عرض مشاركة واحدة

قديم 25-02-09, 03:15 PM

  رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي



 

قراءة في وثائق 1971 البريطانية (20) ـ لماذا خلف السادات عبد الناصر وليس علي صبري أو زكريا محيي الدين؟
ناصر تجاوز سياسته الإسرائيلية ومؤسساته ورأيه العام بقبول مبادرة روجرز * فوزي وأبو النور قفزا للمواقع العليا خلافا لتوقعات موسكو لشعراوي وصبري * استراتيجية الحرب الاقتصادية الصهيونية سعدت بتبعية الاقتصاد المصري لموسكو
حسن ساتي
بعد حوالي 119 يوما جلس السفير البريطاني ليكتب عن عام 1970 في مصر الذي احتوى على احداث عظام، في مقدمتها رحيل ناصر، ومجيء السادات، ليقدم اسبابه لاختيار الاخير، وليقطع بعدم كفاءة الآخرين، وتحديدا، علي صبري وزكريا محيي الدين على منافسته.

تقرير السفير يكشف ان قبول ناصر لمبادرة روجرز اثار تململا داخليا، في مقابل ترميم السادات ورئيس وزرائه محمود فوزي لجبهتهما الداخلية باصلاحات سياسية قطع معها التقرير البريطاني بوجود لبنات لتسوية سياسية مع اسرائيل.
لم يفقد التقرير الشجاعة في القول بأن الاستراتيجية الصهيونية للحرب الاقتصادية تتجه الى اكثر الاعداء العرب جدية في صراعها مع اسرائيل ويقصد مصر، في مقابل نظرة خاصة للمناخ الذي ساد القاهرة مع رحيل عبد الناصر.
وثيقة رقم: 71/108 تقرير دبلوماسي التاريخ: 25 يناير (كانون الثاني) 1971 الى: وزير الخارجية من السفير البريطاني بمصر.
الموضوع: الجمهورية العربية المتحدة: التقرير السنوي لعام 1970.
سيدي:
1 ـ أعتذر بأن غيابي في لندن خلال الايام الاولى لعام 1971 قد عنى ان قراءتي السنوية لعام 1970 في مصر قد تأخرت كثيرا، وارفق لكم روزنامة بأحداث العام.
2 ـ ربما يكون من الصحيح، بمفردات تاريخ الشؤون العربية، القول بأنه، وبرغم وفاة ناصر في سبتمبر (ايلول) 1970، فان عام 1970 سيعتبر عام عبد الناصر وليس آخر اعوام ناصر، لأن الرجل احرز انجازين لا يستطيع قائد عربي معاصر انجازهما دون افلات من عقوبة. فالرجل بدّل سياسته الخاصة تجاه القضية العربية ـ الاسرائيلية بقبول مبادرة روجرز، والثاني، استدعاؤه للقادة العرب للقاهرة، وفرض حلا، ربما تكون هذه هي الكلمة الافضل، للنزاع بين الحكومة الاردنية والمقاومة الفلسطينية. ولكن الانجازين اتجها لجهة آثار مضادة سواء على الصعيد المصري، او الرأي العربي. فعلى صعيد مؤتمر الاتحاد الاشتراكي العربي ومجلس الامة، امتلكا معا شكوكا مصحوبة بالخوف حول الحكمة من قبول مبادرة روجرز في النزاع العربي ـ الاسرائيلي في وقت تعارضه فيها سبع حكومات على الاقل.
في المقابل، فان الرأي العام بمصر، وفي اجزاء كثيرة من العالم العربي ينظر بسلبية للاتفاقية بين الاردن والفدائيين والتي ظهرت كغض للنظر عن الحد من الكفاح العربي ضد اسرائيل بتقييد حرية (او رخصة) المقاومة الفلسطينية. في نهاية العام اتضحت الومضات والفضاءات والخيارات الاخرى الحقيقية، ولكن، مع ذلك، فسياسات ناصر سيطرت على عام 1970.
