عرض مشاركة واحدة

قديم 07-04-09, 11:50 AM

  رقم المشاركة : 69
معلومات العضو
جيفارا
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

في نظرنا، واضح أن هذا التوجه لطريقة الوصول الى التقديرات، التي هي في صلب عمل الاستخبارات العسكرية، هو توجه خاطئ من أساسه، بل انه يحمل في طياته أخطارا كبيرة. فهي تنطلق من الفرضية بأن ما جرى في الماضي هو الذي سيجري في الوقت الحاضر. بكلمات أخرى: التاريخ يعيد نفسه. من الطبيعي انه عندما لا يتم فحص ومراقبة الفرضية الاستراتيجية لما كان يؤمن به العدو في الماضي، على ضوء الواقع المتغير والأنباء والوقائع الجديدة، لا يمكن أن تعرف ما إذا كان يواصل الايمان بها في الحاضر. فقد تكون في هذه الأثناء قد أصبحت قديمة ولم تعد فيها روح. على سبيل المثال: في المقال المذكور (صفحة 701) تشير (روبرتا) وولشتتر الى انه في مساء يوم أزمة الصواريخ في كوبا كان لدى المخابرات الأميريكية تقدير خاطئ بأنه لا توجد في كوبا صواريخ سوفياتية متوسطة أو بعيدة المدى وان هذا الخطأ نجم عن «فلسفة الاقتناع» بأن أمرا كهذا لا يتماشى مع سياسة الاتحاد السوفياتي. والدليل ـ هكذا فسروا (رؤيتهم) ـ ان الروس لم ينصبوا في أية مرة مثل هذه الصواريخ في دولة تابعة، ولا يعقل أن يفعلوا ذلك في كوبا (بالذات) كونها قريبة من الولايات المتحدة، حيث أن مثل هذا الأمر سيؤدي بالضرورة الى رد فعل أميركي قاس:

«خروتشوف لم يضع أية صواريخ متوسطة أو بعيدة المدى في أية دولة تابعة في الماضي. من هنا فإنه بالتأكيد لن يضعها في جزيرة تبعد 9000 ميل عن الاتحاد السوفياتي و90 ميلا عن الولايات المتحدة، وهو يدرك بأن هذا هو استفزاز سيجر ردا أميركيا قاسيا».

وأيضا لو لم نكترث للنموذج المذكور اعلاه، فمن السهل البرهنة على ان عدم اندلاع الحرب في الفترات السابقة المشار اليها أعلاه، لا يعني ان هذا دليل كاف للقول ان الفرضية تصلح على طول الطريق. فأولا، كل ما يمكن استخلاصه من امتناع السادات عن الانطلاق للحرب في تلك الفرص هو أنه قد يكون متعلقا بالفرضية ولكن هذا لم يثبت بشكل قاطع. وهكذا هي القضية: لا يبدو من مواد البينات ان السبب الحقيقي لتراجع الرئيس المصري عن تنفيذ قراره الخروج الى الحرب ضدنا، معروف. على سبيل المثال، فإنه عندما سئل الجنرال زعيرا من أحد أعضاء اللجنة إن كان اندلاع الحرب الهندية الباكستانية هي التي اثرت على السادات في نهاية سنة 1971 ليتراجع عن قراره بالحرب، امتنع (زعيرا) عن اعطاء رأيه (بروتوكول اللجنة صفحة 91). وأما بالنسبة لامتناع مصر وسورية عن الخروج الى حرب في فترة أبريل ـ مايو 1973، فقد أكدت الأنباء المتشابهة ............................ (مرة أخرى تترك الرقابة الأمنية فراغا لإبقاء هذه المعلومة سرية) ان حكام البلدين استجابوا لطلب الروس بتأجيل استئناف الحرب الى ما بعد لقاء القمة بين نيكسون وبرجنيف، لعله يفضي الى حل سياسي يتوافق ورغباتهما (أنظر وثيقة البينات رقم 95، الوثيقة 44، ووثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 33). لا حاجة الى القول بأنه لا توجد أية علاقة ما بين امتناع مصر عن الذهاب الى الحرب في الفترات المشار اليها، وبين الفرضية أبدا.

