الفلسطيني سينفذ التوجيهات والأوامر الصادرة عن القيادة السياسية إذا كانت تستند إلى قرارات المجلس، وكان من بين أولى التحركات التي قامت بها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في فبراير/شباط من عام 1969 أن أنشأت قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني، الذي أريد منه أن يخطط لكافة القضايا الفدائية وينسق شؤونها، بما فيها العمليات ، وجرى تعيين عبد الرزاق اليحيى الذي شغل لفترة وجيزة منصب قائد جيش التحرير الفلسطيني في أوائل عام 1968، رئيساً لعمليات قيادة الكفاح المسلح هذه (1).

وكان من الجلي أن القصد من إقامة هذه المنظمة إنما هو مضاهاة جيش التحرير الفلسطيني وإحداث نوع من التوازن معه، سيما وأن التقارير ذكرت أن قائد الجيش البديري كان يبغض عرفات ، ويميل إلى سوريا.

وفي مايو/أيار من عام 1969، قيل : إن عرفات والبديري اختلفا بعد أن زار البديري لبنان من دون الحصول على إذن مسبق من عرفات ، وندد عرفات بالبديري، ليس فقط بسبب الرحلة التي قام بها من دون تفويض، بل ولأنه تصرف في لبنان، حسبما راجت المزاعم، ببذخ وغطرسة أسطورية ، وكأنه إمبراطور...

وبعدها بوقت قصير، في يونيو/حزيران من عام 1969 حل اليحيى محل البديري ، وأصبح القائد الأعلى لجيش التحرير الفلسطيني ، وعين فتحي سعد الدين نائباً له، وأصبح عثمان حداد رئيس أركان هذا الجيش.

وفي هذه الأثناء كثف عرفات تحركاته ، وقد استحوذت على أفكاره حرب التحرير الشعبية، وكيف يعيد تنظيم المؤسسات والهياكل الإدارية على أسس جديدة لخوض مثل هذه الحرب، لذا سعى إلى تحويل جيش التحرير الفلسطيني إلى قوة قتال ميداني فعلي تشارك في مقارعة "الإسرائيليين" في ساحات القتال ضمن منظور حرب العصابات، وليس بصفتها جيشاً نظامياً كسائر جيوش الدول العربية.

وفي مارس/آذار من عام 1969 صرح عرفات بأن جيش التحرير الفلسطيني ينبغي أن يتحول من "جيش نظامي كلاسيكي" ليصبح نواة الجيش الثوري الفلسطيني وحجره الأساس.
وجادل عرفات وحاجج وطرح تصوره بأن قوات جيش التحرير الفلسطيني ينبغي تحريكها إلى مواقع قتالية تهاجم منها العدو وتضربه (2).

وفي مارس/آذار ذكرت جريدة الأهرام أن قوات جيش التحرير الفلسطيني سيتم تحريكها لترابط مع القوات المقاتلة لمنظمات المقاومة الفلسطينية، كما قالت الصحيفة : إن منظمة التحرير الفلسطينية قررت رصد الشطر الأعظم من ميزانيتها لجيش التحرير الفلسطيني ، وفي أوائل أغسطس/آب امتدحت إذاعة صوت فتح المثل الأول لمشاركة جيش التحرير الفلسطيني في العمل الفدائي.

وعلى الرغم من النفي العلني والإنكار الرسمي فإن وحدة من وحدات جيش التحرير الفلسطيني الملحق بالجيش السوري، وهي لواء حطين، قامت بالفعل، حسبما أوردت التقارير بالتسلل إلى شمال الأردن في ربيع 1969، وكانت قوات جيش التحرير الفلسطيني التابعة للعراق (لواء القادسية) مرابطة هناك أصلاً.
وفي أواخر عام 1969 وبداية عام 1970 وردت تقارير عن تزايد استياء قيادة جيش التحرير الفلسطيني من قيادة فتح، وتركزت النقمة بوجه خاص على اتهام فتح بأنها هي ذاتها من يسعى حثيثاً لحيازة أسلحة جديدة ، في حين تحجب التمويل عن جيش التحرير الفلسطيني...

وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 1969 ذكرت التقارير أن ضباط جيش التحرير الفلسطيني سلموا عرفات لائحة شكاوى بواسطة اليحيى الذي قدم استقالته في الوقت ذاته ، ورفض عرفات الاستقالة ، ووعد بالتماس التمويل لجيش التحرير الفلسطيني ، وتدبير أمر إمداده ودعمه في مؤتمر قمة الرباط في ذلك الشهر، ومن غير الواضح ما إذا كان جيش التحرير الفلسطيني قد حصل على بعض التمويل الذي خصص للفدائيين في الرباط، إلا أن اليحيى صرح في أبريل / نيسان من عام 1970 أن رواتب جيش التحرير الفلسطيني غالباً ما كانت تتأخر لأن عرفات أصر على توقيع تفويض الصرف بنفسه، وأنه رفض الإفراج عن الأموال التي خصصتها منظمة التحرير الفلسطينية لجيش التحرير من أجل مشترياته من الأسلحة.

وعلى أية حال استمر الصراع بين عرفات وجيش التحرير الفلسطيني (3).

(حذف هنا) وجيش التحرير الفلسطيني، وقد اعتبر نفسه قلعة المعارضة الأخيرة التي تقف لتجابه هيمنة فتح، شكل في أوائل عام 1970 أركاناً عامة "تتكون من اليحيى ، والعقيد سمير الخطيب ، والعديد من الضباط الآخرين" ظل مصمماً على ألا يقبل سوى الأوامر الصادرة عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي اتفقوا معها ، ورغم أنه لم يتم التحقق من هذا التقرير ولا التثبت من صحته أبداً، فإن جيش التحرير الفلسطيني مارس من بعدها قدراً ما من الاستقلالية على ما يبدو، لأن التقارير أوردت في أبريل من عام 1970 أن عرفات بعث برسالة إلى جيش التحرير الفلسطيني يقول فيها : إنه هو القائد الأعلى ، ويشتكي من أن جيش التحرير الفلسطيني دأب على الامتناع عن رفع التقارير إليه، ومحذراً من أنه إذا تكرر هذا فسوف يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة.