3 ـ 4 ـ 5 ـ 6 ـ 7: (الفقرات تتحدث عن المواجهات العسكرية بين مصر واسرائيل وزيارة ناصر لموسكو واستجلاب صواريخ سام 3، ومؤشرات حرب الاستنزاف، ولا تحمل جديدا تاريخياً.. الشرق الأوسط).
8 ـ ألمحت للدور الذي لعبه ناصر في محاولته للتوسط بين المقاومة الفلسطينية والملك حسين على اساس من الاحتفاظ بحق الاولى في الوجود، والثاني في ان يحكم، وهناك رسالتي حول لجنة حفظ السلام او (المتابعة) برئاسة الادغم. ولعل الجهد الذي بذل في تلك المحاولة، وبلا شك، هو الذي كلف ناصر حياته، لانه وبعد ساعات قليلة من وداع آخر رئيس دولة، مات بنوبة قلبية مساء 28 سبتمبر.
9 ـ على مدى عملي الاستشاري والدبلوماسي، امتلكت فرصة كافية لرؤية آثار رحيل ناصر على الاسر، ولكن الذاكرة لا تسعفني لاستحضار مشهد يجسد حيرة الاسر ومناخ الفوضى، بتلك الدرجة التي شهدتها القاهرة في الايام التالية لوفاة ناصر، وقد ساد ذلك الوصف من القمة الى القاع، ففي الجنازة اغمي على السادات من الارهاق والعاطفة، والضيوف الاجانب استطاعوا بالكاد تقديم تعازيهم لفريق من خمسة رجال يتقدمه ثلاثة غير مصريين، وهناك حرس الشرطة والجيش، وكلاهما غلبت عليه العاطفة، فلم يستطيعا حفظ النظام للمائتين ياردة الاولى من الموكب. وفي ظل ذلك المناخ من الحزن حمل الفرعون المصري الاول منذ 2000 سنة الى قبره بصورة لم تشهدها هذه البلاد منذ ان حمل آخر ملوك الفراعنة لينضم الى حورس، وايزيس، واوزيريس. ولكن كل ذلك لم يمنع زميلي سفير قبرص من التعرض للنشل.
10 ـ يذهب حكمي الى ان الزيارة المطولة لرئيس الوزراء السوفياتي وتمديدها لما بعد جنازة ناصر، وفي مثل هذه الظروف، مضيعة للوقت. صحيح انه وباعادة التأكيد لقادة مصر بأن الدعم السوفياتي ليس مرتبطا بناصر شخصيا، قد طمأنهم، الا ان الترتيبات الدقيقة التي اقامها على مشارف مغادرته بأن يشارك علي صبري وشعراوي جمعة في الوظائف العليا، قد نسفت تماما بعد ان تأكد وصول السادات للرئاسة وبعد ان اتاح الوقت لحقائق الوضع السياسي الداخلي ان تقيم نفسها ومعها الموقف.
ففي مكان تلك الترتيبات احتل محمود فوزي ومحسن ابو النور رئاسة الوزراء وامانة الاتحاد الاشتراكي العربي، على التوالي.
11 ـ حدث الانتقال من مرحلة ناصر الى مرحلة ما بعد ناصر بسلامة مشهودة بعد انقشاع الصدمة الاولى، ووفقا للدستور المؤقت. وصول السادات للرئاسة لم يكن محل خلاف. فهو، اولا نائب الرئيس الوحيد، وثانيا، هناك مكانة ناصر والتي شكلت عقول كل الذين تم استدعاؤهم لاختيار خليفته، فجاؤوا متشبعين بسياسته وآرائه، ومفكرين كلية في استمرارها، في وقت كانت وظائفهم جميعا قد اعتمدت على الاستمرارية. وبذلك بدا الادعياء البدلاء غير مؤهلين منذ البداية. فعلي صبري كان تقليصه قد تم علنا قبل عام. وزكريا محيي الدين بعد عامين ونصف في التيه، لم يملك اضعف مظهر يزعم من خلاله الاستمرار، وربما تمثل التغيير فقط، في وقت لم يكن فيه اوان التغيير قد جاء. ولذلك، جاء اختيار السادات من الحزب والبرلمان، ليجيء تأكيده من الاستفتاء في 15 أكتوبر (تشرين الاول). تم اختيار محمود فوزي في 2 أكتوبر رئيسا للوزراء مع نفس الوزراء تقريبا، وقد ظل بمجلس الوزراء منذ 1969، أعاد تشكيل حكومته في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) لإعطائها قدرة مرسومة لتشريع مقاييس الاصلاح الداخلي، والذي يعتبره، هو والسادات، وبشكل واضح، مهما لتوطين وترسيخ موقعهما الداخلي.
