الموضوع: جبل عامل
عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 10:34 PM

  رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

ومع ذلك فان الصليبيين الذين تبلدوا ومضى عليهم وقت طويل قد تاثروا بعادات وتقاليد وثقافة المناطق التي حلوا بها في اللباس والمآكل ومجالس الشرب واللهو واطلاق اللحى وحجب النساء وتعلم اللغة. فكان "همفري الرابع" سيد تبنين على دراسة تامة باللغة العربية، كما كان رينالد (Raynald) سيد صيدا مهتم بالعلم الاسلامي، اما وليم الصوري، الذي يعتبر من أعظم مؤرخي العصور الوسطى وقد ولد في لبنان فانه كان يتقن اللغة العربية الفصحى.
اما العامليون فانهم –رفضوا كغيرهم من العرب- الاخذ بعادات وتقاليد الافرنج، لكونها تتنافى وروح الاسلام بمفهومهم، فمن يتقن لغة القرآن يرى حطة على نفسه ان يتعلم لغة (الكفار).
اما عن التمازج العرقي بين الوطنيين والافرنج، فقد حدث خلال الحروب الصليبية –نتيجة للغزو والسبي وبيع الرقيق- ظهور جيل هجين اطلق عليه اسم (Poulain) تحول فيما بعد الى مذهب المنطقة التي وجد فيها. ففي الشمال اعتنقوا مذهب الموارنة، وفي بلاد العلوية اعتنقوا مذهب النصيرية، وفي الجنوب اعتنقوا مذهب الشيعة، وما زالت سحنتهم الاوروبية ظاهرة الى اليوم في بعض مناطقه. كما ان بعض هذه العائلات ما زالت تحتفظ بأسماء لاتينية أمثال عائلة الصليبي، وبروديل (Baldwin) وفرنجية والدويهي (De Douhai) ودوريان حمله وطربيه (Torby) وغيرها.

5-الحياة الاقتصادية
كان الطابع العام الغالب على الحياة الاقتصادية في منطقة جبل عامل قبل مجيء الصليبيين، هو الطابع الزراعي الرعوي، الا ان ازدهار عملية التبادل التجاري في عهد الصليبيين والمماليك فيما بعد جعل مدن هذه المنطقة تجنح الى التخصص في بعض الصناعات. فاشتهرت صور بصناعة السكر والزجاج والنسيج. والادريسي الرحالة عام 1154 يذكرها في رحلته قائلاً:
"وفي صور يصنع أفخر الزجاج والخزف، ويصنعون ايضاً نوعاً من القماش الابيض لا يعادله قماش آخر من حيث النوع وجودة الصنع ويصدرونه الى جميع البلدان، ولا يصنع قماش يضاهيه من حيث جودته في اي من الاقطار الاخرى". كما ان المصادر الاوروبية اجمعت على ان مدن جبل عامل عرفت ايام الصليبيين صناعة الخزف والزجاج والحلي والنسيج على انواعه وخاصة مدينة صور التي ازدهرت فيها صناعة الزجاج والخزف. حتى انه وجد فيها اكبر مضرب للعملة حيث كانت النقود تصك كالدينار الفاطمي، يحمل شعاراً نصرانياً عرف عند تجار البندقية "بالدينار الصوري".
والحروب الصليبية كانت من العوامل المهمة التي ساعدت على تنشيط التجارة في العصور الوسطى. ومثلت المدن الايطالية الناشطة تجارياً، المحتكر الوحيد للتجارة بين الشرق والغرب. فلقاء نقل الصليبيين والاشتراك الفعلي في الحروب البحرية ضد المسلمين، امتلكت هذه الجمهوريات المدن والمرافىء العديدة في الحوض الشرقي للمتوسط. فكان لكل جمهورية تجارية في كل مدينة يسيطر عليها الصليبيون حي خاص بها، يحتوي على سوق تجاري وكنيسة وقلعة وقنصلية ومأوى للتجار. وكان من بين هذه الموانىء ميناء صور الذي يعتبر من الموانيء المهمة التي تصل اليه بضائع الشرق من الهند والهند الصينية والصين، لتشحن بعدها نحو أوروبا. كما كان لجغرافية المنطقة أثر هام في ازدهار التجارة فيها. فكان يشقها طرق عديدة بمثابة شرايين حيوية لها. ومن هذه الطرق التجارية التي كانت معروفة والتي اكسبت المنطقة اتصالا حضارياً غير منقطع مع شعوب المنطقة العربية.
- طريق من صفد تمر عبر ميس وهونين. ومن هونين تهبط الطريق لتلاقي طريقاً آخر، يمر بالوديان، وهي التي مر بها ابن جبير وهو في طريقه الى بانياس الى الساحل، ويسمى الوادي بين هونين وتبنين بوادي الاسطبل. ومنه تعبر القوافل نحو حصن تبنين (موضع تمكيس القوافل) لتكمل طريقها باتجاه عكا او صور، كما وجدت اثار طريق معبدة تسلكها العربات بين صور وبانياس، ما زالت اثارها باقية الى اليوم.
-طريق القوافل التي تسير عبر ساحل فلسطين حتى تصل الى الناقورة وتتابع شمالاً على طول الساحل حتى تصل الى الزهراني.
- اما من صور الى صفد فقد وجد في عهد المماليك طريقان يؤلفان طريقاً واحداً حتى قانا. ومن قانا تتفرع الطريق فتذهب احداها الى صديقين، ياطر، دبل، وادي رميش، كفربرعم، صفصاف ثم صفد. اما الاخرى فتذهب من قانا الى تبنين، كونين، بنت جبيل، يارون حتى صفد.
- اما الطريق من صور الى دمشق، فكانت تمر عبر قبريخا، رب ثلاثين، ابل، فبانياس فدمشق.

