عرض مشاركة واحدة

قديم 20-08-10, 12:45 PM

  رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الباسل
المديــر العـــام

الصورة الرمزية الباسل

إحصائية العضو





الباسل غير متواجد حالياً

رسالتي للجميع

افتراضي



 

3. حروب الوطن العربي

عرف الوطن العربي ومنذ أقدم العصور كل أنواع الحروب، وفي طليعتها الحروب الأهلية، ومن نماذجها الشهيرة في العصر الجاهلي: قصة (داحس والغبراء)، وقتال (عبس وذبيان)، وغزوات الصعاليك التي حفظت بعض فصولها (قصائد كبار فرسان الصعاليك)، وأقوام كثيرة غاب ذكرها، لم يبق لهم بعد حروبهم من باقية، وقد أكّدت تلك الأوابد التاريخية أن حروب القبائل المسلحة التي شكّلت النماذج المبكّرة للحروب الأهلية لم تكن بسبب العامل الاقتصادي وحده (الحصول على المراعي، وغزوات السلب والسطو ... وغير ذلك)، بل إن كثيراً من الحروب كانت ذات أهداف مرتبطة بفضائل المجتمع القبلي ومفاهيمه وقيمه، وقصة (عمرو بن كلثوم) نموذجاً لذلك، فقد كانت قيم الشجاعة والانتصار للحق والعدالة، والفخر بشرف القبيلة ... إلخ عاملاً حاسماً في توحيد القبائل وزجها في تيار الحروب التي كانت المشروع الأولي لحروب التدمير الوحشية والتي لا هوادة فيها حتى الوصول إلى فناء أحد الطرفين، وذلك بسبب التناقض الحاد والعداء المستحكم بين مشاريع القبائل المتحاربة.

وأشرق نور الإسلام ليسدل الستار على قيم ومفاهيم الجاهلية الأولى، وليبعث الأمة العربية بعثاً جديداً تحمل قيماً واحدة، وتحارب من أجل قضية واحدة، ترتفع بفضائلها وقيمها وأهدافها عن كل الصغائر الدنيوية، غير أن الإسلام لم يستبعد وقوع انحرافات وحدوث فتن تقوم بها فئات باغية تخرج عن الطاعة والجماعة؛ فحدد الإسلام سبل التعامل مع مثل هذه الفئات التي تبغي إثارة الفتن التي هي أشد من القتل، وفرض على المسلمين الانتصار للطاعة والجماعة، ومحاربة أصحاب الفتن الباغية والظالمة، والخارجة علي حدود الشرع الإسلامي، فكانت حروب الردة، وكانت الفتنة الكبرى، وكانت مؤامرة (17 رمضان) لاغتيال قادة المسلمين وأمراء الأقاليم في العراق والشام ومصر من النماذج الأولى للحروب الأهلية التي استمرت وتطورت عبر مجموعة كبيرة من الحروب في العصرين الأموي والعباسي، والتي لم تكن جميعها ثمرة طموحات فردية أو مغانم مادية، وإنما كانت لها أهداف اجتماعية، ونموذجها ثورة الزنج في العراق، وكانت لها أهداف سياسية للحصول على حقوق وامتيازات للشعوب التي اعتنقت الإسلام ديناً.

وكان للعامل الاقتصادي أيضاً دوره في تلك الحروب الأهلية لتحقيق التوازنات داخل المجتمع الإسلامي بحسب ما يتوافر لكل شعب من الشعوب الإسلامية من القوة والقدرة؛ إذ أصبحت بوتقة الإسلام تصهر كل المجتمعات لتعيد صيغتها في نسيج متكامل يضم في سداه ولحمته العرب، والبربر، والعجم (الفرس)، والترك، والأكراد، والصقالبة، والأسبان وغيرهم من شعوب الأرض. وكثيراً ما كان من تلك الحروب الأهلية ما هو ذو هدف إسلامي واحد يتمثل في إعطاء الأقاليم الإسلامية عربية وغير عربية قوة دفع جديدة لمجابهة الأعمال العدوانية الخارجية، ونموذجها الحروب الصليبية القديمة.