12 ـ (عن اتفاق وقف اطلاق النار مع اسرائيل وآفاق تمديده).
13 ـ في الاسابيع القليلة الماضية وحدها من العام الماضي بدت تلك التوجهات، وهي بالضرورة تعود لناصر، تأخذ شكلا مختلفا بعض الشيء بعد ان وضع الفريق الجديد اقدامه على الارض. من الملاحظ ان المؤسسات، كلا الحزب ومجلس الامة، واللذين خلق ناصر هيكليهما، ولكنه لم يغطيهما، بدآ يكتسيان لحما. الوزراء، وخاصة نواب رئيس الوزراء (وزير الخارجية احدهم) بدأوا في وضع سياسات الادارات التابعة لهم، الرئيس السادات منع بعض الممارسات السائدة في سنوات ناصر الاخيرة، وبدأ في تغيير اسلوب الرئاسة. خيار تسوية للصراع العربي ـ الاسرائيلي وفق مبادرة روجرز، الذي ورّثه ناصر، موضوع بحزم من الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الخارجية اكثر مما كان عليه امرها مع ناصر الذي يملك سمعته العربية المعني بها.
الجمهورية العربية المتحدة تحولت بمقياس كبير لأن تصبح مصر. كل ذلك من المصلحة، الخطر يكمن في ان قبول المسؤولية الشخصية، وما لم يقيد بالتعاون ويخضع للمصلحة العامة، فانه من الممكن ان تعود للفوضى. اذا كان ذلك سيحدث أم لا، عام 1971 سيظهر كل شيء.
14 ـ كان عاما سياسيا بدرجة لم أملك الحيز في هذه الرسالة لما هو اكثر من اشارة مختصرة للتطورات في الاقتصاد المصري والعلاقات المصرية ـ البريطانية.
15 ـ كل ما يمكن ان يقال عن الاقتصاد انه ظل يترنح. الاحتياطيات قلّت، والدين ارتفع ومعه تكاليف المعيشة، المجهود الحربي بانفاق يزيد على 500 مليون جنيه استرليني ظل نزيفا مستمرا من الاستثمار، وفي غياب مستثمرين غربيين، بمن فيهم بريطانيا، يقلق الآخرون من فقدان أموالهم، ووجدت مصر نفسها، مضطرة لقبول الاستثمار السوفياتي بمعدلاته العالية في مشاريع انتاج الفوسفات والالمنيوم وتوسيع انتاج الحديد والبحث عن الضغط. مثل هذا الوضع يناسب وبوضوح الروس الذين يدفعون بهذا الاقتصاد المصري ليقترب أكثر من نماذج اقتصاديات اوروبا الشرقية على حساب يوم تصبح الجمهورية العربية المتحدة في سلام ولن تحتاج الى السلاح الروسي. وقد يناسب ذلك اسرائيل حيث ان استراتيجية الحرب الاقتصادية الصهيونية موجهة لأكثر الاعداء العرب لاسرائيل جدية. في المقابل، تبقى القضية مفتوحة ما إذا كان نفس الوضع الاقتصادي في مصر مرغوبا فيه سياسيا لدى الغرب والناتو على وجه التحديد. همنا تجاه المحيط الهندي يمكن ان يوازيه هم آخر تجاه مصر.
16 ـ (عن العلاقات البريطانية ـ المصرية، ولا تحمل جديدا.. الشرق الأوسط).
ارسال نسخة من هذه القراءة لممثلي الملكة في واشنطن وتل ابيب، وعمان وبيروت وطرابلس والخرطوم والسير كولن كراو في نيويورك وقائد القوات البريطانية في الشرق الأدنى. * (آر. ايه. بيومنت ـ السفير البريطاني ـ القاهرة)

 

 


   

رد مع اقتباس