ثانيا، ان هذه الحقيقة بالذات، ان السادات امتنع ثلاث مرات متتالية عن اصدار أوامر بالحرب، على عكس تصريحاته، وبالرغم عن الاستعدادات المصرية الواسعة في منطقة القناة، كان يجب ان توقظ لدى شعبة الاستخبارات العسكرية في الأسبوع الأول من أكتوبر، الشعور بان هناك خطرا كبيرا بأن لا يرتدع في هذه المرة. والمبرر لهذا هو انه في أعقاب تصرفاته في تلك الفترة، التي انتهت من دون أي عمل حربي، تعرضت مصداقيته الى الطعن من الشعب المصري والعالم العربي بأسره وضعفت مكانته كرئيس للدولة المصرية. وتبعا لذلك، فإن الدكتاتور المصري ـ هكذا كان يجب على شعبة الاستخبارات العسكرية أن تفكر ـ ما كان ليخاطر من جديد في تدهور اضافي في مكانته. والبرهان: في ربيع 1973 وصل الى اسرائيل نبأ من مصدر مميز جدا، جاء فيه بأن هناك درجة عالية من الثقة بأن السادات سيتجه الى الحرب وانه إذا لم تنشب الحرب حتى بداية الخريف فإن مكانته ستصبح في خطر (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 36). كذلك وصل نبأ في أغسطس 1973، من مصدر جيد آخر، يتحدث عن ان مصر وسورية اتفقتا على مبادئ الخطة المشتركة للمواجهة على اثر تدهور مكانة السادات (وثيقة البينات رقم 98، الوثيقة 34).

بيد ان الجنرال زعيرا قال في شهادته (صفحة 1006): «الأمر الأول الذي رأيناه كحافز من شأنه أن يدفع بالسادات الى الحرب هو خوفه من مصير حكمه شخصيا. لكنني أريد الاشارة الى ان السادات انطلق الى الحرب في الوقت الذي لم يكن حكمه الشخصي في خطر». ووجدنا ان الخبرية التي وصلت في سبتمبر (أيلول) 1973 والتي جاءت متأخرة عن تلك الأنباء المذكورة أعلاه، قالت انه في الآونة الأخيرة بدأت تتحسن صورة السادات داخل مصر وبدأت تتعزز مكانته (وثيقة البينات رقم 92، الوثيقة 219). ولكننا نعتقد بأنه حتى لو كانت هذه الخبرية ملائمة لأقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ويجب أخذها بالاعتبار، يجب أن لا نراها متناقضة مع ما نقول. إذ ان كل ما يفهم منها هو ان تحسنا جرى على صورة السادات ومكانته في مصر. وينبغي ان نلفت النظر الى ان في الخبر الأخير تمت الاشارة الى ان في مصر توجد مشكلة جدية من جراء النقص في المواد الغذائية، فإذا لم يعرف السادات كيف يعالجها في الوقت القريب فإنه سيواجه وضعا خطيرا وأن هذه هي أصعب نقطة ضعف في النظام المصري الحالي. ففي مثل هذا الوضع، كان من الممكن التقدير بأن الطاغية المصري حساس ازاء الخطر الذي قد يسببه أي تحرك من شانه أن يضع حدا للتحسن الطارئ على صورته وتعزيز مكانته ويؤدي الى التدهور من جديد. من هنا فإنه إن كان خاف من شيء، فإنه الخوف من أن يتزعزع نظام حكمه الشخصي إذا ما امتنع مرة رابعة (عن الحرب)، بعد أن أجرى كل الاستعدادات اللازمة حتى لحظة اعطاء الأمر. ويشار الى اننا توصلنا الى هذا الاستنتاج أيضا من دون الاعتماد على ما هو مكتوب في الخبرين الأولين، لأنه كان واضحا من ناحية المنطق.

وأكثر من ذلك: إذا تذكرنا بأن حشودات القوات المصرية عشية الحرب في محيط القناة «بحجم لم نعرفه من قبل» (حسب نشرة الاستخبارات من يوم 5.10.1973 وثيقة البينات رقم 111) ـ على عكس ما قاله رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن القوات المصرية التي حشدت هناك في كل مرة من المرات الثلاث السابقة لم تكن بأقل حجما (من الحشودات الحالية) ـ فلا يكون مفر من الاستنتاج بأنه في الأسبوع الأول من أكتوبر كان هناك خطر حقيقي بأن لا يقف الرئيس المصري هذه المرة مكتوف اليدين وسيعلن الحرب (في هذا السياق أنظر البند 72 لاحقا). يتضح مما سبق، بأن تصرفات حاكم مصر في الحالات السابقة لم تكن لتصلح أن تصبح دليلا على صحة استمرارية الفرضية وحيويتها في الأسبوع الأول من أكتوبر، كما اعتقد رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. وحسب رأينا، فقد وقع حينئذ في خطأ مهني نتيجة للتأثير الزائد لتوجهه «التاريخي» في التقدير بأن الحرب لن تنشب. ويجب أن نضيف بأن الحيرة التي أصابته وجهازه، لم تكن في محلها. فقد قال الجنرال زعيرا في شهادته، بأنه إذا قدم التحذير هباءً وصاح «ذئب..ذئب» في كل مرة يخلق فيها العدو حالة توتر في الجبهة فستضطر الدولة الى استدعاء الاحتياط «سبع مرات في السنة» (انظر البند 48 آنفا)، وهذا القول ليس ملائما لا من الناحية المبدئية ولا من ناحية الوقائع.

من الناحية المبدئية ـ وسنتطرق اليها بمزيد من التفاصيل (انظر البندين 71 ـ 73 و90 و103 لاحقا) ـ لأنه في وضع اسرائيل الخاص تلزمه وظيفته المهنية كرئيس لشعبة الاستخبارات في جيش الدفاع الاسرائيلي بان يأتي في كل مرة يطلب منه تقويم الخطر الفعلي بوقوع الحرب أم لا، بأن يحدد تقديراته الجديدة، سلبا أو ايجابا، فقط على أساس وزن الوقائع والمعلومات العينية وفحصها بشكل مباشر بما في ذلك المعلومات ذات الطابع التحذيري. وحاشا له أن يكون قلقا من الخطر الكامن في اعطاء تحذير بأن حربا ستقع، بأن التحذير سيكون وهميا، حتى لو حدث مثل هذا الأمر في الماضي. ومن ناحية الوقائع ـ ونريد أن نجملها هنا ـ رأت شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه ثبت في المرات الثلاث السابقة بأن المصريين لم يخرجوا الى الحرب الشاملة ولذلك فقد امتنع عن التحذير بوجود خطر كهذا حتى لا يتم تجنيد شامل لقوات الاحتياط في كل منها (بالنسبة للفترة ما بين أبريل ومايو 1973 عندما ساد التوتر على الحدود مع مصر ومع سورية، أنظر شهادة الجنرال العزار (رئيس الأركان) صفحة 3821 : «في تلك الواقعة لم يستدع الاحتياط»، كذلك شهادة الجنرال طال (نائب رئيس الأركان) في صفحة 3074: «جندنا بضع عشرات من جنود الدفاع المدني، 38 شخصا»). وقد وجدنا ان ظاهرة (الصراخ) «ذئب .. ذئب» لم يكن لها أساس ولا أصل في تجارب الماضي وما كان يجب ان تقلق شعبة الاستخبارات العسكرية عندما يعطي تقديراته بخصوص خطر نشوب الحرب في الأسبوع الأول من أكتوبر 1973.

__________________

 

 


   

رد مع اقتباس