واشتد الصراع بين فتح وجيش التحرير الفلسطيني عام 1969 وأوائل عام 1970 جراء مفاوضات كانت تجري مع الاتحاد السوفييتي بشأن الزيارة المقترحة لوفد إلى موسكو (وفي سبتمبر/ أيلول من عام 1969 ذكرت التقارير أن السوفييت وجهوا الدعوة إلى اليحيى والخطيب لزيارة موسكو إلا أنهم بينوا أنهم لم يكونوا يرغبون في مجيء أي عضو من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نظراً لأنهم شخصيات سياسية، غير أنه بحلول ديسمبر/كانون الأول جرى توسيع دائرة هذه الدعوة لتشمل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وكان هناك بعض التأخير بشأن قبول الدعوة، وكان السبب على ما يبدو الجدل الذي احتدم حول ما إذا كان ينبغي للوفد أن يذهب، ثم إذا ما توجب الذهاب، فمن ذا الذي يذهب، ويبدو أن عرفات لم يكن يرغب في إرسال وفد أساساً، إلا أنه جرى إقناعه في نهاية المطاف من قبل الأعضاء الآخرين في اللجنة التنفيذية، وكان نفور عرفات في هذه الآونة من زيارة موسكو، ومن ثم قبوله ذلك على مضض في تضاد صارخ مع التلهف الذي أبداه في عام 1968، وربما كان هذا التغير يشي بتشككه بشأن تلقي أي دعم أو تأييد سياسي، أو لربما كان ينم عن قلقه من أن يحجب إما السعوديين أو الصينيين دعمهم لفتح جراء استيائهم من مثل هذه الزيارة.

أما وقد أرغم على المسايرة والنزول عند رأي الآخرين والقبول بالزيارة على كره منه، فقد حاول عرفات إقصاء عبد الرزاق اليحيى عن الوفد ، غير أن جيش التحرير الفلسطيني صرح بأنه لن يشارك إطلاقاً إذا لم يذهب اليحيى فأذعن عرفات ورضخ للأمر الواقع ، وكان اليحيى ذاته قد أكد هذه الرواية ، وذكر بعدها أن السوفييت أبلغوا الوفد في موسكو أنهم لن يتمكنوا من تقديم أي مساعدات للمنظمات الفدائية ما لم تكن هذه المنظمات موحدة ، لكن السوفييت يمكن أن يساعدوا جيش التحرير الفلسطيني الذي كان جيشاً تكون بشكل شرعي، وأنهم كانوا على استعداد في الحقيقة لإمداد جيش التحرير الفلسطيني بالأسلحة ، حيث سيتم تسليمها عبر سوريا ، وبواسطة السوريين.

ووفقاً لهذا المصدر ذاته فإن اليحيى انتقد فتح أيضا بعد زيارة موسكو ، واتهمها بأنها كانت تسعى إلى تدمير جيش التحرير الفلسطيني، واستشهد للتدليل على كلامه بالجهود التي بذلتها فتح لاستبدال فرقة قيادة الكفاح المسلح في لبنان، التي كانت قد سحبت من جيش التحرير الفلسطيني، بوحدات من فتح بحيث تتمكن فتح من الهيمنة على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان..

والأدهى من ذلك، كما قال اليحيى أنه في مارس/آذار من عام 1970 قررت اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية (التي كانت تهيمن عليها فتح وعرفات) أن تسحب قوات التحرير الفلسطينية من تحت سيطرة جيش التحرير الفلسطيني ، وأن تخضعها لهيمنة اللجنة التنفيذية ، ورفض اليحيى الرضوخ لهذا، وأخبر عرفات أنه إذا أصرت منظمة التحرير الفلسطينية على موقفها ، وواصلت جهودها لتدمير جيش التحرير الفلسطيني فسوف يتمخض عن هذا تمرد مسلح.

وفي أوائل يوليو/تموز 1970 أصدر عرفات أمراً بإعفاء عثمان حداد من منصبه كرئيس لأركان جيش التحرير الفلسطيني متهماً إياه بالتمرد (4) وفي ذلك الوقت كان حداد في دمشق، وقد رفض قبول الإعفاء ، وتلقى الدعم من عدد من وحدات جيش التحرير الفلسطيني وجبهة التحرير الفلسطينية ، وبخاصة الموجودة في سوريا ، واتهم حداد عرفات بأنه قد عزله بعد أن اعترض حداد على الأوامر التي أصدرها عرفات بحظر دفع رواتب قوات حطين.

وفي مقابلة أجريت معه في 4 يوليو/ تموز، قال حداد متهماً : إن قراراً صدر مؤخراً بوضع تنقلات وتعيينات قادة منظمة التحرير الفلسطينية تحت سيطرة عرفات، هو بمثابة مقدمة لحل جيش التحرير الفلسطيني ، وأكد أن قادة وضباط منظمة التحرير الفلسطينية لم يعترفوا بعرفات قائداً للجيش.

وفي 7 يوليو/تموز التقى وفد من منظمة التحرير الفلسطينية بياسر عرفات في عمان ، وطالب بالإبقاء على حداد في منصبه، والموافقة على ميزانية جيش التحرير الفلسطيني، وأن يكون هذا الجيش مستقلاً، وإلغاء قرارات عرفات التي تتعارض مع أنظمة الجيش.

وفي اليوم التالي أعاد ناطق باسم منظمة التحرير الفلسطينية توكيد قرار عزل حداد ، وظل عبد الرزاق اليحيى الذي كان فيما يبدو غير صديق لحداد بمعزل عن النزاع (5) وكان من الواضح أن وضعاً يقرب من التمرد قد تم إيجاده ضمن أوساط جيش التحرير الفلسطيني نتيجة لعزل حداد.

وهكذا، بينما كان استيلاء فتح على الآليات السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية تاماً تقريباً، بحلول أواسط سنة 1970، لم تنجح جهودها لتحقيق السيطرة على جيش التحرير الفلسطيني.
وفي حقيقة الأمر جاء أحد تكتيكات عرفات بنتيجة عكسية ، فقد عين اليحيى رئيساً لقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني ثم لجيش التحرير الفلسطيني، ومن الواضح أنه فعل ذلك على أمل السيطرة على كليهما، وقد أظهر اليحيى منذئذ استقلاله عن عرفات ورغبته في إبقاء جيش التحرير الفلسطيني مستقلاً.

وغدت هذه العلاقات أكثر تعقيداً بفعل الانشقاق الذي ظهر داخل جيش التحرير الفلسطيني بين اليحيى وفصيل تدعمه سوريا ويرأسه حداد.

فتح تحتفظ بهويتها :
في غمار عملية ممارسة السيطرة على الجهاز السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية احتفظت فتح بهويتها الخاصة واستقلالها، على الرغم من أن تركيبها تغير إلى حد ما ، وقد أدى نموها السريع سنة 1969 إلى إحداث إجهاد كبير لتنظيمها، وفي مارس/آذار 1969، ذكر أن القيادة العامة لفتح قد استبدلت بلجنة مركزية، يخضع لها "جناحان": سياسي وعسكري(6).

ومن هؤلاء كان فقط عرفات، وهاني القدومي وخالد الحسن في القيادة العامة في أوائل 1968.

وحسب تقرير أمني أردني ترأس خليل الوزير الجناح السياسي، بمساعدة صلاح خلف (الذي وصف فيما بعد بأنه الرجل الثاني في فتح، وأنه متعاطف مع وجهات النظر الراديكالية) وذكر أن هذا الجناح كان يضم دائرة مخابرات يديرها هاني الحسن، ومجموعة لتنظيم الشبان، ومكتب إعلام مسئولا عن الدعاية والبلاغات..

والمكتب الأخير يدير برنامج الإذاعة الدعائي للمنظمة الذي يسمى صوت فتح، والذي ظل يبث من القاهرة حتى أواسط سنة 1970 عندما علق عبد الناصر عملياته ، كما كان يصدر كذلك مجلات فتح ، ومن بينها: مجلة العاصفة ومجلة الثورة الفلسطينية ، ومن المحتمل أنه كان مسئولا عن جريدة "فتح" اليومية، التي كانت في الأساس نشرة يومية، تم توسيعها فيما بعد لتصبح جريدة تتكون من أربع صفحات خلال أزمة يونيو/حزيران 1970 في الأردن.

وفي أواخر 1969 غدت وحدات فتح الإقليمية أشد تعقيداً. (يوجد حذف هنا). كانت اللائحة التنظيمية للجهاز الإقليمي في العربية السعودية تشبه الهرم: الجماعة، وهي أصغر وحدة تتكون من أربعة أعضاء، مسئولة أمام الجناح، الذي يتكون من أربعة ممثلي مجموعات، وتشكل كل أربعة أجنحة قطاعاً، والأربعة قطاعات لجنة محلية، وكل أربع لجان محلية تشكل لجنة أمانة سر في المنطقة ، يترأسها الأمين العام للمنظمة، ولكل منطقة لجنة إعلام ومحكمة انضباط ثورية للتعامل مع انتهاكات الأنظمة، والنزاعات وما إلى ذلك، ولكل منطقة لجنة تنسيق تتألف من الأمين العام للمنظمة ومسئول الإعلام، ومسئول الرصد (رئيس لجنة الرصد الثوري التابعة للجنة التنسيق، المسئولة عن أمن المنطقة)، والمسئول المالي، ومسئول التعبئة العامة ، وهذه اللجنة مسئولة أمام اللجنة الإقليمية، وهي أعلى تنظيم لفتح في كل دولة.

2. صراعات داخل فتح وضغوط على قيادة عرفات:
خلال ربيع وصيف 1969، كانت هنالك تقارير عن نزاعات مستمرة داخل فتح، ومن بينها الخلافات التكتيكية، والخلافات الأيديولوجية، والاحتكاكات اليومية الناجمة عن إدارة جيش متنام (7).

وفي يوليو/ تموز ذكر أنه جرى التعبير عن التمرد على أيدي شخصيات عسكرية من فتح في الأردن، رفضت أوامر فتح الداعية إلى تنسيق عملياتها مع السلطات الأردنية؛ وقيل : إن هذه المجموعة لها علاقات بمنظمة فتح في سوريا.

ولكن الصراع الداخلي الرئيسي يبدو أنه يتمحور حول الموقف الأيديولوجي لفتح ، ويبدو أن مجموعة من "المتعصبين" داخل فتح بدأت تعبر عن معارضة متزايدة للقيادة "البرجوازية" متمثلة في عرفات ، وكانت هذه المعارضة الثورية التي تضم كلاً من البعثيين اليساريين، والماركسيين اللينيين، تطالب بالانفصال عن الأنظمة غير الثورية ، واستعمال تكتيكات مشابهة للتكتيكات المستعملة في كوبا وفي فيتنام.

وكان ذلك يعني فيما يبدو أن هذه المعارضة تريد من فتح أن تقيم قواعد داخل المناطق التي تحتلها "إسرائيل "، وتعمل منها، على الرغم من صعوبة إن لم يكن استحالة، فعل ذلك.

ولعل مما له علاقة بتطور هذه المعارضة الراديكالية ضمن فتح استقبال تقارير عديدة خلال صيف سنة 1969 عن منظمات سرية لفتح يجري تأسيسها في العربية السعودية والكويت والأردن ، وقيل : إن مجموعة الأردن كانت مكلفة باغتيال أشخاص يعتبرون قابلين لإلحاق الأذى بالقضية الفلسطينية ، وعندما علم عرفات بوجود المجموعة في الأردن في أوائل سبتمبر/ أيلول 1969، قيل : إنه أمر باعتقال منظميها.

وفي أواخر 1969 وأوائل 1970، كان هنالك المزيد من التقارير عن عدم الرضا عن قيادة عرفات، وعن خطط ومحاولات لاغتيال عرفات ، وقال أحد المصادر : إن بعض أعضاء القيادة العامة كانوا يشعرون بأن حكمه على الأمور من الناحيتين الإستراتيجية والتكتيكية ضعيف، وأنه يحول دون توحيد سائر المنظمات الفدائية معاً.

