عرض مشاركة واحدة

قديم 20-08-10, 10:34 AM

  رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ماركوني
مشرف قسم الإتصالات والحرب الإلترونية

الصورة الرمزية ماركوني

إحصائية العضو





ماركوني غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

بدأت الشؤون الإدارية ووسائل نقلها توثر على تكتيكات القتال على كل مستويات القيادة والقتال، بدءاً من المقاتل، وانتهاءً بقيادة الجيش، فنشأ بذلك قيادات عسكرية للنقل والتموين والطبابة والصيانة، وبخاصة عندما بدأ الضغط ـــ وبقوة ـــ من قِبل هذه الشؤون الإدارية، والحاجة لنقلها بشكل مستمر في التأثير على قرار الحرب واستراتيجيات المعارك واتجهت للتعقيد وطلب المزيد من الوحدات الفنية والإدارية والتموينية التي ستنضم تحت قيادة الجيوش المقاتلة بحكم ما يستوجبه استخدامها من ذخائر وإصلاح وإدامة ونقل وتموينات وما تحمله متطلبات وقدرات النقل من أعباء فنية ووقود وحراسة.

لقد كانت السمة الإدارية هي الأكثر وضوحاً وتأثيراً في مسرح العمليات وجبهات القتال، حيث يمكن من خلال قدرات النقل المتوفرة أن تتم إدامة الحرب أو العجز عن مواصلة إمدادها بالتموينات؛ فوتيرة الأعمال القتالية بدأت تتزايد وتدوم فترات أطول مساهمة بذلك في إطالة أمد الحرب.

لقد كانت وسائل النقل قديماً ــ ولبدائيتها ــ غير قادرة على ربط الجيش كجبهة قتال بمتطلبات الإدامة الموجودة في عمق الدول والامبراطوريات، فكانت الجيوش المبتعدة عن المركز تلجأ للسلب والنهب وفق أعراف وعادات ذات بعد ديني واجتماعي تبرر وتجيز للجيوش الحصول على متطلبات بقائها على قيد الحياة، بل واستمرارها في الأعمال القتالية، وبخاصة في وقت كان مصير الدولة أو الامبراطورية مرهوناً بقدرة ذلك الجيش على البقاء وكسب المعارك وتحاشي الهزيمة.

لقد كان مصير كثير من الدول والامبراطوريات معلقاً وملقياً على كاهل الجيش الذي كان مستعداً ـــ بإدراكه لعظم تلك المسؤولية ـــ لانتهاج عقائد ومذاهب قتالية مرنة وواسعة بمنحه جزءاً كبيراً من الصلاحيات السياسية والمدنية، كالتفاوض، وإدارة الأرض المستولى عليها، مما جعل كثيراً من الملوك والأباطرة يتولون بأنفسهم قيادة الجيوش والمعارك لإدراكهم أهمية ذلك الدور، وضرورة دعمه بكل الإمكانات السياسية والاقتصادية، فهو ركيزة بقاء الدولة أو الامبراطورية إلى حدٍ كبير.

وبرؤية شاملة لمسرح الحرب في ظل تلك الإمكانات الأولى، نجد أن الحرب تدور رحاها، وهناك مسافة من الفراغ موجودة بين رحى الحرب ورحى السياسة في عاصمة الدولة، وكانت شبه موصولة بالمراسلين لإدامة المعلومات عن الحرب وإرسال الإمدادات المحدودة، وكانت هناك حاجة لملء الفراغ على حسب متطلبات إدامة الحرب وكسبها، وأتت قدرات النقل المتمثلة في السكة الحديدية، وقدرات النقل الذاتية العسكرية لتقوم بتقوية وإدامة ذلك الرابط بين جبهة المواجهة الحربية ممثلة في الجيش وعمق الدولة ممثلة بالعاصمة السياسية، وما فيها من إمكانات تصنيع لوسائط النقل وعربات القتال والأسلحة والذخائر والتموينات، فبدأ ذلك الفراغ يمتلئ شيئاً فشيئاً، مما شكّل جسراً ينقل مسؤولية ربح أو خسارة الحرب إلى كاهل الساسة شيئاً فشيئاً حتى تم فصل الأدوار السياسية عن العسكرية إلى حدٍ كبير.

كان الناتج الرئيس لتطور وسائل النقل ووسائطه هو تمكين القادة السياسيين من مد دورهم ونفوذهم عبر ذلك الجسر، ليمارسوا توجيه القادة العسكريين من العمق، وليكونوا مسؤولين بشكل قاطع عن كسب الحرب، أو خسارتها فيما يخص الإمداد والإدامة للمجهود الحربي؛ ولمع بذلك زعماء سياسيون احترافيون، وزعماء عسكريون احترافيون كل في مجال عمله وتخصصه.
لقد سبقت الحرب العالمية الأولي مرحلة ازدهرت فيها عمليات التنظير العسكري كقاعدة لصياغة المذاهب العسكرية، وتلتها فترات تطبيقية بدأت تأخذ ملامحها في مجال تطبيقات المذاهب العسكرية في الحرب العالمية الأولى.

قامت الحرب العالمية الأولى وفق مذاهب عسكرية موجهة للقتال ضمن فترة محدودة ومحكومة غالباً بقدرات الإدامة التموينية المحدودة، فكان المذهب العسكري الهجومي مبنياً على استنزاف قدرات الرماية للمدافعين الذين كانوا مقيدين بذخيرة تصنع لهم في مصانع الدولة، ويلزم إدامتهم بها لعدم تمكنهم من تصنيع الذخيرة الذاتي الذي اندثر مع تطوّر التسليح، ومبنياً على زخم النيران والحسم السريع المتفوق عددياً ومادياً ومعنوياً. ولذلك أصبحت جبهات القتال عبارة عن مواقع دفاعية متقابلة عجز فيها الخصوم عن التحرر من الحالة الدفاعية التي فرضتها عليهم بدون أن يشعروا قدرات النقل التي ساهمت في تغذية بنادق ورشاشات ومدافع المقاتلين بالذخيرة المصنوعة سلفاً، ففشل المهاجمون في كسب الحالة الهجومية، وبدأوا يراوحون في مواقعهم الدفاعية بدون إحراز أي نتائج هجومية.

أمام حالة الدفاع التي أصبحت عصيّة على الاستنزاف بسبب الإدامة لها وجب تطور النقل، وفشل الهجوم الذي أصبح غير قادر على تطوير وضعه الدفاعي إلى هجومي، حيث فتكت الأسلحة النارية والرشاشات متعددة السبطانات بكل محاولة، اتضحت ملامح تطور الشؤون الإدارية وأثرها في كسب أو خسارة الحرب ودورها الاستراتيجي في ذلك، وتهيأت مسارح العمليات التي بدأت تنتعش وتتطور وتردم الفجوة بين العسكر والساسة، لتفرض نفسها في الحروب وتقتطع جزءاً كبيراً من المجهود الحربي لجيوش متقابلة وثابتة ومتناحرة، وأصبح الجو ملائماً لتطور الشوون الإدارية وإدراك تأثير النقل، وخصوصاً في إدامة أمد الحرب، حيث فشل الساسة والقادة العسكريون وصناع المذهب العسكري في تحديد أمد الحرب وأخفقت توقعاتهم لمدة الحرب، لتمتد من ستة أشهر كحد نهائي إلى أربع سنوات، وكل هذا قد نتج بسبب الجهل منهم بالمدى الذي سيصله تأثر مدة الحرب بقدرة النقل على إدامة أمدها.

نشأت في ظل هذه الظروف محاولات الخصوم قطع طرق الإمداد والمواصلات وتدميرالجسور والطرق، ونشأت الحاجة إلى إدارة القوافل التموينية وتأمينها بالحراسة، حيث أصبح الخصم ـــ ولإدراكه بدور النقل في توصيل التموينات والأسلحة والذخائر وبالتالي إدامة أمد الحرب ــ مجبراً على توجيه جزء من قواته لقطع طرق الإمداد والتموين ومهاجمة القوافل.

لقد أصبحت المعارك ليست معارك جيوش، بل معارك دول، وازدادت المساحة المستهدفة عملياتياً في المنطقة الخلفية، ولم تتضح معالم تحول المعركة من معركة جيش إلى معركة دولة إلاّ عندما توجه تطور الطيران الجوي والطلعات الجوية لقصف القوافل، الذي تطور لاستهداف وقصف المصانع ومقار الدولة في عمقها السياسي والمدني، لتصبح هذه هي السمة الأكثر وضوحاً في أساليب الحرب في الحرب العالمية الثانية..

لقد أتى النقل كتتويج لمراحل متطورة سبقت ذلك بكثير، حيث نشأت مفاهيم التموين والإمداد المتحرك بشكل قوافل مدنية تتحرك خلف الجيش، وتلتزم بتعليماته، إلاّ أن التطور التقني والتسارع في وتيرة الحروب والمعارك كان يسير في اتجاه تطوير قدرات النقل، حيث أتت المستودعات المتحركة كمرحلة سبقت تطور النقل ولتلبي احتياجات المعارك وإدامتها ضمن إمكانات الأسلحة وكافة استخدامها وكثرة المقاتلين.

وبذلك أصبحت وحدات النقل هي أداة نقل طاقة القتال من طعام وذخيرة ووقود وصيانة وتموينات من عمق جسم الدولة إلى جبهة القتال، لتتمكّن القوات العسكرية، أو لا تتمكن، من استمرار القتال، وكان أبرز دليل على ذلك هو أن النقل تمكن من إدامة الحرب، وتمكين المصانع الحربية من مضاعفة عدد آليات القتال إلى (17) ضعفاً خلال سنوات الحرب الأربع، حيث بدأت الحرب بــ (16000) عربة قتال، وكان أن تمكن النقل من إدامة القتال بنقل (267700) عربة لإدامة المجهود الحربي، ناهيك عن التموينات والوقود والذخائر المصاحبة لإدامة ذلك المجهود.

 

 


   

رد مع اقتباس