عرض مشاركة واحدة

قديم 08-12-09, 07:12 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

الانسحاب البريطاني من الخليج العربي:
لم يفاجأ المحللون السياسيون والمختصون في شؤون المنطقة بقرار حكومة العمال البريطانية بالانسحاب من شرق السويس لأن هذا القرار في الحقيقة جاء نتيجة للضعف الذي أصاب التواجد البريطاني في المنطقة.
فلم تعد الهند تابعة للسيطرة البريطانية، ولم يعد هناك حاجة للإحتفاظ بالموانئ الخليجية التي تساعد على الوصول إلى الهند، وبعبارة أخرى لم يعد الخليج مهماً لبريطانيا كطريق إلى مستعمرتها الكبرى (الهند) بعد أن نالت الأخيرة استقلالها عام 1947. وبالنسبة لإيران فقد تراجعت بريطانيا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبح الأمريكان هم السمؤولون عن أمن واستمرار نظام الشاه، أما العراق، فإن ثورة الرابع عشر من تموز لعام 1958 والتي أطاحت بنظام نوري السعيد الحليف المتميز، وجهت ضربة قوية للمصالح الإنجليزية في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. وكذلك حصلت الكويت على استقلالها وانسحبت القوات البريطانية من قاعدة عدن بعد أن حصل اليمن الجنوبي على استقلاله.
إضافة إلى النقص في ميزان المدفوعات والذي أجبر بريطنيا لتقليل التزاماتها العسكرية في أرضي ما وراء البحار. ومن ناحية أخرى فقد كانت هناك أسباب خاصة بالسياسة الداخلية البريطانية هي التي دفعت بحكومة العمال في عام 1968 إلى اتخاذ قرار الانسحاب. عندما أعلن هارولد ويلسون عن انسحاب القوات البريطانية من شرق السويس فقد كان مضطراً إلى اقتطاع كثير من الميزنية حتى يتسطيع تعويض النقص في قيمة الجنية الاسترليني أثر الانخفاض الذي أصابه في عام 1967، ليضمن بذلك تأييد الجناح الذي كان يرفض بشدة التقليل من ميزانية المساعدات الاجتماعية(1).
وقد عارض حزب المحافظين (ممثل المعارضة حينها) هذه السياسة، الأمر الذي دفعه إلى محاولة العدول عن هذه السياسة عندما تسلم السلطة في عام 1970. وعبر هذا المنظور يمكننا رصد الزيارة التي قام بها السير ألس دوكلاس هوم Alec Douglas Home إلى منطقة الخليج العربي مبتدئاً بإيران بغرض الوقوف على آراء رؤساء دول منطقة الخليج العربي (المملكة العربية السعودية، إيران، البحرين، الكويت والإمارات العربية) حول إمكانية العدول عن قرار الحكومة السابقة (العمالية) فيما يتعلق بإنسحاب القوات البريطانية(2). لكن إجابات الدول الكبيرة في الخليج جاءت مخيبة لآمال هوم حيث طالب زعماء هذه الدول بإصرار بإلتزام بريطانيا لتعهداتها السابقة والمتعلقة بالانسحاب من منطقة الخليج العربي. أما بالنسبة للدول الصغيرة في الخليج العربي فإنها ترددت في إبداء رغبتها في رؤية القوات البريطانية في منطقة الخليج باقية طويلة وذلك نابع من إدراكها بأن هذه القوة ستكون إحدى ركائز الأمن والاستقرار في هذه المنطقة. ولكن بقيت (دبي) الإمارة الوحيدة من الإمارات الصغيرة التي جاهرت برغبتها في الحفاظ على القوات البريطانية على أراضيها في فترة ما بعد 1971(3). وقد أعلنت الحكومة البريطانية المحافظة في مارس 1971، بعد أن أمضت أشهراً عديدة من التردد، بأن القرار متى ما اتخذ يصبح من الصعب العدول عنه، ولذلك فإن قرار الانسحاب من شرق السويس سوف ينفذ.
وهذا القرار يتضمن جانبين:
الأول عسكري يقود إلى استدعاء ستة آلاف بريطاني هم طاقم القوات البرية المتواجدة في البحرين والشارقة وكذلك الوحدات الجوية المساعدة. أما الجانب الثاني فهو سياسي مبني على الجانب الأول ويتضمن إنهاء المعاهدات القديمة المتعلقة بالدفاع وإبدالها بمعاهدات صداقة وتعاون لا تتضمن أي التزامات مهمة من كلا الجانبين. وقد كان هناك استثناء عملي لسلطنة عمان، حيث وافقت بريطانيا على الحفاظ على نفوذها هناك، حيث نظمت العلاقات بين البلدين (عمان ـ انجلترا) وذلك عن طريق تبادل المذكرات بين السلطات وانجلترا: تتولى بريطانيا العظمى تدريب وتجهيز قوات السلطنة، وتحصل مقابل ذلك على حقوق البقاء في القاعدة الجوية في جزيرة مصيرة ذات الموقع الاستراتيجي الهام على مضيق هرمز إلا أن هذه القاعدة أعيدت إلى السلطنة في عام 1977(4).
وقد كان هذا الانسحاب موضوع الساعة في تلك الفترة، لدراسات وتحليلات من قبل المراقبين والمهتمين والمتخصصين السياسيين الغربيين بشؤون الخليج العربي. وكان اهتمامهم منصباً على الوصول إلى الطرق المثلى المساعدة على المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة (منطقة الخليج العربي) بعد خروج البريطانيين منها.
وكان الأمن بالنسبة لهؤلاء المهتمين والمتخصصين السياسيين الغربيين، يعني المحافظة على وصول الإمدادات النفطية الآتية من الخليج. ومساعدة الحكومات الصديقة في منطقة الخليج العربي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي:
كيف الوصول إلى هذا النوع من الأمن؟
لقد ظهرت مدرستان للإجابة عن هذا السؤال:
الأولى متشائمة وتنطلق من أن الانسحاب البريطاني سيساعد على زيادة الاضطراب والفوضى في منطقة تعرف بصراعاتها وانقساماتها أكثر مما تعرف بوحدتها. وقد رأت هذه المدرسة أن أهم عناصر عدم الاستقرار في الخليج إنما تتركز في الصراعات القبلية والعداء العربي الفارسي. وأكدت هذه المدرسة أن هذه المنطقة لم تعرف أي نوع من الاستقرار والوحدة إلا ذلك الاستقرار المفروض من قبل قوة خارجية ولئن كانت هذه القوة في القرنين الماضيين متمثلة في بريطانيا العظمى، فإن البوادر لا تشجع كثيراً في المراهنة على استطاعة أي قوة أن تعلب هذا الدور البديل إذ لا توجد قوة إقليمية قادرة على القيام بهذا الدور. وبمعنى آخر فإن الانسحاب البريطاني من الخليج العربي سوف يخلق فراغاً. هذا الفراغ قد يستغل من قبل القوى الشيوعية، وقد أيد ديجنالد مودلنج هذه الفكرة قائلاً: "من الواضح أن النفوذ السوفيتي يتعاظم في اليمن، وخصوصاً إذا نحن (بريطانيا العظمى) تركنا فراغاً في منطقة الخليج العربي أيضاً(5).
ويمكن تلخيص الفكرة المتشائمة وفق السيناريو التالي: إن الإنسحاب البريطاني سوف يؤدي إلى إحداث فراغ عسكري في الخليج العربي هذا الفراغ سيكون سبباً في تسهيل الفوضى والاضطراب الداخلي، مما سوف ينعكس دون شك على إيقاف عملية الإنتاج النفطي وكذلك تسهيل عمليات التخريب التي تقوم بها الحركات الشيوعية في المنطقة.
أما المدرسة الثانية فهي متفائلة، وترى أن الانسحاب البريطاني من الخليج العربي، سوف تكون له آثار إيجابية على المنطقة، لأنه سوف يهدئ من الصراعات الداخلية والتهديدات الشيوعية. وقد استندت وجهة النظر هذه إلى واقع القوات البريطانية والتي كانت بعيدة جداً عن السيطرة على الصراعات الداخلية، بل على العكس فإن التواجد البريطاني ساهم في تحريك الصراع الداخلي وجذب التهديدات الشيوعية. أيضاً وهذه التهديدات كان التواجد العسكري البريطاني من شأنه أن يقوم بمنعها(6).
وهكذا فإننا نرى أن التواجد البريطاني في منطقة الخليج العربي خلال السنوات التي سبقت قرار الإنسحاب لم يثبت فاعليته، ونشارك بذلك وجهة النظر القائلة بأن الإنسحاب البريطاني لن يترك فراغاً في الخليج العربي. وندعم وجهة نظرنا هذه بإعطاء الأمثلة التالية:
1 ـ الانتفاضة المسلحة التي اندلعت في عمان، كان من ضمن أهدافها، إنهاء النفوذ الأجنبي والمتمثل في تلك الفترة بالتواجد العسكري. ولم يستطع التواجد العسكري منع اشتعال هذه الإنتفاضة في عام 1965 بل على العكس ساعد على تصاعدها.
2 ـ التظاهرات العمالية البحرينية في عام 1965 والتي دامت حوالي ثلاثة أشهر كانت موجهة ضد شركة النفط البحرينية (BABCO) ولم يستطع التواجد البريطاني منعها بقدر ما ساهم في قيامها.
من الواضح، على صعيد آخر أن التواجد البريطاني لم يعد ضرورياً لتأمين تزويد الدول الغربية بحاجاتها النفطية، وإن هذا التواجد لا يشكل رادعاً، لأنه لم يستطع منع مصدق من وقف تصدير النفط الإيراني من عبادات خلال الفترة 1951 ـ 1953م.
ولم يستطع هذا التواجد أيضاً تأمين استمرار تدفق النفط السعودي والعراقي خلال أزمة السويس وحرب 1967. إضافة إلى ذلكن لم يستطع التواجد البريطاني منع الدول المصدرة للنفط من اتخاذ قرارات مضادة لمصالح الشركات النفطية الغربية أثناء اجتماعاتهم في طهران عام 1971.
وقد أثبتت الوقائع على أرض الواقع أن انسحاب البريطانيين من الخليج العربي لم يكن السبب في اشتعال التنافس بين القوتين العظميين لملء الفراغ، لأن هاتين القوتين موجودتان آنفاً في المنطقة. فلقد كانت الشركات النفطية الأمريكية تسيطر على ثلثي الامتيازات النفطية في الخليج العربي تقريباً. إضافة إلى الالتزامات العسكرية السياسية التي أخذتها الإدارة الأمريكية العسكرية بين سنوات 1950 ـ 1960 تجاه كلّ من إيران والمملكة العربية السعودية.
أما بالنسبة للإتحاد السوفيتي فإنه استطاع إقامة العلاقات الدبلوماسية مع بعض دول الخليج العربي مثل العراق ـ إيران ـ الكويت ودول جنوب الجزيرة العربية. وقد أخذت الدول المعنية بالانسحاب (بريطانيا، حول الخليج العربي، الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية) في اعتبارها ما يترتب على وجهتي النظر المتشائمة والمتفائلة سعياً وراء تهيئة النفس لفترة ما بعد الإنسحاب.
الهوامش:
1 ـ Delcorde Raoul, "La Securite et Ia Strategic dans Ia Golfe Arabo- Persique” ed. Le Syco- more, Paris, 1983, P. 37.
2 ـ Holden David, "The Persian Gulf: After The British Raj", Foreign Affairs, Vol. 49, july 1971, P. 729.
3 ـ تصورت الحكومة البريطانية أن أي محاولة للحفاظ على قوات دائمة في المنطقة بعد عام 1971 سوف تجعلها عرضة للإتهام بالرجوع إلى الإمبريالية وقد تكون عامل عدم استقرار أكثر من كونها عاملاً للاستقرار.
4 ـ Melhem Chaoul, "La Securite dans Ia Golfe Arabo- Persique”, ed. La Fondation Pour Les Etudes de Defense Nationale, Cahier No 12, Paris, 1978, P. 55.
5 ـ Frankel j., "East of Suez; the After math’, The Year Book of world Affairs, 1969, Pub- lished Under the Auspices of the London Institue of world Affairs, Stevens & Sons. London, 1969. P. 21.
6 ـ نفس المصدر السابق ص 22.

 

 


المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس