عرض مشاركة واحدة

قديم 03-03-09, 06:23 PM

  رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
محمود حامد
يخلع نظارته.. يعطيها للطفل الصغير "علي"، يتقدم في ثبات ليقف بين يدي شانقيه، يربطوه يديه من الخلف، ويلفون الحبل حول عنقه، يخبط العسكري الكرسي الواقف عليه بقدمه، يترنح الجسد، وتزغرد نساء ليبيا في مشهد يستحق البكاء.. والزغاريد أيضا!

المشهد السابق هو آخر مشاهد فيلم عمر المختار الذي قام ببطولته "أنتوني كوين"، والذي لاقى نجاحا كبيرا وقتها ومازال. أما المشهد الحقيقي فقد مر عليه 34 سنة كاملة، وبالتحديد يوم 16 سبتمبر 1931م.

عمر المختار، حكاية لم يكتب لها النهاية بعد، فرغم مرور عشرات السنوات على رحيله، إلا أن اسمه مازال يعني الكثير لا لأبناء ليبيا فقط، بل للمسلمين جميعا. طفولة مناضل!
بنظرة سريعة على تاريخ وظروف وولادة "عمر المختار بن عمر بن فرحات"، نجد أن ذلك المناضل ولد عام 1862م في قرية "جنزور" بمنطقة "دفنة" في هضبة "المرماريكا" في الجهات الشرقية من "برقة"، وقد وافت المنية والده مختار بن عمر، وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.

وتلقى عمر المختار تعليمه الأول بزاوية "جنزور"، بعدها سافر إلى "جغبوب"، ليمكث هناك 8 سنوات للدراسة على يد كبار العلماء والمشايخ، حيث درس اللغة العربية والعلوم الشرعية، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، إلا أنه لم يكمل تعليمه.

وقد ظهرت على الشاب الصغير عمر ملامح الذكاء، فاستحوذ على انتباه أساتذته، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن، فقد وهبه الله تعالى صوتاً بدوياً تستغيثه الأذان ولسان عذب وقوة في اختيار الألفاظ المؤثرة وجاذبية ساحرة، لدرجة السيطرة على مستمعيه وشد انتباههم.
تاريخ وبطولات ويمكننا القول أن تاريخ عمر المختار النضالي، بدأ مع مشاركته في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية وحول منطقة "واداي". وقد استقر المختار فترة من الزمن في "قرو" مناضلاً ومقاتلاً، ثم عين شيخاً لزاوية "أعين كلك"، ليقضي فترة من حياته معلماً ومبشراً بالإسلام، وأسهم بدور فعال في نشر تعاليم الدين الإسلامي هناك مما زاد في شهرته داخل وخارج البلاد .

وقد وثق فيه السيد محمد المهدي السنوسي وخصّه بقيادة معركة "واداي" ضد الفرنسيين في السودان وتمرّس أثناء الحروب ضد الفرنسيين على أمور القتال وإدارة المعارك، كما أن توليه لعدة مناصب دينية جعله يؤمن بعقيدته الإسلامية التي تحثه على الجهاد باعتباره فرض عين.

ورفض "المختار" كل الحلول الاستسلامية، وأبى الارتماء في أحضان الإيطاليين والانجليز، ورغم يقينه بأن المراسلات بينه وبين الإيطاليين هي في الواقع بغرض الإيقاع به، إلا أنه لبّى نداء الاجتماع مع الإيطاليين، ولكنه لم يفكر في التفريط بالقضية وكان دائما يقف بشجاعة أمام المسؤولين الطليان ويحملهم مسؤولية فشل المفاوضات.

وبعد وفاة السيد محمد المهدي السنوسي عام 1902م تم استدعاؤه حيث عين شيخاً لزاوية القصور.

وعندما شنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911م، وبدأت بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي، درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس، كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة، حيث قابل السيد أحمد الشريف، وعندما علم بالغزو الإيطالي سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين، حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة.
معارك ضارية!
وتمتاز صفحات سجل تاريخ شيخ المجاهدين عمر المختار بالعديد من المعارك الضارية التي خاضها مع الإيطاليين، حيث شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912م أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي، منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند "درنة" في 16 مايو 1913م، حيث قتل فيها عشرة ضباط وستين جنديا وأربعمائة فرد إيطالياً، بين جريح ومفقود إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم.

وكما شارك المختار فيً معركة "بو" شمال عن "عين ماره" في 6 أكتوبر 1913، بالإضافة إلى معارك "أم شخنب" و"شليظيمة" و"الزويتينة" في فبراير 1914، ولتتواصل حركة الجهاد بعد ذلك، حتى وصلت إلى مرحلة جديدة بقدوم الحرب العالمية الأولى.

فبعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في أكتوبر 1922, وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا، تغيرت الأوضاع داخل ليبيا، واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي، واضطر إلى ترك البلاد والسفر لمصر عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار.

وقصد المختار مصر عام 1923م للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد، وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين، فجعل حسين الجويفي على دور "البراعصة" ويوسف بورحيل المسماري على دور "العبيدات" والفضيل بوعمر على دور "الحاسة"، وتولى هو القيادة العامة.

المجاهدون يلتفون حوله
وعقب الغزو الإيطالي على مدينة "اجدابيا" مقر القيادة الليبية، أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية، وانسحب المجاهدون من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الأخضر، وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والجهاد تحت قيادة عمر المختار.

كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح، وعندما ضاق الإيطاليون ذرعا من الهزيمة على يد المجاهدين، أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد، فسعوا إلى احتلال منطقة "الجغبوب"، ووجهت إليها حملة كبيرة في 8 فبراير 1926م، وقد شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار، ولكن الرجل حمل العبء كاملاً بعزم العظماء وتصميم الأبطال.

وتوالت الانتصارات، وهو الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها وإجراء تغييرات واسعة، فأمر موسوليني بتغيير القيادة العسكرية، حيث عين بادوليو حاكماً على ليبيا في يناير 1929م، ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الإيطاليين والمجاهدين.

تظاهر الحاكم الجديد لليبيا في رغبته للسلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده، ووضع بادوليو أمام خياران أولهما مغادرة البلاد إلى الحجاز ومصر، وثانيهما البقاء في برقة والاستسلام مقابل الأموال والإغراءات، ولكنه رفض كل تلك العروض، وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث، وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.

المختار أسيراً
وبعد العديد من المعارك الطاحنة، وقع المختار في الأسر يوم 11 سبتمبر عام 1931، وذلك في معركة نشبت عند بئر "قندولة" والوديان المجاورة، واستمرت يومين، ووقع عمر المختار في الأسر، وأرسل بحراسة قوية إلى مرسى "سوسة"، حيث نقلته مركب حربية في نفس اليوم إلى بنغازي، وانعقدت له محكمة خاصة يوم 15 سبتمبر 1931م بعمار الحزب الفاشستي "مجلس النواب البرقاوي أيام إمارة السيد إدريس على برقة"، وكانت المشنقة قد جهزت قبل انعقاد المحكمة، ونفذ حكم الإعدام شنقاً في 16 سبتمبر 1931م في مدينة سلوق أمام أبناء وطنه.

ويبقى سؤال، هل تبخل الأمة التي أنجبت ذلك البطل في إنجاب أبطال آخرين يغيروا مجرى التاريخ وتزدهر على أيديهم البلاد؟!

 

 


   

رد مع اقتباس