6-الحياة العمرانية
منذ اللحظة التي استطاع فيها الصليبيون ان يضعوا اقدامهم على ارض معادية لهم حاولوا ان يقيموا لهم مراكز دفاعية وهجومية في الوقت نفسه، وهو تأكيد ثابت على رفض العامليين للاحتلال. وهكذا كانت سلسلة الحصون والابراج التي اقاموها على طول الساحل الجنوبي الممتد من عكا الى صيدا. كما اقاموا سلسلة اخرى من هذه الحصون في داخل منطقة جبل عامل امنع وأضخم مما انشأوه على الساحل.
هذه القلاع والحصون الساحلية منها والداخلية لعبت دوراً حضارياً مهماً لكونها كانت مراكز التقاء للتفاعل الحضاري الذي كان يتم بين وقت وآخر بين السكان الوطنيين من جهة ووفود الافرنج المتعددة والمتغيرة على الدوام من جهة ثانية ومن هذه القلاع الصليبية كانت:
1- قلعة تبنين (Tyron) التي اقيمت لتقطع الطريق عن المساعدات التي تأتي من دمشق الى صور عبر هذه المنطقة.
2-قلعة الشقيف أرنون، وقد أقيمت لتتتحكم في ممرات الليطاني ولتكون مرصداً لتحركات المسلمين في جهات سفوح جبل حرمون وجوار صفد وبانياس.
3-قلعة هونين : وهي مشرفة على الحولة
4-قلعة شمع : وهي مشرفة على سهول صور
5-قلعة مارون : وتقع قرب بلدة ديركيفا
هذا بالاضافة الى ما تركه الصليبيون من الكنائس، ككنيسة القديس مرقص في صور وغيرها مما أقيم في صيدا وداخل القلاع التي انشأوها.
وهناك أثار صليبية كثيرة في منطقة جبل عامل لم يكشف عنها حتى اليوم. وهي منتشرة في بنت جبيل وبرعشيت وميس الجبل ومنطقة التل في مرجعيون...
هذه القلاع والابراج لم ينج اكثرها من التهديم والتخريب عندما طرد الصليبيون من منطقة جبل عامل وذلك خوفاً من عودتهم اليها مرة ثانية. ورغم ذلك فقد بقي بعضها كمراكز عسكرية مهمة استغلت في عهد المماليك والعثمانيين فيما بعد.

 

 


   

رد مع اقتباس