عرض مشاركة واحدة

قديم 01-03-09, 04:59 PM

  رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

الدروس المستفادة
من معارك التصدي

نعمت البحرين بفترة من الهدوء والاستقرار منذ ان تحررت على يد الشيخ (احمد الفاتح) ورحب أهل البحرين بالعهد الجديد. ولكن سرعان ما تعرضت لاطماع وتطلعات القوى المجاورة المهتمة بالسيطرة عليها نظرا لموقعها ووفرة مياهها و ثرواتها خاصة مصائد استخراج اللؤلؤ. و الدارس لسير المعارك في البحرين منذ بداية القرن الثالث عشر الهجرى/التاسع عشر الميلادي يستخلص كيف واجهت البحرين الاطماع الخارجية بخطط عسكرية رسمتها قيادة حكيمة استفادت من عامل (التعرض والمبادأة) وما أنتجته من نتائج جيدة – حيث أن الاستعداد والتدابير السريعة لتجهيز قوة قادرة ثم الانطلاق لضرب العدو في مواقعه قبل ان يستكمل استعداده لتنفيذ مقاصده – قد هيأت الظروف الملائمة لارباكه وبالتالي الانتصار عليه. وان تغزو عدوك في عقر داره تجعلك في وضع متميز لاختيار وقت ومكان المعركة وإملاء الارادة عليه وتكون ردود فعل العدو محسوبة سلفا للجانب المهاجم.
ثم ان (السرعة والفاجأة) من عوامل النصر على الاعداء كحركة السفن تحت جنح الظلام وكان ظهورها عند الوصول مفاجأة للعدو، وهناك مفاجأة اخرى في حجم القوة المنفتحة مما أثار الرهبة في نفس العدو بتحاشي خوض معركة غير متكافئة، وهذه أول مظاهر الخلل النفسي في القيادة المقابلة، وقد برزت السرعة في الحركة اثناء عملية انفتاح القوات وإدارة المعركة في المكان المنتخب كعامل له اثره الكبير في تحقيق النصر.
وكان (لطبيعة الارض) اثره في النجاح على الاعداء اذ ان الاماكن التي حدثت فيها المعارك كثيرا ما كانت مكسوة بغابات النخيل وتحيطها السواحل الضحلة التى تبرز على اشدها وقت الجزر مما يجعل مراسي سفن الاعداء بعيدة نسبيا عن قواتهم في عرض البحر. وهكذا فان ساحة العمليات الحربية تحددها طبيعة الارض و كثرة اشجار النخيل لكلا الطرفين المتحاربين. الا ان الخطط العسكرية في معظم المعارك كانت تجعل لقوات البحرين مواقع دفاعية على سواحلها و مهاجمة العدو و دفعه الى البحر بعد تقسيم الجيش الى عدة مجموعات من المشاة في الوسط وفيها مقر القيادة ثم مجموعة من الفرسان على اليمين ومجموعة من الفرسان على اليسار، وعند تقرب القوات الى مسافة الالتحام تقوم مجموعتا الفرسان بحركة سريعة ي عملية التفاف للاحاطة بالعدو ليسهل تدميرها بينما تقوم قوات المشاة في الوسط باقتحام مواقع العدو في المواجهة. وبنظرة مقارنة بين خطتي القيادة في البحرين وقيادة العدو في معاركه تبدو ان خطة العدو دفاعية ومقيدة بحكم الموقع وضرورة عدم الابتعاد عن السفن وهى قاعدتها بالاضافة الى ان جيش الاعداء المهاجم للبحرين وقتئذ يفتقر للفرسان وهى عنصر الحركة السريعة والحسم في القتال، اما خطة القيادة في البحرين فكانت هجومية تتصف بالمرونة لمجابهة تطورات الموقف ولديها ميزة وجود الفرسان وعمق الارض الخلفية والقاعدة المؤمنة للقوات.
اما الدروس المستفادة من دراستنا لتاريخ المعارك الحربية في البحرين فى القرنالتاسع عشر الميلادى فان لكل معركة عاملا او اكثر لعب دوره في احراز النصر ففي بعض المعارك كان العدو قد التزم الدفاع المستكن في موقع معين من الشاطئ حتى لا يبتعد عن السفن وهذا التدبير كان وبالا على العدو لان ترك للقيادة في البحرين حرية اتمام حشد القوات والمناورة واتخاذ كافة التدابير فى عمق من الارض يسمح لها بذلك وبالتالي اختيار وقت الهجوم في الوقت الملائم. فلو ان العدو قام بمهاجمة الاهداف الرئيسية فور نزول قواته و ادام التعرض وحرية الحركة فربما اتخذت النتائج شكلا اخر.
واذا كانت (البساطة و المرونة) من مستلزمات الخطة لاى موقف عسكري، الا ان خطة العدو في معاركه التي حدثت في البحرين كانت مقيدة بضرورات الموقع ولم يحسب العدو حسابا للميزات المتوفرة في جانب القيادة في البحرين ثم التفكير في معالجتها فكانت الخطة قاصرة عن مجابهة الاحتمالات المتعددة للموقف العسكري. بينما راعت القيادة في البحرين جميع احتمالات الموقف وتطوراته ووضع الحلول لمثل تلك الاحتمالات فكانت مرنة جدا وجريئة وعملية وهكذا تفوق التخطيط الجيد المرن على التخطيط المقيد نتيجة قصر النظر. وقد لعبت عمليات (المناورة على اجنحة العدو) وتطويقه سواء كان التطويق منفردا ام مزدوجا – من جناج واحد او من جناحين – هي من اهم ظواهر الفكر العسكرى للحصول على نتائج حاسمة و سريعة على العدو، وفي التاريخ العسكري امثلة على نجاح هذه الخطة: ففي معركة (كانيا) 216 ق.م التي خاضها هانيبال ضد جيوش روما عملية تطويق مزدوج بمجموعتي فرسان التفت على الاجنحة ودمر جيوش روما المتفوقة، وبقيت هذه المعركة كدرس عظيم في التاريخ العسكرى لا يتغير، و استمر قادة الجيش الالماني الحديث في مطلع القرن الحالي يشددون في تعليماتهم لضباطهم على القيام بمثل هذه العملية فى اى مكان يسمح فيه الموقف بذلك.
وقد كانت مناورة فرسان البحرين و عملية التطويق لقوات العدو مثلا رائعا على براعة القيادة. و هكذا حققت نتائج حاسمة فى وقت قصير وبخسائر قليلة. وقد ساعد على ذلك توفر قوات الفرسان لديهم تلك التي تفتقر لها قوات العدو واستفاد الجند في البحرين من عامل (التستر والمخادعة) فى الحرب وذلك بحجب قواتهم عن العدو لمدة من الزمن قد تطول اياما وهى والحالة هذه تتهيأ بين اشجار النخيل و يعتقد العدو ان ذلك حشد قوة مما يدل على ضعف في استخباراته لانه لم يكن يعلم ما يجرى في الجانب البحريني من تدابير وهذه التدابير بمجموعها كانت سببا في المفاجأة التي اربكت قوات العدو.