وفي 31 ديسمبر/ كانون الأول ذكرت وكالة الشرق الأوسط للأنباء في دمشق أن جريدة "الجمهورية" اللبنانية اليمينية قالت : إن إعادة ترتيب للأمور سوف تجري داخل حركة فتح ، ويفترض أن يعكس هذا التغيير حاجة فتح إلى اتخاذ موقف أكثر ثورية، ويعتبر وجود قيادة سياسية وعسكرية ضرورياً له.

ويبدو أن الضغط على قيادة عرفات قد اشتد في صيف وأوائل خريف 1970، وكان الضغط مرة أخرى يأتي من قبل الذين يسمون يساريين في المنظمة، الذين ذكر أنهم يؤيدون رفض التعاون مع الدول العربية ، ويتبنون خطاً أكثر راديكالية ، وبخاصة في الدول العربية اليمينية ، وقيل : إن فصيلاً أكثر محافظة يترأسه عرفات كان يفضل استمرار إستراتيجية فتح، المتمثلة في اقتصار التكتيكات على محاربة "إسرائيل " وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول أشار عصام سرطاوي الذي ينتمي للهيئة العاملة لتحرير فلسطين إلى أن الجناح المحافظ في فتح بقي مهيمناً.

تضافر عدد من التقارير ليوحي في المجمل بأن عرفات قد جوبه بتحدي صلاح خلف له، وهو الرجل الذي كان يليه في التسلسل القيادي، ويبدو أن وزن هذا الدليل يؤكد أن ثمة صراعاً ما بين عرفات وخلف( 8)..

وفي 4 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1970 انتقدت جريدة فتح أؤلئك الذين "استسلموا" خلال أزمة الأردن في سبتمبر/ أيلول ودعت إلى إزالتهم ، وربما كانت هذه إشارة إلى صلاح خلف، وهو أحد أربعة من قادة الفدائيين الذين أسروا أثناء القتال ، والذين قبلوا باقتراح وقف إطلاق النار الأردني الذي شجبته فتح لاحقاً(9).

[حذف هنا] جرى في الحقيقة استبدال خلف بصفته نائباً لرئيس فتح ورئيساً للاستخبارات في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول.
ومن المحتمل أن تستمر التجاذبات ويتواصل التوتر داخل فتح، كما يتوقع استمرار الضغط على "الحرس القديم" في فتح، وهم القيادة المحافظة، من قبل الأعضاء الأصغر سناً والأكثر ميلاً إلى الاتجاه اليساري ، فإذا قدر في يوم من الأيام أن يزاح عرفات بصفته زعيماً لفتح، فمن الممكن توقع أن تتخذ هذه المنظمة موقفاً أكثر راديكالية من منظور العالم العربي ، وفيما يتعلق بشؤونه.
وأخيراً فإن عرفات ذاته إذا تم تعريضه لضغوط كافية مثل هذه من قبل التيارات داخل منظمة فتح، فساعتها يمكن تصور أن يرغم على الاتجاه يساراً متصادماً بذلك مع ميوله الأصلية ونزعته الفطرية.

3. تكتيكات فتح وعملياتها :
كما رأينا من قبل، فإن أسلوب فتح من حيث المبدأ ومقاربتها فيما يتصل بتصوراتها عن العمليات العسكرية كان يتمثل في تسلل فرق صغيرة من الرجال إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة "الإسرائيلية" ومن ثم تقوم هذه الفرق بعد اختراقها لهذه الأراضي بتنفيذ عمليات زرع ألغام، وغيرها من عمليات "التخريب"، التي عادة ما تشن ضد أهداف عسكرية (مثل الدوريات والمخافر والقواعد العسكرية الأمامية، والمركبات والآليات العسكرية، وقوافل الإمداد العسكري اللوجستي)، إلا أنه يحدث أحياناً، أن تشن هجمات ضد السكان المدنيين، كذلك. وكانت هذه الإستراتيجية إخفاقاً عسكرياً كاملاً.
وتقارير "الإسرائيليين" تذكر أنهم قتلوا ما يقدر عدده بنحو 1800 فدائي (11) . وأنهم أسروا 2500 فدائي آخر منذ حرب يونيو/ حزيران عام 1967.

كما ذكرت تقارير "الإسرائيليين" أن الفدائيين لم يقتلوا سوى 300 شخص فقط.

وتتضح أهمية هذه الأرقام حين نأخذ في الحسبان أنه كان لدى فتح قرابة 7000 رجل مسلح في خريف عام 1970، وأن قوات تحرير فلسطين التي تستخدم ذات التكتيكات وتتعاون في الغالب مع فتح كان لها ألف رجل مسلح ، ومنذ حرب سبتمبر/ أيلول عام 1970 بين الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين لم تشن أي من هذه الجماعات (ولا أي من المنظمات الفدائية الأخرى) أي غارة على "إسرائيل " ولم تقم بأي عملية.

ولم تتأكد، ولم يتسن التثبت من الإشاعات الكثيرة التي راجت ومفادها أن فتح توشك أن تتخلى عن تكتيكاتها التقليدية ، وفي ربيع عام 1969، ومرة أخرى في ربيع 1970، وردت تقارير عن أن فتح خططت لاغتيال زعماء عرب كانوا يعملون من أجل تسوية سلمية ، وفي حين أن العديد من هذه التقارير أتى من أعضاء رفيعي المستوى في حركة فتح فإن عرفات نفسه دأب بإصرار على رفض مثل هذه التكتيكات ، وعرفات، على ما يبدو، لا تزال له اليد الطولى والكلمة الأقوى في صفوف تنظيم فتح.
وتحتفظ فتح بمكاتب في جميع الدول العربية (12) وكذلك لفتح مكاتب في عدد من الدول الأوروبية، بما فيها فرنسا، وألمانيا ودول أوروبية شرقية عديدة ، وفي سنتي 1969 و1970، أرسلت بعثات إلى دول عديدة للتفاوض على فتح مكاتب ، وذكر أن إيران وتركيا رفضت مثل تلك الطلبات(13).

