عرض مشاركة واحدة

قديم 14-04-09, 03:05 PM

  رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
البارزانى
Guest

إحصائية العضو



رسالتي للجميع

افتراضي مناهج الكلية من التجديد إلي التجسيد ‏



 

العقيد الركن- عبدالهادي بن ظافر الشهري
قائد جناح تطوير المناهج بالكلية

توطئة
من الصعب أن يتتبّع الكاتب رحلة تطوير مناهج كلية الملك خالد العسكرية، على مدى ربع قرن، تتبعًا مفصليًا، بيد أن هذه الصعوبة لا تحول دون رسم الملامح العامة، وبيان الأطر الكليّة التي نمت خلالها المناهج وتطوّرت دون الغوص في التفصيلات، أو عرض الجزئيات.
من المسلّم به أن كلية الملك خالد العسكرية نشأت لتكون شيئاً مختلفًا عمّا سبقها في الحرس الوطني؛ أي عن المدارس العسكرية آنذاك، وقد كان الأمر كما خُطّط له. ويُعدّ تكوين المناهج وتنفيذها من أهم سمات ملامح التغيّر والتغيير في الوقت ذاته، كمًّا وكيفًا، بوصف تطوير المناهج يتوخّى في نهاية الأمر تحويل المدخلات؛ أي الطلبة، إلى مخرجات تلبّي طموحات الحرس الوطني. وعليه فقد خرجت مناهج الكلية بصورة مختلفة عما سبقها، مستفيدة من جميع الخبرات الأكاديمية، بما في ذلك الإفادة من مناهج الكليات العالمية التي توازيها وتشترك معها في أهدافها العامة، وهذه الإفادة ملمح طبيعي.
ولاستعراض مسيرة المناهج يجب أن نلتفت أولاً إلى الركائز الأصلية، والأسس المكينة التي تقوم عليها مراحل المناهج أيًا كانت. والركائز هي: المهمة، الرؤية، والأهداف العامة والخاصة. هذه الأبعاد هي المنطلقات الرئيسة للبدء بالضرورة في العمل في كل ما يتعلق بالمناهج. وبناءً عليها تبدأ المراحل الرئيسة لبلورة المناهج بدءاً من طرح الأفكار الأوليّة، وانتهاءً بالتشكّل المادي والممارسة الواقعية. ويمكن إجمال هذه المراحل في ثلاث، هي: تخطيط المناهج، وتصميم المناهج، وتقويم المناهج. هذا باختصار عام.
ويكمن في كل بُعد، أو مرحلة، عددًا من الخطوات الفرعية، والأعمال النظرية، والممارسات العملية التي تؤدي بمجموعها إلى تكامل الرؤى، وتلاقح الأفكار، وإغناء البحث بكل ما يصبّ في صالح المناهج، ويحقق أهدافها، ويجسّد أفضل صورة لبلورة مادتها. وهكذا كان الأمر في تطوير مناهج كلية الملك خالد العسكرية، وما زال الأمر ماضيًا طبقًا لمقتضيات المصلحة العامة، ومتطلبات البيئة الخاصة.
وإلى شيء من العرض الموجز لكل مرحلة أو بُعد؛ لنقف على أبرز ملامح هذه المسيرة التطوّرية، والتطويرية معًا.