يظهر من خلال ذلك أن ما يسمى ب (الفيفساء الدمشقي أو العربي) هو موروث فكري وتراكمي عبر الزمن، وقد مارس هذا الموروث دوره في صناعة التمايز والتنوّع في تكوين وبناء المجتمع العربي المعاصر. وفي الواقع فإن الشعب العربي مثله كمثل كل الشعوب ذات الجذور العميقة في جوف التاريخ ، إذ إن نظرية (النقاء العرقي) أو (الانتماء العنصري) هي نظرية بعيدة عن الواقع، وحتي العرق الجرماني أو العرق الانجلوساكسوني، أو حتي العرق السلافي لم يعد عرقاً نقياً ولا صافياً، بل ربما كانت نسبة الأوشاب والخلائط المكوِّنة للشعب العربي المؤمن بقوله تعالى، وبكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: "ياأيها الناس إنَّا خَلقْناكُم شُعوباً وقَبائل لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِندَ اللَّهِ أتْقاكُم لا فَضْلَ لعربيّ على أعجميّ إلاّ بالتقوى".

وإذن، فإن التنوّع والتباين في مكونات المجتمع العربي المعاصر ليس هو السبب في تفجّر الحروب الأهلية الحديثة، ولو كان الأمر كذلك لما كان هناك مجتمع أمريكي، أو مجتمعات مماثلة تكوّنت من حصاد كل الشعوب، ولكانت مثل هذه المجتمعات هي المسرح العالمي الأول للحروب الأهلية بسبب وفرة التناقضات، واختلاف الانتماءات، ولكن القضية في جوهرها هي: (قوة المجتمع وقدرته وتماسك مكوناته وحصانته ضد المؤثرات الخارجية)؛ فعندما تضعف السيطرة المركزية للدولة، وعندما تصبح الجبهة الداخلية لأي مجتمع قابلة للاختراق من أي اتجاه، وعندما تتكاثر السهام القاتلة والمصوَّبة لقلب أي مجتمع من المجتمعات يصبح هذا المجتمع فريسة لكل أنواع الحروب الأهلية، والتي قد تحمل أي نوع من أنواع الرايات الغربية، وعلى سبيل المثال: فالعامل القومي الذي ضمن وحدة الشعب الجرماني والشعب الإيطالي وحتى الشعب السلافي (الروسي) هو العامل ذاته الذي تسبب في تمزّق الامبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، وهو العامل ذاته أيضاً الذي أفادت منه روسيا القيصرية، لإضعاف وتمزيق الدولة العثمانية تحت أعلام حماية الأخوة السلاف في أوروبا، وحماية الأرثوذكسية، قد مارس دوره العرقي والمذهبي لتمزيق وانهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1989م. وإذن فقوة الدولة أو ضعفها في القدرة على مجابهة التحديات الخارجية هي التي تتحكم بإمكانات وقوع الحروب الأهلية في الوطن العربي، وكذلك فهي التي تشكّل سداً في مواجهة احتمال تفجّر هذه الحروب، ويمكن على ضوء هذه الحقيقة والمستخلصة من تجارب الحروب الأهلية المعاصرة القول: إن الحروب الأهلية هي تعبير عن ضعف المجتمع الذي يحتضن هذه الحروب، وليس من المهم بعد ذلك أن تكون الأعلام التي ترفعها قوات المتحاربين أو أمراء الحروب هي أعلام حمراء أو زرقاء أو سوداء أو ذات شعارات سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو فكرية عقائدية، إذ كثيراً ما تغيب مثل هذه الشعارات عندما تفرّق البلاد بشعارات الدم الذي تستبيحه ميليشيات المرتزقة.

يمكن على كل حال تجاوز قصة الحروب الأهلية في الوطن العربي، سواء في مكوناتها أو في تطوراتها عبر التجارب التاريخية، أو حتى في ذرائعها، والانطلاق من واقع الوطن العربي الحديث الذي تشكّل ليضم الدول العربية حديثة العهد بالاستقلال إذ خضعت كل أقاليم الوطن العربي في ليل الاستعمار لسيطرة الدول الغربية (انجلترا، وفرنسا وإيطاليا)، وتحت أسماء مختلفة (الوصاية، والحماية، والانتداب).

وشكَّلت المملكة العربية السعودية حالة استثنائية، إذ استطاعت المحافظة على استقلالها، وكان تنظيم الجامعة العربية منذ انطلاقتها وحتى اليوم تعبيراً عن طموح الشعب العربي وقياداته لبناء وطن عربي حر ومستقل ويلبي طموح الإنسان العربي، ولهذا، فقد تضمّن ميثاق الجامعة العربية بنوداً تحمي أقاليم الوطن العربي والشعب العربي من احتمالات الوقوع في مهاوي الحروب الأهلية، وتم وضع الضوابط التي يمكن لها إبقاء العلاقات العربية العربية البينية تحت السيطرة العربية، والتي تمارس دورها في مجال التعاون المتبادل للتعامل مع الحروب الأهلية.

وجاء أول اختراق للجبهة العربية الداخلية عندما أرسل الرئيس المصري الأسبق (جمال عبدالناصر) جيش مصر للحرب في اليمن، وكانت حرباً أهلية طاحنة، أدت إلى استنزاف الجيش المصري، وتمزيق الجبهة العربية، مما ساعد إسرائيل على تحقيق انتصارها على العرب في حرب 5 يونيو 1967م.

وعندما توقفت حرب اليمن الأهلية (1962 1967م)، وكان الثمن فادحاً، جاءت بعد ذلك عملية غزو الجيش العراقي للكويت في العام 1990م لتجدد ثياب الحرب الأهلية، ووقع الرئيس العراقي آنذاك (صدام حسين) في ضباب السراب الخادع باحتلال موقع قيادة المجتمع العربي بحجة الانتصار للشعب الفلسطيني. وإذا كان (جمال عبدالناصر) قد فشل في تحرير فلسطين عن طريق صنعاء، فإن حظ (صدام حسين) قد يكون أفضل إذا ما تمكّن من تحرير فلسطين عن طريق الكويت. وتتابعت بعد ذلك فصول الحروب الأهلية العربية، ولم تكن أي من هذه الحروب بعيدة أو منفصلة عن التحريض الخارجي وعن سياسات الاستقطاب الدولية. وإذا انتقلنا إلى الحرب الأهلية اللبنانية (1975م 1989م)، والتي وصلت نهايتها بفضل جهود المملكة العربية السعودية في مؤتمر الطائف وقراراته، فإن هذه الحرب قد شكَّلت وحدها النموذج المتكامل للحروب الأهلية، والتي اختلطت فيها رايات الحرب الطائفية أو الدينية برايات المذاهب الاقتصادية (الرأسمالية والاشتراكية وحتي الفوضوية)، وكذلك الرايات القبلية التي تعتمد على عامل الثأر والانتقام ومشاعر الحقد والكراهية.

وكانت فلسطين أيضاً عاملاً حاسماً في جملة مكونات هذه الحرب، وجاءت بعدها الحرب على أرض العراق، والصراعات على أرض فلسطين، والحرب في (دارفور)، لتقدّم البراهين الحديثة على طبيعة الحروب الأهلية المدمرة للشعوب وقيمها وفضائلها ومكوناتها وحتى لمستقبل شعوبها، وكل ذلك تحت ذرائع البحث عن مستقبل أفضل.

 

 


الباسل

يتولى القادة العسكريون مهمة الدفاع عن الوطن ، ففي أوقات الحرب تقع على عاتقهم مسؤولية إحراز النصر المؤزر أو التسبب في الهزيمة ، وفي أوقات السلم يتحمّلون عبء إنجاز المهام العسكرية المختلفة ، ولذا يتعيّن على هؤلاء القادة تطوير الجوانب القيادية لديهم من خلال الانضباط والدراسة والتزوّد بالمعارف المختلفة بشكل منتظم ، واستغلال كافة الفرص المتاحة ، ولاسيما أن الحياة العسكرية اليومية حبلى بالفرص أمام القادة الذين يسعون لتطوير أنفسهم وتنمية مهاراتهم القيادية والفكرية

   

رد مع اقتباس