وقد وافقت ماليزيا في أبريل / نيسان 1969 على فتح مكتب لفتح ، وفي غمار الجهود التي تبذلها حركة فتح للحصول على الاعتراف والمساعدة الدولية، دعت مجموعات من الأمريكيين والأوروبيين للمشاركة في مساقات تدريب وتوجيه عقائدي في فصل الصيف من السنوات 1968 إلى 1970.

وحسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" (27 أغسطس/ آب 1970)، كان لعرفات كذلك تعاملات مع منظمة الفهود السود، والتقى مع الدريج كليفر في الجزائر في صيف 1970، وقام بتدريب بعض الفهود السود في معسكرات فتح في الأردن سنة 1969.

بينما كانت فتح تشغل مكاتبها علناً في عدد من الدول كانت تنخرط كذلك في عمليات استخبارية ، وحسبما ذكر شفيق الحوت، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، تملك فتح وحدات استخبارات في دول عربية عديدة، وفي غرب أوروبا، والولايات المتحدة، وقد تم تدريب معظم أعضاء هذه المجموعات إما في الصين أو في الجمهورية العربية المتحدة.

ويقال: إن عملية فتح في عمان هي الأكثر فاعلية، حيث اخترقت بنجاح الشرطة الأردنية، والجيش وأجهزة المخابرات ، ويقال: إن فتح تحاول تجنيد أجانب لهم منفذ على "إسرائيل "، ومن ثم يسهلون العمليات هناك.

ويقال : إن لفتح عملاً سياسياً في إنجلترا، وهو عمل منظم حيث توجد خلايا يضم كل منها أربعة أو خمسة رجال، وتدار على أساس وظيفي، ويقال : إنها تصدر مجلة شهرية في المملكة المتحدة تسمى "فلسطين الحرة"، وتساند المظاهرات والاجتماعات، وتقوم بعمليات التجنيد.

4. تمويل فتح :
ميزانية فتح ضخمة، وبالإضافة إلى الرواتب التي تدفعها لجنودها وموظفيها، تدفع مخصصات لأسر "الشهداء"، كما يجب على فتح كذلك أن تدفع ثمن معظم أسلحتها ، وذكر أن فتح لم تستطع سنة 1969 أن توازن ميزانيتها على الرغم من تلقيها وعوداً بزيادة العون ، وأكبر مصادر تمويل فتح هو المملكة العربية السعودية (التي يذكر أنها تقدم نحو 2 إلى 4 ملايين دولار سنويا).

وتقوم آلية جمع الأموال في تلك الدولة على وجود لجنة تدعى لجنة مساعدة أسر الشهداء؛ وهي تجمع ما يبلغ درجة اقتطاع إجباري نسبته 5% من رواتب الفلسطينيين في السعودية، و1% من رواتب السعوديين ، ولا تساهم الحكومة بالتبرع رسمياً، ولكن الملك فيصل وغيره من أعضاء العائلة الملكية يقدمون تبرعات شخصية.

وقد وضع اعتماد فتح المالي على العربية السعودية بعض القيود على حرية عمل المنظمة ، وعلى سبيل المثال شعر عرفات بعد زيارته لموسكو في أوائل سنة 1970، أنه مضطر لزيارة العربية السعودية لشرح زيارته ، وذكر أنه كان ثمة انخفاض في التبرعات في الأسابيع التي تلت زيارته لموسكو ، ودافع عرفات عن علاقات فتح بالدول الشيوعية قائلاً : إنها ضرورية لتأمين توفير الأسلحة الأساسية ، ولكنه طمأن السعوديين بأن فتح تظل بمعزل عن العقيدة الشيوعية، وأنها تسيطر على العناصر اليسارية في تنظيمات فتح.

وذكر أن السعوديين ظلوا غير مطمئنين ، ولكنهم كانوا غير راغبين في هذا الوقت في قطع المعونة ، خوفاً من أن يضعف ذلك التأثير المحافظ على فتح.

وفي أواخر سنة 1970، كانت هنالك تقارير عديدة تفيد بأن العربية السعودية كانت آخذة بالتحرر بصورة تدريجية من سحر فتح ، وأنها ماضية في خفض عمليات جمع الأموال التي تقوم بها.
وليس حجم تبرعات الكويت لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية واضحاً، وبينما ذكر أن كلتيهما تستفيدان من الضرائب والاقتطاعات الكويتية، بالإضافة إلى الاستفادة من إسهام كويتي رسمي في الميزانية، فقد ذكر في ربيع 1969 أن الكويت كانت ترفض الإفراج عن الأموال التي كانت تحتفظ بها لهذه التنظيمات، وتتلقى فتح إسهامات ضخمة من إمارات الخليج النفطية، وعلى رأسها قطر وأبو ظبي، ويأتي معظم هذه الأموال من اقتطاعات من رواتب الفلسطينيين.

وقبل الثورة في ليبيا في أواخر 1969، كان ذلك البلد يمنح فتح نحو2،8 مليون دولار من ميزانيته السنوية كل عام بالإضافة إلى التبرعات من القطاع الخاص ، وبعد الثورة وعدت الحكومة الجديدة منظمة التحرير الفلسطينية، وبأسلوب مبهرج، بمبلغ 56 مليون دولار بالإضافة إلى الهبات الشخصية؛ ولم تكن المدة الزمنية محددة.

وفي أوائل مايو/ أيار 1970 قيل : إن معمر القذافي قرر أن ليبيا سوف تتبرع بنحو 10 ملايين دولار كل ربع عام للفدائيين، حيث يذهب نحو ثلثي ذلك المبلغ إلى فتح، ويذهب الباقي إلى الجماعات الأخرى ، ولكن زعماء ليبيا مشهورون بالوعود العاطفية، بيد أن تنفيذهم لتلك الوعود يظل موضع تساؤل.

وحتى وقت قريب كانت الدول العربية الراديكالية أقل استعداداً في تبرعاتها لفتح ومنظمة التحرير الفلسطينية ، ومن بين جميع الدول العربية الراديكالية برزت الجزائر كأفضل أصدقاء فتح ، وقد وفرت لهذه المنظمة كلاً من الدعم الدعائي والمساندة الدبلوماسية الدولية (14).

ويقال : إن الجزائر تشكل أحد المراكز الرئيسية لتدريب فتح، وتقوم بدور الوسيط في توفير السلاح لها، كما أنها قناة لتوصيله إليها ، ويضاف إلى ذلك أن الجزائر نفسها كانت تزود "فتح" بالأسلحة، ففي أغسطس/ آب 1970، أرسلت حمولة سفينة من الأسلحة إلى فتح هدية من الجزائر والمغرب عن طريق اللاذقية.
وفي أغسطس/ آب قيل : إن بومدين وافق على الاستمرار بدعم فتح ، وحتى على إرسال "بعض" القوات الجزائرية إلى الأردن.

وأصبح النظامان البعثيان الراديكاليان المتنافسان في العراق وسوريا متبرعين لماماً ، وعلى نحو لا يعتمد عليه لفتح.
في ربيع 1969 ذكر أن العراق قطع كل المعونات عن فتح لكي يعطي كل معوناته للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ولكن في أواخر 1969 أشار أحد قادة فتح وهو هاني القدومي إلى أن العراق وافق كارهاً على مساعدة فتح، ولكنه يفضل تركيز مساندته لجماعة الفدائيين الخاصة به، وهي جبهة التحرير العربية ، وقال : إن فتح تواجه المشاكل ذاتها مع سوريا، التي تريد الآن التركيز على الصاعقة.

ولكن كلاً من هذين البلدين استمر في تدريب أعضاء فتح على الأقل حتى صيف 1970.
5. صعود حركة القوميين العرب وانقسامها بين حبش وحواتمة وجبريل :
في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الرباط، بالمغرب، في ديسمبر/كانون الأول 1969، أحرز عرفات نصراً رئيسياً تمثل في أن دعم الحركة الفلسطينية كان أحد الموضوعات القليلة التي تم الاتفاق عليها، وذكر أن المؤتمرين في الرباط قرروا تخصيص نحو 26 مليون جنيه للفدائيين، أي أقل بأربعة ملايين دولار فقط عما طلبه عرفات، وكان من المقرر أن يذهب مجمل ذلك إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

وقد تذبذبت علاقات فتح مع الجمهورية العربية المتحدة عبر السنوات، وكانت العلاقة بين الطرفين تتسم بالشك المتبادل والخصام، حيث كان كل منهما يرى الآخر تحدياً لشعبيته وهيمنته.
وفي حين كانت الجمهورية العربية المتحدة غير متحمسة لفتح ولا تدعمها علناً، سمحت لفتح بالعمل، وهي أقوى الجماعات الفلسطينية في ذلك البلد ، كما أنها تهيمن على مجموعات اتحاد التجارة الفلسطيني المحلي.

وبالإضافة إلى ذلك، وكما أشرنا آنفاً، كانت الجمهورية العربية المتحدة تسمح لصوت فتح بالعمل من القاهرة ، ولكن بعد قبول عبد الناصر مقترح السلام الأمريكي في يوليو/تموز 1970 والانتقاد الفلسطيني لذلك التحرك، أوقف عبد الناصر استعمال الفلسطينيين لمرافق الإذاعة، وذكر أنه وضع الفدائيين في الجمهورية العربية المتحدة تحت المراقبة الشديدة، حتى إنه أبعد بعض المتطرفين، كما أشار عبد الناصر إلى أنه لن يستأنف ذلك قبل أن يتوصل إلى اتفاق معهم.

وحتى قبل هذا لم تتلق فتح أبداً أكثر من عون رمزي محدود ومتقطع من الجمهورية العربية المتحدة (15 ).
وهكذا نرى أن ناصر أفصح لعرفات في أوائل عام 1969 عن فزعه من وجهات نظر معينة معادية للسوفييت جرى الترويج لها في أوساط الفدائيين، ونتيجة لذلك كانت الشحنة التالية من الأسلحة أقل بكثير مما كانت فتح قد وعدت به ، وأشار عرفات إلى أنه شعر بأن عليه أخذ هذا التلميح بالحسبان والتعامل معه بمنتهى الجدية، لئلا يخسر المزيد من العون ، وأمدت الجمهورية العربية المتحدة فتح بقدر لا بأس به من برامج التدريب التي كانت تجري في لبنان، وكانت تؤكد على الخدمات الاستخباراتية والأمنية، كما دربت الجمهورية العربية المتحدة أعضاء من فتح ليصبحوا رجال ضفادع وطيارين حربيين، رغم أنهم حسبما أوردت التقارير أوقفوا برامج التدريب على الطيران في يوليو/تموز من عام 1970.

وأخيراً تلقت فتح عوناً لا بأس به من الصين الشعبية على مدى السنوات الخمس الماضية، ولا سيما ما يتعلق بالأسلحة الخفيفة والتدريب، كما يتدرب أعضاء فتح في كوبا، وفي ربيع عام 1970 كانت جماعة من فدائيي فتح أول مجموعة عربية تتخرج من كلية هافانا العسكرية ، وذكرت التقارير أن أعضاء فتح يذهبون في مجموعات مكونة من 15 إلى 20 رجلاً إلى كل من الصين وكوبا بانتظام، وذهب فريقان من هذه الفرق إلى فييتنام الشمالية، إلا أنه يقال : إن قادة فتح شعروا بأن ثمة قدراً هائلاً من الدعاية التي تجنى من هذه البرامج في حين لم يكن هناك ما يكفي من التدريب الذي يعتد به في برامج جمهورية فييتنام الديمقراطية.
وفي أواخر حقبة الأربعينات من القرن العشرين قامت مجموعة من المثقفين والمفكرين الشباب في الجامعة الأمريكية في بيروت بتنظيم حركة القوميين العرب، وهي أولى المنظمات الفلسطينية، وعكست الأيديولوجية الأساسية لحركة القوميين العرب، الذين هز ضمائرهم وألهب مشاعرهم إنشاء "إسرائيل " وطرد الفلسطينيين من وطنهم، ما كان يتضمنه اسمها وعنوانها- أي الرغبة في اتحاد الدول العربية كافة، وأمنية إقصاء النفوذ الأجنبي من العالم العربي، إضافة إلى الدافع الأكبر المستحوذ عليهم، وهو اجتثاث دولة "إسرائيل ".