المهمة والرؤية


تنبثق مناهج أي معقل أكاديمي من مهمته الرئيسة التي تتبلور في أهدافه الكبرى؛ ومنها الأهداف التعليمية العامة. وهنا يصبح الوعي بالمهمة أمرًا لازبًا، إذ يترتب عليها إدراك الحدود المنهجية، ومعرفة المستويات التعليمية التي يمكن أن تعمل ضمنها الكلية؛ ومهمة كلية الملك خالد العسكرية هي: تعليم وتدريب الطالب ليتخرج ضابطًا برتبة ملازم يعمل في الحرس الوطني. وبقراءة المهمة قراءة فاحصة تتبيّن المفاهيم الكبرى التي تؤطّر مناهج الكلية فتصبح السقف الذي يقنّنها، والمعيار الذي يزنها بغيرها من مناهج أخرى، أو مستويات مغايرة. ومن أهم هذه المفاهيم: التعليم، -التدريب، -الطالب، ورتبة ملازم، والحرس الوطني.
وبناء على الوعي بالمهمة، يمكن تصوّر المناهج بوصفها انعكاسًا للمسلمات المنطقية المبنية على تلك المفاهيم، وهي:
% سيتخرج الطالب ضابطًا برتبة ملازم.
% يحتاج إلى تعليم وتدريب.
% سيعمل بعد التخرّج في الحرس الوطني.
وكل مسلّمة أو مقدمة سالفة تستلزم منطقيًا أمرًا، أو أمورًا معيّنة، تسهم في تكوين مناهج الكلية وتطويرها؛ فالمُسلّمة الأولى تستلزم أن الضابط هو قائد، والقائد يتصف بالاحترافية دومًا، فهي غايته التي يتشبث بها في حياته العسكرية، وهي تتجاوز مجرد المعرفة والمهارات الأساسية، كما أن الرتبة (ملازم) تفرض محددات بوصفها قيودًا منهجية لا يجب تجاوز متطلباتها، وهذا ما يشي بطرح السؤال الرئيس: ماذا يحتاج ضابط المستقبل ليكون قائدًا محترفًا؟ ندرك أن الطالب يتوفّر في البدء على سمات شخصية، هي التي أهَّلته ليكون صالحًا للالتحاق بكلية الملك خالد العسكرية. وتعتبر هذه السمات والخصال معينًا يمكن أن يؤثر على صياغة المناهج من جهة، وعلى تأهيل الطالب من جهة أخرى، بما يفضي إلى استحضار ما تستلزمه خصيصة القيادة بوصفها خصيصة الضابط الرئيسة وما تتطلبه، إذ ينعكس ذلك على بلورة متطلباتها في مناهج قيادية خاصة، وبثّ سمات القيادة وخصائصها في حركات بقية المناهج وسكناتها على مختلف تخصصاتها، نظريًا وعمليًا، وفق برامج علمية تتسم بالدقة والمنهجية.
والمسلّمة الثانية تستلزم أنّ تكوين الطالب تكوينًا معرفيًا يتطلب المزج بين بعدين هما، بعدا: التعليم والتدريب؛ فالتعليم يركّز على النواحي الذهنية التفكيرية؛ أما التدريب فيركّز على الإعداد البدني بكل صنوفه وفنونه، ولا يقتصر، بالطبع، على التربية البدنية، كما قد يحدس عنه ذو النظرة القاصرة. وقد أفضى إدراك هذين البعدين إلى تحديد العلوم التي يمكن أن تُعنى بدءاً بكل جانب من هذين الجانبين؛ أي الجانب التعليمي بشقيه العسكري والأكاديمي (المدني)، والحال كذلك بالشق الذي يُعنى بالجانب التدريبي. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل عُمد إلى مزج ما يمكن مزجه من هذين الجانبين، ليصبحا بُعدًا واحدًا ذا وجهين، فهذا وجه نظريْ وذاك وجه عمليّ.
أما المسلّمة الثالثة، فهي تقرِّر البيئة الخاصة التي سوف يعمل فيها الخريج بما لها من سمات معينة، وخصائص مميزة، فضلاً عن تصور علاقاتها بالبيئة العامة أو العالمية، وكذلك بالبيئات الأخرى المحلية. كل ذلك يعتبر بمثابة متطلبات ضرورية يجب الاستجابة لها، وبلورتها، فهي تنعكس على تقرير المناهج؛ لأن تجاوزها أو التقصير في إيفائها حقها سيؤثر حتمًا على قدرة الضابط القيادية وعلى جاهزيته التأهيلية.
بتحليل تلك المسلمات الثلاث المنبثقة أصلاً من مهمة الكلية أمكن أن تؤسس الرؤية الحالية حيال المناهج، وكذلك أسهمت في التأسيس لصياغة رؤية مستقبلية يمكن أن توصف بأنها هي الرؤية الاستراتيجية لما تميزت به من مقبولية، وواقعية، وقابلية للتكيّف وفق المتغيرات المحلية أو العالمية، بالإضافة إلى كونها تقبل التنقيح والتعديل، وكذلك الاستجابة لكل المتطلبات البيئية؛ لأنه ينبني عليها بناء الاستراتيجيات الفرعية الملائمة التي تكفل نجاح عملية تطوير المناهج في المستقبل، مع ضمان تحقيق أفضل الفوائد لطالب الكلية ثم للحرس الوطني. وقد انعكست أبعاد هذه الرؤية في مراحل تطوير المناهج الثلاث، أي: في التخطيط، والتصميم، والتقويم.

 

 


 

   

رد مع اقتباس