الفصل الثالث
دولة الاستقلال

(أ‌) بناء دولة الاستقلال.
(ب‌) التهيئة للخدمة العامة (العسكرية).
(ج‌) بداية المسيرة.
(د‌) قوة الدفاع ودورها العربي خلال حرب رمضان 1973م.
(هـ) دور المملكة العربية السعودية.
(و‌) الخطة الخمسية الاولى.
(ز‌) الخطة المكملة و بناء القوة بناء متوازنا.
(ح‌) القوة البحرية.

بناء دولة الاستقلال

في الفترة الأخيرة من عام 1961م تحولت البحرين بكاملها الى شعلة من النور والاشعاع، وليست البلاد حلة قشيبة من معالم الزينة وسادت ربوعها مظاهر رائعة من المرح والابتهاج، وخرج شعب البحرين عن بكرة أبيه الى الشوارع والساحات معلناً فرحته وسعادته وترحيبه بتولى الأمير الشاب عيسى بن سلمان آل خليفة مقاليد الحكم في البلاد خلفاً لآبائه وأجداده وقائدا لشعبه وبلاده وقد جسد الأمير بشبابه وحيويته آمال هذا الشعب الفتي الناشئ وطموحه وتطلعاته. فجاء ترحيب الشعب وحماسه تعبيرا صادقا أصيلا عن حبه لأميره الذي رأى فيه قائدا فذا حكيما سيتحقق للوطن على يديه كل ما يصبو إليه من نهضة وتقدم ورقي.
ولقد وجد هذا الشعب الطيب النبيل الذى يشكل عنصر الشباب أكثر من 70% من مجموعه في أميره الشاب غايته المنشودة التى يريد، فأحس احساسا عميقا بأنه قد أصبح أقرب ما يكون إلى تحقيق تطلعاته ومفاهيمه و آماله فعبر عن مشاعره بأجمل وأصدق ما يعبر به شعب لقائده.
لقد تحول ذلك الانفجار العاطفي الكبير الذى غمر المشاعر والاحاسيس في تلك الايام وبعد مرور عقدين من الزمن الى التفاف شعبنا الوفي الأصيل حول قائده بثقة وحب وإيمان هذا الالتفاف الذي يعتبر محور الاستقرار فى البلاد وقاعدتها الأمنية خلال مرحلة بناء دولة الاستقلال و تذليل كل ما يعترضها من مصاعب و عقبات، والذي أصبح بعد ذلك أساسا للدور الكبير الذي لعبته البحرين متجاوزة حجمها وطاقاتها وامكاناتها، وما كان ذلك ليتحقق الا بفضل التصرف الحضارى الذي مارسه شعب البحرين بالتفافه حول قيادته التى آمن بها و أحبها، وبفضل هذه القيادة الحكيمة الشجاعة التي إستطاعت أن تقود البلاد نحو الخير والرخاء والاستقلال.
تبين المعلومات والحقائق التالية ملامح ذلك الطريق الشاق الطويل والمركب الصعب، طريق بناء دولة الاستقلال خلال العقدين الماضيين، وقبل البدء في هذا لابد من التنويه بأن ما سأورده ليس تاريخا للأحداث ولا تحليلا تاريخيا لما تم بل عرضا موجزا للقضايا الاساسية وللأولويات التي أعطيت آنذاك.
كان من الواضح في مطلع تولي صاحب السمو الأمير المفدى مقاليد الحكم أن البلاد كانت مقدمة على فترة زمنية قريبة من مرحلة الاستقلال، ولذا كان لابد من الاعداد النفسي والاداري الداخلي لذلك اليوم، فاتسمت هذه الفترة (الفترة الاولى) ببناء الأجهزة والمؤسسات الحكومية والاهتمام بالاقتصاد الوطني، وقد تولى الاهتمام بهذه الشؤون سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذى كان رئيسا للادارة المركزية آنذاك، حيث تمت الدراسات وجلبت الخبرات وأنشئت كما بنيت ادارات متخصصة للاعلام والشئون الخارجية، وفصلت الخدمات العامة الى دوائر (أصبحت فيما بعد نواة للوزارات التي شكلت بعد الاستقلال)، و بدأ القضاء يتحول تدريجيا من محاكم بدائية الى سلطة قضائية منفصلة ومستقلة عن السلطة التنفيذية. وما أن أوشك العقد الاول على الانتهاء حوالي عام 1968م حتى كانت ادارات الدولة وأجهزتها وسياساتها الاقتصادية مستعده للقيام بدورها الفعلي المنتظر.
في أثناء تلك الفترة كان لسمو أمير البلاد اهتماماته الكبيرة بتوثيق علاقاته مع أشقائه وإخوانه من رؤساء دول و حكومات المنطقة، فكانت الزيارات المتعددة المتوالية الى دول الخليج حيث بذل سموه الكثير من الجهود المكثفة الصادقة لحل المشاكل القانونية والسياسية مع الدول المجاورة ومع حلول عام 1970م كان أمام البحرين خياران، يقضي أحدهما بالدخول في إتحاد مع شقيقاتها امارات دول الخليج، بينما يطرح الآخر الاتجاه نحو الاستقلال التام. وبعد الفترة من المباحثات واستقصاء الأطر السياسية الممكنة والمعمول بها في العالم اتفقت الآراء على ان البنية الأساسية ليست متوفرة لبناء حكومة اتحادية في الخليج، ولذا قررت البحرين السير في طريق الاستقلال مع أشقائها في المنطقة، وعلى أن يترك لكل دولة الوقت الكافي لبناء أسس قاعدة اتحادية سليمة للمستقبل.