وما أن أفضينا إلى أواخر حقبة الخمسينات عندما كان كثير من الطلبة قد عادوا إلى بلدانهم حتى استطاعت الحركة تأسيس فروع لها في بلدان عربية مختلفة، ولم يكن هذا التنظيم متراصاً متماسكاً أبداً، ولم يكن متناغماً أيضا، وشكلت فروع التنظيم الوطنية تحالفات محلية على أسس مصلحية انتهازية (16).

وفي عام 1955 أرغم زعيم حركة القوميين العرب الدولية جورج حبش، وهو طبيب بسيط فلسطيني من مدينة اللد وكان يعمل في الأردن، على مغادرة ذلك البلد لتورطه، في نشاطات تخريبية هدامة، وقضى حبش سنة في سوريا، ثم عاد إلى الأردن ، وقد تسلح بمساعدات مالية سورية لتنظيم جماعته، ثم طرد من الأردن ثانية في عام 1959 فذهب إلى دمشق خلال فترة الوحدة المصرية السورية، وانتبهت الاستخبارات المصرية لحركة القوميين العرب فبسطت رعايتها عليها، وأصبح كثير من أعضاء حركة القوميين العرب عناصر في أجهزة استخبارات الجمهورية العربية المتحدة ..

وفي أغسطس من عام 1959 عقد في لبنان اجتماع لوحدات حركة القوميين العرب الإقليمية ، وتبني سياسة موالية ومناصرة للجمهورية العربية المتحدة، وفي تلك الآونة أسس المؤتمر أيضا القيادة العليا لتقوم بمهمة هيئة تنسيق.

وعندما وقع الانفصال وانفرط عقد الوحدة المصرية السورية في عام 1961 انتقل مقر قيادة حركة القوميين العرب الرئيسي من دمشق إلى بيروت، مع إن الجمهورية العربية المتحدة واصلت تمويل حركة القوميين العرب لغاية سنة 1966 على الأقل، وفي عام 1965 حاولت الجمهورية العربية المتحدة فرض اندماج بين حركة القوميين العرب والجماعة الحديثة التكوين والتي يهيمن عليها المصريون، وهي الاتحاد الاشتراكي العربي الذي نادت شعاراته بتوحيد العرب (17).

إلا أن حركة القوميين العرب واصلت أداء مهامها والنهوض برسالتها لوحدها وبجهودها الذاتية ، ونجم عن هذا مصاعب مع المصريين، ومع بداية عام 1967 كان ناصر قد فصم عرى علاقاته الودية مع حركة القوميين العرب (18).

بعد حرب عام 1967 نخرت صفوف حركة القوميين العرب الانقسامات فصارت كياناً تمزقه التحزبات، حيث شهدنا إحدى تلك الجماعات وهي تجنح إلى تبني نهج أشد راديكالية ، ويبشر بالثورة التي تتفجر في جميع أرجاء العالم العربي، في حين تبتغي الأخرى التركيز على تحرير فلسطين.

والفصيل الآخر (التي سنشير إليها في هذا السياق بصفتها معتدلة)، كان يقودها جورج حبش، إلا أنه في ربيع عام 1968 سجن حبش في سوريا، مما خلق فراغاً في القيادة في حركة القوميين العرب، وسرعان ما اقتنص العضو الأردني في حركة القوميين العرب، والماركسي اللينيني نايف حواتمة الفرصة ، وهو المتلهف على الانتفاع من أي ثغرة فتسلل من خلال هذا الصدع.

مع انتخاب نايف حواتمة مبعوثاً لدى المؤتمر القومي لحركة القوميين العرب سنة 1968، حاز على دعم العديد من الوفود ، وعندما انتخبت القيادة الجديدة كانت الغالبية من مؤيدي حواتمة ومسانديه، ورفض مؤيدو حبش قبول هذا التحكم ، وتم انتخاب زعامة مؤقتة كان لفصيل حبش فيها أغلبية رجل واحد، ولكن وحتى بقية سنة 1968، استمر حواتمة في اكتساب القوة في حركة القوميين العرب.

وفي أعقاب فرار حبش من السجن في أواخر 1968 انقسمت بقايا حركة القوميين العرب إلى فصيلين متناحرين، حيث كان الفصيل "المعتدل" الذي يرأسه جورج حبش مكرساً أساساً، ومن الناحية النظرية على الأقل، لحل القضية الفلسطينية ، وتأجيل النشاط السياسي في العالم العربي ككل، وجناح راديكالي بقيادة حواتمة مكرس لتطوير حركة ماركسية في الشرق الأوسط، حيث تعامل القضية الفلسطينية كجزء واحد فقط من هدف أشمل.

وقد دمر هذا التمزق في نهاية المطاف حركة القوميين العرب، ولكن الأحزاب السياسية المحلية المنبثقة عن المنظمة الأصلية والمستقلة تماماً عنها استمرت في العمل، على الرغم من أن بعضها انشق عن طول خطوط مماثلة لتلك التي شقت حركة القوميين العرب الدولية، وكان لانقسام حركة القوميين العرب، تأثير قوي الفعل على البنية شبه العسكرية لهذه الحركة.
وإلى اللقاء مع الحلقة الخامسة .

ــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) في مارس/ آذار أوضح اليحيى في تصريح له أنه من الآن فصاعداً سوف تقوم قيادة الكفاح المسلح بإصدار كافة المذكرات التي تصدرها منظمات لها صلة بقيادة الكفاح المسلح الفلسطيني ، وقال أيضا : إنه كان يخطط لتوحيد مسألة التسلح وتدابير الحصول على السلاح.
(2) في تلك الآونة كان نحو 60% من قوات جيش التحرير الفلسطيني ملحقاً بجيش الجمهورية العربية المتحدة لواء عين جالوت، الذي يتكون من نحو 5000 رجل ، وكان نحو 30% من هذا الجيش ملحقاً بالجيش السوري "لواء حطين، نحو 2500" 10% في العراق "لواء القادسية نحو 1000 رجل".
(3) زاد من تعقيدات العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني حقيقة أن وحدات جيش التحرير الفلسطيني تعتمد في الحصول على الدعم على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى الدول العربية التي يخدمون في صفوف جيوشها، لذا فإن ولاءها موزع وميولها واتجاهاتها مختلفة بحسب البلد الذي تخدم فيه، وقادة منظمة التحرير الفلسطينية المحليون ربما لم يكن لهم في الحقيقة سوى تأثير طفيف لا يكاد يذكر في هذه القضية ، فالجمهورية العربية المتحدة مثلاً يبدو أنها تحتفظ بهيمنة محكمة شبه مطلقة على قطعات جيش التحرير الفلسطيني الملحقة بجيشها، وتلك القطعات الملحقة بالجيشين السوري والعراقي تبدو أكثر ميلاً إلى الاتجاهات والتيارات السائدة في البلدين اللذين تخدم بين ظهراني جيشيهما..
(4) شارك حداد في مؤامرة للحصول على أسلحة لجماعة الفدائيين الشيوعية، قوات الأنصار، خلافاً لرغبات عرفات.
(5) في صيف 1969، أشار اليحيى إلى أنه بعد أن استعاد قيادة جيش التحرير الفلسطيني وجبهة التحرير الفلسطينية، فإنه ينوي الآن إنهاء خدمة هؤلاء الضباط الذين أساءوا معاملته خلال ولايته القصيرة السابقة ، وخص بالذكر حداداً الذي كان قد سمي مؤخراً رئيساً للأركان.
(6)كانت اللجنة المركزية تضم: عرفات، خليل الوزير ، هاني الحسن، خالد الحسن، فاروق قدومي، هاني قدومي، ممدوح صبري، أبو صيدم، محمود مسعدة، صلاح خلف، محمد النجار، مختار بعبع، وداود قطب.
(7) قال أحد قادة فتح، وهو هاني الحسن: إن مشكلة فتح كانت في نموّها السريع الذي أدى إلى وجود بنية غير ملائمة للتحكم والإرشاد في فتح.
(8)في حين حاول [حذف هنا] إسقاط هذه التقارير عن حدوث نزاع داخلي والغمز من قناتها والتشكيك في صحتها باعتبارها مجرد "كلام يقال والقصد منه الاستهلاك المحلي" فإنه لم يطرح أسبابا أو غايات تكمن وراء مثل هذا الزعم، لذا فإن هذا التأويل يبدو متهافتاً وهزيلاً.
(9) ربما انهالت الجريدة بسهام انتقادها أيضا على كمال ناصر، الذي طالما شغل لدهر طويل منصب الناطق الرسمي باسم فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، والذي أزيح عن منصبه، حسبما أفادت التقارير، في خريف 1970 لإدلائه بتصريحات لم يكن مخولاً الإدلاء بها.
(10 ) في الثالث من يناير عام 1970 أوردت صحيفة "برافدا" تقديرات فتح لعدد العمليات التي قامت بتنفيذها ، فحسبما أوردت التقارير نفذت فتح 2442 عملية في عام 1969، مقارنة بنحو 59 عملية في عام 1966 و727 عملية في عام 1968 ، ولم تذكر "برافدا" عدد العمليات في عام 1967..
(11) لم يخترق الأراضي "الإسرائيلية" منهم سوى 30 فدائياً، كما لم يتمكن من اختراق الأراضي المحتلة إلا 185 فدائياً، وأما البقية فيزعم "الإسرائيليون" أنهم قتلوهم عند أو قرب خطوط وقف إطلاق النار..
(12) لمنظمة التحرير الفلسطينية كذلك مكاتب في كل أنحاء الوطن العربي، وبالإضافة إلى ذلك، لها مكتب في نيويورك، كان يحاول في أوائل سنة 1970 الحصول على مساندة جماعات معارضة في الولايات المتحدة ، كما كانت منظمة التحرير الفلسطينية متورطة كذلك سنة 1970 في محاولة إنشاء مكاتب في أمريكا اللاتينية.
(13) قد يكون ذلك عائداً إلى أن فتح كانت تجند فيما ذكر مواطنين إيرانيين وأتراك كمتدربين؛ وقد اعتقلت كلتا الدولتين عدداً من المجندين ، واتهمتهم بالتخطيط للقيام بأعمال تخريبية..
(14) في صيف 1970، على سبيل المثال، طلب الجزائريون من المسئولين العراقيين والسوريين أن يتوقفوا عن دعم منظماتهم، وأن يساندوا حركة فتح بدلاً من ذلك.
(15) صرح مصدر مصري رفيع المستوى من القاهرة في أواسط عام 1969 أن الجمهورية العربية المتحدة زودت فتح بأقل من 5% من احتياجاتها من الأسلحة الخفيفة، مقارنة بالجزائر التي أمدتها بنحو 15% من هذه الأسلحة.
(16) ثمة مؤسسات فرعية تابعة لحركة القوميين العرب وتنتشر في 11 بلداً عربياً، لكن بعضها لا أهمية تذكر له ، وكانت تلك التي استولت على السلطة في اليمن الجنوبي في نوفمبر من عام 1967 وحدة إقليمية من حركة القوميين العرب، وهي التي أحرزت للحركة نجاحها الأول والوحيد حتى تاريخه.
(17) ينبغي عدم الخلط بين هذه الجماعة وبين حزب ناصر المصري المحلي داخل مصر والذي يحمل الاسم ذاته.
(18) كان موقف حركة القوميين العرب من ناصر نفسه متذبذباً إلى حد ما بتعاقب الأعوام، ففي رأي كثير من أعضائها في ناصر القائد العربي الوحيد الذي له من الوزن والمنزلة ما يكفي ليبث الأمل في أفئدة من يحاولون توحيد العرب، تبددت الأوهام لدى معظم أعضاء الحركة بعد ذلك، وفي أعقاب حرب يونيو عام 1967، رأى كثير من أعضاء الحركة في الزعيم الجزائري هواري بومدين بسياسته الصلبة التي لا تلين وبشعار "مواصلة القتال" بديلاً أكثر جاذبية.
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت ـ متابعات الزيتونة ، نقلا عن موقع "قانون حرية المعلومات" على الانترنت .
إعداد: قسم الترجمة في صحيفة الخليج الإماراتية (من 29/6/2007 حتى 20/7/2007)

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس