عرض مشاركة واحدة

قديم 05-09-09, 10:00 AM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي الاستراتيجية الروسية والسياسات الدولية



 

في سنوات وعقود عصر الحرب الباردة (1948 - 1991) هيمن على عالم السياسات الدولية اعتقاد بأن السياسات الامريكية والغربية (الأوروبية) لا تفعل شيئاً الا اصطياد أخطاء الاستراتيجيات السوفيتية وانحرافاتها للتشهير بها واستنزافها وإحباط أهدافها. ولكن؛ خلال سنوات عصر النظام العالمي الجديد القليلة؛ (1991 - 2006) ساد اعتقاد بأن الاستراتيجيات الروسية لاتفعل شيئاً أكثر من اصطياد اخطاء السياسات الامريكية - وحتى الغربية (الاوروبية) والتصدي لانحرافاتها ومحاولة إحباطها في محيط السياسات الدولية. فهل يعني ذلك اقتناع الأطراف الدولية الكبرى - القطبية، فحاولت الأخذ بنهج سياسي توفيقي بجمع بين التصدي للأخطاء والانحرافات في تحديد مسارات السياسات الدولية، وبين اتخاذ مواقف إيجابية وبناءة تساعد على الإفادة من التعارض لصهر التناقضات على طريق بناء (النظام العالمي الجديد)، في كشف الغطاء عن التناقضات الأولية، وتأكيد انحرافاتها، مما أكد ضرورة العمل من أجل الوصول إلى تعاون دولي أفضل، في ظل أخطار (الأسلحة الدفينة)؟

استراتيجية استثمار الأخطاء


انتهت ثورة (فيديل كاسترو) وزميله (ارنشوتشى غيفار) بعد صراع صعب (1956 - 1959). ولم يكن لدى (الزعيم كاسترو) برنامج سياسي يتجاوز حدود الاصلاح ومحاربة الفساد ومخلفات العهد السابق (الذي كان يترأسه جان باتيستا). ولكن انصار النظام السابق الذين انتقلوا عبر خليج المكسيك إلى الولايات المتحدة، أعادوا تنظيم قواتهم، وعملوا على تنظيم إنزال برمائي (في خليج الخنازير) في نيسان -ابريل- 1962 في محاولة لاستعادة سيطرتهم على كوبا. ولكن انتصار (كاسترو) كان حاسماً. وبدأ الاحتكاك المباشر بين الولايات المتحدة والنظام الجديد، ولم يكن الاتحاد السوفييتي بعيداً عن رصد الاحداث، وأمكن له (بزعامة نيكيتا خروتشوف)، إقامة اتصالات مع (كاسترو) لتزويده بالسلاح والأعتدة وما يحتاجه للصمود، ولم يكن باستطاعة الادارة الأمريكية احتمال فكرة قيام (نظام اشتراكي) على حدوده، يكون قاعدة انطلاق لأعمال عدوانية ضد أمريكا، ويستطيع اجتذاب دول أخرى في أمريكا اللاتينية، مما يتهدد بصورة حقيقية الولايات المتحدة الامريكية وسياساتها ليس فقط تجاه امريكا اللاتينية، وإنما تجاه العالم، فأصدرت الادارة الامريكية قراراً بقطع البترول عن كوبا -في إطار الضغوط الاقتصادية على النظام الجديد -ولما كانت الطاقة البترولية هي المصدر الأول للطاقة في كوبا، فقد سارع (كاسترو) لطلب النجدة من حلفائه الجدد. وكان أن نظم الاتحاد السوفييتي عملية الإمداد بصورة عاجلة مستخدماً في ذلك كل ما هو متوافر له من ناقلات البترول، هذا بالاضافة الى استئجار ناقلات من إيطاليا لتأمين الامداد على نطاق واسع.
ولم تأبه الحكومة الايطالية للضغوط الامريكية من أجل الامتناع عن تأجير ناقلاتها للاتحاد السوفييتي؛ فالصفقة تقدم لايطاليا أرباحاً ضخمة، ولا تستطيع ايطاليا الابتعاد عن دائرة المنافسة الاقتصادية. وكان نجاح الاتحاد السوفييتي مذهلاً، مما مهد لتطوير العلاقات مع (كوبا) الذي انتهى بأزمة الصواريخ المعروفة (في تشرين الأول -اكتوبر- 1962) وهي الأزمة التي انتهت (بصفقة أمريكية - روسية) تضمن بقاء النظام الاشتراكي في (كوبا). وهذا مما أكد صحة التوجه للسياسة الروسية، التي بقيت استطالاتها تابعة حتى اليوم. وبقيت قصة استثمار الاتحاد السوفييتي السابق -لأخطاء الإدارة الامريكية عندما اتخذت قرارها بقطع البترول عن كوبا نموذجا ثابتاً لهذه السياسة في ذروه عصر الحرب الباردة.
وقد يكون بالمستطاع تجاوز ركام -أو حصاد- (استراتيجية استثمار الأخطاء) للوصول إلى أقرب الأزمات عهداً و أكثرها إثارة. ففي يوم 30 أيلول - سبتمبر 2005 نشرت الصحيفة الدنماركية (جيلاندز بوستن) رسوماً مثيرة ضد الاسلام (12 رسماً كاريكاتورياً) تطاولت فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأعيد نشر هذه الرسوم يوم 10 كانون الثاني، يناير - 2006، واهتاج العالم الاسلامي والوطن العربي، لا سيما بعد أن عملت صحف فرنسية وغير فرنسية على نقل هذه الرسوم ونشرها مما أكد أن العملية مصممة بهدف التحدي والإثارة.
- وكان من أبرز المواقف إصدار (منظمة المؤتمر الاسلامي) و (الجامعة العربية) بياناً يوم 29 كانون الثاني - يناير - 2006 أكد التوجه إلى هيئة الأمم المتحدة لاستصدار قرار يحظر الاساءة للأديان. على أن ينص القرار صراخة على معاقبة أي دولة أو مؤسسة تسيء إلى الأديان. ولكن جماهير العرب والمسلمين لم تنتظر (القرارات الدولية) فاجتاحت موجات الغضب عواصم ومدن العالم وقد ضمت جموعاً لا تحصى من شعوب العالم من المسلمين - ومن غير المسلمين أيضاً.
وتدخل الرئيس الأمريكي (جورج بوش) ليدعم الموقف الرسمي الدانمركي والغربي الذي يستند إلى (حرية الصحافة) و(حرية التعبير والرأي). وهو ما تدحضه وقائع لا نهاية لها. وقد بنى الرئيس الامريكي موقفه الخاطئ والمنحرف على مواقف غربية أوروبية خاطئة ومنحرفة. ولم تكن روسيا والصين بعيدتين عن مراقبة الأحداث واتخاذ موقف سياسي يحقق فائدة كبيرة ومكاسب ضخمة للدولتين تتجاوز حدود الاعلام والسياسة والاقتصاد لتشمل مجموع العلاقات. وهنا لم تفعل الصين وروسيا شيئاً غير الإفادة من أخطاء الآخرين، وعبر الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) عن ذلك بالقول: إن الاسلام هو دين السلام والحق، وليس دين الإرهاب والتطرف، وفي يوم 1- أيلول -سبتمبر- 2005 كانت صحيفة (غودوك) الروسية قد نشرت بحثاً كان مما تضمنه مايلي: "إن الاسلام ليس خصماً، وإنما هو حليف في مكافحة ظاهرة الارهاب".
ولا ريب أن هذه المواقف هي التي دعمت مواقف روسيا في استعادة دورها في جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية "أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان"، وفيما تحدث هذه التطورات يبحث الأمريكيون ومعهم الأوروبيون عن أساليب "لتحسين صورتهم لدى المسلمين".

 

 


 

   

رد مع اقتباس