عندما بدأت دلائل هذا الاتجاه تتضح وجدت البحرين أن واجبها الوطني يقتضي بناء قدرتها الامنية والدفاعية فتمت تطورات أساسية في قوى الأمن الداخلي ووضعت الأسس لتحويل ادارة الشرطة الى وزارة داخلية متكاملة، وعهد إلي ببناء قوة دفاعية ذاتية في البلاد فتم تشكيل الحرس الوطني ليكون نواة لقوة دفاع البحرين التي برزت الى حيز الوجود إثر مرحلة الاستقلال.
بعد مرحلة شاقة من الاعداد والاستعداد والتفاوض أعلنت البحرين أستقلالها عام 1971م (الذكرى العاشرة لتولي سمو الامير مقاليد الحكم)، ونودي بحضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة اميرا للبلاد المستقلة في مظاهرشعبية كبرى بعد أن عبر شعب البحرين كاملا عن رغبته في أن يعيش كدولة عربية مستقلة سيداً لحاضره ومستقبله.
إمتازت مرحلة الاستقلال بعدة سمات و مميزات يصعب فصلها تاريخيا لأنها برزت في مراحل متشابكة ومتطابقة وليس من السهل فصلها عن بعضها زمنيا، الا أنني سأقتصر ذلك على النقاط الهامة التالية:
أولا دخلت البحرين في تجربة لاختيار نظام سياسي للمشاركة في اتخاذ القرار فخرجت منها بدستور أقره مجلس وطني قائم عى مبدأي الانتخاب والتعيين، ثم مرت البحرين بتجربة برلمانية إستفادت منها وسوف تستفيد منها كذلك لمستقبل نظامها السياسي في المشاركة والشورى والذي نأمل ان يتحقق ضمن اطار تجربة موحدة او متشابهة لدول مجلس التعاون.
ثانيا امتازت الحقبة الماضية بازدهار اقتصادي فريد في نوعه فأصبحت البحرين مركزا ممتازا لخدمات النفط والخدمات المالية والطيران والاتصالات و مركزا صناعيا مرموقا لوجود صناعة الزيت والألمنيوم، و صناعة و إصلاح السفن.
ثالثا لم تغفل البحرين في زخم النشاط الاقتصادي النواحي الاجتماعية والانسانية التي يولدها عادة الزخم الاقتصادي، فبنت المدن، وانشأت المجمعات السكنية، وإهتمت بالرعاية الصحية ووفرت فرص العمل لجميع أبناءها، وبذلك حققت لمواطنيها حياة كريمة حافلة بالعطاء، كما اهتمت بالمسنين و المعوقين وهيأت لهم الممكن من العناية و الرعاية.
رابعا انطلاقا من القول المأثور ( العقل السليم في الجسم السليم)، وجهت البحرين عناية كبيرة الى الشباب والرياضة و عملت بشكل متواصل لتطوير النشاط الرياضي في البلاد، ودعمت الاندية و أسهمت في الدورات والمسابقات والنشاطات الرياضية الاقليمية والعربية و الدولية و بذلك ارتفع مستوى الرياضة و تعمقت روح الطموح والانتماء الوطني في قلوب الشباب من أبناء البلاد.
خامسا اهتمت البلاد اهتماما أساسياً بتطوير التعليم و مراحله، فبعد 60 عاما من التعليم الابتدائي و الاعدادي والثانوي بدأت البحرين تهتم بالتعليم العالي لتوفر لأبنائها العلمي والفكرى السليم الذى يحقق طموحاتهم ويتناسب مع تطلعاتهم ويتيح لهم حرية اختيار ما يلائمهم من مراحل دراسية علمية و عملية تعود عليهم وعلى الوطن بالخير و الفائدة و التقدم. و البحرين اليوم لتفخر بانشاء ثلاثة معاهد للتعليم العالي، وهى تستقبل العقد الثالث من عهد سمو الأمير المعظم.
إن عقد الثمانينات قد هل على البحرين وهي تتطلع بأمل وثقة الى مزيد من التعاون الإقليمي مع أشقائها دول الخليج التي كونت فيما بينها منظمة أقليمية سميت (بمجلس التعاون لدول الخليج العربية) بقصد تجميع طاقات دول المنطقة في بوتقة واحدة تسعى إلى تحقيق التكامل الاقتصادي الذى سيؤدى الى الوحدة في المستقبل باذن الله و ستبقى البحرين التي تبعت قائدها الشاب لعشرين سنة خلت تسير وراءه دائما يحدوها الأمل وهي تدخل العقد الثالث من عهده الزاهر الميمون بخطى أكثرثباتا،وبنظرة أكبر ثقة في المستقبل المشرق، بفضل علاقته المتميزة بشعبه والإطمئنان الى حكمته وقيادته الرشيدة التي تعمل لتحقيق المزيد من الخير و الرفاهية و التقدم لحاضر البحرين و مستقبل أجيالها.


التهيئة للخدمة العامة (العسكرية)

لقد كانت البيئة منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا عاملا مؤثرا في نشأة الانسان، فهي تعلمه الكثير. وكنت أسمع في مجالسنا القصص والروايات التي تتعلق بتاريخنا، و كانت مجالسنا مدارسنا بحق حيث تدور فيها الأحاديث عن الابطال والوقائع وكنت أتشوق كثيرا لسماعها وأحرص كل الحرص لحضور هاتيك المجالس التي تروى بها تواريخ الحروب وسير القادة العظام والمعارك العسكرية التي خاضوها و عوامل النصر أو الهزيمة في تلك المعارك، وكم تمنيت لو أننا كأمة ندرس أسباب النصر للاستفادة من نتائج أى معركة خاضتها أمتنا عبر تاريخها، إذ في كثير من الأحيان يعيد التاريخ نفسه و تتشابه المعارك في أمور متعددة ولا تختلف الواحدة عن الاخرى الا بالقليل، وبالاخص عندما تكون محصورة في منطقة محددة واقليمية مثال ذلك ما جري في فلسطين حيث كان العدو منذ القدم وحتى عصرنا الحالي يسلك نفس المحاور في جميع المعارك وإن أختلفت العمليات التعبوية والوسائل وقوة النار والمناورة الى حد ما.
وكنت بين قصص تمجد تاريخ أمتنا منذ فجر الاسلام وما فيها من قيم نبيلة تزيد العربي والمسلم فخراوثقة، وبين عدو لئيم ينكر القيم ويتنكر للانسانية ويحقق بعض الانتصارات المؤقتة في معاركه الحربية ضد أمتنا في تاريخها المعاصر، وكنت في المجلس أسمع مع زملائي تاريخ الأجداد بشجاعتهم وفروسيتهم وأنا سعيد بعزائم الرجال وبطولاتهم حتى اذا ما سمعنا الاخبار يومئد من الاذاعات أو الوفود الزائرة حول مجريات أمور أمتنا ونكساتها وتخلفها عن الركب الحضارى الشامل في البنية الأساسية وفي القوة العسكرية الرادعة وقعنا في حيرة بين استرداد حقوقنا المغتصبة وبين الواقع المؤلم الذى تعيشه أمتنا العربية ونحن جزء لا يتجزأ منها، وهي الأمة ذات المكانة الرفيعة والمجد الاسلامي الكبير.
اذن فهنالك مشكلة تتطلب الكثير، و علينا معالجتها بالعمل المخلص فعلاً لا قولاً لوضع الاولويات وتوضيح الاهداف لعمل مشترك كبير تكون ثماره القوة والمنعة و هذا مايجب ان يكون رائدنا، من هنا بدأنا بتهيئة انفسنا بالعلم والمعرفة و الدراية للحفاظ على ما ورثناه من أمجاد وتراث، مؤمنين بأن يكون بعضنا لبعض ظهيراً. ذلك كان ردنا على ما ألم بنا وبأمتنا العربية من نكسات مريرة. وبدأنا مسيرة الخير بخطوات واثقة مدروسة على أمل الوصول الى الأفضل بعون الله.
وقرأت القرآن الكريم وتدبرته وهو يأمربالجهاد في مواضع كثيرة، وأيقنت بأن الجهاد في سبيل الله والوطن واجب مقدس كما أن في سيرة الرسول الأمين أسوة حسنة فهي ايمان وكفاح حين انتصر الحق وزهق الباطل، و تبينت من دراسة تاريخنا بما يشمله من فتوحات اسلامية ونضال ضد الغزاة والمستعمرين أننا مجاهدون منذ أن خلقنا، فوقفات الحداد وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء الأبرار والكفاح الجزائرى ونضال الشعب الفلسطيني جميعها أمور مازالت تعلق بذاكرتي وكأنها وقعت بالأمس فقط.
هكذا كان المجتمع الذى عشت به مدرستي الكبيرة التى تعلمت منها الكثير بالاضافة لما تعلمته فى سنوات الدراسة، مما هيأني لمستقبل جعلني أشعر وأنا ولي للعهد بالمسئولية الملقاة على عاتقي نحو البحرين وشبابها فبادرت بالانضمام لاحدى الكليات العسكرية لأتمكن من دراسة العلوم والفنون الحربية الحديثة لحاجة في نفسي طالما اشتقت لتحقيقها وهى أن أقدم لوطني كل ما أستطيع تحقيقه وفاء له بما أنعم علينا من خيرات وما قدمه لنا من حياة حرة كريمة فاتخذت من الجندية مسلكا يحقق ذلك الهدف المنشود.

الخطوة الاولى
من المؤكد أن البحرين لم تكن فيما مضى بدون قوة عسكرية، فتاريخها يشهد لها ويثبت عراقتها فى هذا الشأن، وسيرتها تزخر بالكثير من الوقائع والمعارك الحربية التى قام بها الاسطول البحرينى على مر العصور والتى لا يتسع المجال لسرد تفاصيلها لحقبة طويلة هنا فلقد كانت البحرين تمتلك أسطولا بحريا من أكبر الاساطيل في المنطقة لحقبة طويلة من الزمان. ومع أن أسطولها هذا لم يكن يتألف من قوات نظامية في ذلك التاريخ الا انه كان متميزا بالقدرة والقوة والفاعلية الى الحد الذى استطاع معه تأمين الحماية للبلاد والتصدى لأعدائها والطامعين بها. مرت البحرين بعد ذلك بأطوار زمنية اعتمدت خلالها على قوات أجنبية فرضها الوضع الدولي السائد آنذاك شأنها شأن غيرها، ولحسن الحظ فإن هذا الوضع لم يدم طويلا إذ سرعان ما انتهى بفعل التحول الجديد الذى طرأ على الساحة الدولية بصورة عامة، وبفضل تقدم ووعي شعبنا البحرينى العظيم الى جانب حماس واخلاص الجميع فى بلدنا وادراكهم لضرورة تحمل مسئولياتهم الكاملة للسير بالبلاد نحو الاعتماد على الذات بالصداقة والتعاون لا بالاتكال على من هو ليس منا.
تقرر الانسحاب البريطاني وكثرت المخاوف حول استقرار وأمن المنطقة بشكل عام، ومشكلة الفراغ المتوقع الذى سيتركه الانسحاب بعد ذلك فكان على البحرين آنذاك ان تحث الخطى وبأقصى مايمكن من سرعة وفي مختلف المجالات، اذ عليها وخلال فترة قصيرة من الزمن أن تعد نفسها، وتتهيأ لتحمل المسئوليات الكبيرة التى باتت تنتظرها فاقتراب موعد الانسحاب، وبناء الدولة الحديثة وما يتطلبه من جهد، وتطوير الدوائر والمؤسسات الحكومية العاملة في ذلك الوقت، وتهيئة الكوادر الوظيفية اللازمة لأجهزة الدولة قديمها وحديثها، جميعا أمور على درجة عالية من الأهمية.. لقد أستأثرت هذه الامور بمعظم وقت وجل تفكير سمو قائدنا الأعلى الذى جاءت قراراته الحكيمة للمباشرة ببناء الدولة إعتماداً على أبناء البحرين أنفسهم وذلك لايمانه الراسخ بإخلاصهم وثقته الاكيدة بكفاءتهم، وانشاء الأجهزة الفعالة التى تضم نخبة خيرة من المتطوعين الذين هيأتهم الظروف لتحمل المسئولية من أبناء هذا الوطن، وآخرين لديهم الرغبة والحماس لتعلم شرف تحملها وكانت مشكلة الفراغ المتوقع الذى سيعقب الانسحاب تتطلب حلا عاجلا مما دعا سمو أميرنا المفدى للاسراع بتشكيل قوة عسكرية تتولى حماية البلاد وصيانة أمنها واستقرارها والاسهام مع الدول الشقيقة لحماية المنطقة ضد ما يتهددها من أخطار، انطلاقا من مبدأ التعاون والعلاقات الوثيقة التى تربط بين الأشقاء، حدث ذلك وأنا في الكلية العسكرية وكانت فرحتى أكبر من أن أعبر عنها بكلمات، وشعرت بأن الصعوبات التى تواجهني في دراستي قد هانت، ومشاق التدريب التى كنت أعيشها أصبحت أسهل مايكون، وغمرني احساس مفعم بالسعادة وانا أتصور ساعة العودة الى الوطن الغالي، ولحظة اللقاء مع الزملاء المخلصين المؤمنين بربهم ووطنهم، لننضوى جميعا تحت راية البحرين الحبيبة، التى نفتديها بدمائنا وأرواحنا كان علىّ أن أعمل، وعلى الفور بدأت بوضع التصاميم لشعار قوتنا العسكرية ولباسها كسبا للوقت، وتابعت العمل والتحضير والاستعداد لتنفيذ المهمة المرتقبة في المستقبل القريب أثناء الدراسة.
وفي السادس عشر من شهر فبراير عام 1968م الموافق السادس عشر من شهر ذي الحجة 1387هـ تخرجت من الكلية العسكرية وعدت الى أرض الوطن. لم يكن الجهاز الدفاعي في ذلك الوقت سوى فكرة يحتاج تنفيذها الى الكثير من الدراسة والخبرة والمعرفة، ويتطلب التمهيد لتطبيقها وضع الأسس المتينة وبأيجاد الاسلوب الأفضل لبدء المسيرة الخيرة، كما أن طبيعة هذه المهمة تفرض علينا أن نبدأ من حيث إنتهى الآخرون ذلك ان الاعتماد على الكيف وليس الكم يجب أن يكون أساس البناء لقوتنا العسكرية، فكفاءة القوات المسلحة في عصرنا الحاضر لم تعد تقاس بقوتنا البشرية، بل تقاس بعلمها وقدرتها على استيعاب الأسلحة المتطورة، واستخدامها بفعالية عالية، ذلك كان تصورنا لتحقيق مانصبو اليه، وتلك كانت البداية.
لقد أولاني صاحب السمو أميرنا المفدى حفظه الله ثقته السامية، وكلفني القيام بمهمة تأسيس الجهاز الدفاعي في الدولة والذى سمى (بالحرس الوطني) آنذاك، فصدرت الارادة السامية بتعييني رئيسا للحرس الوطني، وجاء هذا التعيين لأني كنت أول الخريجين العسكريين وهذا مما ساعدني على معرفة نفسي بصورة أكثر، وكان دافعا لي لأن أطور معرفتي ليتسنى لي تحمل مسئولياتي كضباط تقع على عاتقه بناء مهمة بناء القوة العسكرية لبلدنا الحبيب، يعتبر الحرس الوطني حسب المفهوم العسكري رديفا وسنداً للقوة العسكرية ووجوده لايغني عنها، فالقوات المسلحة هي سياج الوطن ودرعهُ المكين، لقد كانت تسمية ( الحرس الوطني) في بداية الأمر تسمية مرحلية، ذلك أن الفترة السائدة آنئذ كانت انتقالية والأمر يتطلب حينئذ معرفة مدى التجاوب والاقبال من أبناء البحرين الأعزاء على الالتحاق بصفوفه، بوشر خلال الربع الاخير من عام 1968م بفتح باب التجنيد للدفعة العسكرية الأولى في تاريخ البحرين الحديث، وجاءت النتيجة الرائعة التى فاقت كل التوقعات حيث تقدم الشباب البحريني بأعداد غفيرة للتجنيد الطوعي يدفعهم الى ذلك ايمانهم بالله ثم الوطن، وعندها كان لابد من تغيير التسمية حيث صدرت الارادة السامية بالتسمية الجديدة (قوة دفاع البحرين).
إن ايماني المطلق بالعلم دفعني لمتابعة الدراسة، وصفتي كقائد عام لقوة الدفاع فرضت عليّ ان أكون بالمستوى العسكرى الذى يتناسب ورتبتي، ومن واجبي أن أعطي المثل الحي والقدوة الحسنة لكافة الرتب في قوة الدفاع، وعليّ أن أشجعهم لطلب العلم والاستزادة من العلوم العسكرية، ومن هذا المنطلق أستأذنب صاحب السمو قائدنا الاعلى ليسمح لي بالاشتراك في دورة القيادة والاركان التي تعقد في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وافق سموه على ذلك، وكان لي ما أردت خلال عام 1971.
لم تكن قوة الدفاع تحتل في بادئ الأمر سوى مكتب واحد يقع في زاوية من زوايا الديوان الخاص بسمو الأمير المفدى، وكنت غالبا ما أجلس به أتطلع والأمل الباسم يحدوني والحماس يدفعني لتحقيق رسالتي نحو بناء القوة العسكرية اللازمة للوطن الغالي وفى أحد الاجتماعات مع صاحب السمو عرضت على سموه رغبتي فى الاطلاع على ما أنجز في الاردن الشقيق من قبل جلالة الملك حسين فى مجال القوات المسلحة حيث وافق سموه على ذلك وكانت زيارتي الاولى للمملكة الأردنية الهاشمية التى وجدت فيها الأصالة العربية والعزم والتصميم والتكاتف عند الجميع ممثلة فى شخص جلالة الملك وكان من يمن الطالع أن أشهد النصر على الأعداء في معركة الكرامة (21مارس 1978) مما أكسبنا جميعا الثقة في قدراتنا وعزمنا على النصر كأمة عربية اذا اتحدت كلمتنا وقويت بنيتنا العسكرية وشعرت وأيم الله أنني في بلدى ووجدت أوجه التشابه كثيرة بين البحرين والأردن وأهمها اعتماد البلدين على الثروة البشرية نوعاً لاكماً وبدأ الاتفاق على التعاون وذلك بالاستفادة من الخبرة العسكرية المكتسبة في الأردن.
ثم وضعت الدراسات اللازمة كما هو مطلوب للتنفيذ، وكان الاجتماع الاول برئاسة جلالة الملك حسين وجميع أركان القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية وفي هذا المجال لابد لي أن أشيد بروح التعاون والأخوة التي سادت علاقتنا مع كافة المسئولين في القيادة وبالدعم الذى قدمه جلالة الملك لتحقيق هذا التعاون ومباركته.
وبعودتي الى ارض الوطن أمر صاحب السمو أن أبدأ بالعمل، وكان مركز التدريب مقرا للقيادة العامة، وقررنا أن نشرع بالتحضير للدفعة الاولى من الضباط والافراد، ولابد لى أن أذكر وبفائق التقدير ما لصاحب السمو من أثر كبير على ما قدمهُ من دعم ومساعدات مادية ومعنوية مما ساعدنا على تخطي المصاعب وتذليل العقبات، ولقد كان أول هاتيك المساعدات بناء مركز التدريب وإعداده للعمل، كما قدم الأسلحة الخفيفة المطلوبة لتدريب الدفعة الأولى، وقد بدأنا بتنفيذ المهمة دون أي تأخير وسرنا الخطوة الأولى على طريق بناء القوة العزيزة وما الثقة التى أولادها سمو قائدنا الأعلى للضباط والأفراد الا أمانة غالية فى أعناقنا.

بداية المسيرة
كان الهدف من إنشاء قوة للدفاع عن البلاد واضحة المعالم لدى صاحب السمو القائد الأعلى ولدي شخصياً وكان التصميم على إنجاز هذا العمل الوطني الكبير أملا عزيزا وملازما يراودني في جميع الأوقات، وكانت العناصر الأساسية لتحقيق هذا الهدف والنابعة من ماضينا وحاضرنا وأملنا بالمستقبل المشرق ماثلة أمامي، أفكر بها، وأستخلص أنسبها ملاءمة لواقعنا وهكذا تم لي تجميع العوامل الهامة والمؤثرة لعملية البناء.
ومن هذا المنطلق أجريت الدراسات اللازمة في فترة لم تتجاوز الثلاثة شهور، كانت حصيلتها وضع خطة متكاملة لانشاء القوة اللازمة للدفاع عن الوطن و عن منجزات الآباء والأجداد، والتى توفر للمواطنين العيش في أمن وسلامة و رخاء و شملت تلك الخطة جميع التفاصيل والأولويات، وكانت الارادة السامية بتشكيل القوة والتي تزامنت مع إتمام وضع خطة العمل أيذانا بمباشرة التنفيذ.
وعلى أثر ذلك باشرنا التنفيذ بكل همة وحماس يساعدني عدد محدود من الزملاء، وكان العمل يجرى على ضوء خطة تميزت بالدقة والبساطة.
وبدأت باصدار الأوامر والتعليمات والارشادات، و أتخذت القرارات اللازمة للتهيئة والاستعداد، وكنت أتابع كل أمر وقرار، وفي فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر تم إعداد مركز التدريب بكل ما يتطلبه من تجهيزات ومعدات وميادين تدريبية ومستودعات، وتكرم صاحب السمو القائد الاعلى فزودنا بالأسلحة الخفيفة والآليات التي تتطلبها المرحلة الأولى من التأسيس، و في هذه الفترة تم وضع أنظمة التجنيد والمال واللوازم وغير ذلك من اللوائح العسكرية، الا أن إكمال القوانين العسكرية والأنظمة على أختلافها إستمر خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر قوة الدفاع، وهكذا أعددنا كل شئ، و أصبح مركز التدريب جاهزا لاستقبال الدفعة الاولى من المجندين.
وما أن أعلن عن فتح باب التجنيد حتى تقدم الشباب من أبناء البلاد وكانت فرحتي بكثرة عددهم لا توصف، وكنت اتمنى حينذاك لو تمكنا من تجنيد كل من تقدم لمقابلة لجنة التجنيد، وكان للاقبال الشديد على التجنيد أثره العميق في نفسي حيث تأكدت من أن أحد أهم عوامل الخطة التي تعتمد على القوة البشرية المثقفة من أبناء البلاد قد تحقق.
وبدأنا بالدفعة الأولى أو التجربة الأولى من المجندين والتى أردت لها النجاح الكامل بعد أن أعددت كل ما يتطلبه ذلك من إستعداد، فهي نواة القوة وعمادها، وكنت مدركا بأن هذه المجموعة ستكون النموذج لما سيتبعها من دفعات، فحرصت كل الحرص عليها وتابعت برامج تدريبها وتعليمها وأشرفت عليها شخصيا حتى أصبحت واثقا من أن أول سرية عسكرية كنت أتوق لرؤيتها على أرض البحرين الحبيبة سيتم تحقيقه وبأسرع مما كنت أتوقع.
لقد بدأت حياتي العملية وخدمتي للبحرين مع بداية هذه الفترة، حيث كنت القائد العام، وبدأت خدمتي العسكرية الفعلية مع مجموعة المجندين الأولى بمركز التدريب، ولهذا فقد كنت آمراً لمركز التدريب أتابع برامج التدريب وأشارك في مختلف النشاطات، إضافة لما يتطلبه واجبي كقائد عام لقوة الدفاع.
وفي هذه الفترة التحق بنا زملاء جدد من أبنائنا الذين أنهوا دراستهم العسكرية، وكانوا مثالا للانضباط وتحمل المسئولية مما زاد أغتباطي بهم، وكنت سعيدا جدا بروح التعاون التي يتحلى بها الجميع فقد كانوا يعملون دائما بحماس واخلاص يدعو الى الاعجاب، وكانت أهازيج البحر التي يرددونها أثناء قيامهم ببعض الأعمال تثير فى النفس أعمق معانى التمسك بالتراث والقيم فكأنهم يعيدون تاريخ أجدادهم الذين طالما كافحوا في البحر، وكان لابد من تعريفهم بحياة الصحراء، ومن هنا بدرت فكرة التدريبات في الخارج، وكانت الجزيرة العربية خير موئل لتحقيق ذلك، لكي ينشأوا نشأة عسكرية قوية ويتحملوا أقسى الظروف في البر والبحر، علما بأن تعليم أبن البحر للعمل في البر غالبا ما يكون أسهل من تعليم أبن البر للعمل في البحر.
وهكذا فقد علمتنا الحياة الشئ الكثير. وأخذنا من واقعنا ما نحتاجه، وحصلنا على كل ما هو جديد ونافع، و أستمرت مسيرتنا مع المجموعة الأولى بنجاح تام، ومع اقتراب موعد تخرجها باشرنا في استقبال دفعة أخرى من المجندين، و بروح الشباب الواعي تكرر المشهد الرائع، وأقبل الكثير من أبناء البلاد للانخراط في هذا السلك الشريف.
وحان تخريج الدفعة الاولى، والذى جرى تحت رعاية صاحب السمو قائدنا الأعلى، وكان يوما تاريخيا خالدا أحسست فيه بأنني الأخ للخريجين لا القائد وغمرني الفرح و الاعتزاز وأنا أرى الخريجين يؤدون فعاليتهم باتقان تام، وبمستوى رفيع يضاهى أرقى المؤسسات العسكرية، وكانوا خير خلف لخير سلف، و أمثل نواة لاخوانهم فيما بعد. وتخليدا للمناسبة العظيمة فقد صدرت الارادة السامية باعتبارهم يوم الخامس من فبراير عام 1969م عيدا لقوة دفاع البحرين.
و بمرور الأيام واستمرار العمل الجاد، تكرر تخريج الدفعات إلى أن زاد العدد، وبموجب الخطة تم تجميع الدفعات الثلاث الاولى في معسكر كتيبة المشاة الذى جرى اعداده وتجهيزه خلال فترة تدريب دفعة المجندين الأولى، وكان لابد والحالة هذه من نقل قيادتي الى معسكر الكتيبة، و هكذا أصبحت قائداً للكتيبة الأولى، والاضافة لكوني قائدا عاما، وفى نفس الوقت تابعت الاشراف على مركز التدريب الذي كان يعج بالحركة والنشاط، وبقينا بعد ذلك نستقبل الخريجين من المجندين في معسكر الكتيبة لينضموا للفئات والسرايا التى تم تشكيلها، وبنفس الوقت كان عدد الضباط الخريجين من الكليات العسكرية والذين كان قد تم انتخابهم في بداية المسيرة فى ازدياد مستمر، وبدأنا أيضا بإعداد كوادر صف الضباط من دفعة المجندين الأولى وذلك في دورات خاصة، وبالعمل المستمر والجهد المتواصل تمكنت وبعون الله من اكمال تشكيل كتيبة المشاة الاولى وتزويدها بمتطلباتها من التجهيزات والمعدات والاسلحة والآليات وبدأنا بتنفيذ البرامج التدريبية الخاصة بهذه الكتيبة وذلك لاكتساب والخبرة والمهارة ولاعداد أول وحدة قتالية تجيد العمل في مختلف أوجه القتال وتحت أية ظروف محيطة.
وهكذا تابعت تنفيذ مراحل الخطة بثبات وبثقة قوية وأنتقلت للمرة الثالثة الى مقر قيادة القوة المؤقت، والذى تفضل صاحب السمو القائد الأعلى وأهداه لقوتنا الفتية وكان ذلك المبنى مستخدماً كدار للضيافة، وباشرت بتشكيل فروع القيادة العامة، وكانت كتيبة المشاة الأولى هي المعين لملء الشواغر، ذلك بالاضافة لبعض أبنائها من خريجى الجامعات الذين تقرر تجنيدهم وتدريبهم عسكريا ومن ثم تعيينهم ضباطاً لملء الشواغر الفنية والادارية بفروع القيادة العامة، وبدأت هذه الفروع باكتساب الخبرة والمعرفة وبحماس واخلاص هؤلاء الزملاء لم يمض وقت طويل حتى كانت جميع فروع القيادة تقوم بواجباتها على أحسن وجه مما ساعدني في متابعة الاشراف على مركز التدريب وكتيبة المشاة الاولى.
وفي هذه الفترة بدأت فعاليات قيادتي مركز التدريب وكتيبة المشاة الاولى تظهر للعيان، مما ضاعف ثقتي بهؤلاء الرجال المخلصين وزاد من اعتزازى ومحبتى لهم، وتابعنا المسيرة لتنفيذ ماتبقى من مرحلة التأسيس الأولية، وباشرنا بتشكيل وحدات القتال والاسناد والخدمات الادارية وبفضل الجهود المتواصلة والمثابرة من المجتمع تم انجاز كلما خططناه لمرحلة التأسيس، وأصبحت قوة الدفاع موضع اعتزاز صاحب السمو قائدنا الأعلى وموضع اعتزازى شخصيا.
كان الهيكل التنظيمي لقوة الدفاع في البداية على نحو التالى :
الهيكل التنظيمي الأول لقوة دفاع البحرين
قيادة قوة الفاع ترتبط بها كل من : (1) مركز التدريب
(2) كتيبة المشاة الاولى
(3) سرية المدرعات
(4) وحدة اللاسلكي
(5) وحدة تموين
(6) وحدة طبية
(7) وحدة الصيانة الفنية
(8) المستودعات
(9) الموسيقى

 

 


   

رد مع اقتباس