2 - مواقف الفرقاء اللبنانيين 2. لكن مشروعية المقاومة هذه عادت وطرحت للبحث والنقاش مجددا بعد صدور القرار 1559 وما أعقبه من أحداث هامة منذ العام 2005، حيث كان التحول الإستراتيجي الكبير الذي هز لبنان وغير مواقف الفرقاء فيه، تغييرا جعل البعض يسقط العداء لإسرائيل ليقدم عليه هما آخر ويطرح مسألة المقاومة وسلاحها، فعاد الانقسام اللبناني ليظهر مجددا وهو قائم اليوم على طاولة الحوار التي يقودها رئيس الجمهورية بشكل يتيح ظهور مواقف خمسة مختلفة من السلاح ومن الإستراتيجية الدفاعية، وهي مواقف نلخصها على النحو التالي:
ولأن الخطر مستمر فإنه يستوجب استمرار الوضع على ما هو عليه الآن، أي بقاء السلاح بيد المقاومة وتعزيزها وربط وجودها بوجود العدوانية الإسرائيلية كما يستوجب الأمر جيشا قويا، (غير متوفر حاليا)يتكامل وينسق مع المقاومة المميزة التي تستطيع أن تؤذي إسرائيل وتنالها في أماكن وجعها، وتتفلت من مواطن قوتها. أما الخلفية البعيدة لمواقف هذه الفئة فإنها تقوم على اعتبار إسرائيل جزءا من مشروع غربي استعماري لا يمكن الركون إلى نواياه، ولا يمكن الاحتماء منه إلا بالقوة. وهنا يتجه البعض إلى تصنيف هذه الفئة جزءا من مشروع إقليمي عام بقيادة سوريا وإيران يتصدى للمشروع الغربي وامتداداته في المنطقة.
وأما الخطر الداخلي فمصدره الإرهاب الذي يستطيع لبنان بوحدة وطنية وقوى رسمية منظمة أن يتقي شروره. وتكون المواجهة عبر تنسيق بين المقاومة والجيش الذي يجب تعزيز قدراته، وتزويده بقدرات دفاع جوي وبحري مناسبة، وتطوير عمله لاعتماد أسلوب قتال الوحدات الصغرى. وتعمل المقاومة ضمن منطق مركزية القرار لدى الدولة، ولامركزية التنفيذ لدى خلايا المواجهة والقتال. ويقرأ هذا الموقف بأنه جمع بين منطق سيادة الدولة، وحق الشعب وواجبه في الدفاع عن نفسه مع التركيز على مسؤولية الجميع في ذلك، ورفض الانخراط في محاور إقليمية أو دولية.
أما الإستراتيجية الحقيقية التي تطرحها هذه الفئة فإنها ترتكز على قوى أمن داخلي وجيش للداخل يكون ظهيرا لقوى الأمن، مع رفض لوجود أي سلاح قد يهدد تلك السلطة أو يستجلب الحرب المدمرة للثروات. يترافق ذلك مع تعويل على الغرب والوعود الأميركية خاصة والأمم المتحدة وقراراتها عامة التي تحدث لدى هؤلاء طمأنينة ذاتية بأن إسرائيل لا تشكل تهديدا فعليا للبنان، لذا ينبغي ألا تهدر الأموال والجهود في إعداد الجيوش أو استمرار قتال المقاومة، (فالدولة فقيرة، والمقاومة تستجلب الدمار).
لكن هذه الفئة وبمنطق واقعي تسلم بالمقاومة ودورها وتعرف استحالة نزع سلاحها وتطرح فكرة التغيير التدريجي للواقع القائم بحيث تنتقل المقاومة كليا في نهاية المطاف إلى الجيش بقرار يتخذ بالقبول والرضى عبر الحوار لانتفاء القدرة على فرضه بالقوة. أما في العلاقة مع المقاومة الحاضرة والقوى الدولية المؤثرة، فإن البراغماتية هي التي تحكم سلوك هذه الفئة، فهي تقترب أو تبتعد عن المقاومة بمقدار ما تفيد أو تتضرر في مصالحها، وكذلك الحال في الارتباط بالمحاور الدولية حيث يشتد أو يضعف وفقا للمصلحة، فبعد أن كانت في حلف مع سوريا وإيران انتقلت إلى المحور المعاكس، ثم وقفت اليوم عمليا بين المحورين، جسدها في قوى 14 آذار وعينها على المحور الآخر.
وهي ترى أن إسرائيل ليست العدو الحقيقي للبنان خاصة، ولذلك لا ترى أن إسرائيل مبعث قلق لها إن لم نقل أكثر. ولهذا تعارض فكرة وجود سلاح المقاومة لأنه برأيها سلاح خارج عن القرار الرسمي اللبناني، (رغم أنها في الأصل نشأت هي في ظل واقع تخطت فيه الدولة واتجهت لقتال الفلسطينيين والسوريين تحت عنوان المقاومة اللبنانية)، وهو يمس على حد قولها بالسيادة الوطنية وينشئ دولة ضمن الدولة، وتدعو إلى نزعه فورا وحصر المهمة الدفاعية بالجيش دون اعتبار لعجز الجيش عن القيام بها ودون تحديد واضح ضد من يكون الدفاع (في موقف له اعتبر سمير جعجع أن العدو هو سوريا). أما من حيث الارتباط فإن هذه الفئة كما ذكرنا ارتبطت عضويا بإسرائيل في الماضي، واليوم تتجنب الإفصاح عن أي ارتباط معها، وتركز بدلا من ذلك على أنها جزء عضوي من الحضارة الغربية والمشروع الغربي (مع ما يعنيه ذلك)، وبالتالي تعد في مواجهة إستراتيجية حتمية مع الفئتين الأولى والثانية المتقدمتي الذكر (المنتميتين إلى المعارضة اللبنانية)، وقد عبر قادتها صراحة عن ذلك بالقول بوجود تناقض إستراتيجي مع المقاومة وحزب الله وحلفائه في التيار الوطني. |
3 - الإستراتيجية التوافقية الممكنة 3. في ضوء ما تقدم من مواقف الفرقاء وخلفياتها نطرح السؤال: هل يمكن للدولة اللبنانية أن تعتمد إستراتيجية دفاعية توافقية؟ - بداية نقول إن الشرط للتوحد حول إستراتيجية ما هو التوحد على الهدف وحول العدو، وهنا نرى أن الهدف، أي حماية لبنان ليس محل اتفاق بين الفرقاء اللبنانيين، فمنهم من يرى إسرائيل العدو الذي يهدد لبنان، ومنهم من يرى أن سلاح المقاومة وامتداداته الإقليمية هو مصدر الخطر الفعلي، لذلك يجب على الأطراف جميعا أن يجيبوا أولا على السؤالين التاليين الأهم: من هو العدو؟ وهل يريدون مواجهته أم لا ؟ يبدو أن كشف النوايا وتحديد العدو صراحة بات أمرا غير ممكن اليوم لدى البعض. وإذا سلمنا تجاوزا بأن هناك اتفاقا بين ثلاثة أو أربعة على الأكثر من الفرقاء حول تحديد العدو، فإن المعضلة الثانية تأتي من السؤال كيف نواجه هذا العدو: لأن من يتخذون إسرائيل عدوا (ولو لفظيا) ينقسمون حول سبل المواجهة: - فمنهم من يرى أن المواجهة بالبندقية أمر لا جدوى منه، لأن فيه مخاطر تدمير البلاد واقتصادها، ويرى أن المواجهة الأجدى تكون بالعلم والاقتصاد والعلاقات والقرارات الدولية. - في المقابل يرى الفريق الآخر أن الدفاع عن لبنان لا يكون إلا بالقوة التي يحشدها ذاتيا، لأن التجربة دلت على أن الهدنة مع إسرائيل لم تحم لبنان (ألغتها إسرائيل في العام 1967 بقرار منفرد)، وأن القرارات الدولية لم تحرر الأرض المحتلة (لم تنفذ إسرائيل القرار 425 ولم تنسحب إلا بعد أن أرغمتها المقاومة) وأن القوى الأجنبية لا تستطيع أن تؤمن حماية لبنان (قوة الردع العربية والحلف الأطلسي وقوات اليونيفل) ولا يدافع عن لبنان إلا اللبنانيون؟ 4. بعد كل ذلك ما الحل؟ إن الحل الذي نراه نحن في الواقع اللبناني، هو الذي يستند إلى مبادئ طمأنة الخائف، وتعطيل الهواجس المحقة، والمحافظة على أحادية سلطة الدولة على أرضها مع تحديد عدوها والخطر الذي يشكله، وفي التطبيق العملي نرى أن تلتزم الدولة اللبنانية ما يلي:
هذا ما نقترحه كحل، ولكن هل يعتمد؟ نرجو ذلك ونستصعبه في الآن ذاته لان اللبنانيين اليوم مشتتون في نظرتهم للعدو ومدى خطره، كذا في وفي ولائهم وحيادهم أو ارتباطهم بهذا المحور الدولي أو ذاك، مع وهن في الشعور الوطني تغيب معه الوحدة الوطنية الحقيقية، لذلك نرى البعض منهم يبدي سخرية واستهزاء من طرح أي إستراتيجية فعلية أو أي عملية مقاومة في وجه إسرائيل، لأنه مطمئن إلى وضعه خارج الخطر والتهديد. وعليه فان البحث الحالي في الإستراتيجية الدفاعية في لبنان هو بحث عقيم، خاصة وأن الأمر يظهر كصورة لصراع مشروعين دوليين على أرض لبنان، ينتصر أحدهما إن بقيت المقاومة واعتمدت إستراتيجية دفاعية في وجه إسرائيل، وينتصر الآخر بزوالها. ولأن المقاومة تملك من القدرة ما يمنع إزالتها، والآخر يتمسك بالموقف الذي يحول دون القبول بها، فإننا لا نتصور اتفاقاً على صيغة خطية لمثل هذه الإستراتيجية أو تلك، وستعتمد عوضاً عن ذلك الإستراتيجية الواقعية التي يفرضها الفريق الأقوى في الميدان، إستراتيجية تبقى عرضة للتقلب والتجاذب، تقلب قوة الأطراف وعلاقاتها الخارجية. وبذلك نرجح أن تستمر المقاومة كما هي، ويستمر الجيش على حاله معها، وسيكون الطرفان محكومين بالتكامل والتنسيق الذي اعتمداه تنفيذاً للإستراتيجية الدفاعية الواقعية نفسها والتي اعتمدت ولازالت معتمدة إلى يومنا هذا منذ العام منذ العام 1991. _______________ أستاذ جامعي لبناني وعميد ركن متقاعد المصدر: مركز الجزيرة للدراسات |
الساعة الآن 03:55 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir