عرض مشاركة واحدة

قديم 08-12-09, 07:02 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المنتصر
مشرف عام

الصورة الرمزية المنتصر

إحصائية العضو





المنتصر غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي خلفيات تطور الاستراتيجية الأميركية في الخليج العربي



 

خلفيات تطور الاستراتيجية الأميركية في الخليج العربي


المقدمة.
تهدف هذه الدراسة إلى رصد وتحليل منهج الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي منذ بروز الولايات المتحدة الأمريكية كقائدة للمعسكر الغربي بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. وهدفنا من هذا البحث إيضاح التوجهات الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي للقارئ العربي. لأن المكتوب عن السياسة الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي من قبل الكتاب العرب الخليجيين والعرب لا يتناسب كلية مع حجم الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة تجاه المنطقة على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية. صحيح أن هناك متابعات كثيرة تناولت السياسة الأمريكية تجاه الخليج العربي، ولكننا وجدنا معظم هذه الكتابات لم تحلل بعمق الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وجدنا أن جزءاً كبيراً من هذه الدراسات متحيزة سواء كان ذلك بالإيجاب أو السلب.
ماذا تريد الحكومات الأمريكية من دول الخليج العربي؟ سؤال طرحناه في بداية هذه الدراسة التي تحوي أربعة فصول بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟ وحاولنا الإجابة عنه بطريقة السرد التاريخي لتطور المصالح الاقتصادية للولايات الأمريكية وحلفائها سواء أكانت تلك المصالح تتمثل في إنتاج النفط الملبي لحاجات الدول الغربية، أهمية السوق المحلي للصادرات الأمريكية، إعادة تدوير العائدات النفطية.
ما هي الأساليب التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية للمحافظة على مصالحها ومصالح حلفائها في منطقة الخليج العربي؟
وقد حاولنا الإجابة عن هذا السؤال في الفصول الثلاثة المتبقية من هذه الدراسة وذلك برصد الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الخليج العربي منذ عقد الخمسينات وحتى يومنا هذا. ولا بد من التأكيد على أن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة لم يطرأ عليها أي تغيير في المضمون وإنما التغير كان دائماً يدخل في مجال المنهج. وإن أسس هذه الاستراتيجية قائمة على استمرارية تدفق النفط لأمريكا وحلفائها الغربيين والشرقيين وبالكمية التي يريدونها، وبالأسعار التي لا تهدد اقتصادهم، وكذلك على اعتبار الإتحاد السوفيتي الخطر الأول الذي يتهدد المنطقة. وإن هذه المنطقة لا تستطيع تأمين دفاعها الذاتي، ومن هنا نصبت الولايات المتحدة نفسها مسؤولة عن أمن هذه المنطقة.
إذا كانت الاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الخليجح العربي قائمة على الأسس الآنفة الذكر، فهل هي في الواقع تتماشى مع تطلعات قادة وشعوب هذه المنطقة؟ والإجابة عن هذا السؤال تضمنها القسم الأخير من هذه الدراسة.
ونحن نطرح في هذا البحث فرضية أساسية تحدد على ضوئها منهجنا التاريخي لرؤية العلاقات الخليجية الأمريكية وهي أن العالم اليوم أصبح قرية صغيرة وأن وسائل الاتصال تكاد تغرق المسافات الجغرافية والحدود السياسية ووسائل الرقابة المعلوماتية ومع هذا التقدم المذهل في الاتصال فإن الوجود الأمريكي في الخليج اليوم على قربه الشديد يعد أمراً غير مفهوم فهناك الأغلبية الساحقة اليوم التي تحبذ هذا الوجود لمخاوف تظن أنه يحميها من تحققها مع نشوء مخاوف أخرى جديدة تترتب على هذا الوجود نفسه. فهم يرغبون في هذا الوجود الأمريكي ولا يرغبون. إن هذه الحالة أمر طبيعي تماماً في ظل الوعي بالمخاوف القائمة وميلاد مخاوف قادمة دون تعقيل لهذه المخاوف. إن المخاوف أشباح اشبه بالعفاريت في قصص ألف ليلة وليلة وهي تخلق حالات سيكولوجية ولا تخلق فهماً وبالتالي فإن الدراسة الدقيقة بقدر الإمكان هي السبيل الوحيد لفهم جذور هذا الوجود الأمريكي ومستقبله في المنطقة فهماً يبدد المخاوف لأن الفهم يشبه ضوء الشمس التي تقضي على كوابيس ظلام الليل.
ومن ثم فالفرضية المطوحة هي أن التسلسل التاريخي الذي حمل إلى اللحظة الراهنة بكل ملابساته يجعل من الحاضر أمراً مفهوماً فالحاضر هو البدء والميعاد عند كل دراسة تاريخية وهذا التسلسل طبقاً لما سيطرح في هذه الدراسة المعاصرة يرتبط به وينطلق منه وإليه. إن أوروبا تتعامل مع الوجود الأمريكي في أوروبا بهدوء وفهم مرة داخل دائرة الصراع العقلي السلمي، وأخرى داخل دائرة التحالف العقلي المصلحي. فهل تؤدي هذه الدراسة وأمثالها إلى أن نتعامل مع الوجود الأمريكي تعامل الأوروبيين معه؟؟



أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط:
لم تبرز الولايات المتحدة الأمريكية على مسرح الأحداث في السياسة الدولية إلا منذ الحرب العالمية الثانية لأنها كانت تتبنى سياسة خارجية تقوم على الحياد والانعزال. وعدم التدخل في المشكلات الأوروبية في مقابل منع الأوروبيين من التدخل في العالم الجديد، وقد سميت هذه السياسة بمبدأ مونرو. الذي أعلن في ديسمبر 1823 من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك ج. مونرو في خطاب أمام الكونجرس الأمريكي ونص على:
1 ـ يجب على الدول الأوروبية عدم مد نفوذها الاستعماري لأمريكا.
2 ـ تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها بعدم التدخل في المشكلات أو العلاقات الأوروبية.
وقد تميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ببروز كتلتين متنافرتين أشد التنافر، وأصبحت السياسة الدولية في أغلبها تتركز على تكييف النفس مع الصرع السوفيتي الأمريكي. صحيح أن بداية هذا الصراع الذي سمي آنذاك "بالحرب الباردة"، بدأ بتحديد حدود أوروبا والعمل على حل المشكلة الألمانية والتي كانت ستحدد مدى تأثير كل القطبين على أوروبا. إلا أن الصراع سرعان ما امتد إلى دول العالم الثالث، فقد رفض الإتحاد السوفيتي الانسحاب من إيران لولا الضغوط الأمريكية. وقد أكد هذا الرفض كما يقول المحللون السياسيون لتلك الفترة وجهة نظر ترومان حول فعالية "الحديث بعنف" / "taking tough" مع السوفييت، والتي قادت إلى سياسة الاحتواء التي نالت ترحيباً كبيراً من الراي العام الأمريكي. كما افرزت الحرب الأهلية اليونانية والضغوط السوفيتية على تركيا لتقديم تنازلات في المضايق "مبدأ ترومان".
وقد كانت الشيوعية العالمية تتقدم بخطى حثيثة أنذاك نتيجة لظهور شخصيات مؤمنة بهذا الفكر مثل سوكارنو ـ هوشي منه، والتي أحدثت تغييرات كبيرة في الشرق الأقصى، عدها الغرب تحدياً كبيراً له وتطلع إلى مواجهتها.
هذه التغييرات السريعة التي كانت تحدث في الشرق وضعت الولايات المتحدة الأمريكية في مأزق، فهي من ناحية، ترفض مساعدة حكومات دول العالم الثالث الفاسدة (من وجهة نظرها) وكذلك لا ترغب في الارتباط بالأمبراطوريات الإستعمارية المتداعية، ومن ناحية أخرى لا ترى قوى الثورة أن تنتشر أكثر، لأن ذلك من شأنه أن يعزز من قوة موسكو.
ولمواجهة التقدم الشيوعي، طلب المتشددون من أمثال لويس جونسون Louis johnson ودين رزك Dean Rusk وجون فوستر دالس John Foster Dulles وغيرهم. من الرئيس الأمريكي التصرف بحزم لحماية المصالح الوطنية الأمريكية، وقد تعزز موقف المتشددين لتزامن مطلبهم مع هجوم كوريا الشمالية في يونيو 1950، الذي عدّوه جزءاً من الخطة الهجومية المعدة من قبل موسكو.
في هذا الجو الملبد بالغيوم السوداء في أجواء موسكو وواشنطن كانت دول العالم الثالث ومن بينها الدول العربية، تسير بخطى سريعة في طريق الاستقلال عن الأمبراطوريات الإستعمارية القديمة. وكانت هذه الأخيرة ترغب بكل ما امتلكت من حيلة في أن تحافظ على ما تبقى لها من نفوذ في الشرق الأوسط.
وفي سعيهم المتوصل لإيجاد ترتيبات أمنية كالدفاع عن الشرق الأوسط (منطقة نفوذهم الحيوية) في حالة حدوث أي هجوم سوفيتي عليها. قدم رؤساء الأركان البريطانيون خطة تدعو إلى:
شكل من الشراكة العسكرية الإنجليزية ـ المصرية للمعاونة في الدفاع عن الشرق الأدنى في حالة العدوان السوفيتي. وتدعو هذه الخطط إل تقوية الجيش المصري بمعدات عسكرية بريطانية، بما في ذلك المعدات الثقيلة… وإحدى نتائج هذا التطور ستتمثل في زيادة اعتماد الجيش المصري على المملكة المتحدة في الحصول على الإمدادات والمساعدات العسكرية وهي الحقيقة التي ستزيد من احتمالات استمرار الوجود البريطاني في منطقة قناة السويس… ومن خلال التحكم في قطع الغيار والتعويض.
اعتقد البريطانيون أنه سيكون بوسعهم كبح جماح المصريين بعيداً عن المغامرات العسكرية التي لا ترتبط بأغراض الدفاع الإقليمي الذي يقدمون هم الأسلحة من أجله… وهم يخططون في آخر الأمر لاجتذاب الدول العربية الأخرى وإسرائيل إلى ترتيبات الدفاع المتصورة في الشرق الأدنى.
وبمثل هذه الوسائل، سيتحسن الوضع الاستراتيجي للغرب في الشرق الأدنى. ومن الضروري بطبيعة الحال ألا تتضمن هذه العملية استئناف العمليات الحربية بين أطراف النزاع الفلسطيني(1).
وبالرغم من أن الإدارة الأمريكية آنذاك كانت تقر بمساندة استمرار إمداد مصر بالأسلحة البريطانية، إلا أنها وجدت الخطط البريطانية متحيزة ضد إسرائيل. (وكان اتشيسون) منتبهاً لذلك فاقترح طريقة لحل قضية إمداد الأسلحة للدول العربية وإسرائيل، تزيل اعتراضات الرئيس ترومان حول الخطط البريطانية، تقدم بها رسمياً في 24 أبريل 1950. وكانت فكرة اتشيسون تقوم على إعلان ثلاثي يضم (فرنسا ـ أمريكا ـ بريطانيا) بشأن شحنات الأسلحة إلى الشرق الأوسط. وقد وقع على هذا الإعلان المسمى "بالميثاق الثلاثي" في اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاثة عقد بلندن في 11 و 12 مايو 1950. وقد كان ينص على التالي : "عدم السماح بشحن أسلحة إلى اية دولة من دول الشرق الأدنى ما لم تقدم الدول المشترية للدولة الموردة تأكيدات رسمية بعدم القيام بأي عدوان ضد أية دولة أخرى من دول الشرق الأدنى. والاستمرار في إقناع البريطانيين والفرنسيين بأهمية تلافي خطر أي تجدد في الأعمال الحربية في فلسطين، والحصول على موافقتهم على إصدر بيانات علنية موازية بتصميم على اتخاذ تدابير قوية، داخل الأمم المتحدة وخارجها، إذ ما اتضح أن هناك محاولة لتجديد الأعمال الحربية. ولن تتضمن مثل هذا التدابير استخدام القوات المسلحة الأمريكية(2).
في هذه الفترة التي تعتبر ذروة الحرب الباردة، قام مصدق بتأميم النفط الإيراني وكذلك استلم رئاسة الوزراء في إيران في أبريل 1951. هذه الحركة أثبتت بوضوح تداعي القوة البريطانية في المنطقة، لأنها فشلت في إجهاض السياسة الوطنية لمصدق.
أما على الصعيد الدولي فقد كانت الحرب الباردة التي اشتد سعيرها هي المسيطرة على الوضع العالمي المتميز باستراتيجية الكتلتين القائمة على الاستقطاب الدولي. التي تعتبر دول العالم الثالث أدوات في صراع القوى العالمي، حيث أرادت الدول الغربية أن تبقى الدول الحديثة الاستقلال مناطق نفوذ لها سواء عن طريق تطبيق الأساليب الاستراتيجية المباشرة أي الوجود العسكري المباشر أو بواسطة الطرق غير المباشرة كالأحلاف والمواثيق العسكرية. والتي تعني حرمان الدول الحديثة الاستقلال من ممارسة استقلالها السياسي وكذلك مصادرة سيادتها الوطنية التي هي من أبرز خصائص حرية اتخاذ القرار المناسب في كل ما يتعلق بحماية المصالح القومية والأمن القومي.
ولعل في رصد الدور الكبير الذي لعبه الأمريكان في إسقاط الدكتور مصدق أثناء الأزمة الإيرانية 1953(3). ما يكشف مدى التغلغل الذي حققته أمريكا في إيران لتصبح فيما بعد المسؤولة عن استقرار واستمرار نظام الشاه محمد رضا بهلوي. وقد تزامنت هذه المسؤولية مع وصول إدارة أمريكية جديدة إلى السلطة بزعامة "ايزنهاور ـ دلاس". كان أهم أهدافها احتواء التوغل السوفيتي في الشرق الأوسط. ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف كان لا بد من تقوية الدول التي لها حدود مشتركة مع الإتحاد السوفيتي. هذه التقوية لا تأتي إلا بربط هذه الدول ببعضها عبر أحلاف تكون تابعة للمعسكر الغربي. وهكذا تحققت الخطوة الأولى من هذا السيناريو بارتباط باكستان بتركيا (وهي عضو في حلف الشمال الأطلسي) عبر حلف عسكري في الثاني من أبريل 1954(4). وقد تبع هذا الحلف اتفاق مساعدة ودفاع مشترك بين الباكستان والولايات المتحدة الأمريكية. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا تدور حول طبيعة ردود الفعل البريطانية تجاه السياسة الأمريكية الفعالة في المنطقة. هل تقبل أن تبعد بهذه السرعة عن مناطق نفوذها؟ أم أنها سوف تحاول أن توجد لها تجمع آخر؟ الإجابة على هذه الأسئلة ستناقش بإسهاب أثناء الحديث عن حلف بغداد.
حلف بغداد:
جاءت فكرة إقامة هذا الحلف في فترة كان النظام الدولي في طريقه للتغير. فالحرب الباردة كانت تميز عقد الخمسينات وكان هدف السياسة الأمريكية وقتئذ هو احتواء الإتحاد السوفيتي(5).
ومن أجل تحقيق ذلك الهدف سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتجميع الدول المجاورة للإتحاد السوفيتي. وبعد أن تمكنت أمريكا من إدخال قبرص وتركيا في حلف شمال الأطلسي، قامت كذلك بتشجيع هاتين الدولتين للتعاون مع الدول المجاورة لها.
وقد ساعد هذا التشجيع على التحالف بين تركيا وباكستان في 2 / 4 / 1954، ولإكمال إحتواء الإتحاد السوفيتي من الجنوب لم يتبق سوى إيران، أفغانستان والدول العربية. ولم يكن دخول العراق في الحلف الباكستاني التركي مشكلة صعبة، ولكنه كان مشكلة وقت فقط خاصة بعد أن أعلن العراق في 25/4/1954(6) رغبته في الحصول على المساعدات الأمريكية(7). وقد حاولت الحكومة البريطانية التي لم تكن راضية عن هذا التطور تأخير دخول العراق في الحلف التركي الباكستاني، لأنها كانت تدرك بأن دخول العراق في مثل هذا التحالف يعني نهاية السيطرة البريطانية على العراق. بالإضافة إلى أن مشاركة العراق ـ "الدولة العربية"ـ في مثل هذا التحالف مع الدول الشمالية "غير العربية" قد يعطي الولايات المتحدة حقوق التصرف الإقليمية.
كان رئيس الوزراء العراقي حيذاك (نوري السعيد)، المعروف بعلاقاته الوطيدة مع بريطانيا، يدرك الدور الكبير الذي يستطع العراق أن يلعبه في تحالف عسكري إقليمي، وقد أراد أن يلعب هذا الدور لصالح بريطانيا.
ففي زيارته للعاصمة البريطانية عام 1954(8) اقترح خطته لإيدن الذي أبدى سروره للخطة التي تضمنت ما يلي:
1 ـ بناء تحالف جديد يكون أساسه تحالفاً تركياً عراقياً، على أساس أن تقوم لندن وبغداد بإقناع تركيا بالتوقيع على مثل هذا التحالف، ثم تحاول الدول الثلاث إقناع باكستان بالمشاركة.
2 ـ تقوية الجانب العربي(9) في مثل هذا التحالف، وللوصول لهذا الهدف كان نوري السعيد يرى أن ضغطاً تركياً عراقياً سوف يجبر سوريا على الأشتراك في الحلف. أما بالنسبة لمصر فأن نوري السعيد قد أعطى تأكيداته بمشاركتها، لإعتقاده بأن حكام مصر لا يكنون أي عداء للأحلاف العسكرية. وكذلك تنبأ باشتراك الأردن بسبب الارتباط القوي بين عمان ولندن، وبالنسبة للبنان فإن نوري السعيد رأى أن مشاركتها ستحدث دون أية صعوبة نتيجة لعلاقاتها المتميزة مع الغرب.
وقد رأى نوري السعيد أن هذا التحالف يجب أن يعطى لون التحالف الداخلي، أما المشاركة البريطانية فتأتي في المرحلة الثانية(10). وقد رحبت بريطانيا بمقترحات نوري السعيد، إذ رأت أنها تقوي مركزها المتداعي في الشرق الأوسط، إضافة إلى أنها أي (المقترحات) سوف تسمح لبريطانيا بمواصلة تواجدها في العرق في حالة إلغاء معاهدة 1930م. بعبارة أخرى، وجدت بريطانيا في مقترحات نوري السعيد فرصة لكي تأخذ بيدها اليسرى ما سوف تمنحه باليد اليمنى للعراق.
ولم تواجه بريطانيا أية صعوبة في وضع هذا المشروع موضع التنفيذ بسبب إبداء تركيا ـ حليف أمريكا ـ رغبتها في المشاركة في هذا الحلف. هكذا رأى حلف بغداد النور في 24 فبراير 1955م بين العراق وتركيا. وقد وافق البلدان الموقعان على التعاون في المجالات الأمنية والدفاعية(11) كذلك أكدت تركيا والعراق أن بنود هذه المعاهدة لا تتعارض مع أي التزامات دولية موقعة من أحد الطرفين مع دولة أو مجوعة دول أخرى. ودعا الميثاق جميع الدول العربية للانضمام إلى هذا الحلف وكذلك أبدى ترحيبه بانضمام الدول المتطلعة لرؤية السلام في هذه المنطقة.
وقد وقع هذا الاتفاق لفترة خمس سنوات. قابلة للتجديد خمس سنوات أخرى. كانت ملحقات هذا التحالف تتمثل في الرسائل المتبادلة بين نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي وعدنان مندريس رئيس الوزراء التركي. واشترط في الرسائل المتبادلة بين رئيس الوزراء التركي والعراقي على أن "هذا الحلف يسمح بالتعاون بين البلدين من أجل مقاومة أي عدوان موجه إلى أي من الدولتين، وكذلك المحافظة على السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط". واتفق الطرفان أيضاً على العمل المشترك الجاد من أجل تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين(12).
وقد أبدى نوري السعيد رغبته في أن يرى مشاركة بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية وباكستان وإيران وأفغانستان في هذا الحلف، كما وعد بالتعاون مع جميع الدول العربية غير أن هذا الوعد لم يخفف الهجوم العربي على الحلف.
وكما هو مرسوم، فإن بريطانيا قبلت الدعوة الموجهة لها للاشتراك في الحلف في الخامس من أبريل 1955، وتبعت المشاركة البريطانية مشاركة باكستان في 23 سبتمبر وإيران في الثالث من نوفمبر من نفس العام(13).
وقد اختارت بريطانيا باشتراكها في الحلف المعسكر الخاطئ، وذلك للأسباب التالية:
1 ـ بينما كانت الدول العربية تحاول الحفاظ على استقلالها، أرادت بريطانيا أن تسير ضد التيار بمحاولتها الإطالة في البقاء في الشرق الأوسط.
2 ـ إن التوجه البريطاني في استعمال القوة العربية كان مناقضاً تماماً للتوجه العربي، فبينما كان العرب يحاولون تجميع قواهم لمواجهة الدولة الصهيونية، كانت بريطانيا تحاول استعمال هذه القوة لأهداف أخرى.
3 ـ صعد انتماء بريطانيا لهذا الحلف الشعور المعادي للدول الأوروبية.
أما موقف أمريكا من الحلف فقد كان غامضاً، لأنها اعتبرته صيغة إيجابية لتقوية الحزام الشمالي(14) ولكنها رفضت المشاركة فيه، وذلك بالرغم من إبدائها الاستعداد لدعمه معنوياً ومادياً وقد برز "إيزنهاور" في مذكراته الموقف الأمريكي بقوله: "إن دخول أمريكا الحلف لا بد أن يصاحبه ضمان للدفاع عن إسرائيل. هذا من شأنه أن يؤدي إلى خروج العراق من الحلف"(15).
أما بالنسبة لنا فإننا نرى عدم مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في الحلف يرجع للأسباب التالية:
1 ـ عدم رغبة واشنطن في المشاركة في حلف أثبت ضعفه منذ ولادته.
2 ـ رغبة رجال الإدارة الأمريكيين في الحفاظ على حرية التحرك في التدخل في حالة حدوث أية مواجهات جديدة في المنطقة.
3 ـ لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في فقدان سمعتها بالانضمام في حلف عسكري مع قوة لها تاريخ استعماري طويل.
إن هذا الموقف الأمريكي المشبوه تجاه حلف بغداد، دفع بمصر للابتعاد عن المعسكر الغربي وتبنى سياسة عدم الإنحياز في فترة كانت الولايات المتحدة تعد عدم الإنحياز مبدأ لا أخلاقياً(16).
الميثاق الثلاثي:
عكست ردود الفعل العربية تجاه حلف بغداد خطأ السياسة البريطانية في المنطقة، لأن مصر وكل الأقطار العربية تقريباً رفضت المشروع البريطاني، بل سارعت سوريا نتيجة للضغوط التي مورست عليها من قبل بغداد ـ أنقرة ولندن بالدخول مع مصر في مشروع يهدف إلى عقد حلف عربي يعالج نقاط الضعف في معاهدة الدفاع المشترك ويقوم أساساً على توحيد الجيوش العربية وإنشاء قيادة عربية مشتركة وتوحيد السياسة الخارجية والشؤون الاقتصادية. مع التعهد بعدم الانضمام لأي حلف أجنبي. وقد تم التوقيع على التصريح المشترك في الثاني من شهر مارس 1955 وجاء فيه:
أولاً: عدم الانضمام إلى الحلف التركي أو أية أحلاف أخرى.
ثانياً: إقامة منظمة دفاع وتعاون اقتصادي.
ثالثاً: الاتصال بالحكومات العربية لعرض الأسس والمبادئ المذكورة في البيان. ودعوة الدول العربية للموافقة عليها والدعوة إلى عقد مؤتمر توضع فيه النصوص مع تفاصيلها لإقرارها وتنفيذها فور اعتمادها، على أن يعقد هذا المؤتمر خلال شهر مارس 1955م وأن يضم رؤساء الحكومات ووزراء الخارجية والدفاع الوطني والمالية والاقتصاد ورؤساء الأركان العامة(17).
وقد اتفق قادة البلدين على أن تكون الخطوة التالية، هي دعوة بقية الدول العربية للإتفاق على ما جاء في البيان. وكانت الرغبة تحذوهما في رؤية الأردن التي هي دولة من دول المواجهة وذات الموقع الاستراتيجي الهام، الدولة الثالثة في هذا الإتفاق. لذا توجه إليها كل من (خالد العظم) و (صلاح سالم) اللذين التقيا برئيس الوزراء الأردني آنذاك (توفيق أبو الهدى). وبعد دراسة الحكومة الأردنية للمشروع تبين لها أن هناك عقبة تحول دون انضمامها إليه والتي تتمثل في الإتفاقية البريطانية الأردنية.
إن هذا الإخفاق في الأردن لم يثن الوفدين (المصري ـ السوري) من الذهاب إلى المملكة العربية السعودية حيث لقيا ترحيباً كبيراً بالأسس الواردة في البيان (السوري ـ المصري). أعلنت الملكة العربية السعودية موافقتها على الانضمام إلى الإتفاق الذي أطلق عليه فيما بعد "الميثاق الثلاثي". وقد أقر الملك سعود مشروع الميثاق ووافق على جميع ما جاء في البيان المشترك (المصري ـ السوري) بدون تحفظ. وكان نص البيان: "عقد في الرياض اجتماع يوم السبت / 10 رجب 1374 الموافق "مارس 1955" حضرة صاحب الجلالة الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية وحضره صاحب السمو الملكي الأمير فيصل رئيس الوزراء ووزير الخارجية السعودية والسيد خالد العظم وزير خارجية سوريا ووزير الدفاع الوطني بالوكالة والسيد الصاغ أركان حرب صلاح سلام وزير الإرشاد القومي المصري.
وقد عرض في هذا الاجتماع ما تم الإتفاق عليه بين الحكومتين المصرية والسورية في البيان المشترك الذي وقعته سوريا ومصر يوم 7 رجب 1374 الموافق 2 مارس 1955. وقد وافق حضرة صاحب الجلالة الملك سعود باسم المملكة العربية السعودية موافقة كاملة على جميع ما جاء في ذلك البيان المشترك بغير تحفظ وأبدى جلالته رغبته الشديدة في ضرورة الإسراع إلى عقد المؤتمر الذي دعا إليه البيان، تحقيقاً لأماني الأمة العربية وأهدافها(18).
لقد أثبت هذا الميثاق فشل السياسة البريطانية في الشرق الأوسط. ويأتي العدوان الثلاثي بعد حوالي سنة ونصف من التوقيع على هذا الميثاق ليثبت للعالم أجمع مدى الوهن الذي وصلت إليه القوة البريطانية. وكيف حاولت الولايات المتحدة الأمريكية تدارك التداعي الغربي في الشرق الأوسط؟
الهوامش:
1 ـ جيفري أرونسين، "واشنطن تخرج من الظل ـ السياسة الأمريكية تجاه مصر 1946ـ 1956"، ترجمة سامي الرزاز، دار البيادر للنشر والتوزيع، الطبعة العربية الأولى، 1987، ص ص 43 ـ 44.
2 ـ نفس المصدر السابق ص 45.
3 ـ لمزيد من التفصيل حول أزمة التأميم الإيراني انظر:
Ford A. w., “The Anglo- Iranian Oil Dispute of 1951- 1952. A study of the Role of Law In Relations of states”, Berkely University of California press, 1954.
أنظر ايضاً:
“Iranian Presnts its Case for Nationalization”, The Oil Forum, VI, March, 1952, PP. 79- 94.
4 ـ للإطلاع على نص الحلف انظر:
Colliard Claude- Albertm, “Actualite Intenational et Diplomatique 1950- 1956”< ed. Mon- tchrestien, Paris, 1957, PP. 156- 157.
5 ـ ناقش الاسترتيجيون الأمريكان الحقيقة التالية:
إن دخول السوفييت في المنطقة سوق يؤدي إلى تطويق حلف شمال الأطلسي وقد يؤدي إلى تغيير في علاقات القوى على المستوى العالمي وأضافوا أن سيطرة سوفيتية على بترول الشرق الأوسط قد تخل بالنظام الاقتصادي للعالم الحرن وأن نصراً شيوعياً في العالم الإسلامي سيكون تمهيداً لانتصارات سوفيتية أكثر شمولاً في آسيا وأفريقيا وأروبا.
6 ـ Humbaraci Arslan, “middle East Indictment- From the Truman Doctrine. The Soviet Pene- tration and Britain’s Downfall to Eisenhower Doctrine”. Ed. Robert Hale Limited, London, 1958, p. 186.
7 ـ هذا التطور يؤكد ما يردده الوطنيون في تلك الفترة، من أن الصراع في الشرق الأوسط متركزاً بين لندن وواشنطن.
8 ـ Humbaraci Arslan, Op. Cit, P. 187.
9 ـ نفس المصدر السابق ص 187.
10 ـ نفس المصدر السابق 187.
11 ـ Fontaine Andre, "Histoir de Ia Guerre Froide. De Ia Gurre a Ia Crise des Alliances 1950- 1967”, Fayard, Paris, 1967, P. 177.
12 ـ أنظر للإطلاع على نص الحلف: Colliard Claude Albert, Op. Cit. PP> 125- 127.
13 ـ Duroselle Jean- Baptiste, “Histoire Diplomatique de 1919 a nos Jours”, ed. Dolloz, 1957, PP> 699- 700.
14 ـ أنظر: “The Department of State Bulletin", 10th January 1955.
15 ـ Eisenhower Dwight, “Batailles Pour Ia Paix. Mes Annees a Ia Maison Blanche 1956- 1961 Collection Ie Dessous des Cartes, ed. De Trevise, Paris, 1968, P. 36.
16 ـ لمزيد من التفصيل أنظر:
Al- Sayed Abdul Raouf, “The Bagdad pact in World Politics” These, ed. Medecine et Hy- giene, Geneve, 1971.
17 ـ مذكرات محمود رياض "الأمن القومي العربي… بين الإنجاز والفشل:، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، در المستقبل العربي، مصر، 1986، ص ص 102 ـ 103.
18 ـ نفس المصدر السابق ص ص 104 ـ 105.

 

 


 

المنتصر

يقول احد القادة القدماء وهويخاطب جنوده . ( اذا لم تكونوا مستعدين للقتال من أجل ما تروه عزيزاً عليكم , فسوف يأخذه أحد ما عاجلا أو اَجلا , واذا كنتم تفضلوا السلام على الحرية فسوف تخسرونهما معاً , واذا كنتم تفضلوا الراحة والرخاء والسلام على العدل والحرية فسوف تخسروهما جميعا ) .

   

رد مع اقتباس